يوبا Iuba (أو جوبا Juba) اسم نوميدي حملته عدة شخصيات تاريخية في المغرب العربي القديم اشتهر منهم الملكان يوبا الأول والثاني.

 "/>
يوبا اول ثاني
Juba I and Juba II - Juba I et Juba II

يوبا الأول والثاني

يوبا الأول والثاني

 

يوبا Iuba (أو جوبا Juba) اسم نوميدي حملته عدة شخصيات تاريخية في المغرب العربي القديم اشتهر منهم الملكان يوبا الأول والثاني.

 

يوبا الأول

(85 ق.م ـ 46ق.م)

يوبا الأول

هو ابن الملك هيمبسال Hiempsal الثاني وأحد أحفاد سلالة الملك العظيم ماسينيسا[ر] Massinissa. تولى عرش المملكة النوميدية الشرقية (شرقي الجزائر) بعد موت والده عام 67 ق.م، في حين كان عمه ماسينيسا الثاني يحكم نوميديا الغربية، وقد انخرط كلاهما في صراعات الحروب الأهلية الرومانية التي كان شمالي إفريقيا مسرحاً لها في القرن الأول قبل الميلاد، وهكذا كان ليوبا وعمه دور مهم في الحرب الأهلية بين بومبيوس[ر] ويوليوس قيصر[ر] وقد اختارا حزب بومبيوس وصارا من أكبر المؤيدين له.

تحالف يوبا مع والي إفريقيا اتيوس ڤاروس Attius Varus من أنصار بومبيوس ضد القائد كوريو Curio الذي أرسله يوليوس قيصر على رأس جيش لمحاربة خصومه في منتصف عام 49ق.م، واستُدرج كوريو إلى كمين نصبه له يوبا في وادي باغراداس Bagradas حيث أُبيد مع معظم رجاله، وأمر يوبا أن يؤتى إليه برأس الرجل الذي أراد استصدار قانون بتحويل نوميديا الى ولاية رومانية، وعلى أثر ذلك أعلن قيصر يوبا عدواً للدولة الرومانية، أما مجلس الشيوخ الموالي لبومبيوس فأضفى على الملك النوميدي لقب صديق الشعب الروماني. وعندما نشبت معركة تابسوس Thapsus الحاسمة بين يوليوس قيصر وأنصار النظام الجمهوري عام 46 ق.م شارك يوبا بجيش يضم نحو 30 ألف مقاتل وقوة كبيرة من الفرسان النوميديين فضلاً عن 60 فيلاً حربياً، ولكنه هُزم وفرَّ متوجهاً إلى عاصمته زاما Zama، ولكنها أوصدت دونه أبوابها؛ لأنه كان قد أعد العدة لإحراقها وأهلها بما في ذلك هو نفسه وأسرته وكنوزه في حال هزيمته، وعندئذٍ قرر الانتحار فطعن نفسه طعنة قاتلة وفارق الحياة.

وقد حول قيصر الجزء الأكبر من نوميديا إلى ولاية رومانية باسم إفريقيا الجديدة Africa Nova، وكان ذلك نهاية المملكة النوميدية التي أسسها ماسينيسا في أعقاب الحرب البونية الثانية قبل مايزيد على قرن ونصف.

 

يوبا الثاني

(50 ق.م ـ 24م)

يوبا الثاني

هو غايوس يوليوس يوبا C. Iulius Iuba ابن يوبا الأول ملك موريتانيا (25 ق.م ـ23ب.م) أي ما يقرب من نصف قرن. اقتاده يوليوس قيصر بعد معركة تابسوس إلى روما ليسير في موكب نصره عام 46ق.م وكان لا يزال طفلاً في الرابعة من عمره، فتعهدته الأميرة أوكتاڤيا Octavia (شقيقة أوكتاڤيوس ابن قيصر بالتبني) بالرعاية والتهذيب وحمل اسم غايوس يوليوس، ولما شبّ وكبر مُنح الحقوق المدنية فأصبح مواطناً رومانياً. ثم زوجه حاميه وولي نعمته الامبراطور أغسطس Augustus كليوباترة سيلينا Celopatra Selene (القمر)، ابنة ماركوس أنطونيوس من كليوباترة السابعة ملكة مصر، على أمل أن يكونا من أخلص أعوان الامبراطورية الرومانية وأصدق أتباعها. وفي عام 25ق.م منحه أغسطس عرش موريتانيا بدلاً من ملك أبيه المسلوب نوميديا الذي تحول إلى ولاية رومانية.

كان يوبا الثاني ملكاً جليل القدر، عظيم الشأن، يميل إلى مظاهر العز والأبهة، وحّد في شخصيته كل مدنيات عصره وثقافاته، فهو نوميدي عريق النسب من سلالة ماسينيسا الشهير، وبونيقي ينتمي إلى حضارة قرطاجة التي انتشرت منذ قرون طويلة في ربوع المغرب العربي، وهو روماني عاش سنوات طفولته وشبابه في عاصمة العالم، وتربطه بالقيصر أغسطس وأسرته أشد الروابط، وإغريقي بتربيته وميوله الفنية والأدبية، كما أنه كان زوج ملكة من أسرة البطالمة وعاهل مملكة واسعة شملت المغرب الأقصى بكامله.

لم ينشط الملك يوبا نشاط آبائه في مجال الحرب والسياسة، فقد استقرت الأوضاع في ظل الحكم الامبراطوري الذي ساد عالم البحر المتوسط ولم يترك للملوك التابعين إلا مظاهر الملك، لذلك انصرف إلى الاهتمام بالعلم والأدب والفن والعمران. كان مغرماً بالتمثيل وكانت حاشيته تضم طوائف البشر المختلفة. قال عنه قدماء المؤرخين انه كان مشهوراً بمؤلفاته وتصانيفه وأعماله الفكرية أكثر من اشتهاره بالملك.

وقد كان في الحقيقة أديباً عالماً جديراً بثناء معاصريه والأجيال التالية وإعجابهم، فهو مؤرخ وعالم بالجغرافيا والطبيعيات والشعر والفنون المختلفة، وكان يمتلك مكتبة ضخمة يعمل فيها عدد كبير من الناسخين والمدونين والملخصين. ولم يقتصر اهتمامه على الكتب بل نظم بعثات علمية للبحث عن أصل منبع نهر النيل وأصل جزر الكناري والخالدات. كان يجيد اللغات البونيقية واللاتينية والإغريقية، وله شغف كبير بعلم اللغات وكان يعتقد أن اللاتينية كانت إغريقية الأصل ثم وقع تحريفها، وقد جمع الكلمات الغريبة الموجودة في مختلف اللغات واللهجات.

ألف هذا الملك كتباً كثيرة وجمع الكثير من الأخبار والمعلومات في فنون وعلوم شتى وكانت له أبحاثه الخاصة، إذ بحث عن نبتة عجيبة في جبال أطلس اكتشفها وسماها باسم طبيبه (Euphobia). ومن مؤلفاته الكثيرة كتاب عن ليبيا (أفريقيا) في ثلاثة أجزاء اشتمل على مواد مختلفة في الجغرافيا والتاريخ والأساطير، وله كتاب عن الجزيرة العربية أهداه إلى حفيد أغسطس المدعو غايوس قيصر، الذي قام بحملة إلى الشرق (1ق.م ـ4م) لعل يوبا كان مشاركاً فيها.

كما ألف عن تاريخ الآشوريين وتاريخ الرومان القديم، وله مؤلف كبير في خمسة عشر جزءاً يقارن فيه بين العادات والتقاليد والديانات وما اقتبسه الرومان من الإغريق، ومؤلفات كثيرة أخرى في تاريخ المسرح وفنون الرسم والموسيقى… لم يصلنا منها مع الأسف شيء يذكر. وقد استخدمه العالم الروماني الكبير بلينيوس[ر] الأكبر في تاريخه الطبيعي، كما كان مصدراً ثرياً لبلوتارخوس[ر] في كتاباته الموسوعية المختلفة ولغيره من الأدباء والعلماء.

وهكذا فإن يوبا الثاني كان في المقام الأول رجل علم وثقافة سعى إلى نشر الثقافة الإغريقية والرومانية في مملكته. وقد اختار مدينة يول Iol الفينيقية القديمة (وهي شرشال في الجزائر حالياً) وجعلها عاصمة مملكته وسماها قيصارية Caesarea على شرف ولي نعمته الامبراطور أوغسطس، الذي أقام له معبداً لتقديسه وتعظيمه، وجملها بإقامة مبانٍ على النمط الكلاسيكي كالقصر والمعبد والمسرح، التي تشهد آثارها بروعتها التي تملأ متحف شرشال، ومنها تمثال ضخم للإله أبولون لعله نسخة من عمل الفنان الشهير فيدياس[ر] وتماثيل أخرى للآلهة أثينا والآلهة أفروديت، وكذلك نسخة لتمثال أغسطس الشهير بالزي الامبراطوري كما عثر على لقى فنية غنية في مدينة فولوبيليس (وليلي المغربية) Volubilis التي كانت عاصمته الثانية.

شارك الملك يوبا الرومان في قمع الثورات وإخماد القلاقل والفتن، ففي السنة السادسة الميلادية ثارت قبائل جدالة (الجيتوليون) على الرومان وعلى يوبا نفسه، فخربوا الديار وفتكوا بعدد كبير من الرومان فجاءت النجدات وتم قمع التمرد. وفي عهد الامبراطور تيبريوس[ر] Tiberius نشبت ثورة كبيرة بقيادة الزعيم النوميدي تاكفاريناس Tacfarinas دامت ثماني سنوات (17ـ 24م) شارك الرومان وجنود الملك في التصدي لها، ولكن الملك يوبا مات سنة 42م قبل القضاء عليها بصورة نهائية.

وقد خلفه ابنه الوحيد بطليموس Ptolemaios من زوجته البطلمية كليوباترة، الذي كان يحمل لقب الملك في حياة أبيه منذ عام 20م عندما بلغ الخامسة والعشرين من عمره. لقد ورث منه الملك ولكنه لم يرث عنه خصاله وميوله، بل كان متهاوناً مهملاً منغمساً في حياة البذخ والرفاهية تاركاً شؤون الدولة بيد أتباعه. وكانت نهايته على يد ابن خاله الامبراطور كاليغولا  Caligulaت(37ـ41) عام 40م عندما تجرأ بالظهور أمامه في حلة الأرجوان الخاصة بالأباطرة، وبموته انتهت المملكة الموريتانية، إذ قام الامبراطور كلاوديوس[ر] Claudius عام 42م بتحويلها إلى ولايتين رومانيتين باسم: موريتانيا القيصرية وموريتانيا طنجة، وبذلك أصبحت إفريقيا الشمالية بأكملها تحت الحكم الروماني المباشر الذي استمر حتى الفتح العربي الإسلامي.

محمد الزين

 الموضوعات ذات الصلة:

 

اغسطس ـ أنطونيوس ـ كليوباترة ـ المغرب العربي (التاريخ القديم).

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ شارل أندري جوليان، تاريخ إفريقيا الشمالية، تعريب محمد مزالي (الدار التونسية للنشر، 1985).

ـ أحمد صفر، مدنية المغرب العربي في التاريخ (تونس 1959م).

- The Oxford Classical Dictionary, 2nd Edition (Oxford 1970).


- التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار - النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلد الثاني والعشرون، طبعة 2008، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 580 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة