logo

logo

logo

logo

logo

نيرون

نيرون

Nero - Néron

نيرون

(37 ـ 68م)

 

نيرو كلاوديوس قيصر غِرمانيكوس Nero Claudius Caesar Germanicus امبراطور روماني شهير (54-68م) وإن كانت شهرته تعود إلى الجرائم والأحداث الرهيبة الدامية التي جرت في عهده. وهو ابن أغربينا الصغرى Agrippina Minor، حفيدة الامبراطور أغسطس- من زوجها الأول دوميتيوس أهنوباربوس Domitius Ahenobarbus .تبناه زوج أمه (الثاني) الامبراطور كلاوديوس Claudius ت(41-45م)  وزوّجه ابنته أوكتاڤيا Octavia عام 53م فصار بمنزلة ولي العهد. وبعد موت كلاوديوس (مسموماً على يد زوجته أغربينا) رفعه الحرس الامبراطوري إلى سدة العرش في روما، وهو في السابعة عشرة من عمره.

ولد نيرون في ضاحية أنتيوم Antium قرب روما، وهو ينتمي إلى أسرة كلاوديوس الشهيرة. فقد أباه المغمور وهو ابن ثلاث سنوات ونُفيت أمه بسبب طموحاتها السياسية، فنشأ على أيدي العبيد والأرقاء. ثم تولى تربيته الأديب والفيلسوف الرواقي سينيكا[ر] Seneca، ولكن بعد أن اشتد عوده ورسخت طبائعه وظهرت ميوله ومواهبه الفنية منذ نعومة أظفاره؛ صار يهوى الموسيقى والشعر وسباق الخيول والعربات.

كانت أمه ابنة غِرمانيكوس امرأة فائقة الجمال، ذكية وموهوبة في السياسة ولكنها طموحة إلى أبعد الحدود، ولم تتورع عن دس السم لزوجها كلاوديوس لتوصل ابنها إلى العرش وتحكم من ورائه.

بدأت رئاسة نيرون بفترة من الحكم الصالح الرشيد في الداخل والخارج، ويعود الفضل في ذلك إلى توجيهات أستاذه سينيكا وقائد الحرس الامبراطوري بورّوس Burrus وإمساكهما بزمام الأمور. فقد وعد نيرون مجلس الشيوخ في خطاب العرش بإشراكه في الحكم وإزالة المظالم والمحاكمات العرفية. وهلّل الناس للامبراطور الشاب وتنبأ الشعراء بميلاد عصر ذهبي، وصدقت التوقعات حقاً في سنوات حكمه الأولى.

انصرف نيرون في أثناء ذلك لممارسة هواياته وإشباع رغباته، فكان يخرج ليلاً إلى حانات روما ويتجول في شوارعها متخفياً برفقه حرسه، همه الجري وراء حياة اللهو والتسلية. كان يؤرقه وجود منافس محتمل له يتمثل في بريتانيكوس Britannicus ابن الامبراطور كلاوديوس، فدس له السم للتخلص منه (55م). وبدأ يهيم حباً بزوجة أحد أشراف الرومان وتدعى بوبايا سابينا Poppaea Sabina. وبتأثير من عشيقته هذه احتدم الصراع على السلطة بين الأم وابنها، وقاد إلى إحدى أكبر الجرائم في التاريخ الروماني، إذ دبر الابن مصرع أمه عام 59م، فماتت وهي تلعن الجنين الذي حملته.

وبعد موت القائد بوروس عام 62م فضل الفيلسوف سينيكا الانسحاب من الساحة السياسية، وبذلك تحرر نيرون من كل القيود وصار طليق اليدين في ممارسة سلطاته المطلقة يساعده قائد حرسه الجديد تيجلّينوس Tigellinus. أراد التخلص من زوجته أوكتاڤيا التي طلقها ثم نفاها وأخيراً أمر بإعدامها عام 62م؛ لأنها كانت حجر عثرة أمام زواجه من عشيقته سابينا، التي لم يطل بها العمر معه وماتت بعد ثلاث سنوات. وقد هزت جريمة مقتل أوكتافية الشعب الروماني بالحزن والأسى.

وفي عام 64م شبّ في روما حريق مروع استمر عشرة أيام، وأتى على شطر كبير من المدينة، فدمر عشرة من أحيائها الأربعة عشر. كان نيرون عند اندلاع الحريق خارج العاصمة وعندما عاد إليها اهتم بالتخفيف عن الناس ومصابهم بإيوائهم وتوزيع الحبوب والأغطية عليهم. واستغل الحريق لتنفيذ خطط بناء عظيمة كان أعدها لمدينة روما وعلى رأسها بناء قصره الذهبي. وسرت شائعة تقول إنه وقف يردد أنشودة حريق طروادة أمام النيران المشتعلة. واتهمه الناس بتدبير الحريق مع أنه لا يوجد أي دليل على صحة هذا الاتهام. ومن أجل امتصاص مشاعر النقمة ودفع التهمة عن شخصه بحث عن كبش فداء فوجده في الطائفة المسيحية في روما وبدأ أول اضطهاد للمسيحيين، ومن المعتقد أن الرسولين بطرس وبولس ذهبا ضحيته.

وفي عام 65م دبرت الأوساط الأرستقراطية والرواقية مؤامرة كبيرة للتخلص منه تزعمها بيزو C. Calpurnius Piso، ولكن تم اكتشافها وبدأت حملات الاعتقال والتعذيب والقتل وأجبر أستاذه سينيكا وكذلك الشاعرين يوڤينال[ر] Juvenalis وبترونيوس Petronius على الانتحار، وصودرت أملاك الضحايا وأموالهم، وانفرج الستار عن جو من الرعب تحول إلى كابوس من المؤامرات والاغتيالات فكان المادة الأولى لمآسي سينيكا.

وبينما كانت آثار هذا الفساد تقتصر على روما أو على حاشية نيرون فقط، كانت الإدارة الامبراطورية تقوم بمهامها على خير وجه، وكان الرخاء هو الظاهرة السائدة في الولايات، وكانت الاضطرابات تجابه بحزم وقوة.

ففي بريطانيا اندلعت ثورة جامحة بقيادة الملكة بوديكا Boadicea عام 61م، سببها سوء الإدارة وجشع محصلي الضرائب الرومان، ولكنه تم القضاء عليها ومعالجة المظالم والتجاوزات.

وفي ولاية يودايا Judaea في فلسطين نشبت اضطرابات تحولت إلى حرب وثورة، فأُرسل القائد ڤسباسيان Vespasianus مع ثلاث فرق رومانية لقمعها، ولكن الأحداث التي رافقت مقتل نيرون أخرَّت القضاء عليها نهائياً حتى عام 70م.

أما على الحدود الفرثية فكان هناك قتال متقلب دام عدة سنوات انتهى بإحراز القائد كوربولو Corbulo انتصارات باهرة في أرمينيا أدت إلى توقيع اتفاقية مع الفرثيين دامت نصف قرن، وتقضي بأن تكون أرمينيا دولة تابعة للرومان يحكمها ملك من الأسرة الفرثية تختاره روما. وهكذا جاء ملك أرمينيا تيريداتيس Tiridates مع حاشيته إلى روما عام 66م لتلقي التاج من يد نيرون، وكان لهذا الحدث تأثير كبير في نفوس معاصريه الذين رأوا فيه خضوع الشرق للغرب وأنه من الأمجاد التي تحققت في عهد نيرون.

كما كان نيرون يطمح في الحصول على أمجاد فنية، لذلك أقام عام 60م احتفالات وألعاباً رياضية ومباريات موسيقية وشعرية وخطابية أظهر فيها مواهبه وعرفت باسم المباريات النيرونية Neronia، وأقيمت مرة أخرى بعد خمس سنوات. كان نيرون محباً للهيلينية Philhellene، وقد دفعه ولعه الشديد بالثقافة والفنون الإغريقية إلى السفر إلى بلاد اليونان عام 67م بصحبة فرقة من الشباب الأرستقراطي على شاكلة الملوك الهلنستيين، وذلك على أمل أن يجد التقدير اللائق لمواهبه في المحيط الهيليني. وهناك عرض مواهبه الفذة شاعراً وعازف قيثار وسائق عربات لايبُارى في الألعاب والمباريات الإغريقية في اولمبيا Olympia ودلفي Delphi، وغنّى في موطن ربات الشعر والفن وعاد إلى إيطاليا وهو يحمل 1800 تاج بعد أن حصد كل الجوائز تقديراً لعبقريته. وفي تلك الرحلة أعلن حرية بلاد الإغريق وإعفاءها من الضرائب، كما دشن بدء العمل بحفر قناة «كورنثه» لتصل بين بحر إيجة والبحر الأيوني (ولكن الأعمال توقفت بعد موته)، وهو مشروع رائد لم يتحقق إلا في القرن العشرين.

ومن مشروعاته العمرانية الكبيرة إعادة تخطيط روما وتحديثها بعد الحريق الكبير، وإقامة قصره الشهير الذي عرف بالبيت الذهبي Domus Aureus والذي نصب أمامه تمثالاً هائلاً لإله الشمس يحمل ملامح نيرون.

كان نيرون يحظى بشعبية كبيرة لدى جماهير العامة الذين لم يبخل عليهم بالهبات والمساعدات وإقامة الألعاب والاحتفالات الفخمة للترفيه عنهم، ويتمتع بسمعة طيبة في الشرق الهلنستي؛ إذ تذكره النقوش بوصفه «منقذ العالم» وتقارنه بالبطل هرقل والإله أبولون Apollon حامي ربات الفنون.

خضعت شخصية نيرون لتحليلات علماء النفس الذين وجدوا أن حبه للفن وتعلقه به من أكثر طباعه أصالة وعمقاً، كما أكدوا طبيعته الباثولوجية (المرضية) وأن السادية كانت إحدى صفاته، مثلما أيضاً خوفه المرضي من المنافسين، وهذا ما دفعه إلى التخلص من كل من يمكن أن يدّعي العرش، ولذلك أعاد العمل بقانون الإساءة إلى جلالة الامبراطور الذي ذهب ضحيته كثير من المعارضين لحكمه.

وبسبب مشروعاته الكبيرة وبذخه وصلت الخزينة العامة إلى درجة الإفلاس فقام بتخفيض قيمة العملة، ثم لجأ إلى عمليات المصادرة وإلصاق تهمة الخيانة العظمى ببعض الأغنياء لمصادرة أموالهم، وطال الإرهاب الأثرياء وكبار الأرستقراطيين.

وأخيراً عندما أمر نيرون - بعد الكشف عن مؤامرة جديدة - القادة العسكريين من أمثال كوربولو بالانتحار فقد شعبيته وانعزل عن كل الطبقات، وصارت الجيوش في حالة من الفوضى والتمرد، فأعلنه مجلس الشيوخ عدواً للشعب الروماني وتخلى عنه الحرس الامبراطوري، فأصابه اليأس والخذلان والتجأ إلى أحد القصور وقضى منتحراً بذات يده، وأُزيلت ذكراه وألغيت مراسيمه وألقابه. وكانت تلك نهاية آخر امبراطور من الأسرة اليولية - الكلاودية ونهاية حكم الطبقة الارستقراطية الرومانية في آن معاً.

صار نيرون في أعين الأجيال اللاحقة - مثلما في التاريخ الروماني- رمزاً للقسوة والدموية، وقد رسم له المؤرخان تاكيتوس[ر] Tacitus وسويتونيوس[ر] Suetonius صورة مدهشة، الامبراطور الشاذ، المجنون والدموي، وضاعف هذه اللوحة قتامة أنه كان بالنسبة إلى المسيحيين أول مضطهديهم. وقد انتقلت صورة نيرون الطاغية المستبد إلى الأدب العربي؛ إذ خصه الشاعر خليل مطران بقصيدة تحمل اسمه يقول فيها:

كلُّ قومٍ خالقُو نيرونِهم           

قيصر قيلَ لهُ أمْ قيلَ كسرى

محمد الزين

 

 الموضوعات ذات الصلة:

 

أرمينيا ـ بريطانيا ـ تاكيتوس ـ الرومان ـ سويتونيوس ـ سينيكا ـ كلاوديوس.

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ محمد الزين، دراسات في تاريخ الرومان (جامعة دمشق 1987).

- G. C. PiCARD, Auguste et Néron; le secret de l’ Empire (Paris 1962).

- B. H. WARMINGTON, Nero,Reality and Legend (London 1969).


التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد الواحد والعشرون
رقم الصفحة ضمن المجلد : 209
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1076
الكل : 40500256
اليوم : 30071

الجرائم الواقعة على الأموال

المزيد »