يوليا (أو جوليا) دومنا Iulia Domna أميرة سورية وامبراطورة رومانية شهيرة شكَّل صعودها مع زوجها سبتيميوس سڤيروس Septimius Severus إلى عرش القياصرة بداية حكم السلالة السورية في روما على مدى نصف قرن تقريباً (193ـ235م).

"/>
يوليا دومنا واسرتها
Julia Domna and her family - Julia Domna et sa famille

يوليا دومنا وأسرتها

يوليا دومنا وأسرتها

 

يوليا (أو جوليا) دومنا Iulia Domna أميرة سورية وامبراطورة رومانية شهيرة شكَّل صعودها مع زوجها سبتيميوس سڤيروس Septimius Severus إلى عرش القياصرة بداية حكم السلالة السورية في روما على مدى نصف قرن تقريباً (193ـ235م).

ولدت يوليا في حمص لأسرة كهنوتية عريقة متأثرة بالحضارة الهلينستية الرومانية (ولعل لقبها دومنا ترجمة لكلمة مارتا الآرامية بمعنى السيدة). كان والدها يوليوس باسيانوس Iulius Bassianus سليل الكهنة ـ الملوك الذين حكموا إمارة حمص في غابر الأيام والكاهن الأكبر لإله الجبل Elagabalus وطقوس عبادة الشمس المتوارثة عن الأجداد. وقد بذل كل ما بوسعه ليقدم ليوليا وشقيقتها يوليا مائسة ثقافة ممتازة في الطقوس الدينية السورية والآداب الهيلينية الرومانية لتعطي ثمارها في حلقة يوليا الأدبية.

وصفت يوليا بأنها كانت على جانب عظيم من الجمال والذكاء المتوقد والمقدرة الفكرية والسياسية، ويروى عن طالعها أن النجوم بشرّتها بزواج ملكي، ولهذا وجد فيها قائد الجيش الروماني المرابط في سورية سبتيميوس سڤيروس ـ الذي كان يبحث عن زوجة بعد ترمله ـ ضالته المنشودة لتحقيق طموحاته، فطلب يدها واقترن بها عام 185م، ثم انتقل بعدها إلى بلاد الغال حيث ولدت له ابنه البكر الذي حمل اسم جده لأمه باسيانوس (وهو الذي سيشتهر فيما بعد باسم الامبراطور كركلا)، أما ابنها الثاني الذي ولدته في روما فتسمى باسم عمه غيتا Geta. وعندما نادت الجيوش الرومانية بزوجها امبراطوراً في نيسان/أبريل عام 193 بعد مقتل الامبراطور كومودوس Commodus؛ صارت هي أيضاً امبراطورة وتحققت نبوءات الزوجين وطموحاتهما.

طافت الامبراطورة يوليا بعد ذلك مع زوجها وولديها جنبات العالم الروماني من شرقه إلى غربه، ففي عام 197 توجهت الأسرة إلى الشرق واستقرت في عاصمة سورية «أنطاكية»، التي انطلق منها سبتيميوس في حملته المظفرة على الفرثيين ودخل عاصمتهم طيفسون (= المدائن) ومنح بهذه المناسبة ابنه الأكبر كركلا لقب أغسطس، والابن الأصغر لقب قيصر. وفي عام 199 انطلقت الأسرة المالكة إلى مصر وقام الامبراطور مع زوجته بجولة نهرية على النيل حتى جنوب مصر، عاد بعدها إلى أنطاكية وأمر بإصدار «ميدالية» تذكارية تصورهما معاً.

رافقت يوليا زوجها في حملاته الحربية لذلك أطلق عليها لقب «أم المعسكرات» Mater Castrorum. وهكذا ذهبت معه أيضاً في حملته الحربية على بريطانيا (208ـ211م) وهناك توفي بعد أن أوصى لولديه بخلافته. عادت الامبراطورة إلى روما وبدأت تعاني الخصام بين ابنيها المتنافسين الذي اندلع بصورة سافرة بعد موت الأب، وحاولت عبثاً التوفيق بينهما وخابت آمالها عندما قتل كركلا أخاه الأصغر وهو بين ذراعيها (212م). وتعايشت الأم المكلومة مع المأساة ووقفت إلى جانب ابنها الامبراطور فكانت ترأس الحكومة في غيابه وتستقبل رجال الدولة والسفراء الأجانب وترعى مصالح الناس.

وفي عام 214م انطلقت مع كركلا إلى أنطاكية وبقيت فيها تصرّف أمور الدولة، وانطلق هو في حملته ضد الامبراطورية الفرثية، وتأتيها الأنباء باغتيال ابنها فتظلم الدنيا في عينيها وتؤثر الانتحار ووضع حد لحياتها (217م) بعد أن عانت في بحر السنوات الست السابقة مأساة فقدان زوجها ثم ابنيها الواحد تلو الآخر.

اشتهرت هذه الامبراطورة بثقافتها العالية واهتماماتها الفكرية، وكان يحلو لها أن تُنادى بالفيلسوفة يوليا، كما اشتهرت بصالونها الأدبي الذي جمعت فيه رهطاً من كبار العلماء والأدباء والفلاسفة، ومن أشهرهم جالينوس[ر] الطبيب الذائع الصيت، وديوجينيس لارتيوس صاحب كتاب «سير الفلاسفة»، والأديب أثينايوس مؤلف «سير السفسطائيين». وقد كلفت فيلوستراتوس[ر] كتابة سيرة أبولونيوس التياني أحد زعماء المدرسة الفيثاغورية الحديثة، كما عينت عالم البلاغة فيليسكوس Philiskos أستاذاً في جامعة أثينا.

تركت الامبراطورة يوليا بصماتها وذكراها في كل مكان حلت فيه، وكان لها نفوذ كبير على زوجها وابنها وحكم الامبراطورية على مدى ربع قرن، ونالت من الألقاب مالم تنله امبراطورة أخرى فهي الامبراطورة «التقية،السعيدة، أم القياصرة ومجلس الشيوخ والوطن»، ودمجت شخصيتها بشخصيات الآلهة الرومانية الكبيرة مثل «يونو روجة» عظيم الآلهة جوبيتر وشبهت بالآلهة ايزيس والآلهة عشتار.

كما أن الامبراطور إِلاغبال Elagabalus رفعها إلى مقام الآلهة وكرَّس عبادتها رسمياً، وكانت جثتها قد نقلت إلى روما وأحرقت حسب الطقوس الرسمية وأخذت مكانها بين الآلهة إلى جانب زوجها وابنها.

يوليا مائسة

كانت يوليا مائسة Iulia Maesa الأخت الصغرى ليوليا دومنا لا تقل عنها كفاءة ومقدرة. كان زوجها أحد أشراف حمص واسمه يوليوس أڤيتوس Iulius Avitusقد شغل منصب القيادة العليا في عدد من الولايات ووصل إلى رتبة القنصلية. ولدت له بنتين هما يوليا سواميا Iulia Soaemias ويوليا مامايا Iulia Mamaea اللتين أنجبتا الامبراطورين اللاحقين إِلاغبال وسفيروس ألكسندر.

عاشت يوليا مائسة مع شقيقتها يوليا دومنا في روما ثم في أنطاكية، ولكنها عادت بعد مقتل كركلا وموت أختها إلى مدينتها الأم حمص. وقد تمكنت بما أوتيت من مهارة وحنكة سياسية وبفضل ثروتها الضخمة وسمعة أسرتها الكهنوتية الشهيرة من كسب الجيش المرابط قرب حمص وأقنعته بالمناداة بحفيدها إِلاغبال[ر] كاهن إله الشمس امبراطوراً، والذي أشيع عنه أنه كان ابناً غير شرعي لكركلا. وفي المعركة الحاسمة التي جرت قرب أنطاكية (218م) هزم الامبراطور مكرينوس Macrinus ولقي حتفه بعد ذلك، ويروى أن الجدة يوليا وابنتها يوليا سواميا كانتا على رأس الجنود في المعركة تلهبان حماسهم وعزيمتهم. وبعد ترتيب الأمور في أنطاكية والشرق توجه الامبراطور الجديد إِلاغبال إلى روما التي دخلها مع جدته وأمه في موكب فخم لا نظير له.

تولت يوليا مائسة عملياً مقاليد الامور وحملت مثل أختها لقب امبراطورة و«أم المعسكرات ومجلس الشيوخ». أما ابنتها سواميا فاكتفت بتشكيل مجلس من النساء (على غرار مجلس الشيوخ) يهتم باللباس والحفلات وآداب اللياقة، وانصرفت هي إلى ملذاتها الشخصية. وعندما بالغ الامبراطور الشاب وأمه في تصرفاتهما الماجنة الغريبة التي ولّدت استياء كبيراً في روما؛ صممت الجدة على إنقاذ سلالتها الحاكمة فدفعت إِلاجبال إلى تبني ابن خالته سفيروس ألكسندر ليكون ولي عهده. وفي سنة 222م اغتال الحرس الامبراطوري إِلاغبال وأمه ونودي بالحفيد الثاني امبراطوراً خلفاً له، وبقيت ترعاه وتوجهه حتى موتها عام226م بعد أن عمرت نحو ستين سنة. أقيمت لها جنازة امبراطورية وسُجِّلت في عداد الخالدين. ومن بين التماثيل الكثيرة التي صنعت لها ثمة تمثال وجد في تدمر إلى جانب تماثيل أختها وزوجها، كما ظهرت صورها على كثير من النقود الذهبية والفضية.

يوليا مامايا

هي الابنة الصغرى ليوليا مائسة كانت قد تزوجت أحد الأشراف من مدينة قيسارية الوالي والقنصل غ. ماركيانوس G.Marcianus، وانجبت منه ابنها ألكسيانوس الذي تعهدته بتربية ممتازة وتثقف على أيدي كبار الأساتذة في العلوم والفلسفة والأدب. ثم شاركت مع أمها في وصوله إلى عرش الامبراطورية الرومانية بعد مقتل إِلاغبال عام 222م، فحمل اسم سفيروس ألكسندر، وكان فتى في السادسة عشرة من عمره فتولت هي وجدته الوصاية عليه. وبعد موت أمها تولت مامايا تصريف أمور الدولة بذكاء وحكمة يساعدها رئيس الحرس الامبراطوري الفقيه الشهير أولبيانوس Ulpianus. وكانت على علاقة طيبة بمجلس الشيوخ وتستشيره في كثير من الأمور، كما كانت متسامحة مع أتباع الديانة المسيحية، ويروى أنها استدعت في أثناء وجودها في أنطاكية أوريجينيس Origenes أحد آباء الكنيسة وتحاورت معه، ولكنها لم تعتنق المسيحية، وقد امتدح فضيلتها وأخلاقها آباء الكنيسة وعلى رأسهم أوسيبيوس[ر].

في عام 332م رافقت يوليا مامايا ابنها في حربه على الفرس التي تكللت بالانتصار وجرت الاحتفالات في كل مكان وأقيمت التماثيل للامبراطور وأمه، ثم انطلقت معه في حملته على القبائل الجرمانية التي حاول كسب ولائها بالأموال والهدايا، ولكن الجند ثاروا على الامبراطور الشاب المسالم واغتالوه مع والدته في آذار/مارس عام 235م في مدينة ماينز الألمانية. وقد حظيت مامايا بالتكريم وحملت الألقاب المعتادة: «أم الامبراطور»، «أم المعسكرات»، «أم مجلس الشيوخ»، «أم الوطن». وبعد أكثر من قرن على وفاة الأم وابنها احتفل بذكراهما بألعاب وأعياد فخمة.

وبموتها انتهى حكم الامبراطورات السوريات من آل باسيانوس على عرش روما والذي كان ظاهرة فريدة في التاريخ الروماني، وقد أعقب عهدهن نصف قرن من الفوضى السياسية والعسكرية والاجتماعية التي عمت الامبراطورية الرومانية (235ـ285م). وقد روى المؤرخ ديوكاسيوس[ر] الذي عاصر حكمهن كثيراً من أخبارهن، وكذلك المؤرخ هيروديان Herodianus وكتّاب التاريخ الامبراطوري. كما وصلنا كثير من النقوش والنقود والتماثيل التي حملت صورهن وألقابهن الكثيرة التي تُظهر مقدرتهن والمكانة والتبجيل الذي حظين به في سائر أنحاء الامبراطورية، كما أن سورية ومدنها حظيت بكثير من الامتيازات في أثناء حكمهن الذي ترك بصماته الواضحة في الحياة الفكرية والمادية.

محمد الزين

 الموضوعات ذات الصلة:

 

سبتيميوس سفيروس ـ سفيروس ألكسندر ـ كركلا.

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ فيليب حتى، تاريخ سورية ولبنان وفلسطين، ترجمة جورج حداد - عبد المنعم رافق (دار الثقافة، بيروت 1958).

ـ جان بابليون، امبراطورات سوريات ترجمة يوسف شلب الشام (مطالع دار العلم، دمشق 1987)

- The Oxford Classical Dictionary, 2nd Edition (Oxford 1970).


- التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار - النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلد الثاني والعشرون، طبعة 2008، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 620 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة