يوغورتا (أو يوغرطة) Iugurtha ملك نوميدي اشتهر بحربه مع الرومان لنيل الحرية والاستقلال، هذه الحرب التي كشفت مفاسد الطبقة «الارستقراطية» الحاكمة في روما، وكان لها تأثير كبير في التطورات السياسية والاجتماعية الرومانية،

"/>
يوغورتا
Jugurtha - Jugurtha

يوغورتا

يوغورتا

(نحو 160ـ 104ق.م)

 

يوغورتا (أو يوغرطة) Iugurtha ملك نوميدي اشتهر بحربه مع الرومان لنيل الحرية والاستقلال، هذه الحرب التي كشفت مفاسد الطبقة «الارستقراطية» الحاكمة في روما، وكان لها تأثير كبير في التطورات السياسية والاجتماعية الرومانية، لذلك خصها أحد كبار مؤرخيهم وهو سالوستيوس[ر] Sallustius بكتاب شهير حمل اسم «الحرب اليوغورتينية» Bellum Iugurthinum. وكانت المملكة النوميدية Numidia قد نشأت في أعقاب الحرب البونية الثانية (218ـ201ق.م) وشملت معظم أراضي الجزائر حالياً وامتدت حتى طرابلس الغرب. كان يوغورتا حفيد الملك النوميدي العظيم ماسينيسا[ر] Massinissa وابناً (غير شرعي) لمستنبعل Mastanbal. كفله عمه الملك مكيبسا Micipsaت(148ـ118ق.م) وهو شيخ كبير له ابنان صغيران هما آذربعل Adherbal وهيمبسال Hiempsal.

كان يوغورتا شاباً يجمع بين الجمال والذكاء والقوة والبراعة في فنون القتال، وهي خصال جعلته محبوباً لدى جميع النوميديين؛ مما أثار مخاوف عمه فأرسله عام 134ق.م على رأس قوة نوميدية للمشاركة في حرب الرومان على مدينة نومانتيا Numantia الإسبانية، على أمل أن يقضي نحبه في تلك الحرب، ولكنه على النقيض من ذلك أظهر مقدرة فائقة فسرعان ما تعلم اللغة اللاتينية وأساليب القتال الرومانية وتمكن من كسب ثقة القائد الروماني اسكيبيو إمليانوس Scipio Aemilianus، واعجاب نبلاء الرومان لشجاعته وسحر شخصيته. وبعد انتهاء الحرب عاد إلى بلاده محملاً بالهدايا الثمينة ورسالة توصية من القائد الروماني إلى الملك مكيبسا تثني على شجاعته وخدماته الجليلة. وكان من نتيجة ذلك أن تبناه عمه وأوصى له ولولديه بالعرش من بعده.

وبعد موت الملك مكيبسا (118ق.م) استغل الرومان الخلاف بين ورثته الثلاثة لتقسيم المملكة فيما بينهم، ولكن ذلك لم يرض طموح يوغورتا الذي بدأ يعمل للتفرد بالملك فدبر مقتل هيمبسال، وهزم في ساحة الوغى أخاه آذربعل الذي التجأ إلى روما طالباً النجدة (116ق.م). وبما أن يوغورتا كان يعرف جيداً طبقة النبلاء الرومان التي أفسدتها الرشوة وحب المال، فقد أرسل إلى روما بعثة مزودة بكميات كبيرة من الذهب والفضة لشراء التأييد واعتراف الرومان به. وهكذا قرر مجلس الشيوخ إرسال لجنة لتقسيم المملكة فأحسن يوغورتا استقبالها وأغدق عليها الهدايا فحكمت له بغرب نوميديا الأكثر غنى وسكاناً وموارد، في حين خصت آذربعل بالقسم الشرقي المحاذي لولاية إفريقيا الرومانية. ورضي يوغورتا على مضض في انتظار الفرصة السانحة، وافتعل النزاع مع ابن عمه مدعياً أنه يريد اغتياله وهاجمه بجيش كبير هزمه في المعركة فالتجأ إلى عاصمته الحصينة قرطة Cirta (قسنطينية الحالية)، ولكن يوغورتا حاصرها طويلاً ولم يأبه للتهديدات الرومانية، ثم اقتحمها عام 112ق.م ولم يكتف بقتل آذربعل، وإنما أعمل السيف كذلك في سكانها وخاصة من الإيطاليين الذين كانوا يدافعون عنها، وصار بذلك ملكاً على نوميديا كلها.

عند ذلك قررت روما التدخل وأعلنت الحرب على يوغورتا التي استمرت سبع سنوات، وقد أرسلت جيشاً إلى نوميديا (111ق.م) تمكن من احتلال بعض المدن، ولكن يوغورتا استطاع رشوة قائد الجيش الذي عقد معه صلحاً اعترف له بحكم المملكة. ولقي هذا الصلح معارضة شديدة في روما وتقرر محاكمة المسؤولين واستدعاء يوغورتا شاهداً لإثبات جريمتهم، فجاء يوغورتا ومثل أمام مجلس الشيوخ وكاد ينجح في مساعيه لولا أنه ارتكب حماقة بأن دبر مقتل أمير مناوئ له في روما، فتغير الموقف ونصحه أصدقاؤه بالسفر، فقال وهو يغادر روما جملته الشهيرة: «مدينة للبيع مصيرها الزوال، إن وجدت من يشتريها».

أرسل الرومان جيشاً جديداً (110ق.م) ولكن يوغورتا تمكن من هزيمته وإجباره على الاستسلام والانسحاب وكان ذلك ذروة انتصاراته. وشعر الرومان بالمهانة فاختاروا عام 109ق.م أحد كبار قادتهم المشهورين بالكفاءة والنزاهة وهو ميتلوس C.Metellus يساعده القائد الكبير ماريوس Marius وبدأت بذلك المرحلة الثانية في تلك الحرب. وبعد أن أعاد ميتلوس النظام والانضباط إلى صفوف الجيش الروماني خاض معارك طاحنة مع يوغورتا وارتكب عدة مجازر وأخيراً تمكن من احتلال مدينة قرطة.

لم يستسلم يوغورتا وإنما جندَّ جيشاً من قبائل جداله (الجيتوليون) وأقنع حماه ملك موريتانيا (المغرب) بوكوس Bocchus بالدخول معه في الحرب لأن الخطر يتهددهم جميعاً، وهكذا زحف جيشاهما على قرطة لتحريرها من الرومان.

وفي تلك الأثناء انتخب الرومان ماريوس قنصلاً وكلفوه بقيادة الحرب ضد يوغورتا، وهكذا بدأت المرحلة الثالثة في هذه الحرب (107ـ105ق.م)، فحشد ماريوس جيشاً كبيراً واحتل عدداً من المدن والحصون المهمة ونكَّل بسكانها، واستمر يوغورتا في التصدي والمقاومة، وأخيراً نجح أحد ضباط ماريوس المدعو سولا Sylla في تدبير مؤامرة مع الملك الموريتاني بوكوس للايقاع به. وهكذا قُبض على ذلك الزعيم الكبير بالغدر والخيانة واقتاده ماريوس ليسير في موكب نصره ثم أودع السجن، الذي مكث فيه ستة أيام قبل إعدامه لا يذوق طعاماً ولا شراباً.

وانتهت بذلك حياة هذا الملك الثائر الذي قارع الرومان سنين طويلة والذي أرغم خيرة جنودهم ـ الذين لا يقهرون ـ على المرور من تحت النير مطأطئي الرؤوس، وحاول بكل الوسائل تحرير بلاده من سيطرة الامبراطورية الرومانية مع التفاوت الهائل في موازين القوى وإمكانات الطرفين، وقد بقي اسمه حياً بوصفه أحد أبطال التحرير في المغرب العربي القديم.

محمد الزين

الموضوعات ذات الصلة:

 

سالوسيتوس ـ ماسينيسا ـ المغرب العربي (التاريخ القديم) ـ نوميديا.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ أحمد صفر، مدنية المغرب العربي في التاريخ (تونس 1959)

ـ شارل أندري جوليان، تاريخ إفريقيا الشمالية، تعريب محمد مزالي (الدار التونسية للنشر، تونس 1985).


- التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار - النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلد الثاني والعشرون، طبعة 2008، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 615 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة