logo

logo

logo

logo

logo

هوراسيوس

هوراسيوس

Horace - Horace

هوراسيوس

(65 ـ 8 ق.م)

 

كوينتوس هوراسيوس فلاكوس Quintus Horatius Flaccus (أو هوراس Horace بالإنكليزية والفرنسية) أحد كبار شعراء الرومان الغنائيين بلا منازع. عاش في القرن الأول قبل الميلاد عصر الصراعات السياسية والاجتماعية الكبرى التي تمخضت عن سقوط النظام الجمهوري وقيام النظام الامبراطوري الروماني على يد أغسطس[ر] Augustus. وتعد أشعاره أغنى مصدر لمعرفة وقائع حياته، يضاف إليها السيرة vita التي كتبها عنه المؤرخ سويتونيوس[ر] Suetonius في «سير المشاهير» ووصلت كاملة تقريباً مع مخطوطات الشاعر.

ولد هوراسيوس في بلدة ڤينوسيا Venusia جنوبي إيطاليا لأسرة بسيطة الأصل، إذ كان أبوه من العتقاء، ولكنه صعد اجتماعياً ووصل إلى قدر من الثراء بعمله في مصلحة الضرائب، وكان همه الأول أن يحصل ابنه على أفضل تعليم في عصره. ومع أن هوراسيوس اكتسب صداقة العظماء لم يحاول إخفاء أصله المتواضع قط ولا إعجابه بأبيه وحبه وتقديره له. انتقل مع والده إلى روما وبدأ تعليمه مع أبناء الطبقة العليا في مدرسة أوربيليوس Orbilius التي ذكرها عدة مرات في أشعاره. وعندما بلغ الثامنة عشرة توجه إلى مدينة أثينا لدراسة الأدب والفلسفة الإغريقية، ولكن صراعات الحرب الأهلية التي أعقبت اغتيال يوليوس قيصر[ر] Julius Caesar عام 44ق.م انتزعته من مقاعد الدرس فانضم إلى بروتوس Brutus الذي التف حوله كثير من الشباب الروماني المتحمس للدفاع عن الحرية والجمهورية. وانخرط هوراسيوس في صفوف الجيش الجمهوري وتولى قيادة إحدى الفرق وشارك في معركة فيليبي Philippi عام 42ق.م التي انتهت بهزيمة الجمهوريين وانتحار قادتهم وانتقال السلطة إلى أنطونيوس[ر] وأُكتاڤيوس الذي صار لاحقاً أغسطس قيصر.

عاد هوراسيوس  إلى روما كسير الفؤاد «ذليلاً مقصوص الجناحين» كما يقول في إحدى رسائله، فوجد والده قد فارق الحياة، وصودرت أملاكه لتعطى للجنود المنتصرين، فاضطرته الحاجة إلى أن يعمل كاتباً لدى خازن بيت المال، وظهرت مرارة تلك الأيام في أشعاره الباكرة. أصدر ديوانه الأول «الهجائيات» Sermõnes ت(40-30ق.م) فلقي نجاحاً كبيراً لفت إليه أنظار الأوساط الأدبية وعلى رأسها الشاعر الكبير ڤرجيليوس[ر] Vergilius الذي قدّر موهبته الشعرية وقدمه عام 38ق.م إلى مايسيناس Maecenas راعي الشعراء والأدباء في عصره فضمه إلى حلقته الأدبية، وكان ذلك حدثاً غيَّر مجرى حياته. وابتسم له الحظ أخيراً وتوثقت صلته بمايسيناس الذي أهداه بيتاً ريفياً ومزرعة وفّرت له مورد رزقه فتفرغ للشعر، وعندما قدمه مايسيناس إلى الامبراطور أغسطس عرض عليه أن يتولى عنده ديوان الرسائل، فاعتذر هوراسيوس بلباقة مفضلاً البقاء حراً بعيداً عن السياسة. ودامت صداقته مع مايسيناس وفرجيليوس حتى فارقا الحياة.

يصف هوراسيوس نفسه في أشعاره بأنه كان قصيراً، بديناً، مزهواً وخجولاً، وبأنه كان يخشى عواقب الزواج فاكتفى على حد قوله بالعلاقات العابرة. اختلط بجميع طبقات المجتمع ووصف مختلف أصناف الناس في أشعاره الهجائية، وطالما أكد المبدأ الأرسطي أن خير الأمور أوسطها أو «الوسط الذهبي».

يُنظر إلى قصائده المسماة «إيبودات» Epodes على أنها باكورة أشعاره وقد نظمت في الأعوام 40-31ق.م، وهي تضم سبع عشرة مقطوعة شعرية تظهر تجربته السياسية المريرة واليأس والقنوط وأهوال الحرب الأهلية وأخيراً الدعوة إلى الوفاق والسلام. تمثل هذه الأشعار شيئاً جديداً في الأدب اللاتيني، وهي مستوحاة من روح الشاعر الإغريقي القديم أرخيلوخوس Archilochos ومتأثرة أيضاً بأدب العصر الهلنيستي، وتصور اشمئزاز الشاعر من دخان روما وضجيجها ورذائلها فيحن إلى بيته الريفي، وهي أيضاً نقد اجتماعي عام وسجل  للأحداث السياسية ومآسي الحروب الأهلية الموروثة منذ تأسيس المدينة على يد رومولوس الذي قتل أخاه ريموس. أما «الهجائيات» فتقع في كتابين يضم الأول عشر قصائد والثاني ثماني قصائد بالبحر السداسي. وهذه الأشعار تشبه الأحاديث الخالية من التكلف والصنعة وتكون أحياناً بصيغة محاورات ودية تتخللها النصائح والمواعظ التي تتميز بالدماثة واللطف. ينتقد هوراسيوس في هذه الأشعار أمراض عصره الاجتماعية من غير أن يهاجم خصومه وإنما ينتقدهم بتقديمه شخصيات واقعية ملتزمة مبادئ الأخلاق والسلوك القويم.

وفي عام 23ق.م بعد ثماني سنوات من الجهد المتواصل أصدر هوراسيوس ديوانه الثالث «الأودات» أو «الأناشيد» Odes في ثلاثة كتب ضمت ثمانياً وثمانين قصيدة غنائية وصل فيها إلى قمة إبداعه الفني، وكان يعدها أعظم أعماله الشعرية، سار فيها على نهج الشعراء الغنائيين الإغريق من أمثال سافو[ر] Sappho وألكايوس[ر] Alkaios وأناكريون[ر] Anakreon الذين استمتع في شبابه بأشعارهم العذبة وأوزانها التي أدخلها إلى بحور الشعر اللاتيني ووصل بها إلى حد الكمال. تتغنى هذه الأناشيد بالحب والخمرة والصداقة والسعادة والدين والدولة والحياة والموت في قصائد تفيض بالبهجة والحبور. بلغت هذه القصائد غاية الكمال الفني والشعري، وقد وصفها الشاعر پترونيوس Petronius بعد قرن من الزمن بالسهل الممتنع، كما وصفها الامبراطور أغسطس بأنها قصائد خالدة، واختار الشاعرَ لتأليف نشيد احتفالات العهد الجديد وعودة السلام إلى ربوع الامبراطورية بمناسبة إحياء تقاليد «الألعاب المئوية»، فنظم هوراسيوس قصيدة عرفت باسم «أنشودة الأجيال» Carmen Saeculare صدحت بها عام 17ق.م فرقة مؤلفة من 27 صبياً و27 بنتاً معلنين ميلاد العصر الذهبي والسلام الأغسطي Pax Augusta، وكان هوراسيوس حينئذٍ أمير شعراء روما. وقد كان لنجاح «أنشودة الأجيال» وتشجيع أغسطس أن عاد الشاعر إلى نظم الأغاني من جديد فنشر عام 13ق.م الكتاب الرابع من «الأناشيد» وفيه تتجلى ثقة الشاعر بنفسه وفنه.

لم يكن نجاح هوراسيوس الشعري يرضي طموحه الفكري، فالتفت إلى الفلسفة وإلى نوع جديد أصيل في النظم في ديوانه الموسوم «الرسائل» Epistulae، بالبحر السداسي، ونشره في كتابين. تجمع هذه الرسائل ما بين الإدراك السليم والفكاهة المستحبة والذوق الرفيع وتغلب عليها النزعة الفلسفية إذ كان هوراسيوس قد نضج وشاخ وصار بمقدوره أن يتحدث في طبيعة الآلهة والإنسان والأخلاق والأدب والفن بأسلوب رفيع ساخر وأن يسدي النصائح بصدد التصرف الأخلاقي السليم. وأشهر هذه الرسائل تلك المعروفة باسم «فن الشعر» Ars Poetica وهي من نوع الرسائل الأدبية التي حوَت خلاصة فكره النقدي والنظري في طبيعة العمل الفني الأدبي ومبدعه. عالج هوراسيوس في هذه الرسالة موضوعات أدبية مختلفة مثل تحديد موقف الرومان من الإغريق في الجدل حول موضوع القدماء والمحدثين، وحول وظيفة الشعر، وصار «فن الشعر» لهوراسيوس مثل «فن الشعر» لأرسطو منهجاً للآداب الأوربية.

وفي عام 8 ق.م رحل صديق عمره مايسيناس، فأُصيب بموته في الصميم ولم يطل العمر بالشاعر فلحق به بعد ستة أسابيع، ووري الثرى في روما بالقرب من قبر صديقه. كان هوراسيوس كلاسيكياً في حياته وتبوأ على عرش الشعر مكانة لايدانيه فيها سوى صديقه فرجيليوس فصارا أشهر شعراء الرومان على الإطلاق، وكان لهما المكانة الأكبر في العصور الوسطى وعصر النهضة[ر]. وقد جمعت أشعار هوراسيوس باكراً ووصلت كاملة مع كثير من الشروح والتعليقات، وتُرجِمت إلى مختلف اللغات الأوربية والعالمية.

محمد الزين، ق. ل. آ

 

 الموضوعات ذات الصلة:

 

أغسطس ـ الروماني (الأدب ـ) ـ فرجيليوس.

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ ول ديورانت، قصة الحضارة، الجزء العاشر، ترجمة محمد بدران (القاهرة 1973).

ـ أحمد عتمان، الأدب اللاتيني ودوره الحضاري (سلسلة عالم المعرفة 141، الكويت 1989).

- ANTONIO LA PENNA, Orazio lirico (1920).

- EDWARD FRAENKEL, Horace (1957).

- GORDON W. WILLIAMS, Tradition and Originality in Roman Poetry (1970).

- L. P. WILKINSON, Horace and His Lyric Poetry, 2nd ed., Rev.(1968).


التصنيف :
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد الواحد والعشرون
رقم الصفحة ضمن المجلد : 738
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1086
الكل : 40532224
اليوم : 62039

الإبدال اللغوي

الإبدال اللغوي الإبدال لغة: رفع الشيء ووضع غيره في مكانه. والإبدال اللغوي أو الاشتقاق الكبير (ويسمى أيضاً: البدل والمبدل منه، والقلب والمقلوب، والمحوَّل، والمضارعة، والتعاقب، والنظائر) هو ظاهرة لغوية صوتية دلالية تعني إقامة حرف مكان حرف مع الإبقاء على سائر حروف الكلمة، وبذلك قد تشترك الكلمتان بحرفين أو أكثر، ويبدل حرف منهما بحرف آخر يتقاربان مخرجاً أو في المخرج والصفة معاً نحو «قضب وقضم، وقطع وقطم» فقد اشترك الزوج الأول بحرفين منهما القاف والضاد، واختلف بالباء والميم، أحدهما مبدل من الآخر، وكلاهما من مخرج واحد، أي هما حرفان شفهيان. وأما الزوج الثاني فقد اشتركت لفظتاه أو صورتاه بحرفين منهما القاف والطاء، واختلف بالعين والميم، غير أن العين حلقية، والميم شفهية.
المزيد »