تاريخ تونس موغل في القدم، يرجع إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، وتدل المكتشفات الأثرية أن سكان البلاد الأصليين، كانوا يعيشون عيشة بدائية، فمنهم من قطن الشواطئ وعاش على الصيد البحري وعلى زراعة أولية بسيطة لسد حاجاتهم اليومية،

"/>
تونس (دوله)(تاريخ)
Tunisia - Tunisie

تونس تاريخياً

تونس تاريخياً

 

التاريخ القديم

تاريخ تونس موغل في القدم، يرجع إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، وتدل المكتشفات الأثرية أن سكان البلاد الأصليين، كانوا يعيشون عيشة بدائية، فمنهم من قطن الشواطئ وعاش على الصيد البحري وعلى زراعة أولية بسيطة لسد حاجاتهم اليومية، ومنهم من سكن الداخل في الكهوف والخيام واعتمد على صيد الحيوانات البرية، شأنهم في ذلك شأن الأمم القديمة.

نشأت في تونس حضارة قديمة أسسها الفينيقيون الذين اتجهت أنظارهم منذ الألف الثانية قبل الميلاد نحو الغرب، واتخذوا من شواطئ إفريقية الشمالية مركزاً لتجارتهم، وبنوا لذلك عدداً من المدن مثل أوتيكة (عتيقة) Utique وسوسة Hadrumete وقرطاجة Cartage، التي أصبحت مركزاً لحضارة عريقة، وقد أسسها الفينيقيون في القرن التاسع قبل الميلاد (814ق.م)، وتمكنت من السيطرة على غربي البحر المتوسط، وأخضعت لها سردينية ومالطة وجزر البليار.

أدى التنافس التجاري والسياسي بين قرطاجة ورومة إلى نشوب حروب دامية بينهما عرفت باسم الحروب البونية، وقد دامت قرابة قرن من الزمن (264- 146ق.م)، وانتهت بتدمير قرطاجة. وقد أعاد يوليوس قيصر بناء المدينة من جديد، وأصبحت عاصمة للإدارة الرومانية الجديدة.

وفي ظل الرومان انتشرت النصرانية وبعض مظاهر الحضارة اللاتينية، وقد أدى دخول الفاندال إلى إفريقية قادمين من إسبانية عام 439م إلى سقوط الحكم الروماني، واستمر حكمهم لتونس قرابة قرن من الزمن قبل أن يتمكن البيزنطيون بقيادة بليزاريوس قائد الامبراطور جستنيان من التغلب عليهم واستعادة المغرب عام 533م.

تونس في العصر الإسلامي

عصر الولاة: بدأت أولى عمليات الفتح الإسلامي لإفريقيّة (تونس) في عهد الخليفة عثمان بن عفان بقيادة عبد الله بن أبي سرح[ر] عام (25هـ/645م) ثم أعقب ذلك حملة عقبة بن نافع الفهري[ر] عام 69هـ، الذي حاول توطيد الفتح ببناء مدينة القيروان قاعدة ثابتة لجيشه، ثم قام حسان بن النعمان بحملته عام 84هـ، وتابع موسى بن نصير أعمال من سبقه من الولاة، وأتم فتح المغرب عام (88هـ/706م) قبل أن يتوجه إلى الأندلس.

لم تستقر أحوال تونس في عصر الولاة الذي امتد حتى عام (184هـ/800م) ونشبت ثورات عديدة في أنحاء البلاد، وبدأت الدويلات المنفصلة في الظهور:

1- دولة الأغالبة (184-296هـ/800-909م): تولى إبراهيم بن الأغلب حكم إفريقية بتكليف من الخليفة هارون الرشيد، وجعلها إمارة وراثية في أعقابه، ظلت طيلة حياتها تابعة للخلافة العباسية، وقد توالى على حكم البلاد أحد عشر أميراً قبل أن تسقط بيد الفاطميين.

شهدت دولة الأغالبة حركة إعمار واسعة، حيث تم بناء مدينتي العباسة ورقادة والعديد من المساجد وصهاريج المياه، كما شهدت ازدهاراً ثقافياً، فظهرت في القيروان كل التيارات الفكرية المعروفة، ومن أبرز أعلام تلك الفترة: أسد بن الفرات (ت 213هـ) وعبد السلام بن سعيد التنوخي الملقب بسحنون (ت 240هـ).

طمع الأغالبة بتوسيع رقعة بلادهم، فوجهوا حملات إلى جزيرة صقلية عام /212هـ/ في عهد زيادة الله الأول (201-223هـ)، كما تم فتح جزيرة مالطة عام /255هـ/ وأخضعوا جنوب إيطالية لسلطتهم.

2- الخلافة الفاطمية (296-362هـ/909-972م): نجح أبو عبد الله الشيعي بنشر الدعوة الإسماعيلية في صفوف قبيلة كتامة المغربية، وتمكن بعدها من الإجهاز على دولة الأغالبة، ثم أتى بعبد الله المهدي وأدخله القيروان ونصّبه خليفة للمسلمين معلناً بذلك قيام الخلافة الفاطمية.

قرر المهدي العمل على إسقاط الخلافة العباسية وتوحيد ديار الإسلام تحت رايته، فجهّز جيشاً لغزو مصر بقيادة ابنه الأكبر أبي القاسم، كما أرسل أسطوله لغزو صقلية. وقد خلفه ابنه القائم بأمر الله (222-234هـ) الذي اهتم بالأسطول الحربي وإرسال قواته للغزو في بلاد الروم.

وكاد الخطر أن يعصف بالدولة إثر ثورة الخارجي أبي يزيد مخلد بن كيداد (صاحب الأتان) عام 326هـ. ولكن الخليفة المنصور بالله 334-341هـ تمكن من إخماد الثورة، وقام تخليداً لذلك ببناء مدينة المنصورية عام 337هـ واتخذها عاصمة لملكه.

وفي عهد المعز لدين الله (341-365هـ) تم فتح مصر على يد القائد جوهر الصقلي عام 358هـ، وبنيت مدينة القاهرة التي صارت في الخامس من رمضان عام 362هـ عاصمة للدولة الفاطمية، وترك الفاطميون تونس بعد أن عهدوا بها إلى حلفائهم الزيريين.

3- دولة بني زيري الصنهاجية (362-543هـ/973-1148م): أسس هذه الدولة بُلكيّن بن زيري من قبيلة صنهاجة، وذلك بعد أن عهد له المعز الفاطمي بإمارة إفريقيّة والمغرب، وقد حارب بلكين الحركات الانفصالية ومد سلطته باتجاه المغرب الأقصى، وتعاقب على الإمارة أبناؤه من بعده نواباً للفاطميين في المغرب، وكان منهم باديس بن المنصور (386-406هـ) الذي انقسمت الدولة في عهده، حيث استقل عمه حماد سنة 405هـ/ وأسس دولة مستقلة في قلعة بني حماد بالمغرب الأوسط.

وفي عام 439هـ/1047م قطع الزيريون الدعوة الفاطمية في بلادهم، وجعلوا الخطبة للعباسيين، مما أثار غضب الفاطميين فوجّه المستنصر الفاطمي عرب بني هلال وسليم نحو المغرب فاستطاعوا دخول القيروان وتدميرها، والتجأ الأمير الزيري إلى المهدية.

وقد انقسمت الإمارة فيما بعد واستولى النورمان على صقلية عام 484هـ/1091م، وبقيت السلالة الزيرية في المهدية قرابة قرن في شريط ساحلي ضيق وسقطت عام 542هـ/1147م في أيدي النورمان، وغادر آخر الأمراء الصنهاجيين الحسن بن علي (515-543هـ) البلاد إلى المغرب الأقصى مستنجداً بعبد المؤمن بن علي سلطان الموحدين.

4- تونس في ظل الدولة الموحدية: بعد طرد النورمان من المهدية ضم عبد المؤمن تونس إلى دولته، ونصَّب أميراً من الصنهاجيين على المهدية، كما نصب آخر على تونس، وظلت تونس تابعة للموحدين إلى عهد الخليفة الناصر حيث شهدت البلاد ثورة ابن غانية.

5- الدولة الحفصية (626-981هـ/1229-1573م): ينتمي عبد الواحد بن أبي حفص، مؤسس الدولة إلى قبيلة هنتاتة أعظم قبائل المصامدة البربرية شأناً، والحفصيون هم فرع من فروع الدولة الموحدية، وكان جدُّ عبد الواحد من أكبر أنصار عبد المؤمن بن علي مؤسس دولة الموحدين.

تولى أبو حفص حكم تونس وابن غانية مازال ثائراً عام 603هـ/1207م وكانت مهمته الرئيسة القضاء على هذه الثورة. وقد خلفه في الحكم أمراء من أسرته، ومن أشهرهم أبو زكريا يحيى (626-647هـ) الذي خلع طاعة الموحدين وأعلن استقلاله، وجعل الخطبة لنفسه، وقام بإخماد الحركات المناوئة، كما استولى على الجزائر وبايعه عدد من المدن مثل تلمسان وسجلماسة، كما خطب له بنو مرين وغيرهم، ومن أمرائهم كذلك المستنصر الحفصي (647-675هـ) الذي رشّحه أمير مكة لتسلم الخلافة بعد سقوط بغداد.

ازدهرت الدولة الموحدية في عهدي أبي زكريا والمستنصر وعظم شأنها، وعقدت معها معظم الدول الأوربية معاهدات تجارية، كما كانت مركزاً لحركة ثقافية وعلمية واسعة. ولكن الدولة لم تلبث أن تعرضت للغزو الخارجي والانقسامات الداخلية حيث انشطرت إلى إمارتين: واحدة بتونس والأخرى ببجاية. وقد حاول بعض الأمراء مثل: أبو العباس أحمد (772-796هـ) أن يعيد الوحدة للبلاد وأن يخضع كامل المغرب والأندلس لسلطته وأنشأ وحدة للجهاد البحري، إلاّ أن الضعف والانقسام ظهرا من جديد حيث نشأت إمارة مستقلة في القيروان، واحتل الإسبان بجاية عام 915هـ وبعدها طرابلس.

ورداً على الاعتداءات الإسبانية اتصل الأخوان عروج وخير الدين بالسلطان أبي عبد الله محمد (899-932هـ) لبدء عمليات الجهاد ضد الإسبان، واتخذا من جزيرة جربة قاعدة لهما. ثم تمكن بعدها خير الدين من الاستيلاء على تونس عام 935هـ/1529م، وخطب فيها للسلطان العثماني سليمان القانوني ففرَّ السلطان الحسن الحفصي (932-942هـ) من البلاد واستنجد بالإسبان الذين احتلوا تونس من جديد، ولم ينقذ البلاد من أيديهم سوى الفتح العثماني.

تونس في ظل الحكم العثماني (981-1298هـ/1573-1881م): أرسل العثمانيون سنان باشا على رأس قوة بحرية إلى تونس فاحتلها عام /1574م/ وأصبح والياً عليها برتبة باشا، وقام بتنظيم الإدارة العسكرية والمدنية، حيث ولّى قيادة الانكشارية للدايات ويرأسهم الآغا، كما عين باياً للجباية. ولكن أمر الدايات ضعف على يد البايات وأولهم مراد باي عام (1022هـ/1613م) الذي يعد مؤسس أسرة البايات المرادية التي حكمت تونس إلى أن تمكن حسين بن علي تركي من حكم البلاد وتأسيس الأسرة الحسينية[ر] التي حكمت تونس حتى عام 1376هـ/1957م وانتهت بقيام الجمهورية التونسية.

من أشهر أفراد الأسرة الحسينية أحمد باشا باي (1253-1271هـ) الذي قام بإصلاحات داخلية هامة، فأبطل الرقّ وشجّع التعليم وأحلّ اللغة العربية بدلاً من التركية واهتم كثيراً بالجيش فأنشأ مدرسة حربية عصرية كما اهتم بتسليح الجيش بالأسلحة الحديثة وساعد الدولة العثمانية في حربها في القرم (1854م) مما كلف البلاد أموالاً طائلة وأدى إلى إفلاس الدولة وزيادة النفوذ الأجنبي عامة والفرنسي خاصة. ومحمد باي الثاني (1271-1276هـ) الذي أجرى عدة إصلاحات هامة، وأصبحت تونس في عهده ملكية دستورية، وصدرت جريدة الرائد التونسي.

ومنهم أيضاً محمد الصادق الذي أنشأ مجلس الشورى عام 1277هـ وحاول النهوض بالدولة، ولكن بتأثير بطانته الفاسدة ازدادت المصاعب المالية، فلجأ إلى الاقتراض من المصارف الأوربية وزيادة الضرائب، مما أدى إلى انتفاضة القبائل التي قُمعت بعنف ونجم عنها أسوأ النتائج، وأعلنت الدولة عجزها المالي وتشكلت اللجنة المالية المختلطة فكان هذا بداية السيطرة الأجنبية. وقد حاول الوزير خير الدين مواجهة الضغوط الأجنبية بإصلاحاته المالية التي لم ترضِ فرنسة وأصحاب المصالح من الأهلين وتمكنوا من عزله عام 1877م.

ازدادت الأمور سوءاً بعد ذلك وأصبحت تونس مهيأة للاحتلال الأجنبي في ظل التنافس الاستعماري، وخاصة بعد احتلال الجزائر من قبل فرنسة عام 1830م وتنازل بريطانية لفرنسة عن تونس في أعقاب مؤتمر برلين 1878م.

الاستعمار الفرنسي لتونس: لم يكن احتلال فرنسة لتونس عام 1881م مفاجأة للمشتغلين بالسياسة الدولية، وقد وجدت فرنسة ذريعة لذلك في المناوشات على الحدود التونسية الجزائرية فاحتل جيشها مدينة الكاف وتابع سيره نحو العاصمة، كما احتلت قوّة بحرية أخرى بنزرت وحوصر قصر الباي محمد الصادق بضاحية باردو وأرغمته على توقيع معاهدة باردو (12أيار 1881م).

لم تكتفِ فرنسة بتلك المكتسبات السياسية بل أرادت أن تبسط سلطانها المطلق على البلاد، فأجبرت الباي الذي فقد سلطاته الفعلية لصالح المقيم العام الفرنسي (كامبون) على توقيع معاهدة جديدة عرفت باسم معاهدة المرسى الكبير (8 حزيران 1883م)، وفيها تم فرض الحماية على تونس وبدأت فرنسة تديرها مباشرة.

مارست فرنسة على الشعب العربي في تونس سياسة ظالمة، إذ قامت بالاستيلاء على الأراضي الزراعية (أكثر من مليون هكتار)، وأدى هذا إلى تدهور الاقتصاد التونسي وإلى قيام الانتفاضات الشعبية التي قمعتها فرنسا بمنتهى القسوة والعنف، وازداد عدد الموظفين الفرنسيين في كل قطاعات الدولة، وأهملت فرنسا التعليم باللغة العربية وقمعت كل محاولات الإصلاح.

المقاومة التونسية والاستقلال: بدأ النضال السياسي وحركة المقاومة المسلحة منذ اللحظات الأولى للاحتلال، وشاركت فيها جميع فئات الشعب، ولكن المقاومة لم تستطع أن تستمر طويلاً لعدم التكافؤ، واضطرت بعض القبائل إلى الهجرة إلى طرابلس الغرب وتنظيم المقاومة عبر الحدود.

وقد تزعم محمد السنوسي (عام 1302هـ/1885م) حركة أعيان العاصمة، وقدم عريضة احتجاج للباي على ما تقوم به الإدارة الفرنسية، فتم نفي السنوسي وعقاب الموقعين على العريضة، بعدها أصدرت مجموعة من المثقفين التونسيين جريدة «الحاضرة» التي عملت على إيقاظ التونسيين وتوعيتهم، كما ظهرت حركة «تونس» الفتاة وأصدرت جريدة أسبوعية باسم «التونسي».

وقد شاركت جماهير تونس بالاحتجاج على احتلال إيطالية لطرابلس الغرب، ووقعت اشتباكات مسلحة راح ضحيتها عشرات التونسيين.

وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى نشأ حزب الدستور التونسي برئاسة الشيخ عبد العزيز الثعالبي، كما ظهرت حركة العمال التونسية وتم تأسيس الحزب الدستوري الجديد برئاسة محمود المطيري وعين الحبيب بورقيبة أميناً للسر، وقد زار الأخير الدول العربية وحصل على تأييد عربي واسع.

وقد عرضت القضية التونسية على هيئة الأمم المتحدة أكثر من مرة (1951 و1952). ولكن بعد كفاح سياسي مرير أعلنت فرنسا استقلال تونس في 20 آذار 1956.

التاريخ المعاصر: انصرفت تونس بعد الاستقلال نحو إلغاء الملكية وأعلن النظام الجمهوري في 15تموز 1957، وأعقب ذلك صدور دستور جديد يعترف بحرية الرأي والتعبير والصحافة والنشر، تم اتجهت بعد ذلك إلى تصفية القواعد الفرنسية، لكن فرنسا تمسكت بقاعدة بنزرت التي تم الجلاء عنها عام 1963م.

اهتمت تونس بتطبيق العلمانية في نظمها الإدارية وفي نظامها العام، وتأثرت بالغرب وألغت القوانين السابقة. ويرجع هذا التغيير إلى الحبيب بورقيبة الذي تولى رئاسة الجمهورية حتى عام 1987م، وخلفه في الحكم الرئيس زين العابدين بن علي الذي قاد البلاد على طريق الإصلاح، وعمل على تحسين علاقات تونس مع الأقطار العربية الأخرى.

فارس بَوَز

 

 

 

 


- التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار - النوع : سياحة - المجلد : المجلد السابع، طبعة 2003، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 193 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة