logo

logo

logo

logo

logo

ميزو أمريكا (حضارات-)

ميزو امريكا (حضارات)

Mesoamerican civilization - Mésoamérique

ميزوأمريكا (حضارات ـ)

 

يُستخدم مصطلح ميزوأمريكا Mesoamerica للدلالة على تاريخ بعض شعوب القارة الأمريكية الوسطى وحضارتهم، وبخاصة المكسيك وغواتيمالا وهندوراس ونيكاراغوا والسلڤادور وكوستاريكا. وهو مصطلح يحمل دلالات تاريخية وحضارية أكثر من دلالته الجغرافية.

استخدم هذه التسمية أول مرة المؤرخ بول كيرشوف P.Kirchoff وذلك في أربعينات القرن الماضي؛ لدراسة حضارات صنعتها شعوب مختلفة عرقياً ولغوياً؛ لكن تجمعها قواسم مشتركة سواء في مجالات المعتقدات أم الطقوس أم البناء والعلوم وغيرها.

منظر عام لموقع مونت ألبان الذي يعد المركز الاحتفالي لحضارة زابوتيك

دلت الدراسات على أن الإنسان الأول قد وصل إلى القارة الأمريكية قادماً من منطقة شمال شرقي آسيا عبر مضيق بيرنغ Behring منذ نحو 15 ألف سنة خلت؛ عندما كان هذا المضيق أرضاً يابسة ثم تحرك هذا الاستيطان مع مرور الزمن ليشمل في الألف الثامن ق.م مختلف مناطق القارة الأمريكية. وينسب الباحثون إلى هذه المرحلة ما أصبح يُعرف باسم الحضارات الهندية القديمة Paleo-Indian Cultures التي أخذت تسميات مختلفة مثل: كلوڤـيس Clovis وفولسوم Folsom وغيرها من حضارات الصيد والالتقاط.

لكن الحضارة الأقدم والأم التي أتت منها بقية حضارات ميزوأمريكا الزراعية المستقرة والمزدهرة، هي حضارة الأولمك Olmec التي عاشت في المرحلة الواقعة بين 1200ـ 400  سنة ق.م. اشتهرت حضارة الأولمك ببناء المراكز الاحتفالية ceremonial centers التي ضمت المعابد الكبيرة والملاعب والأبنية الإدارية ذات الزخارف والمنحوتات الجميلة والنفيسة مثل معبد سان لورنزو San Lorenzo قرب خليج المكسيك. وهناك فنون النحت الواقعية وغير الواقعية التي دلت عليها تماثيل نصفها بشرية ونصفها الآخر حيواني (نمر) (Were-jaguar)، وهي تشير إلى معتقدات أو آلهة معينة (إله المطر). وقد تركت حضارات الأولمك تأثيرات واضحة في بقية الحضارات الأمريكية اللاحقة وخاصة حضارات وادي أواكساكا Oaxaca في المكسيك حيث نشأت أولى المدن الأمريكية الوسطى.

«الراقصون» من أهم المنحوتات المكتشفة في موقع مونت ألبان

الحضارة الميزوأمريكية الثانية هي حضارة زابوتيك Zapotec التي عاشت في المرحلة الكلاسيكية classic الواقعة بين 500ق.م ـ 800م، ومن أهم مراكزها موقع مونت ألبان Monte Alban في المكسيك، وهو مركز احتفالي ضخم قُدّر عدد سكانه بنحو 50 ألف إنسان، بُني فوق تلة صناعية تُشرف على وادي أواكساكا واشتهر بالمعابد الكبيرة مثل معابد إله العاصفة وأرواح الأجداد. وهناك المنحوتات المتميزة وأهمها «الراقصون» Danzantes التي تشير إلى قادة أو آلهة أو غير ذلك. ولهذه الحضارة إنجازات في مجال الفلك ـ التقويم السنوي والعلوم والرياضيات ـ كما تعود إليها أولى الكتابات الهيروغليفية التي وُجدت في القارة الأمريكية. بالتزامن مع هذه الحضارة ظهرت حضارة مدينة تيوتيهواكان Teotihuacan الواقعة في حوض المكسيك والتي تعدّ أكبر موقع معماري وديني وتجاري واقتصادي وإداري وعسكري وأهمه في الحضارات الميزوأمريكية. تجاوز عدد سكانه في القرن الخامس الميلادي الـ 150 ألف نسمة، واحتوى على الأهرامات والمعابد الضخمة لإله الشمس والقمر وتعاصر لبعض الوقت مع موقع آخر هو شولولا Cholula الذي بقي مسكوناً حتى اليوم، وكُشف فيه عن أكبر معبد في أمريكا الوسطى من ذلك العصر.

كما تعاصرت حضارة زابوتيك ـ جزئياً ـ مع حضارة ميكستِك Mixtec التي اشتهرت بأوانيها الفخارية الملونة والرائعة وتماثيلها النصفية الجميلة والمميزة. وقد أدت الصراعات بين الزابوتيك والميكستِك ـ إضافة إلى تردي الظروف المناخية ومن ثم تدهور الأحوال الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ـ إلى انهيار هذه الحضارة. وفي زمن معاصر تقريباً ظهرت حضارة كبرى أخرى هي حضارة المايا[ر] Maya التي بلغت أوج ازدهارها بين سنة 200ـ850 م، ومثلت قمة إنجازات الحضارات الميزوأمريكية في جميع المجالات المعمارية والفنية والدينية والفلكية. تلا ذلك ازدهار حضارة التولتك Toltec التي عاشت في المرحلة بعد الكلاسيكية post-classic بين 900ـ1100م، وهي أيضاً إحدى أهم حضارات ميزوأمريكا. كان التولتك محاربين أشداء سيطروا بالقوة على جزء كبير من وسط أمريكا، كما دلت على ذلك المكتشفات التي أتت من عاصمتهم الشهيرة تولا Tula، ويُعتقد أنهم أسلاف حضارة الأزتيك [ر]Aztec، وهي الحضارة الميزوأمريكية العظيمة والأخيرة. يعود الأزتيك في أصولهم إلى مجموعة من الشعوب المتنقلة والمحاربة المسماة شيشيمِك Chichimec التي عاشت في حوض المكسيك منذ نحو منتصف القرن الثاني عشر الميلادي. كان الأزتيك محاربين أيضاً فرضوا سيطرتهم على أجزاء واسعة من أمريكا الوسطى، منطلقين من عاصمتهم الشهيرة تينوشتيتلان Tenochtitlan التي نظموها بطريقة فريدة من نوعها؛ إذ قاموا بتجفيف المستنقعات وإنشاء الجزر الصناعية وإقامة شبكة من الأقنية والشوارع الرئيسية والفرعية وتوزيع دقيق للأبنية والأحياء بما في ذلك الأبنية الدينية كالمعبد الكبير الهرمي والمتدرج المخصص لإله المطر والعاصفة، وملاعب الكرة (Ball courts) ذات المضامين الدينية والروحية والتي تعكس ليس فقط معارفهم الكونية المتطورة وغيرها؛ بل سلطتهم السياسية والتجارية الواسعة التي جمعت المنطقة في امبراطورية واحدة، وبقيت قوية حتى أتى الاستعمار الإسباني ليدمر عاصمة المايا ويقضي عام 1522م على هذه الامبراطورية التي جسدت آخر حضارات ميزوأمريكا وأعظمها والتي لازال ورثتها الهنود الحمر يعيشون حتى اليوم.

سلطان محيسن

 مراجع للاستزادة:

 

- T. D. PRICE & G. M. FEINMAN, Images of the Past, (Mayfield Publishing Company. California, USA 2001).

- M.B.FAGAN Kingdoms of Gold, Kingdoms of Jade, The Americas Before Columbus, (Thames & Hudson, London 1992).


التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
المجلد: المجلد العشرون
رقم الصفحة ضمن المجلد : 236
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1746
الكل : 52903822
اليوم : 158110

الهنود الحمر في أمريكا الشمالية (فن-)

الهنود الحمر في أمريكا الشمالية (فن ـ)   تتصل أمريكا الشمالية بآسيا بوساطة مضيق بيرينغ Bering إذ كان سبيلاً انتقلت عبره الأقوام الآسيوية إلى هذه الأرض الجديدة، وفيها كوّنوا أقواماً أطلق عليها الغزاة الإسبان اسم الهنود الحمر الذين لم يلتحموا اجتماعياً مع أقوام الأسكيمو[ر] السكان الأصليين الذين حافظوا دائماً على تقاليد حياتهم الخاصة.
المزيد »