منابع الموسيقى في الولايات المتحدة ومصادرها متعددة، وأهمها ثلاثة:

الأول: ترانيم أهل البلاد الأصليين من الهنود الحمر وإيقاعاتهم التي اختلطت في الجنوب مع الألحان والموسيقى المكسيكية.

الثاني: الإيقاعات والألحان الإفريقية التي حملها معهم زنوج إفريقيا عبر الأطلسي.

"/>
ولايات متحده امريكيه (موسيقي في)
United States of America - Etats-Unis d'Amérique

الموسيقى

الموسيقى

 

منابع الموسيقى في الولايات المتحدة ومصادرها متعددة، وأهمها ثلاثة:

الأول: ترانيم أهل البلاد الأصليين من الهنود الحمر وإيقاعاتهم التي اختلطت في الجنوب مع الألحان والموسيقى المكسيكية.

الثاني: الإيقاعات والألحان الإفريقية التي حملها معهم زنوج إفريقيا عبر الأطلسي.

الثالث: موسيقى المهاجرين الأوربيين الذين حملوا معهم من أوربا التقاليد العريقة للموسيقى الأوربية.

تطورت من المصادر الثلاثة آنفة الذكر الموسيقى الأمريكية عبر التاريخ، ومنها نشأت القوالب الأمريكية المعروفة والشهيرة اليوم، مثل: قالب موسيقى الجاز Jazz الذي نشأ وتطور في محيط الكاريبي من مزج عناصر موسيقى الزنوج بموسيقى الملونين الكوبيين، ثم قالب موسيقى البلوز Blues الذي نشأ من الترانيم والأغاني الإفريقية التي اختلطت بموسيقى الهنود من أهل البلاد الأصليين وإيقاعاتهم، أما قوالب الموسيقى الأوربية فلم يحدث عليها أي تطور، حتى إنها ضاعت بين موسيقى الملونين والهنود وقوالب الموسيقى الفولكلورية التي عرفها الغرب الأمريكي ولاسيما في كاليفورنيا وعلى حدود المكسيك. نشأت أولى الفرق الموسيقية المحترفة على الطراز الأوربي، وتكونت في نيويورك وبوسطن وبيتسبرغ في بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وقدمت أعمالاً بالقوالب التقليدية المعروفة (سمفونيات، أوبرات)، ولكن مدارس التأليف الأوربية الشهيرة ـ سواء منها الكلاسيكية أم الرومنسية ـ لم تصل إلى الولايات المتحدة إلا في نهاية القرن التاسع عشر بعد وفاة أغلب ممثليها من موتسارت[ر] Mozart إلى ڤاغنر[ر] Wagner، كذلك فإن أغلب الفرق الموسيقية كانت مؤلفة من عازفين وقادة «أوركسترا» أوربيين، بعضهم جاؤوا إلى الولايات المتحدة في زيارات عابرة من أجل تقديم أعمالهم والتعريف بها وجمع المال مثل سيبيليوس[ر] J.Sibelius، وبعضهم أقام فيها من أجل العمل مثل دفورجاك[ر] Dvorák الذي استوحى «سمفونيته» التاسعة «من العالم الجديد» من الطبيعة الأمريكية، ومالر[ر] Mahler الذي تولى قيادة فرقة نيويورك، واشتكى من عازفيها ووصفهم بأنهم أسوأ عازفين في العالم، ومع ذلك فقد شهد النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ظهور عدد من المؤلفين الأمريكيين الذين تأثروا بنزعات الموسيقى الأوربية المعاصرة ومدارسها، مثل ألكسندر ماكدويل Alexander MacDowellت(1861ـ1908) الذي درس في فرنسا وألمانيا، وعمل أستاذاً للموسيقى في بوسطن، ونقل إلى الولايات المتحدة تأثيرات المدرسة الأوربية الرومنسية، وكان غالباً أول مؤلف أمريكي يؤلف أعمالاً أمريكية بالقوالب الأوربية التقليدية «كونشرتات للبيانو والأوركسترا» متتابعة «للأوركسترا» على ألحان هندية، ثم والتر بيستون Walter Pistonت(1894ـ1976) الذي تأثر بمصنفات الألماني باول هندميت[ر] Paul Hindemith، وألّف سبع «سمفونيات» تعدّ في طليعة «السمفونيات» التي كتبها مؤلف أمريكي، ثم صامويل باربر Samuel Barberت(1910ـ1981) الذي يعدّ أحد أهم المؤلفين الأمريكيين في القرن العشرين، تأثر ببروكوفييف[ر] وسترافنسكي[ر]، وألّف أعمالاً أوربية محضة، ولكن الموسيقى الأمريكية المكتوبة بالقوالب الأوربية التقليدية بقيت ـ حتى بعد ظهـور مؤلفين مثل ماكدويل وبيستون وباربر ولغاية ثلاثينيات القـرن العشرين ـ تعتمد على الموسيقيين والعازفين وقادة «الأوركسترا» القادمين من أوربا الذين تأثروا بموسيقى الجاز وألحان أهل البلاد الأصليين وإيقاعات الملونين، وألفوا أعمالاً مزجوا فيها بين الإيقاعات الأمريكية والقوالب التقليدية للموسيقى الأوربية (سترافنسكي، هيندميت، ميلو[ر]). لم يجد المؤلفون الأمريكيون لأنفسهم خطاً مستقلاً، فقد تأثر فرجيل تومسون Virgil Thomson بالرومانتيكيين التقليديين، ووليم شومان William Schuman ولوكاس فوس Lukas Foss بالكلاسيكيين الجدد، وروجر سَشِنز Roger Sessions وإليوت كارتر Elliot Carter بالتعبيريين، وحاول تشارلز إيفز Charles Ivesت(1874ـ1954) إيجاد موسيقى أمريكية وطنية مستقلة، فألّف أربع «سمفونيات» وعدداً من «السوناتات» والأعمال للجوقات، وربما كان أكثر المؤلفين الأمريكيين أصالة، ولكنه بالغ في موسيقاه التجريبية وفي استعماله ربع الصوت الغربي والسلالم المعدلة؛ مما أثر في شعبيته في بلد كان فيه للإيقاعات الراقصة وألحان الجاز دور كبير في تكوين تاريخه الموسيقي، وقد تابع مواطنه آرون كوبلاند Aaron Coplandت(1900ـ1990) طريقه، وحاول أيضاً إيجاد موسيقى أمريكية وطنية، ولكن تأثره بأعمال أساتذة المدرسة الفرنسية وبأسلوب سترافنسكي جعل منه مؤلفاً أوربياً أكثر منه مؤلفاً أمريكياً، ونجح في النهاية جورج غِرشوين George Gershwinت(1898ـ1937) بما لم ينجح به إيفز وكوبلاند، فاستطاع أن يمزج بين ألحان الجاز والإيقاعات الأفرو ـأمريكية والموسيقى الأوربية بأسلوب أثّر في أساتذة الموسيقى في فرنسا وألمانيا وإيطاليا، فأوبراه «بورغي وبِسْ» Porgy and Bess هي أول أوبرا حقيقية «زنجية»، و«كونشرتو البيانو من مقام فا» Piano Concerto in f و«الرابسودي بالأزرق» Rhapsody in Blue و«الأمريكي في باريس» An American in Paris هي «سمفونيات الجاز» الأولى في تاريخ الموسيقى، ولكن غِرشوين تُوفِّي قبل أن يعرف أسلوبه النجاح. وقد كان للحرب العالمية الثانية وهجرة المؤلفين الأوربيين إلى الولايات المتحدة هرباً من التعصب النازي (بارتوك، مارتينو، سترافنسكي، كرجْنيك، فايل، ميلو، هندميت… وغيرهم) دور كبير في اختفاء مصنفاته من على المسارح؛ إذ حمل المؤلفون الأوربيون معهم أساليب طليعية في التأليف وأعمالاً حديثة لقيت اهتماماً أكبر من ِقبَل قادة «الأوركسترا» الأوربيين الذين كانوا يتولون قيادة الفرق الموسيقية الأمريكية، مثل كوسفيتسكي Koussevitzky وتوسكانيني Toscanini وكليمبرر Klemperer، فازدهرت على أيدي هؤلاء وغيرهم الفرق الموسيقية الأمريكية، وطارت شهرتها في العالم، وضاهت فرق نيويورك وكليفلاند وبوسطن وفيلادلفيا أعرق الفرق الموسيقية في أوربا. أما الموسيقى غير التقليدية ـ أو الموسيقى الأمريكية التي نشأت على أرض الولايات المتحدة ـ مثل موسيقى الجاز فقد اتخذت خطاً مستقلاً، وكان لها مؤلفوها، ونشأ منها قوالب عـدة مثل «الجاز روك» Jazz Rock و«جـاز الثلاثينيات»، أو ما أطلق عليه الأديب الأمريكي فيتزجرالد «العصر الذهبي للجاز» Jazz ageت(1918ـ1929)، وقد استغلت موسيقى الجاز آلات لم تكن معروفة في الموسيقى التقليدية، مثل الساكسافون والآلات الإلكترونية والإيقاعية الحديثة حتى أُطلق على عازف الترومبيت والمغني الزنجي لويس أرمسترونغ Louis Armstrong لقب «ملك الجاز»، وكانت موسيقى الجاز والقوالب التي انبثقت منها هي الموسيقى الأمريكية الوطنية الحقيقية، وما عدا ذلك كان موسيقى دخيلة!، كان للجاز دور كبير في تطور الموسيقى في القرن العشرين، فمنه ولدت ونشأت أغلب النزعات الموسيقية المعروفة اليوم التي أدت إلى تكوين موسيقى جديدة بقوالب شعبية راقصة لا تمتّ بصلة للموسيقى التقليدية التي عرفتها أوربا عدة قرون مثل «البوب، والروك… إلخ»، ولم تخضع للأسس والمبادئ الرياضية التي امتدت من عصر باخ إلى سترافنسكي، ولكنها في النهاية هي قوالب موسيقى العصر، فرضتها الثقافة الأمريكية الحديثة مثلما فرضت أشياء كثيرة غيرها، ومنها نشأت أيضاً قوالب موسيقية أخرى عديدة بعضها استمر، وبعضها اندثر، ولكن أحدها لم يحقق الشهرة التي حققها قالب الروك Rock على يد عازف القيثارة والمغني إلفيس بريسلي[ر] Elvis Presleyت(1935ـ1977) الذي مزج في قالب الروك بين «موسيقى الغرب» Western و«الريفية» Country، وانتقلت إلى أوربا وآسيا والعالم لتسهم فيما يشبه ثورة في عالم الموسيقى الراقصة عند الأجيال الصاعدة (خمسينيات القرن العشرين وستينياته)، أما الموسيقى التقليدية Classic فقد حافظت كما يدل اسمها على تقليديتها، ولو أن ليونارد بيرنشتاين Leonard Bernsteinت(1918ـ1990) ـ الذي كان أول قائد أمريكي يتولى قيادة فرقة نيويورك في التاريخ ـ حاول عبر برامجه التلفزيونية أن يقدم الموسيقى التقليدية بأسلوب شعبي عن طريق الحوار بينه وبين مجموعة من المستمعين الشباب، وكتب بهذا الإطار كتاباً تحت عنوان «الموسيقى للمتعة»، وألّف أعمالاً بروح أمريكية حقيقية مثل عمله الغنائي الشهير «قصة الحي الغربي» West Side Story، ولكن مصنفاته الأخرى (سمفونيات، قداسات) لم تحظ بالشعبية ذاتها، ولو أنه مازال بعد أكثر من خمسة عشر عاماً على وفاته يعدّ رمز الموسيقى الأمريكية في القرن العشرين وأكثر صورها بريقاً في عالم الموسيقى التقليدية.

  زيد الشريف

 

 

 


- التصنيف : الموسيقى والسينما والمسرح - النوع : موسيقى وسينما ومسرح - المجلد : المجلد الثاني والعشرون، طبعة 2008، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 328 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة