logo

logo

logo

logo

logo

البيزرة

بيزره

Falconry - Fauconnerie

البيزرة

 

البيزرة Falconry مصطلح يعني استخدام الطيور الجوارح المدربة كالصقر والبازي لاصطياد حيوانات أخرى. وهي مشتقة من كلمة باز الفارسية، بمعنى الطائر المعروف، وقد استعملها العرب بهذا المعنى. ويقول بعضهم إن كلمة البيزرة جاءت من بازيار الفارسية، وعرّبت فصارت بَيزار، أي صاحب الباز، أو مشتقة من كلمة بازدار التي تعني القائم على تربية البازي وتضريته أو مالكه. وقد تطور مفهوم البيزرة عند العرب فصار علم أحوال الطيور الجوارح، وتربيتها وقرنصتها، وتدريبها على صيد بعض أنواع الطيور والحيوانات البرية، إضافة إلى العناية بحفظ صحتها ومداواتها عند الحاجة. ثم توسع بعضهم بمعنى البيزرة فصارت تشمل جميع أنواع الصيد التي يستخدم فيها كواسر الطير، أو بعض الحيوانات اللاحمة الأليفة، كالفهد والكلب وابن عرس، وكذلك الرمي بالنشاب وغيره.

والصيد بالطيور تقليد قديم، ويرجح أن ملك آشور، صارغون الثاني (722 - 705ق.م) كان أول من قام بذلك. ومن المعلوم أن عرب الجاهلية استعملوا الجوارح والكلاب في صيد الطيور والغزلان والأرانب. وقد وصف امرؤ القيس في قصائده أيام الصيد. وفي  القرآن الكريم : }يَسْأَلُونك ماذا أُحِلّ لهم، قل أُحلَّ لكم الطّيباتُ وما علّمتم من الجوارح مُكلبين، تُعلمونَهنّ مما علمكم الله، فُكلوا مما أمْسَكن عليكم{ [سورة المائدة:4] دليل على أن العرب قبل الإسلام كانوا يمارسون الصيد بالجوارح، وقد سمح الإسلام لهم بالاستمرار في هذا الصيد سعياً وراء العيش. وفي العصرين الأموي والعباسي صار الصيد أحد اهتمامات الخلفاء والأمراء، فقد وجدوا فيه فرصة للتمتع بهوايتهم لركوب الخيل، ورؤية البزاة والصقور تنطلق من أيدي البيازرة منقضة على فرائسها. واشتهر بممارسة هذه الهواية يزيد بن معاوية، والوليد بن عبد الملك وأخوه هشام من الأمويين، كما اشتهر المهدي والأمين والمعتصم وغيرهم من الخلفاء العباسيين.

انتشر الصيد بوساطة كواسر الطير، في شرقي العالم الإسلامي، وصارت هذه الهواية خاصة بالطبقات المترفة، لأنها تحتاج إلى آلات الصيد، من بزاة وفهود وكلاب، إضافة إلى الخيول الأصيلة والبيازرة والغلمان. وفي بلاد المغرب اهتم الملوك والأمراء أيضاً بالصيد بوساطة الجوارح، وأطلقوا عليه اسم البيازة، كما أطلقوا على حارس هذه الطيور ومدربها اسم البياز. ويقال إن الأمير الأغلبي محمداً الثاني (250-261هـ/ 864-875م) كان يدعى أبا الغرانيق، وقد أنفق ما في بيت المال في سبيل لهوه المفضل وهو الصيد واللعب. وذكر ابن خلدون في كتابه «العبر» أن المستنصر الأول الحفصي (647 - 675هـ) قد أنشأ مصايد للطيور بالغرب من بنزرت (في تونس).

أما في الأندلس فكان لصاحب البيزرة مكانة رفيعة يحتلها في قرطبة، كما كان في غرناطة حي خاص بالبيازين، وقد ورث الإسبان منهم هذه الهواية. وفي العصر المملوكي أطلق على أمير الصيد في مصر اسم أمير الشكار. وقد ازدهرت رياضة الصيد بالطيور في أوربة بعد عام 875م، نقلها التجار والرحالة الغربيون وقادة الحروب الصليبية إلى بلادهم، بعد اتصالهم بشعوب الشرق الأوسط. ولما كان فريدريك الثاني، امبراطور ألمانية وإيطالية وصقلية، مولعاً بهواية الصيد بالجوارح فقد سعى للحصول على المؤلفات العربية في علم البيزرة، وقد حصل على كتاب في هذا العلم يُدعى مؤلفه مؤمن، فأمر تيودور الأنطاكي الذي كان يعمل مترجماً في بلاطه، أن ينقله إلى اللغة اللاتينية، وكان عنوانه «علم الصيد بالطيور». ولما كان الامبراطور يحسن اللغة العربية، قام بمراجعة الترجمة بنفسه، وذلك بين عامي (1240 - 1241م). وقد تبين فيما بعد أن كتاب «علم الصيد بالطيور» المترجم كثير الشبه بالكتاب الذي ألفه الغطريف بن قدامة. إن النسخة العربية المخطوطة، التي تحمل اسم مؤمن، مفقودة، ولكن عدة نسخ منها مخطوطة باللغة اللاتينية في أوربة. كذلك مارس مهراجات الهند وأمراؤها رياضة البيزرة حتى زمن الاستقلال عام 1947، ثم اضمحلت هذه الرياضة في شبه القارة الهندية إلا في البنجاب، حيث لا تزال الطيور الكواسر تؤسر للتصدير.

لقيت البيزرة اهتماماً متزايداً بعد الحرب العالمية الثانية، ولاسيما في شمالي أمريكة، حيث لم تكن قد عرفت من قبل تقاليد اجتماعية تحدّ من استخدام الصقور. وقد منحت الوكالات الاتحادية في الولايات المتحدة رخصاً لأكثر من 1500 عضو لممارسة البيزرة وذلك عام 1970.

استمرت البيزرة هواية بين شيوخ إمارات الخليج العربي. وقد قام الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بوضع كتاب في رياضة الصيد بالصقور من تراثنا العربي، طبع ونشر عام (1396هـ/1976م).

 تكلم على البيزرة عدد من علماء العرب والمسلمين، وألفوا في هذا العلم بعض الكتب في وقت باكر. وذكر ابن النديم في كتابه «الفهرست» أسماء عدد من هذه المؤلفات تحت عنوان:

«الكتب المؤلفة في الجوارح واللعب بها وعلاجاتها، للفرس والروم والترك والعرب». ويعدّ كتاب «منافع الطير» (أو كتاب الطيور) للحجاج بن حيثمة، أقدم ما وصل إلينا من كتب البيزرة باللغة العربية.

وفي زمن الخليفة هارون الرشيد ظهر مؤلفان مشهوران في علم البيزرة، الأول لغطريف بن قدامة، والثاني لإبراهيم البصري. ثم توالى بعد ذلك ظهور أكثر من عشرة مؤلفات في هذا العلم، ويعد كتاب «الحيوان» للجاحظ، وكتاب «البيزرة» لأبي عبد الله الحسن بازيار العزيز بالله الفاطمي، وكتاب «حياة الحيوان الكبرى» للدميري، خير المراجع في هذا العلم.

وبرز في ميدان التأليف في الصيد بالجوارح عدة اتجاهات، أولها وأقدمها الاتجاه اللغوي، وهو ما كتبه علماء اللغة العربية من مؤلفات في الطيور الجوارح، منها كتاب «البازي» وكتاب «الحمام» وكتاب «العقاب» لأبي عبيدة، وكتاب «الطير» للسجستاني، وكتاب «الوحوش» للأصمعي. أما الاتجاه الثاني فقد درس الصيد من الناحية الفقهية، ويمثله كتاب «الصيد والذبائح» لمحمد بن الحسن. ويمتاز الاتجاه الثالث بتحول هواية الصيد إلى علم أطلق عليه اسم البيزرة أو البيازة.

خصص بعض المؤلفين في علم البيزرة باباً مستقلاً للكلام على أسباب الأمراض التي تصاب بها الطيور الجوارح. ويعدّ كتاب «الكافي في البيزرة» لمؤلفه عبد الرحمن بن محمد البلوي، خير المؤلفات الحاوية على عدد كبير من أمراض الطيور، مع طرق تشخيصها ومداواتها والوقاية منها.

عرف العرب والمسلمون كثيراً من أجناس الطيور الجارحة المستعملة في الصيد وأنواعها. ووصفوا الطيور القابلة للتربية والتضرية، بحسب لون القزحية في عيونها، إلى زمرتين:

صقور وتكون سوداء القزحية، محددة الرؤوس، طويلة الأجنحة وقصار الأرجل. وبزاة وتكون قزحيتها صفراء أو حمراء، وتكون مدورة الرؤوس، قصار الأجنحة، طوال الأرجل.

ومن المعلوم أن الحيوانات كلها تكون ذكورها أعظم حجماً وأكبر جسماً من إناثها، وكذلك زمرة الطيور التي لا تصيد، وتسميها العرب بغاث الطير، فإن الذكر منها أكبر قداً من الأنثى. أما الجوارح، التي تسميها العرب سباع الطير أو الضواري، فإن إناثها أعظم حجماً من ذكورها. وتختلف أجناس الجوارح عن بعض بصفاتها، وبألوان ريشها، وطباعها وأوزانها. ويضم كل جنس عدة أنواع، تختلف بعضها عن بعض بإحدى الصفات المميزة على الأقل. وهذه الأنواع يتزاوج بعضها مع بعض، وهذا ما يؤدي إلى ظهور أصناف عديدة منها، تتفاوت بجمالها وصفاتها ومهاراتها في الصيد.

ويتوقف مستقبل البيزرة على العلاقة بين وجود الطرائد البرية وحاجة طيور الصيد منها. وقد أخذ عدد هواة البيزرة بالازدياد، منذ الحرب العالمية الثانية، على حين أخذ عدد البزاة والصقور بالتناقص، وسيكون الوضع متوازنا باتباع إرشادات للحفاظ على الموجود، وزيادة الأعداد منها.

 

محمد زهير البابا

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ أبو عبد الله الحسن بازيار العزيز بالله الفاطمي، البيزرة، علق عليه محمد كرد علي (مطبوعات مجمع اللغة العربية، دمشق 1988).


التصنيف : التاريخ
المجلد: المجلد الخامس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 725
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 572
الكل : 31915392
اليوم : 35422

بيرانجيه (بيير جان دي-)

بيرانجيه (بيير جان ـ دي) (1780 ـ 1857)   بيير جان دي بيرانجيه Pierre Jean de Béranger شاعر ومؤلف أغان فرنسي. ولد وتوفي في باريس، ونشأ في رعاية جده. وبعد أن شهد سقوط سجن الباستيل، أرسله جده ليقيم عند إحدى عمّاته. وهناك بدأ بالتردد على المعهد العلماني الذي يديره بالو بيلاّنغليزBallue Bellenglise، وهو أحد أتباع روسو. بعد ذلك عمل بيرانجيه عند أحد مدراء المطابع الذي لقَنه أصول اللغة والعروض. ولدى عودته إلى باريس كتب مسرحية «المخنّثون» التي استلهمها من النزعة الخنثوية التي سادت في عهد حكم المديرين Directoire، ثم شرع في كتابة قصيدة ملحميّة اسمها كلوفيس Clovis، وحاول الكتابة في جميع الأنواع الشعرية.
المزيد »