أبو ليلى، الحارث بن ظالم اليَرْبُوعِيّ ثمّ المُرِّيّ ثم الغَطَفانِيّ، ينتهي نسبه إلى قيس عَيْلان، من أشراف مُرَّةَ وساداتهم في الجاهليّة، رَأَسَ غَطَفان كُلَّها بعد مصرع زهير بن جَذيْمة يومَ النَّفْراوات،

"/>
حارث ظالم
Al-Harith ibn Zalem - Al-Harith ibn Zalem

الحارث بن ظالم

الحارث بن ظالم

(... ـ نحو 22ق.هـ/ ... ـ نحو 600م)

 

أبو ليلى، الحارث بن ظالم اليَرْبُوعِيّ ثمّ المُرِّيّ ثم الغَطَفانِيّ، ينتهي نسبه إلى قيس عَيْلان، من أشراف مُرَّةَ وساداتهم في الجاهليّة، رَأَسَ غَطَفان كُلَّها بعد مصرع زهير بن جَذيْمة يومَ النَّفْراوات، كان فَتَّاكاً شجاعاً وَفيّاً شاعراً. ضُرِب بفَتْكه ووفائه المثل، فقيل: أفْتَكُ مِنَ الحَارِثِ بنِ ظَالِمٍ، وأَوْفَى مِنَ الحَارثِ بنِ ظَالِمٍ.

من خبر فَتْكِهِ أنه وَثَبَ بخالد بن جعفر بن كِلاب، سيد بني هوازن قاتلِ زهير بن جَذيْمة العبسي، وهو في جِوَار ملك الحيرة النعمان بن المنذر فقتله، وطلبه الملكُ ففاته. فقيل: إنَّك لن تصيبَه بشَيءٍ أشدَّ عليه من سَبْي جاراتٍ له. فبعث في طلبهنَّ، فاستاقهنَّ وأموالهنَّ، فبلغ الحارثَ ذلك، فكَرَّ راجعاً من وَجْه مَهْرَبه، واسْتَنْقَذ جاراته وأموالهنَّ، ثم انعطفَ على ابنٍ للملك، اسمه شُرَحْبِيل، كان في حِجْر أخته سَلْمَى بنت ظالم وزوجِها سنان بن أبي حارثة المُرِّيّ، فاحتال حتّى دفعتْ إليه أختُه ابنَ الملك ففَتَك به وقتله، وفي ذلك يقول مُفتخراً، من قصيدة له:

فَإِنْ تَكُ أَذْوادٌ أُصِبْنَ وصِبْيَةٌ

فَهَذا ابْنُ سَلْمَى رَأْسُهُ مُتَفاقِمُ

عَلَوْتُ بِذِي الحَيَّاتِ مَفْرِقَ رَأْسِهِ

وهَلْ يَرْكَبُ المَكْرُوهَ إِلاَّ الأَكارِمُ

فَتَكْتُ بِهِ كَما فَتَكْتُ بِخالِد

          وكانَ سِلاحِي تَجْتَوِيْهِ الجَماجِمُ

ومن وفائه أنّ رجلاً من تميم، يقال له: عِياض بن دَيْهَث مَرَّ برِعاءِ الحارث وهم يسقون، فسَقَى فقَصُرَ رِشَاؤُه (الحبل الّذي يُدْلَى به الدَّلْو) فاستعار من أرِشيَةِ الحارث فَوَصل رشاءه، فأرْوَى إبله، فأغار عليه بعضُ خَدَم النّعمان فاطَّرَدُوا إبله، فصاح: يا جار! يا جاراه! فقال الحارث: ويْلَك، متى كنتَ لي جاراً؟ فقال: عقدتُ رِشائي برِشاء راعيك، فسَقيتُ إِبِلي فأُخِذت وذلك الماء في بطونها. فقال الحارث: إنّ هذا لَجِوار. وركب حتّى أتى النّعمان، فسأله مالَ عِياضٍ وأهلَه، فخَلاَّهما له. كان له سيفٌ اسمه المَعْلُوب، شديدُ المَضاء، كثيرُ آثار المَتْن، يقول فيه :

أَنا أَبو لَيْلى وسَيْفِـي المَعْلُوبْ

كَمْ قَدْ أَجَرْنا مِنْ حَرِيْبٍ ومَحْروبْ

ضَرَبَ الشّعراء بهذا السّيف المثل، وأكثروا من ذكره في أشعارهم، قال الفرزدق:

فَلَوْ كُنْتَ بِالمَعْلُوبِ سَيْفِ ابْنِ ظالِمٍ

ضَرَبْتَ؛ لَزارَتْ قَبْرَ عَوفٍ أَقارِبُهْ

وقال جرير:

بِسَيْفِ أَبِي رَغْوانَ سَيْفِ مُجاشِع

ضَرَبْتَ، ولَمْ تَضْرِبْ بِسَيْفِ ابْنِ ظالِمٍِ

ولمّا كانت أخبار فَتْك الحارث بن ظالم بالعِباد، ولاسيّما بابن الملك، قد سار بها الرُّكبان، وفَشَتْ في البلدان، أَوْعَدَه الملك، وجَدَّ في طَلَبِه، فضاقتِ الدُّنيا بالحارث على رُحْبها، وطاف أحياءَ العرب، إلاَّ قليلاً، مُلْتَمِساً الأَمان من وعيد الملك وتهديده، وكان كلَّما أَوى إلى حَيٍّ من أحيائها، آوَوه وناصَرُوه قليلاً، ثمّ ما يَلْبَثُ أنْ يُحْدِثَ فيهم حَدَثاً يُوجب رحيلَه عنهم إلى غيرهم، أو يجَرُّ عليهم يوماً عصيباً، كيوم رَحْرَحان على بني دارم، وشاع خبره في القبائل، فتحامتِ العرب شَرَّه، واتَّقَتْ شُؤْمَ أَيَّامه، وانتهى به تَقَلُّبُه في العالَمِين إلى الشّام، فظَفِر به حينئذٍ ابنُ الخِمْس التَّغْلِبيّ ـ وكان الحارث فَتَك بأبيه ـ فقتله.

أُثِر عن الحارث بعض الحِكَم الّتي تَنُمّ على رجاحة عقله، وسَعة معرفته، من ذلك قوله: إِنَّ مِنْ آفَةِ المَنْطِق الكذب، ومِنْ لُؤْمِ الأَخلاق المَلَق، ومِنْ خَطَل الرَّأْي خِفَّة المَلِك المُسَلّط. وكان يخاطب بذلك ـ كما زعم بعضهم ـ كسرى، بعدِّه واحداً من رُسل النُّعمان إليه.

انتهى إلينا من شعر الحارث نَزْرٌ يسير، لا يُنْبِئ عن نَفْسِ صاحبه الشّاعرة أو نَفَسِه، تعلوه مِسْحةٌ من الفخر والحماسة، وشيءٌ من التَّهَكُّم بقومه، والثّناء على من نَصَره وأعانه. أمّا الفخر فبفَتْكِه وسَلْبِه، وشِدَّة بأسه، وإغارته على خصومه، والظَّفَر بهم، من ذلك قوله يفخر بقتل الأَحْوص بن جعفر وابنه عوف:

وإِنَّ الأَحْوصَيْنِ تَوَلَّيَاها

وقَدْ غَضِبَا عَلَيَّ فَما أَصابا

عَلَى عَمَدٍ كَسَوْتُهُما قُبُوحاً

كَما أَكْسُو نِساءهُما السِّلابا

وإِنِّي يَومَ غَمْرَةَ غَيْرَ فَخْرٍ

تَرَكْتُ النَّهْبَ والأَسْرَى الرِّغابا

وأمَّا التَّهَكُّم فكان بقومه غَطَفان حين خذلوه ولم يمنعوه، فانصرف عنهم إلى قريش، ودَخَل فيهم، وفي ذلك يقول، ذاكراً براءته من قومه، راغباً في مُنْصَرفه إلى لؤيٍّ من قُريش:

فَما غَطَفانُ لِي بِأَبٍ ولَكِنْ

لُؤَيٌّ والِدِي قَولاً صَوابا

فَلَمَّا أَنْ رَأْيْتُ بَنِي لُؤَيٍّ

عَرَفْتُ الوِدَّ والنَّسَبَ القُرابا

رَفَعْتُ الرُّمْحَ إِذْ قالُوا قُرَيْشٌ

وشَبَّهْتُ الشَّمائِلَ والقِبابا

مُقْبِل التَّامّ عامر الأَحْمَدِي

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ أبو الفرج الأَصفهانيّ، الأغاني (دار الكتب المصريّة، القاهرة 1935).

ـ المُفَضَّل الضَّبِّي، المفضّليّات، تحقيق أحمد محمّد شاكر، وعبد السّلام هارون (دار المعارف، مصر 1992).

ـ الميداني، مجمع الأمثال، تحقيق محمّد محيي الدّين عبد الحميد (مطبعة السُّنّة المحمّديّة، مصر 1955).


- التصنيف : التاريخ - النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلد السابع، طبعة 2003، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 890 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة