هو غايوس يوليوس قيصر G. Iulius Caesar رجل دولة وعسكري وامبراطور من أعظم من أنجبتهم روما في العصور القديمة. ينتسب إلى إحدى أعرق الأسر الرومانية التي تدعي انتماءها إلى يولوس Iulus ابن الأمير الطروادي إينياس ابن آلهة الحب والجمال عند الرومان ڤينوس Venus. كانت عمته زوجة القائد ماريوس Marius زعيم الحزب الشعبي في مطلع القرن الأول قبل الميلاد

"/>
يوليوس قيصر
Julius Caesar - Jules César

يوليوس قيصر

يوليوس قيصر

(100ـ 44 ق.م)

 

هو غايوس يوليوس قيصر G. Iulius Caesar رجل دولة وعسكري وامبراطور من أعظم من أنجبتهم روما في العصور القديمة. ينتسب إلى إحدى أعرق الأسر الرومانية التي تدعي انتماءها إلى يولوس Iulus ابن الأمير الطروادي إينياس ابن آلهة الحب والجمال عند الرومان ڤينوس Venus. كانت عمته زوجة القائد ماريوس Marius زعيم الحزب الشعبي في مطلع القرن الأول قبل الميلاد. نال تربية ممتازة كما هو معهود في أبناء طبقته الأرستقراطية. تزوج باكراً ابنة أحد الزعماء الشعبيين، وقد تسببت له هذه القرابة والمصاهرة في عداوة زعيم الحزب الأرستقراطي الدكتاتور سولا Sylla ولم ينج منه إلا بوساطة بعض أصدقائه، ولذلك قرر الابتعاد عن روما وتأدية خدمته العسكرية في آسيا الصغرى (81 ق.م) وقد أظهر من الجرأة والبسالة في القتال ما جعله يستحق وسام الشجاعة. وبعد موت سولا (78 ق.م)، عاد إلى روما وبرز خطيباً في بعض القضايا السياسية، ثم قرر السفر إلى جزيرة رودوس لاستكمال الدراسة في جامعتها على يد الفيلسوف الكبير بوسيدونيوس[ر] الأفامي، وفي أثناء إبحاره إلى رودوس وقع في أيدي القراصنة ولكنه تمكن ببراعته من التخلص منهم. عاد إلى روما ليبدأ تقلد الوظائف العامة (= رئيس البلدية) فأقام الألعاب والمباريات لكسب التأييد الشعبي، واستطاع بمهارته النأي عن مؤامرة كاتلينا Catilina لقلب نظام الحكم عام 63 ق.م على الرغم من تعاطفه معه، وفاز بمنصب الكاهن الأكبر ثم بمنصب القضاء في العام التالي. وقد كلفته حملاته الانتخابية أموالاً طائلة استدانها. وفي عام 61ق.م ذهب والياً إلى إسبانيا فأثبت كفاءته الإدارية والعسكرية وعاد بمبالغ هائلة سدد بها ديونه.

وكان يسيطر على الساحة السياسية في روما آنذاك الزعيمان بومبيوس[ر] Pompeius العائد من الشرق بعد قضائه على الامبراطورية السلوقية وكراسوس Crassus أغنى أغنياء روما. وقد استطاع قيصر بمهارته الدبلوماسية التقريب بينهما وعقد اتفاق الحكم الثلاثي الأول (Triumvirat) تعاهد فيه الثلاثة على العمل السياسي المشترك. ولتثبيت دعائم التحالف زوّج قيصر ابنته الوحيدة يوليا Iulia من بومبيوس، وهكذا اجتمعت القوة العسكرية والمال والفكر السياسي وسيطرت على الساحة السياسية. ونجح قيصر في العام التالي (59 ق.م) في تقلد القنصلية أعلى المناصب في روما، وتمكن من إصدار قانونين زراعيين ـ على الرغم من معارضة مجلس الشيوخ ـ لمصلحة الجنود، وحصل على ولاية غاليا القريبة (سهل البو) وإيلليريا وغاليا عبر الألب (جنوبي فرنسا) مدة خمس سنوات مع قيادة الجيوش المرابطة فيها، وبعد ذلك لخمس سنوات أخرى. أمضى قيصر تسع سنوات في بلاد الغال (فرنسا) التي تمكن من إخضاعها بكاملها للسيطرة الرومانية بعد حرب ضارية مع سكانها الكلتيين عرفت بالحروب الغالية، عبر فيها ـ وهو أول قائد روماني ـ نهر الراين إلى جرمانيا، كما عبر بحر المانش مرتين إلى بريطانيا، وعمل كذلك على تجديد التحالف الثلاثي عام 56ق.م لخمس سنوات أخرى. ولكن موت يوليا ومقتل كراسوس عام 53ق.م في الحرب ضد الفرثيين أدى إلى الإخلال بالتوازن بين الحليفين المتنافسين، وبدأ بومبيوس تقاربه مع مجلس الشيوخ والحزب الأرستقراطي محاولاً تقويض مركز قيصر. وعندما أعلن مجلس الشيوخ حالة الطوارىء وطالب قيصر بتسريح قواته، لم يعد أمامه سوى الرضوخ أو امتشاق السيف، وكان رد قيصر أن عبر النهر الفاصل بين ولايته وإيطاليا (نهر روبيكون Rubicon)، وهكذا بدأت الحرب الأهلية بين الطرفين (49ق.م).

وزحفت قوات قيصر نحو روما التي غادرها بومبيوس مع أنصاره إلى الشرق وبلاد اليونان لتعبئة الجيوش الموالية لهم استعداداً للمعركة الفاصلة التي جرت عام 48ق.م في فرسالوس Pharsalos على أرض مقدونيا، والتي تمكّن فيها قيصر بعبقريته الحربية وقواته المدربة من الانتصار على جيش بومبيوس الكبير الذي فرّ من ميدان القتال متوجهاً إلى مصر، فلاقى حتفه قبل النزول إلى شاطئها حيث سبقته أنباء هزيمته.

وصل قيصر إلى الإسكندرية حيث كان يدور صراع على السلطة بين كليوباترة[ر] وأخويها وسحرته بذكائها وجمالها فدافع عن قضيتها، مما أشعل حرباً مع المصريين عرفت بحرب الإسكندرية التي امتدت نيرانها إلى مكتبتها الشهيرة، وحوصر قيصر في القصر الملكي حتى جاءته النجدات من سورية، فتغلب على خصومه، وأمضى سنة مع كليوباترة التي ولدت له ابناً سمته قيصرون.

انطلق قيصر بعدها في حملة خاطفة إلى آسيا الصغرى وهزم ملك بونتوس وأرسل رسالته الشهيرة إلى مجلس الشيوخ من ثلاث كلمات: «جئت فرأيت فانتصرت» (Veni, vidi, vici). ثم أبحر عائداً إلى روما ومنها إلى شمالي إفريقيا حيث حشد أنصار النظام الجمهوري الأرستقراطي جيشاً كبيراً بقيادة زعيمهم كاتو الأصغر Cato وخاض معركة مظفرة في تابسوس Thapsusت(46ق.م)، وعاد إلى روما ليغادرها في العام التالي إلى إسبانيا حيث خاض معركة ضارية في موندا Munda مع أبناء بومبيوس، جعلت منه سيد الامبراطورية بلا منازع.

عاد قيصر إلى روما ليحتفل بانتصاراته الباهرة ويتقلد مناصب لم يحصل عليها روماني قبله، كما مُنح سلطات مطلقة لإصلاح أوضاع الدولة الرومانية وقوانينها، فقد صار دكتاتوراً مدى الحياة ومُنح القنصلية خمس سنوات، وسلطات محامي الشعب بصورة دائمة، والإشراف على خزينة الدولة وقيادة الجيوش الرومانية. وهو أول حاكم روماني يسمح له بطبع صورته على النقود وارتداء العباءة الأرجوانية ووضع إكليل الغار على رأسه بصورة دائمة كما يفعل القادة المنتصرون، كذلك حظي بتكريم إلهي فأطلق اسمه على الشهر الخامس في السنة الرومانية وبات يعرف بشهر يوليوس. وإليه يعود إصلاح التقويم الروماني القمري باعتماد السنة الشمسية المصرية المؤلفة من 365.25 يوم، وهو ما عرف بالتقويم اليولياني الذي بقي معمولاً به خمسة عشر قرناً.

عفا قيصر عن خصومه السابقين ولم يعمد ـ كما فعل غيره ـ إلى الملاحقات والمصادرات وإنما اتبع سياسة اللين والاحتواء، وهو ماعرف برأفة قيصر، واهتم بمجلس الشيوخ فرفع عدد أعضائه إلى 900 وأدخل فيه كثيراً من أنصاره ومن سكان الولايات، كما كافح مشكلة البروليتاريا التي كانت تعانيها روما بعدد من البرامج الاجتماعية وإنشاء المستوطنات خارج إيطاليا، فأعاد بناء قرطاجة وكورنثة وسواهما.

وهناك كثير من المشروعات التي كان ينوي القيام بها ولكن القدر لم يمهله لتحقيقها، فقد دبر خصومه من أنصار النظام الجمهوري الأرستقراطي مؤامرة ضده بدعوى أنه يريد إقامة نظام ملكي دكتاتوري، مع أنه كان قد رفض التاج المقدم إليه في اجتماع جماهيري قبل شهرين من اغتياله. ونفذت المؤامرة في الخامس عشر من آذار/مارس عام 44 ق.م في مجلس الشيوخ الروماني حيث انهالت عليه خناجر المتآمرين، ويروى أن الضربة القاتلة جاءته من أحد المقربين إليه الذين عفا عنهم، ولذلك أطلق صرخته الشهيرة: «حتى أنت يا بروتوس»، قبل أن يسقط عند قدمي تمثال بومبيوس الكبير الذي سمح بإقامته في قاعة مجلس الشيوخ.

كان قيصر خطيباً مفوهاً وأديباً ومؤرخاً تنطبق عليه مقولة: «رجل السيف والقلم»؛ فقد ترك مذكراته عن حروبه في بلاد الغال Bellum Gallicum في سبعة كتب (أما الكتاب الثامن فينسب إلى أحد قواده المدعو هرتيوس Hirtius)، وكذلك عن الحرب الأهلية Bellum civile التي خاضها مع بومبيوس في ثلاثة كتب، وهي مؤلفات تاريخية من الطراز الأول يتحدث فيها قيصر بضمير الغائب ليوحي للقارىء بتواضعه وموضوعيته. أما الكتب الثلاثة المنسوبة إليه عن الحرب الإسكندرانية والإفريقية والإسبانية فقد صدرت بعد موته، وهي من تأليف بعض أنصاره. ويتميز أسلوبه بالوضوح والدقة المتناهية واللغة اللاتينية الصافية والتصوير الرائع للأحداث حتى تبدو طبيعية تماماً ومنطقية وعادلة مقنعة تستهوي النفوس.

لقد توافر لقيصر من المواهب المتعددة والمتنوعة مالم يتوافر لكثيرين غيره من عظماء التاريخ، ذلك أنه كان سياسياً محنكاً، وحاكماً قديراً ومُصلحاً بارعاً وأديباً فذاً وقائداً ممتازاً من الطراز الأول، مما لايدع مجالاً للشك في عبقريته. ولا جدال كذلك في أنه كان رجلاً طموحاً يسعى إلى المجد الذي يؤهله له أصله العريق وعبقريته الفذة ويروى عنه قوله: إنه يفضل أن يكون زعيم قرية نائية، على أن يكون الرجل الثاني في روما. كانت تحدوه الرغبة في دعم عظمة روما وإقامة نظام الحكم الكفيل بحكم امبراطوريتها، وهو ماتحقق على يد ابنه بالتبني أغسطس[ر].

وهكذا قرر مجلس الشيوخ والشعب الروماني إقامة جنازة تليق بهذا الرجل العظيم ورفعه إلى مصاف الآلهة، وفي المكان الذي أحرقت فيه جثته شيد الامبراطور أغسطس معبد يوليوس المؤلّه. وانتشر اسمه يوليوس/يوليا في كافة أرجاء الامبراطورية من مغربها إلى مشرقها. وكتب سيرته المؤرخ الروماني سويتونيوس في «سير القياصرة» والمؤرخ الإغريقي بلوتارخوس[ر] في «السير المتقابلة لعظماء الإغريق والرومان» حيث قارنه بالإسكندر الأكبر.

كما أن لقبه الشخصي قيصر صار لقباً حمله أباطرة الرومان والبيزنطيون والملوك الألمان (Kaiser) والروس (Zar)، كما ترك صدى عميقاً في عالم الفكر والأدب والفن فقد خلده شكسبير [ر] في مسرحيته الشهيرة: «يوليوس قيصر»، وجورج برناردشو[ر] في مسرحيته «قيصر وكليوباترة»، وتورنتون ويلدار في روايته: «The Ides of March» وكثير غيرهم.

محمد الزين

 الموضوعات ذات الصلة:

 

أغسطس ـ بريطانيا ـ بومبيوس ـ الرومان ـ فرنسا ـ كليوباترة.

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ محمد محفل ـ محمد الزين، دراسات في تاريخ الرومان (جامعة دمشق، 1982).

ـ ول ديورانت، قصة الحضارة، الجزء 9، ترجمة محمد بدران (القاهرة 1972).

- The Oxford Classical Dictionary, 2nd Edition (Oxford 1970).


- التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار - النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلد الثاني والعشرون، طبعة 2008، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 624 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة