الجينات (المورثات) genes هي وحدات صِغْرية مسؤولة عن نقل كل خِلال (ج خِلّة) الوراثة، كما إنها مسؤولة عن إدارة اصطناع البروتينات وضبطها.

"/>
جينات (مورثات)
Genes - Gènes

الجينات )المورثات(

الجينات (المورثات)

 

الجينات (المورثات) genes هي وحدات صِغْرية مسؤولة عن نقل كل خِلال (ج خِلّة) الوراثة، كما إنها مسؤولة عن إدارة اصطناع البروتينات وضبطها. تتألف الجينة من بضع قطع أو شُدَف segmentsمن حمض الدنا النووي desoxyribonucleic acid (DNA). ويتألف الدنا من سلسلتين من النوويدات nucleotides تلتف إحداهما على الأخرى مثل سلّم حلزوني. تتألف جوانب هذا السلّم الحلزوني من سكر خماسي هو الدي أوكسي ريبوز ومن حمض الفوسفور، أما دَرَجات هذا السلّم فتتألف من أربعة أسس نيتروجينية: اثنان من البورينات purines وهما الآلانين alanine (A) والغوانين guanine (G)واثنان من البيريميدينات  pyrimidines وهما الثيامين thymine (T) والسيتوزين cytosine (C). ويرتبط (A) من السلسلة الواحدة مع (T)من السلسلة الثانية، على مستوى درجة واحدة، تدعى الدرجة T-A، ويتم هذا الارتباط برباطين من الهدروجين. بالشكل نفسه ترتبط  (C) مع (G) ولكن ارتباطهما يتم برابطة ثلاثية الهيدروجينات، ونتيجة لذلك يكون ارتباط GC أمتن من ارتباط AT وبالتالي أصعب تفريقاً. وتكون نتيجة ارتباط هذين الجزيئين المتماثلين من الدنا ظهور الدنا المضاعف المسؤول عن نقل كل المعلومات الوراثية الآتية من الأبوين، من جيل إلى جيل. وبحسب نمط توالي هذه الأسس في كل سلسلة من هذه السلاسل يتحدد الرمز الوراثي genetic code.

توزعها في الصبغيات

 يبلغ عدد الجينات في الإنسان (نحو40.000) جينة، تتوضع كلها في نواة كل خلية، ولأن حمض الدنا إذا تمّ مطّه وتقويمه يبلغ طوله مترين فقد بيّن كل من واطسون وكريك  Watson & Crick من جامعة كمبردج عام 1953 أن هذا الحمض يتوضّع داخل النواة على شكل حلزون مزدوج. ومن الصعب تصوّر وجود مترين من الدنا، هما أطوال 46 عروة صبغية ملفوفة ضمن نواة يبلغ قطرها (6- 8 ميكرومتر). والوحدة القياسية للجينة هي زوج الأساس (زأ) (bp) base pairs وتقدّر كمية المجين الفردانية haploid genome  بثلاث مليارات (زأ). يبلغ عدد العرى الصبغية في الإنسان (23) زوجاً تتوضع فيها الجينات التي تكون أيضاً على شكل أزواج، وإلى جانبها أيضاً تتوضع كميات كبيرة من الإنزيمات والبروتينات، أغلبها يتألف من عدة جزيئات صغيرة إيجابية الشحنة الكهربية تدعى الهيستونات، ويتألف بعضها الآخر من مئات آلاف الجزيئات. وحين انقسام الخلية تنتسخ replicate الصبغيات بكل ما تحويه من جينات ويبقى كل زوجين صبغيين متصلين أحدهما بالآخر في نقطة قريبة من الوسط تدعى القُسيم المركزي centromere (ويدعيان بشقي الصبغي chromatids) حتى حدوث الانقسام.

أنواعها ووظائفها

تشير الدلائل إلى أن كل جينة مسؤولة عن تجميع «عديد بيبتيد» polypeptide واحد. فعندما يحتاج الجسم إلى منتوج جينة بعينها يبادر حمض الدنا الحاوي على هذه الجينة إلى الانشطار طولياً مما ينجم عنه تشكل جديلة أو خيط فرْدٍ من حمض الرنا (الحمض النووي الريبي) ويدعى هذا الخيط الفرد من الرنا بالرنا المِرسال mRNA لأنه ينتقل فيما بعد من النواة إلى الهيولى ومن ثم إلى العُضيّات organelles المدعوة بالريباسات ribosomes حيث ينقل المعلومات اللازمة لاصطناع البروتينات. وهناك نمط ثان من الرنا هو الرنا النقّال tRNA لأنه يتّحد مع أحد الحموض الأمينية ليحوّله إلى ريباسة. وتنتظم مجموعة من النوويدات مع سلسلة من الحموض الأمينية لتشكل سلسلة من عديد البيبتيد، وتتشكل البروتينات من سلسلة أو من سلاسل من عديدات البيبتيد المترابطة. وتدعى فرضيّة تخصص الجينة بفرضية «جينة واحدة لعديد بيبتيد واحد». وأظهرت التجارب أن العديد من الجينات في خلية ما قد تبقى عاطلة inactive معظم الوقت أو كلّه. كما أظهرت أن أي جينة يمكن تشغيلها أو تعطيلها في أي لحظة. وقد درست هذه الظاهرة، من تفعيل أو تعطيل، في الجراثيم. وتبين أن للجراثيم ثلاثة أنماط من الجينات: البنيانية structural والفعالة operator والمنظّمة regulator. الأولى تُرمّز لاصطناع بعض عديدات البيبتيد النوعية. والثانية تحتوي الرمز الضروري لبداية عملية انتساخ transcription رسالة الدنا من واحدة أو أكثر من الجينات البنيانية إلى مرسال الرنا mRNA. وهكذا فإن الجينات البنيانية ترتبط مع قريباتها الفعّالة بوحدة وظيفية تدعى المَشْغَل operon. وفي الختام فإن نشاطات هذا المشغل تبقى تحت سيطرة ورقابة الجينة المنظّمة التي تنتج بروتيناً صغير الجزيء يدعى بالكاظم repressor. يرتبط هذا الكاظم بالجينة الفعالة فيمنعها من اصطناع البروتين المطلوب من المشغل. ولذلك فإن وجود بعض الجزيئات الكاظمة أو غيابها هو الذي يحدد ما إذا كان مشغل ما عاطلاً أو فعّالاً. وينطبق هذا على الجراثيم. أما التنظيم الجيني في العضويات الأعلى فما زال أقل وضوحاً. وقد تحدُثُ بعضُ الطفرات إذا تمزّقت أحد الأسس أو إذا تبدّل ترتيبها في الجينة. فقد تختبن deleteالنوويدات أو تتضاعف duplicate أو يتبدل ترتيبها أو يتغير موضعها، ولكل من هذه التغييرات أثره الخاص. وغالباً ما لا يكون لهذه الطفرات أي أثر أو يكون لها أثر طفيف. أما إذا غيّرت الطفرة أمراً ما في العضوية فغالباً ما يكون هذا التغيير مميتاً. والطفرات التي يتزايد تكررها في مجتمع ما تغدو هي الأمثولة. يمكن القول إن الجينات مسؤولة عن التحكم بكل وظيفة في الجسم، فعلى سبيل المثال لا يتم انقسام أي خلية في الجسم إلا بإشراف جينات دورة انقسام الخلية (داخ) cell-division-cycle (cdc) genes، كما يتوجّب على الخلية المرور بنقطتي مراقبة في مرحلتين من الانقسام حيث يتم التأكد مما إذا تمّ إصلاح أي أذى قد يكون تعرّض له الدنا. كذلك تتحكم جينات معينة بعمر الخلية، أي خلية في الجسم، وبتحديد أجلها المبرمج programmed cell death (apoptosis)، ويتطلّب تحديد هذا الأجل تآثراً معقّداً ما بين عدة جينات من بينها :cl-2,c-myc,p53,ced-9 . وبالمقابل فإن خلايا السرطان لا تستجيب إلى الإشارات السويّة التي تطلب منها التوقف عن التكاثر بل ولا تتعرّف عليها. ومن بين الجينات التي تشارك في تنظيم نمو الخلايا ووظائفها مولّدات الورم البدئية proto-oncogenes ومثبطات الورم tumor suppressor genes وتنضوي تحت كليهما أعداد كبيرة من الجينات. تتأثر الجينات في أداء وظائفها بالكثير من الإشارات الآتية من خارج الخلية كعوامل النمو والهرمونات الستيروئيدية والسيتوكينات، وغالباً ما لا تكون أمانة الجينة تامة فينجم عن هذه الأخطاء الجينية شذوذات في بنية الخلايا وفي وظائفها، وقد أمكن كشف مثل هذه التبدلات في أكثر أعضاء الجسم بما في ذلك التبدلات الورمية السليمة والخبيثة وما قبل الخبيثة. لهذا فإن ظهور طفرات في هذه الجينات قد يسهم في ظهور السرطان. تأخذ هذه الطفرات شكل التضخيم amplification أو شكل طفرات النهاية عندما تحدث تغيرات في تواليات الرامزة codon أو الخَبْن وتغيّرات الترتيب deletions & rearrangements حيث تحدث تغيرات هامة في مرصاف template الدنا مما يؤدي إلى تغير في إنتاج البروتين. وغالباً ما تتطور وتتزايد هذه الشذوذات جيلاً إثر جيل مما يؤدي لظهور زيْغان (ج زَيْغ) إضافية. هذا ولا توجد جينة مفردة مسؤولة عن حدوث السرطان بل إن تراكم الطفرات على مرّ الزمن هو الذي قد يسببه،  لاسيما عندما يتجاوز عددها حداً حرجاً ما. 

اضطراباتها وتأثيرها في التشوهات والأمراض

قد تحدث شذوذات في عدد الصبغيات في أثناء الانقسام الفتيلي mitosis أو الانقسام الانتصافي meiosis بسبب عدم انفصال شقّي الصبغي مما ينتج منه عدم سواء الصيغة الصبغية aneuploidy التي تكون عادة ضُعف الصيغة الفردانية، مثل وحدانية الصبغي (متلازمة تورنر 45X) أو تثليث الصبغي (تثليث الصبغي 13 أو متلازمة باتاو Patau syndrome، تثليث الصبغي 18 أو متلازمة إدوارد، تثليث الصبغي 21 أو متلازمة داون، ومتلازمة كلاين فلتر 47XXY Klinefelter)، أو أن تنتج منها حالة فسيفسائية mosaicism عندما توجد سلالات من الخلايا مختلفة في أعداد صبغياتها، أو أن ينجم عنها تعدد الصيغة الصبغية polyploidy حيث تبلغ أضعاف الصيغة الفردانية وتكون سبباً للإسقاط التلقائي. أو أن تحصل شذوذات بنيانية structural سببها تحطم أجزاء من الصبغي بسبب الإشعاع أو الأدوية أو الفيروس، وقد ينجم عن ذلك حدوث إزفاء (أي تبديل في الموقع) translocation إذا حدث تبادل في المادة الوراثية ما بين صبغيين غير متماثلين، ويدعى هذا الإزفاء متوازناً إذا لم يحدث ضياع في المادة الوراثية، ويُدعى مثل هذا الشخص بحامل الإزفاء. كذلك هناك عيوب جينية مفردة وهي غالباً ما تتلو حدوث طفرات في جينة أو جينات معينة، وهي تنتقل بحسب قوانين مندل Mendel الوراثية: كالسائدة الجسمية (1) والصاغرة الجسمية (2) والصاغرة المرتبطة بصبغي(3)X  ونادراً السائدة المرتبطة بالصبغي(4)X . ومن الأمثلة على الحالة الأولى رقص هنتنغتون Huntington chorea والورم الليفي العصبي neurofibromatosis ومتلازمة مارفان. ومن الحالة الثانية تليّف المعثكلة الكيسي وفقر الدم المنجلي sickle cell anemia. ومن أمثلة الحالة الثالثة (والتي ينقلها الأب المصاب إلى بناته فقط، ولا يظهر المرض إلا إذا كنّ متماثلات الزيجية homozygous) عمى اللونين الأحمر والأخضر والناعور من نمط hemophilia A.

دراستها ومعالجة اضطراباتها

لم تتيسر هذه المرحلة إلا بعد ظهور علم الحيويات الجُزيئية. وأمام صعوبة دراسة بنية وهندسة الدنا الكبيرة جداً فقد اكتشف العلماء إنزيمات موجودة في العديد من الجراثيم تفكك الدنا التابع للحُمات الراشحة التي تحاول أن تستعمرها، وهي ـ أي الجراثيم ـ تقطّع أوصال الدنا الغازي إلى قطع أو أشداف وبذلك تحمي نفسها من أذى هذه الحُمة. وتدعى هذه الإنزيمات بالحاصرة restriction enzymes or endonucleases وقد سميت هذه الإنزيمات حسب الجرثومة التي اكتشفت فيها وهكذا. وأتت بعدها الخطوة الثانية وهي تمكن العلماء من إدخال هذه الأشداف في جرثوم حامل vector يبادر إلى تكرارها وإكثارها حتى تتوافر كميات كبيرة منها للدرس وللاستعمال العلاجي. ومن أمثلة هذه الإنزيمات مكوثرة الدنا DNA polymerase التي تكوثر النوويدات لتكوّن منها حمض دنا، وعلى شاكلتها تعمل مكوثرة الرنا. وهناك إنزيمة الدناز DNAase التي تستطيع إقصاء النوويدات، ومن مشاركة هاتين الإنزيمتين تمكن العلماء من إدخال نوويدات موسومة شعاعياً في تركيب جزيء الدنا دعوها بالمسبار الدنوي، وهو الذي يكشف متوالية محددة من الدنا مثل ما في المعايرات المناعية. وهناك أيضاً إنزيمة الانتساخ العكسي reverse transcriptase وهي مكوثرة تؤثر في الرنا، وسميت عكسية لأنها تعكس اتجاه الإعلام فيغدو من الرنا إلى الدنا أي بعكس الاتجاه الطبيعي، وهي تتمكن من نسخ أي جزيء رنا إلى جزيء دنا وحيد الطاق، ويدعى بالدنا المتمّم وله وظيفة هامة في قراءة مساحات واسعة من الروامز الخارجية exons. وبما أن كلاً من الدنا والرنا مشحون كهربياً فإنهما يهاجران حين وجودهما في حقل كهربي، وبالإمكان دراسة أشدافَ منهما بحسب سرعة أو بطء رحلانها الكهربي على الهلام. وهناك اليوم طرق عدة لدراسة الجينات منها تحليل تفشّيات ساوذرن Southern blot analysis باسم العالم الذي ابتدعه، وتحليل تفشّيات الشمال northern blot التي تتقصّى دخائل الرنا، وسمي التحليل شمالياً لأن الرنا يعد صورة مقابلة للدنا. كذلك ظهر تحليل التفشّي الغربي western الذي يفكك البروتينات ويدرسها، وتتالت هذه التحاليل مثل تفشّي النقطة والشق dot & slot، وهناك طرق التهجين التي تزاوج ما بين طاقين من الدنا يكون أحدهما موسوماً شعاعياً للتمكن من كشفهما، وهناك تفاعل البوليمراز السلسي polymerase chain reaction (PCR) وطريقة الفيش أو التهجين الموضّع التألقي fluorescent in situ hybridization (FISH).

استعمالاتها في تحديد جنس الجنين وفي تحسين النسل وفي الاستنساخ

انطلق مشروع دراسة الخارطة الجينية للإنسان ولبعض المخلوقات الأخرى للمقارنة، مثل الفأرة وفراشة الثمار والإشريكية القولونية. غايته تحديد موضع كل جينة على الصبغيات وتعيين بنيتها الكيمياوية وبالتالي توضيح وظائفها في حالتي الصحة والمرض. وقد ظهر من مقارنة بنية الجينات فيما بين الإنسان وغير الإنسان أن هناك تشابهاً كبيراً فيما بينها مما يشير إلى وحدانية منشأ الحياة على الأرض. هذا وسيكون لهذا المشروع فوائد كبيرة في كل مجالات الحياة وإن كان هناك تخوف من أن يساء استعماله إذا ارتكز على أسس غير أخلاقية من تمييز ما بين الألوان والأجناس والمعتقدات ومن احتمال تدخل الانسان في خصوصيات الأفراد وحرياتهم، وربما استنساخ[ر] أنماط محددة من المخلوقات البشرية. ومن نتائج هذا المشروع تحديد جنس المواليد وتحسين مواصفات الإنسان حسب متطلبات القوة المفردة العظمى التي تخطط للهيمنة على كوكب الأرض. هذا وتستعمل كل وسائل التشخيص الجيني قبل التعشيش pre-implantation genetic diagnosis (PGD) حالياً في مراكز الإخصاب المساعد حيث يتم اقتناص خلية أو أكثر من البيضة الملقحة في الزجاج وتتم عليها دراسة جينية للتأكد مما إذا كانت البيضة سويّة فتنقل إلى جوف الرحم أو كانت مؤوفة فتتلف. كذلك مكّنت الهندسة الوراثية من تصنيع كميات هائلة من علاجات مهمة (كانت تستخلص من الحيوانات) وذلك بتأشيب recombination حمض الدنا ثم بزرعه في مزارع جرثومية تقوم باصطناع الهرمون الإنساني بسرعة مثل الأنسولين وهرمون النمو والغلوبولين المضاد للناعور. والتأشيب تعديل طبيعي أو صناعي يطرأ على توزع الجينات ويؤدي إلى ظهور أنماط جينية جديدة. وهناك معضلات أخلاقية ودينية وصحية برزت وتبرز بعد انتشار هذه الطرق الحديثة من الهندسة الوراثية ومن تقانات الإخصاب المساعد تحتاج إلى وضع ضوابط ناظمة ودراستها ومحاكمتها كي لا تنحدر الإنسانية في متاهات المفاهيم المادية الصرفة أو تتعرض لأخطار بيئية كونية.

صادق فرعون

 

 مراجع للاستزادة:

 

- A.C.Guyton et al.: Human physiology & Mechanisms of Disease, 6th Ed. (WB Saunders Co., USA 1997).


- التصنيف : طب بشري - النوع : صحة - المجلد : المجلد السابع، طبعة 2003، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 859 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة