logo

logo

logo

logo

logo

نيبور (نيبرو)

نيبور (نيبرو)

Nippur - Nippur

نيبّور (نيبرو)

 

يرد اسم المدينة في النصوص المسمارية بصيغة نيبرو Nipru ونيبّور Nippur، ويكتب بالعلامات المسمارية التي يكتب بها اسم إنليل- أهم الآلهة في ديانة بلاد الرافدين القديمة- مع إضافة العلامة الدالة على أسماء المدن إليها. ولما كانت هذه المدينة هي المركز الرئيس لعبادة إنليل فقد عدّت أهم المراكز الدينية في جميع عصور حضارة بلاد الرافدين القديمة حتى من دون أن تصبح عاصمة لأي سلالة حاكمة في أي من تلك العصور. ويعرف موقع هذه المدينة في الوقت الحاضر باسم نفر، وهو امتداد لاسمها القديم.

يبعد موقع نيبور نحو180كم إلى الجنوب الشرقي من بغداد حالياً، ويغطي مساحة تقرب من 0.5كم2 ـ 1.5كم2. ويبلغ ارتفاع أعلى نقطة في الموقع 25م فوق مستوى السهل المحيط به. يشتمل هذا الموقع على تلال عدة تبرز على جانبي أخدود عميق يدعى محلياً شط النيل، وهو عبارة عن المجرى الجاف للقناة التي كانت تخترق المدينة في العصور القديمة. ويقوم الموقع حالياً على حافة صحراء مغطاة بالكثبان الرملية، وتشهد المواقع الأثرية المحيطة به على أن نيبّور لم تكن مجرد مدينة كبيرة قائمة بذاتها، وإنما كانت مركزاً لتجمع مدن لها وظائف ذات صلة بدور هذه المدينة بوصفها المركز الديني الرئيس في بلاد الرافدين القديمة.

لفت موقع نفر انتباه منقبي الآثار الرواد في وقت مبكر، إذ بدأ البريطاني أوستن هنري ليرد Austen Henry Layard التنقيب هناك في عام 1851م بوساطة فتح خنادق في مواضع متفرقة من الموقع، ثم توقفت البعثة عن العمل في عام 1887م. أرسلت جامعة بنسلفانيا الأمريكية بعثة للتنقيب في نفر؛ غير أنها لم تتبع آنذاك طرق تنقيب علمية، وإنما اعتمدت أسلوب حفر الخنادق والأنفاق وإبقاء الأتربة الناتجة من الحفر على سطح الموقع نفسه، مما سبّب تشويهاً وتخريباً للطبقات. وكان ذلك كله من أجل تحقيق اكتشافات سريعة، وهذا ما حصل، فقد استخرج ما يقارب 17000 رقيم مسماري، ولكن ضاعت معلومات مهمة بسبب طريقة التنقيب تلك. وقد تغير أسلوب التنقيب في نفر في العقد الأخير من القرن التاسع عشر، فصار أكثر دقة، ولعل نتائج تلك التنقيبات كانت حافزاً لتأسيس متحف بنسلفانيا الجديد في عام 1898م. توقفت التنقيبات الأمريكية في نفر مع بداية القرن العشرين، حتى عام 1948م حينما استأنفت جامعة بنسلفانيا التنقيب بمشاركة المعهد الشرقي في جامعة شيكاغو. دامت هذه المشاركة حتى عام 1990م. وكان مجموع مواسم التنقيب من عام 1948 إلى عام1990 م تسعة عشر موسماً.

نيبور: الزقورة

تعد نيبّور واحدة من أقدم المدن في جنوبي بلاد الرافدين، وقد سُكنت منذ الألف السادس قبل الميلاد إلى نحو 800م، أي إنها استمرت قائمة لما يقارب من ستة آلاف عام، فقد أثبتت المجسات العميقة والكسر الفخارية المتناثرة أن هذا الموقع كان موجوداً في دور العبيد. ومن أوائل الألف الرابع قبل الميلاد اكتشف فخار أوروك وآثار جمدة نصر في الجزء الغربي من الموقع. في الألف الثالث قبل الميلاد امتدت أرجاء المدينة على كلا جانبي القناة الرئيسة التي تتوسط الموقع. ووصلت نيبّور إلى أقصى اتساع لها في عصر سلالة أور الثالثة (2112 -2004ق.م) حيث بلغت مساحتها 135هكتاراً، حينذاك توسعت الأحياء السكنية باتجاه الجنوب وعززت أسوار المدينة. وفي الألف الثاني تقلصت مساحة المدينة، وبحدود عام 1720ق.م كادت أن تُهجر تماماً بسبب تحول مجرى نهر الفرات عنها، لكن تلك الفترة انتهت بحلول القرن الرابع عشر قبل الميلاد تحت الحكم الكاشي حين عاد نهر الفرات يجري في غرب المدينة وتحول مجراه القديم إلى قناة تخترق وسطها. وفي الألف الأول قبل الميلاد شهدت نيبّور ازدهاراً واضحاً منذ بداية القرن السابع قبل الميلاد. ولم يقتصر السكن في المدينة في القرن السادس قبل الميلاد على البابليين والآراميين فقط، وإنما حلت أقوام أخرى فيها وفي المناطق المحيطة بها. فكان هناك الليديون والفريجيون القادمون من غربي بلاد الأناضول وشرقيها، وفضلاً عن هؤلاء الأقوام وجد أيضاً إغريق وفلسطينيون من غزة ومجموعات من أهالي صور، وأصبح بالإمكان إحصاء تسع وثمانين مستوطنه تطل على ستين قناة محيطة بنيبّور آنذاك.وقد حظيت المدينة بمكانة خاصة في أثناء حكم الأخمينيين (550-330ق.م)، وإلى ذلك العصر يعود الأرشيف المكتشف الذي يخص أسرة «موراشو» الغنية، ويوثق نشاطاتها الاقتصادية. ويدل العدد الكبير من النقود السلوقية التي اكتشفت في موقع المدينة على أهميتها في العصر الهلنستي. وقد استمرت هذه المدينة مزدهرة في العصور الساسانية والإسلامية المبكرة (242-750م) وتطورت كثيراً في العصر العباسي الأول، حينما كانت بغداد عاصمة للدولة. وفي العصر العثماني لم تكن هناك سوى قرى متناثرة فوق سطح موقع نفر.

لوح طيني يعود تاريخه إلى منتصف الألف الثاني قبل الميلاد يحمل خريطة نيبور

تتميز مدينة نيبّور بمعابدها، وأهم هذه المعابد هو الخاص بالإله إنليل، وموضعه في الجهة الشمالية -الشرقية من المدينة، وعلى مقربة منه تقوم زقورة[ر] المدينة. وإلى جنوب غربي الزقورة يوجد معبد الإلهة إنانّا الذي تم النزول فيه إلى عمق ستين قدماً تقريباً، حيث اكتشفت طبقاته المتتابعة التي وصل عددها إلى خمس وعشرين، تبتدئ بطبقة العصر الفرثي في حدود القرن الأول الميلادي. ومن بين الرقم الطينية المكتشفة في نيبّور رقيم يحمل نصاً أدرجت فيه أسماء اثنين وعشرين معبداً كانت موجودة في المدينة في العصر الكاشي حينما دون ذلك النص. ومن الملاحظ أن المكتشفات التي أدت إليها التنقيبات الأثرية في موقع هذه المدينة تدل على أهميتها الدينية - الثقافية. وعلى الرغم من أن التنقيب لم يشمل جميع أرجاء الموقع فقد وصل عدد الألواح الكتابية المكتشفة إلى ما يقرب من ثلاثين ألفاً دوِّن أكثرها باللغة السومرية، ومن بينها 2100 نص أدبي، وهذا يعني أن معظم النصوص السومرية جاءت من مدينة نيبّور.

أما النصوص الأكادية فتشمل المعاجم ومجاميع نصوص الفأل والنصوص الطبية والفلكية. وقد اكتشفت أغلبية الرقم الكتابية في البيوت السكنية التي كشف عنها فيما عرف بـ «حيّ الكتبة» في جنوب شرقي الموقع. ومن المكتشفات المهمة لوح طيني يعود تاريخه إلى منتصف الألف الثاني قبل الميلاد يحمل خريطة لمدينة نيبّور وقد دونت عليها بالخط المسماري أسماء الأبنية المهمة والقنوات والبوابات، وقد كشفت التنقيبات الأثرية عن صحة المعلومات التي تقدمها هذه الخريطة التي يمكن عدّها أقدم خريطة لمدينة في التأريخ.

                  

نائل حنون

 

 الموضوعات ذات الصلة:

 

السومريون.

 

 مراجع للاستزادة:

 

- M. D. ELLIS (ed.), Nippur at the Centennial (Philadelphia 1992).   

- GWENDOLYN  LEICK, Mesopotamia:the Invention of the City (London 2001).


التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
النوع : سياحة
المجلد: المجلد الواحد والعشرون
رقم الصفحة ضمن المجلد : 183
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 668
الكل : 32800779
اليوم : 17207

التوثيق في الشريعة

التوثيق في الشريعة   التوثيق: هو ما يضمن أداء الحق، ويسمى أيضاً علم الشروط. أهميته والحاجة إليه وحكمته وآية التوثيق في القرآن الكريم: 1- صيانة الحقوق والأموال لأن الله تعالى أمر بحفظهما: }ولا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ{ [النساء:5] ونهى عن تضييعها: }ولا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالبَاطِل{ [البقرة: 188]. 2- قطع المنازعة لكون التوثيق حَكَماً ومرجعاً وملزماً ولئلا يفتضح حال المنكر، مع تبيان حيثيات التصرفات وأحجامها مما قد يعتورها من النسيان أو الجحود. 3- الالتزام بالقواعد الشرعية في إجراء التصرفات لحمل التوثيق عليها. ودلَّت على مشروعية التوثيق وطلبه آية المداينة [البقرة:282]، التي أمرت بكتابة الدين والإشهاد عليه بإشراف كاتب بالعدل[ر] فإن لم يوجد أخذ الرهن للتوثيق.
المزيد »