logo

logo

logo

logo

logo

المومياء

مومياء

Mummy - Momie

المومياء

 

حب البقاء ظاهرة إنسانية متغلغلة في أعماق النفس البشرية، فالإنسان يحب استمرار حياته ويكره فناء جسده، ولذلك سعى في المشرق عامة وفي مصر خاصة إلى تحقيق هذا الهدف كل بوسائل بيئته، فالمصري استخدم التحنيط، فحفظ به جثث الملوك و بعض الأمراء والكهنة، وقد أطلق الباحثون على هذه الجثث المحنطة اسم المومياء mummy. و من المحتمل أن التسمية فارسية تعني القار، إذ ظن الفرس أن سواد جلد المومياء ناتج من استخدام القار بالتحنيط.

نشأ التحنيط ليخدم عقيدة دينية مصرية أساسها الحياة بعد الموت؛ أي عودة الروح إلى جثة المتوفى، وبذلك يعود صاحبها إلى التنعم بالحياة كما كانت الحال قبل الوفاة، و قد وضع الباحثون نظريات عدة عن كيفية نشوئه، فبعضهم رأى أن التحنيط نشأ لأن الإنسان الكائن الوحيد الذي يحلم، و بذلك فقد كان المصري يرى أمواته يعيشون كالأحياء تماماً، أو أن البيئة المصرية ساعدت على خلق هذا الانطباع (الحياة بعد الموت). فقد كانت رمال الصحراء تمتص السوائل التي تخرج من جسم المتوفى، وهكذا كانت الشمس تجففها تجفيفاً طبيعياً، وقد نتج من هذا احتفاظ الجثة بملامح صاحبها في أثناء حياته. وقد عاين المصريون هذا من خلال وحوش الصحراء أو اللصوص الذين يعتدون على المقابر.

الموميات الملكية

مومياء ستي الأول

نحت ملوك مصر و أعيانها ـ بدءاً من عصر الدولة المصرية الحديثة (1580ـ 1578 ق.م) ـ قبورهم في الجانب الغربي من الجبل المطل على مدينة طيبة العاصمة، ودفنوا مومياتهم في قبورهم تلك. و هكذا تشكل ما يُعرف بوادي الملوك، الذي حوت مقابره الموميات المصرية إلى نهاية العصر الفرعوني 332 ق.م. ولكن اللصوص استطاعوا الوصول إلى معظمها وتجريدها من محتوياتها الثمينة، وقد استفحل هذا الأمر في عصر الأسرة الحادية و العشرين (1087ـ 945 ق.م)، ولذلك قام كهنة هذه الأسرة المخلصون بوضع موميات الملوك و غيرهم في مخابئ بالدير البحري، حيث ظلت هذه المخابئ مغلقة لم تمس إلى أن كشفها أهالي قرية القرنة في العصر الحديث في عام 1881 وعام 1891م، و قد تم نقل جميع ما عثر عليه من موميات و أثاثها الجنزي إلى متحف القاهرة، وعرضت فيما بعد في قسم خاص من المتحف المصري بالقاهرة تحت اسم متحف الموميات.

كانت صناديق الموميات على هيئة آدمية تغطيها مناظر دينية ـ متعددة الألوان ـ ونصوص.

وهذه المجموعة العظيمة الموجودة في المتحف المصري اليوم يرجع تاريخها إلى عصر الدولة المصرية الحديثة، وكان من أعظمها موميات ملوك مصر من الأسرة الثامنة عشرة والتاسعة عشرة والعشرين، منها على سبيل المثال: مومياء أحمس الأول و تحوتمس الثالث وأمنحُوتب الثاني وستي الأول ورعمسيس الثاني ومرنبتاح ورعمسيس الثالث وخير نموذج للموميات المصرية التي لم يعبث بها اللصوص هي مومياء الملك توت عنخ آمون الذي عثر على مقبرته عام 1922 م. وفيما يأتي وصف لتابوت المومياء:

عُثر في وسط حجرة الدفن على تابوت من الحجر الرملي الكوارتزي، وبداخله تابوت الملك المغطى بصفائح الذهب وهو يمثله بالملابس الملكية، وقد أمسك بإحدى يديه العصا المعقوفة المسماة «حقا» وهي رمز الحكم، وفي الأخرى الصولجان المعروف باسم «نخخ» وهو السوط الذي يرمز إلى القوة والسلطان. وأجمل ما في التابوت هذا القناع المصنوع من الذهب المرصع بالفيروز والعقيق الأحمر والزجاج الملون، ومن الجدير ذكره أن آثار مقبرة توت عنخ آمون معروضة في المتحف المصري بالقاهرة بجناح خاص يحمل اسم الملك.

الموميات الإلهية

قدس المصريون المظاهر العجيبة في كثير من الحيوانات وعدّوها من الدلائل الإلهية الكامنة في هذه الحيوانات، ولذلك قدست بعض الحيوانات عندهم كالقطة واللبوة والتمساح والثور والبقرة والكبش. وظن الناس قديماً وحديثاً أن المصريين عبدوا الحيوان نفسه، وهذا غير صحيح، فتقديسهم للحيوان ماهو إلاتقديس للمظهر الإلهي الخارق الذي يحمله حيوان ما حسب اعتقادهم. وتعدّ عبادة العجل المقدس «أبيس» من أشهر العبادات التي سادت في أواخر العصر الفرعوني، ولا تلتبس على القارئ التسمية (أبيس) فهي يونانية وكل ما عداها مصري فرعوني، والألوهية هنا مقتصرة على عجل له مواصفات خاصة؛ منها سواد لونه وبقع بيضاء تزين جبهته وعنقه وظهره، وإذا مات أبيس فإن الحزن يعمّ مصر بأسرها، مثلما يعمّها الفرح عندما يعثر الكهنة على بديل حي له، ولا عجب في ذلك فظهوره تجسيد حي لإله منف القديم «بتاح»، إذن؛ فمن المنطقي أن تكون منف عاصمة مصر القديمة مركزاً لعبادة الإله «أبيس».

حنط المصريون الثور المقدس أبيس وأقاموا له المقابر العظيمة التي تليق بقدسيته، فقد عثر مارييت Mariette على جبّانة في سقّارة تُعرف باسم السرابيوم Serapeum طولها نصف كيلو متر، منحوتة بباطن الصخر، تتكون من عدة حجرات في كل منها تابوت من حجر الغرانيت، يحوي جثة ثور محنطة. ويصف الباحث الكبير غاردنر Gardner هذه المقبرة بقوله: استطاع مارييت أن يدخل إلى السرداب السفلي الذي كانت عجول أبيس مدفونة فيه، وكانت هناك توابيت ضخمة تضم موميات ما لا يقل عن أربعة وستين ثوراً. يرجع أقدمها إلى عهد أمنحوتب الثالث وأما آخرها فيلحق بأعتاب العصر المسيحي. كما اكتشفت مقبرة أخرى على بعد عدة كيلو مترات من السرابيوم السابق، وهي مخصصة للبقر أمهات العجل أبيس .

وهكذا يمكن القول إن المصري آمن بعقيدة دينية من أهم أركانها الحياة بعد الموت، وغني عن القول أن بيئته كانت الملهم الأول له بهذه العقيدة، فالنيل يفيض بعد تناقصه والزرع ينبت بعد حصاده والشمس تشرق بعد مغيبها، إذن؛ فالإنسان يعيش بعد موته، ولكن بشرط الاحتفاظ بجثته سليمة بوساطة التحنيط، وحفظها داخل مقبرة فخمة مزودة بالأثاث الفاخر .

محمود عبد الحميد أحمد

 الموضوعات ذات الصلة:

 

التحنيط ـ مصر القديمة.

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ غاردنر، مصر الفراعنة، ترجمة نجيب ميخائيل ابراهيم (القاهرة 1937).

ـ جيمس بيكي، الآثار المصرية في وادي النيل، ترجمة شفيق فريدة (القاهرة 1967).

ـ سليم حسن، الطب المصري القديم (القاهرة 1964).


التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
المجلد: المجلد العشرون
رقم الصفحة ضمن المجلد : 112
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1107
الكل : 40558226
اليوم : 88041

مكتاغرت (جون-)

مَكْْتاغَرْت (جون ـ) (1866ـ 1925)   جون م. إليس مَكْتاغَرْت (مَكْتغارت) John M. Ellis McTaggart فيلسوف مثالي إنكليزي، ولد في لندن ودرس في جامعة كمبردج وحصل على البكالوريوس في الآداب سنة 1888، ثم عُيِّن أستاذاً في جامعة كمبردج منذ سنة 1897حتى تقاعده في سنة 1923. تأثر بالحركة الهيغلية الإنكليزية وأصبح فيما بعد من أكبر دعاتها، كانت له دراسات معمقة لفلسفة هيغل[ر] أثمرت عن ثلاثة مؤلفات ممتازة: «دراسات في الديالكتيك الهيغلي» Studies in the Hegelian Dialectic ت(1896) و«شرح على منطق هيغل» A Commentary on Hegel’s Logic ت(1910) و«دراسات في الكوسمولوجيا الهيغلية» Studies in Hegelian Cosmology ت(1901).
المزيد »