تقع يوغسلاڤيا Yugoslavia (أي بلاد السلاڤ الجنوبيين) في جنوب شرقي أوربا، وتشغل القسم الشمالي من شبه جزيرة البلقان المطل على البحر الأدرياتيكي،

"/>
يوغسلافيا (تاريخيا)
Yugoslavia - Yougoslavie

يوغسلاڤيا (تاريخياً)

يوغسلاڤيا (تاريخياً)

 

تقع يوغسلاڤيا Yugoslavia (أي بلاد السلاڤ الجنوبيين) في جنوب شرقي أوربا، وتشغل القسم الشمالي من شبه جزيرة البلقان المطل على البحر الأدرياتيكي، يحدها إيطاليا في الشمال الغربي والنمسا والمجر شمالاً، ورومانيا وبلغاريا شرقاً، واليونان وألبانيا جنوباً. كانت تدعى جمهورية يوغسلاڤيا الاشتراكية الاتحادية، وتضم ست جمهوريات هي صربيا[ر] مع إقليمي ڤويڤودينا Voivodina وكوسوڤو Kosovo، وكرواتيا[ر] وسلوڤينيا[ر]، والبوسنة والهرسك[ر]، ومقدونيا[ر]، والجبل الأسود[ر].

بلغت مساحتها 255.8 ألف كم2 وعدد سكانها (عام 1990) نحو 24مليون نسمة، تنتمي غالبيتهم العظمى (نحو 85%) إلى الشعوب السلاڤية الجنوبية، ويعدّ الألبان نحو 8%، إضافة إلى أقليات ألمانية ومجرية ورومانية وبلغارية. وقد وصلت أعداد المسلمين فيها إلى 12.5%، ويدين الباقون بالمسيحية الأرثوذكسية والكاثوليكية. أما لغاتها الرسمية فكانت الصربية ـ الكرواتية والسلوڤينية والمقدونية، وإلى جانبها لغات الأقليات المشار إليها آنفاً.

لمحة تاريخية:

كان يسكنها قديماً القبائل الإيليرية، ثم بسط الرومان سيطرتهم عليها منذ أواخر القرن الثالث قبل الميلاد، وأنشؤوا فيها ولاية إيليرية Illyria، وعند تقسيم الامبراطورية الرومانية خضعت للامبراطورية الغربية منذ عام 395م. ثم تناوبت عليها غزوات الشعوب الجرمانية والهونية والسلاڤية وهجراتها التي بدأت تستوطن هذه المنطقة، وما إن جاء القرن الثامن الميلادي حتى صارت سلاڤية السكان، ونشأت فيها إمارات وممالك صغيرة كرواتية وبوسنية وصربية، مالبثت أن خضعت لنفوذ القوى المجاورة كالبيزنطيين والبلغار والمجر. وجاء بعد ذلك توسع الامبراطورية العثمانية في البلقان الذي شمل في القرن الخامس عشر معظم أراضي يوغسلاڤيا، على حين خضعت مناطقها الشمالية للنمساويين. ونشب صراع طويل بين الامبراطوريتين وصل العثمانيون في أثنائه إلى ڤيينا، وحاصروها مرتين، ثم بدأت الكفة تميل لمصلحة النمسا. ومع تنامي الحركات القومية في أوربا بدأ السلاڤ الجنوبيون يقاومون الاحتلال الأجنبي العثماني والنمساوي تتزعمهم صربيا التي صارت مملكة مستقلة في أعقاب مؤتمر برلين عام 1878م، والتي بدأت تتوسع وتمد حدودها نتيجة حروب البلقان. وفي عام 1914 أدى اغتيال ولي عهد النمسا في مدينة سراييڤو البوسنية إلى اندلاع الحرب العالمية الأولى التي انتهت بانهيار الامبراطورية النمساوية واستقلال الشعوب الخاضعة لها وفق ترتيبات مؤتمر فرساي وحق تقرير المصير. وهكذا ولدت دولة كبيرة في البلقان باسم «مملكة الصرب والكروات والسلوڤينيين» ضمت أيضاً دلماسيا والبوسنة والهرسك والجبل الأسود، تولى حكمها الملك بطرس الأول Peter I، ثم خلفه ابنه الكسندر Alexander على أساس ملكي دستوري، ولكن النزاع بين الصرب والكروات أدى إلى إعلان الحكم الدكتاتوري وتعليق الدستور وحل البرلمان والأحزاب وتسمية المملكة «يوغسلاڤيا» وجعل اللغة الصربية ـ الكرواتية ملزمة للجميع (1928). وأدى سوء الأوضاع إلى اغتيال الملك عام 1934 في مرسيليا حين كان ابنه بطرس الثاني في الحادية عشرة من عمره، فعهد بالسلطة إلى الأمير پول ابن عم ألكسندر حتى يبلغ الملك سن الرشد، ولكن التقارب مع دول المحور وتوقيع تحالف معها، انتهى بعزل الأمير ونفيه وتنصيب بطرس الثاني ملكاً على البلاد، فقامت ألمانيا بغزو يوغسلاڤيا، وهرب الملك وحكومته إلى لندن، واستسلم الجيش اليوغسلافي (1941)، ولكن سرعان ما بدأت المقاومة في المناطق الجبلية التي قادها الشيوعيون بزعامة جوزيف بروز تيتو[ر] Tito وتزعم ميخايلوڤيتش Mihajlovic الوطنيين الذين بدؤوا كفاحهم ضد الغزاة الألمان والإيطاليين. ومنذ خريف عام 1943 كان تيتو يسيطر على المناطق الجبلية في البوسنة وكرواتيا والجبل الأسود، وأنشئت «اللجنة الوطنية لتحرير يوغسلاڤيا»، ودعمها الحلفاء، ودخلت الجيوش الروسية صربيا، وتم تحرير يوغسلاڤيا، وتشكلت حكومة ائتلافية أجرت انتخابات فازت فيها «جبهة التحرير الشعبية» فوزاً ساحقاً، وأعلنت في 29/11/1945 جمهورية يوغسلاڤيا الشعبية الاتحادية، وصدر دستور يضمن مساواة الجميع أمام القانون وحرية الرأي والدين والصحافة، وكذلك استقلال كل من الدول الست في الاتحاد بإدارة أمورها، ولكل منها حكومتها ومجلسها التشريعي وشخصيتها الثقافية، وتتولى الحكومة المركزية في بلغراد رسم السياسة الدفاعية والخارجية والاقتصادية. وأقيمت المزارع الجماعية والتعاونية، وأممت المناجم والصناعات الثقيلة والمرافق الحيوية.

بقيت العلاقات جيدة مع الاتحاد السوڤييتي على مدى ثلاث سنوات، ثم بدأت الخلافات السياسية والعقائدية بسبب رغبة يوغسلاڤيا في الاستقلال وبناء الاشتراكية على أسس وطنية  ذاتية بخلاف نهج موسكو الأممي، وأدى تدهور العلاقات إلى طرد يوغسلاڤيا من منظمة الأحزاب الشيوعية (كومينفورم Kominform ) وحصارها اقتصادياً، فقام الغرب بإرسال معونات اقتصادية وعسكرية. ثم عادت العلاقات مع موسكو إلى طبيعتها بعد موت ستالين، وتم الاعتراف بحق يوغسلاڤيا في اختيار طريقها الذاتي لبناء الاشتراكية. وفي عام 1956 اتفق تيتو مع عبد الناصر ونهرو على سياسة التعايش السلمي وعدم الانحياز لأيّ من المعسكرين الكبيرين وعقد مؤتمر الدول غير المنحازة في بلغراد. واستمرت يوغسلاڤيا في نهجها الاستقلالي، فساندت الحركة الإصلاحية في تشيكوسلوفاكيا وغيرها من الدول الاشتراكية بعيداً عن سياسة موسكو. وفي عام 1971 تسلم تيتو رئاسة المجلس الرئاسي الذي تشكل لحكم يوغسلاڤيا، وبقي يشغل هذا المنصب حتى وفاته عام 1980، واستمر حكم البلاد على هذا النهج بالمجلس الرئاسي المؤلف من رؤساء الجمهوريات الست المتحدة وبالتناوب فيما بينهم.

وعندما بدأت رياح التغيير تعصف بالاتحاد السوڤييتي ودول المعسكر الاشتراكي انتقلت عدواها إلى يوغسلاڤيا، فانفجرت الصراعات القومية والعرقية في حزيران/يونيو عام 1991، ونشبت صدامات دامية بين الكرواتيين والسلوڤينيين وبين الصرب والبوسنيين. وفي خضم هذه الأحداث طالبت كل من كرواتيا وسلوڤينيا بالانفصال، وصوتت البوسنة والهرسك لمصلحة الاستقلال، فبدأ الحصار الصربي على عاصمتها سراييڤو، واندلعت المعارك العنيفة، وأرسلت الأمم المتحدة قوات حفظ السلام، ولكنها لم تنجح في وقف المجازر وحمامات الدم التي اقترفها الصرب خاصة ضد المسلمين البوسنيين مدفوعين بهوس «التطهير العرقي»، فقتلوا وشردوا مئات الألوف، واستمرت المعارك حتى عام 1995 عندما تدخل المجتمع الدولي بقوة، وأرغم الأطراف المتصارعة على وقف القتال والتفاوض، وأخيراً وقّع رؤساء صربيا وكرواتيا وبوسنيا في كانون الأول/ديسمبر 1995 اتفاق سلام في باريس (المعروف باتفاق دايتون Dayton) لإنهاء القتال وإقامة دولة اتحادية في البوسنة والهرسك تضم القوميات الثلاث. وتم تشكيل محكمة جنائية دولية لمعاقبة مجرمي الحرب في يوغسلاڤيا السابقة.

وكانت جمهورية مقدونيا قد انفصلت عن الاتحاد اليوغسلاڤي، ولم يبق سوى صربيا والجبل الأسود اللتين أعلنتا إنشاء جمهورية يوغسلاڤيا الاتحادية، ولكن هذا الاتحاد لم يدم طويلاً، واختفى اسم يوغسلاڤيا من الخريطة السياسية بعد وقت قصير.

كما اندلع النزاع ـ بين الصرب والألبان في إقليم كوسوڤوـ الذي أدى إلى معارك دامية بين الجيش الصربي وجيش تحرير كوسوڤو لم تتوقف إلا بعد تدخل مجلس الأمن الدولي وقوات حلف الأطلسي (1999)، ونجم عن ذلك وضع الإقليم تحت الوصاية الدولية الأوربية، وأخيراً أعلن الألبان في شباط/فبراير 2008 استقلال إقليم كوسوڤو عن جمهورية الصرب بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي، والذي قوبل بمعارضة شديدة من الصرب.

وهكذا تفككت يوغسلاڤيا ـ في بحر من الدماء ـ إلى سبع دول مستقلة، وانتهى حلم السلاڤ الجنوبيين بدولة واحدة تجمع شملهم.

محمد الزين

 الموضوعات ذات الصلة:

 

البوسنة ـ تيتو ـ الصرب ـ العثمانيون ـ كرواتيا.

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ مورييل هيبيل، يوغسلافيا، ترجمة السيد وفائي (المؤسسة المصرية العامة، القاهرة 1963).

- Der Fischer Weltalmanach 2000 (Frankfurt 1999).


- التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار - النوع : سياحة - المجلد : المجلد الثاني والعشرون، طبعة 2008، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 613 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة