logo

logo

logo

logo

logo

البيت الحرام

بيت حرام

Al-masjid al-haram - Masjid Al-Haram

البيت الحرام

 

البيت الحرام والمسجد الحرام اسمان يطلقان اليوم على الكعبة المشرفة والفناء الذي حولها في مدينة مكة المكرمة، حيث يقعان في منخفض سيل تنتهي إليه أودية سيلية كثيرة تأتي من الجبال المحيطة بها من جميع الأطراف، والمكونة من صخور قديمة تغلب عليها الصخور النارية الباطنية (البلوتونية). وفي بيئة جبلية صحراوية تندر أمطارها، ويسود جفافها، وترتفع حرارتها ولاسيما في الصيف[ر مكة المكرمة].

والمسجد الحرام قبلة المسلمين جميعاً، إليه يتجهون في صلواتهم أينما كانوا، قال الله تعالى: }قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُولِّينَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرام{ (البقرة:144). وحج هذا البيت واجب على كل مسلم مرة واحدة في العمر، إذا كان قادراً، يقول تعالى: }وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا{ (آل عمران: 97). كما يُسَنُّ للمسلم أن يزوره معتمراً كل عام إن استطاع، وقد خص الله تعالى هذا البيت بخصائص كثيرة؛ منها أنه جعله مثابة للناس؛ أي يثوبون إليه ثم يرجعون، يقول الإمام ابن كثير: إن الله تعالى يذكر شرف البيت، وماجعله موصوفاً به شرعاً وقدراً من كونه مثابة للناس، أي جعله محلاً تشتاق إليه الأرواح وتحن إليه، ولاتقضي منه وطراً، ولو ترددت إليه كل عام، استجابة من الله تعالى لدعوة خليله إبراهيم عليه السلام، في قوله تعالى: }فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِم{ (إبراهيم:37).

ومن خصائصه الأمن في ربوعه؛ للناس والطير والحيوان، فصيده وقطع شجره حرام مطلقاً على الناس،وكذلك القتال،وتغلّظ الدّية على من قتل غيره خطأً في حرم مكة، وهي منةٌ عظيمة امتنَّ الله تعالى بها على أهل الحرم، وذكَّرهم بها كثيراً في كتابه العزيز، في أكثر من آية، منها قوله تعالى: }وإذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَاَبةً لِلنَّاسِ وأَمنْا{ (البقرة:125). وقوله سبحانه: }وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمناً{ (آل عمران:97) وقوله عز وجل: }وقَالُوا إِنْ نَتبِّعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أرْضِنَا أوَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَئٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا{ (القصص:57).

وهذا البيت موضع تعظيم المسلمين وتقديسهم جميعاً، وأكبر سلاطين الإسلام وملوكهم يفخرون بأنهم خُدّامه، وأول من حَمَل لقب خادم الحرمين الشريفين، المسجد الحرام بمكة ومسجد الرسولr بالمدينة، السلطان العثماني سليم الثاني (974-982هـ/ 1566-1574م)، فلمّا امتد سلطانه السياسي إلى الحجاز، خاطبه الناس بحامي الحرمين، لكنه رفض ذلك، وقال: «إن حاميها هو الله عز شأنه، وأما أنا فخادم الحرمين الشريفين». وأحب الألقاب إلى الملوك السعوديين لقب خادم الحرمين الشريفين.

ومن خصائص الحرم الشريف مضاعفة الثواب فيه أضعافاً كثيرة، فالركعة فيه تعدل مئة ألف ركعة فيما سواه من المساجد، عدا المسجد النبوي والمسجد الأقصى، كما أخبر النبيr، كما أن من يُحْدث فيه حدثاً أو يذنب ذنباً يضاعف له العذاب لقوله تعالى: }وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ{ (الحج:25). واستخدام تعبير المسجد الحرام ظهر بعد الإسلام، وقبل ذلك كان العرب يطلقون عليه البيت والبيت العتيق والبيت الحرام والبيت المعمورالذي أقسم الله به، وكلها أسماء أطلقها عليه القرآن الكريم، فقال تعالى: }إِنّ أوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنِّاسِ لَلَّذِي بِبَكّةَ مُبَارَكاً{ (آل عمران: 96). وقال: }وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ{ (الحج:29). وقال: }جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِياماً لِلنَّاسِ{ (المائدة97). ومن هنا فإن بناء الكعبة أسبق تاريخياً من المسجد الحرام، والحديث عنها مقدَّم عليه.

مكانة البيت الحرام قبل الإسلام والأطوار التي مرّ بها منذ بنائه

بنى إبراهيم الخليل مع ابنه إسماعيل عليهما السلام أشرف المساجد في أشرف البقاع في واد غير ذي زرع، ودعا لأهلها بالبركة، وأن يرزقوا من الثمرات، مع قلة المياه وعدم وجود الأشجار والزروع والثمار، وأن يجعله حرماً محرماً آمناً أمناً مطلقاً، فاستجاب الله له ولبّى دعوته. وكان البيت الحرام في ذرية إبراهيم وأهل ملة التوحيد قاعدة التوحيد المطلق لله عز وجل، ومحل تعظيم جميع الناس وتقديسهم إلى أن أدخل عمرو بن لُحَيّ عبادة الأصنام في مكة من الشام، وبقي الناس على تعظيمه مع تلويث جنباته بالشرك والوثنية، حتى إن العرب كانوا إذا أرادوا السفر في البلاد يحمل الواحد منهم حجراً من حجارة الحرم، تعظيماً له، فحيثما نزلوا وضعوه، وطافوا به كطوافهم بالكعبة، واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره، فعبدوا الأوثان، وظلوا على تعظيم البيت، والطواف به، والحج والعمرة، والوقوف على عرفة والمزدلفة، وهَدْي البُدْن (الإبل والبقر ونحوهما)، والإهلال بالحج والعمرة، فكانت كِنانة وقريش إذا أهلّوا قالوا: «لبَّيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، إلا شريكٌ هو لك، تملكه وما ملك» فيوحدونه بالتلبية، ثم يدخلون معه أصنامهم، ويجعلون مِلْكها بيده. وكانوا يسعون بين الصفا والمروة وعليهما صنمان: إساف ونائلة، أي إن العرب في الجاهلية كانوا يحجون إلى البيت الحرام في أثناء العام.

وكان في هذا البيت في العهد الوثني 360 صنماً أعظمها هُبَل، تم تحطيمها في فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة. قال ابن عباس: دخل رسول اللهr مكة يوم الفتح على راحلة، فطاف عليها، وحول البيت أصنام مشدودة بالرصاص، فجعل النبيr يشير بقضيب في يده إلى الأصنام، ويقول: «جاء الحق، وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقاً» فما أشار إلى صنم منها في وجهه إلا هدم.

وظل هذا البيت إلى اليوم مهوى أفئدة المؤمنين من الناس، وقبلة المسلمين، ومقر الطائفين والعاكفين والركّع السجود، رمزاً شامخاً لوحدانية الله، يجمع الموحدين حوله، متجهين إلى الله ربهم وحده لاشريك له، يؤمّه من مختلف الأقطار الملايين العديدة طوال العام، للظفر بمرضاة الله تعالى.

الكعبة المشرفة

هي أول بيت وضع للناس في الأرض لعبادة الله، كما أخبر الله في كتابه العزيز: }إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ للنَّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبَارَكَاً{ (آل عمران:96). وكما أخبر الرسولr في الحديث الصحيح الذي يرويه الإمام البخاري عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قلت: يارسول الله، أي مسجد وُضع في الأرض أول، قال: «المسجد الحرام». قال: قلت: ثم أي، قال: «المسجد الأقصى». قلت: كم كان بينهما؟ قال: «أربعون سنة» وكانت مكشوفة، ثم سقفت، وكسيت بالحرير والديباج.

ويذهب مؤرخو مكة المكرمة والبيت الحرام إلى أن الكعبة المشرفة بنيت مرات عدة، قبل بناء إبراهيم عليه السلام؛ الثابت بالقرآن والسنة. فيروون أن أول من بناها الملائكة، وكانوا يطوفون حولها، ثم هدمت، وأعاد آدم عليه السلام بناءها، ثم تهدمت وجدّد أبناؤه بناءها، ثم هدمها طوفان نوح عليه السلام، وظلَّ مكانها مجهولاً، حتى أمر الله إبراهيم ببنائها ودلّه على مكانها.

وأركانها أربعة: ركن الحجر الأسود من الجنوب الشرقي، والركن العراقي من الشمال الشرقي، والركن الشامي من الشمال الغربي، والركن اليماني من الجنوب الغربي.

بناء إبراهيم عليه السلام

جاء أمر الله صريحاً في كتابه الكريم، لإبراهيم عليه السلام، ببناء الكعبة، بل حدد له مكانها، في قوله تعالى: }وَإِذْ بوَّأْنَا لإِبرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ{ (الحج:26) فالمفسرون يفسّرون (بوأنا) أرشدناه إلى مكانه.

وقد بنى إبراهيم الكعبة بمساعدة إسماعيل، عليهما السلام، ولم يكن لها سوى ركنين؛ الأسود واليماني، وجعل ارتفاعها تسعة أذرع، نحو أربعة أمتار، ولم يكن لها سقف، وجعل لها فتحة باب واحد من جهتها الشرقية، ملاصق للأرض، ولم يجعل لها باباً يفتح ويغلق، وإنما كان مجرد فتحة. ولم يجعل لها كسوة، وعمل حفرة على يمين الداخل إليها، عمقها نحو ثلاثة أذرع، كانت تسمى خزانة الكعبة، وأمام الباب إلى اليمين قليلاً تقع بئر زمزم.

ومقام إبراهيم هو الحَجَر الذي كان يقف عليه لإتمام البناء عندما ارتفع عن الأرض، وكان إسماعيل يناوله الحجارة، وموقعه أمام الجدار الشرقي، أما الحجر الأسود فمكانه الركن الجنوبي الشرقي، ومنه يبدأ الطواف، ويرتفع عن الأرض بنحو متر ونصف. وبعد أن أتم إبراهيم البناء، أمره الله تعالى أن يؤذن في الناس بالحج }وأَذِّنْ في النّاسِ بِالْحَجِّ يأْتُوكَ رِجَالاً وعَلَى كُلِّ ضَامِرِ يْأتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيق{ (الحج:27)، فقال إبراهيم : يارب وما يبلِّغ صوتي؟ فقال الله تعالى: أذن يا إبراهيم وعليَّ البلاغ، فوقف على جبل أبي قبيس، وأخذ ينادي: أيها الناس، إن الله كتب عليكم الحج فحجوا، فأسمع من في أصلاب الرجال، وأرحام النساء، فأجابه من آمن وسبق في علم الله تعالى أن يحج إلى يوم القيامة، قائلين لبيك اللهم لبيك.

بناء الكعبة بعد إبراهيم

المنطقة التي بنيت فيها الكعبة المشرفة منطقة تكثر فيها السيول، لذلك كثيراً ما تهدمت من جرّاء ذلك. وأعيد بناؤها مرات عدة بعد بناء إبراهيم، وقبل ظهور الإسلام، فبناها العمالقة وجُرْهم، وقُصَيّ بن كلاب بن مرة الجد الرابع للنبيr، وهو أول من جعل لها سقفاً من جريد النخل وخشب الدوم.

بناء قريش الكعبة قبيل ظهور الإسلام

قبل بعثة النبيr بخمسة أعوام، وقع بالكعبة حريق أتلف سقفها، ثم تلا ذلك سيل قوي أوهن البناء وصدَّع الجدران، فأجمعت قريش أمرها على هدمها وإعادة بنائها، وتعاهدوا ألا يَدْخل في بنائها من كسبهم إلا ما كان طيباً، وهذا دليل على تقديسهم لها.

وقد زادوا في ارتفاعها، فجعلوه مثلي ما كان في بناء إبراهيم، ثمانية عشر ذراعاً، نحو تسعة أمتار، وقصرت بهم النفقة فأخرجوا منها حِجْر إسماعيل، ورفعوا بابها عن الأرض بمقدار مترين، وجعلوا لها سُلَّماً من الداخل، يصعد عليه إلى السطح، الذي جعلوا فيه ميزاباً لتصريف ماء الأمطار وهو يصب في الحِجْر. وهذا البناء اشترك فيه الرسولr. وهو الذي وضع الحجر الأسود في مكانه، وحسم الخلاف الذي كاد يوقع حرباً بين قبائل قريش.

بناء الكعبة بعد ظهور الإسلام

لم يحدث في الكعبة أي تغيير بعد ظهور الإسلام، إلى أن حدث الخلاف بين الأمويين وعبد الله بن الزبير حيث احترقت في عهده، فهدَّمها وأعاد بناءها وزاد في ارتفاعها، فجعله سبعة وعشرين ذراعاً، وأدخل فيها حِجْر إسماعيل.

وبعد مقتل ابن الزبير سنة 73هـ/ 692م كتب الحجاج بن يوسف الثقفي والي الحجاز عندئذ إلى الخليفة عبد الملك بن مروان أن ابن الزبير زاد في الكعبة ما ليس منها، واستأذنه في ردّها إلى ما كانت عليه قبله، فأذن له، فهدمها وأعاد بناءها كما كانت. ولم يتعرض أحد من حكام المسلمين لتغيير قواعد الكعبة، احتفاظاً لها بهيبتها، حتى يروى أن الخليفة العباسي، هارون الرشيد، أراد أن يهدمها ويردها إلى بناء ابن الزبير، واستشار الإمام مالك بن أنس، فنهاه عن ذلك، وقال له: «نشدتك الله يا أمير المؤمنين ألا تجعل بيت الله ملعبة للملوك لا يشاء أحد منهم أن يغيّره إلا غيّره، فتذهب هيبته من قلوب الناس» فأخذ الخليفة برأي الإمام مالك، فظلت الكعبة على حالها دون أن تمس، حتى إنه لما تصدع جداراها الشرقي والغربي، في عهد السلطان العثماني أحمد الأول 1026هـ / 1617م. وأراد أن يهدمها ويعيد بناءها، منعه العلماء من ذلك، وأشاروا عليه بعمل نطاق يشدها به، فعمل نطاقين من نحاس طليا بالذهب وشدَّها بهما. وفي شعبان سنة 1039هـ / 1629م نزل مطر غزير بمكة أدى إلى هدم الكعبة، فأمر السلطان العثماني مراد الرابع بإعادة بنائها على أسسها دون تغيير، وتم البناء في رمضان سنة 1040هـ، ولا تزال على ذلك إلى اليوم زادها الله تعظيماً وتشريفاً.

وخلاصة القول في وصف الكعبة المشرفة أنها ذلك البناء الشامخ المهيب الضارب في أعماق التاريخ، الذي يتوسط المسجد الحرام بمكة المكرمة، والذي يبلغ ارتفاعه نحو خمسة عشر متراً، وطول جداريه الشرقي والغربي نحو اثني عشر متراً، والشمالي والجنوبي نحو عشرة أمتار، وبابها مصنوع من الذهب الخالص في عهد الملك خالد بن عبد العزيز، وكذا ميزاب الرحمة من الذهب، وكسوتها من الحرير الطبيعي المصبوغ باللون الأسود، وتزينه آيات من القرآن الكريم مكتوبة بخيوط من الذهب الأصفر.

والخلاصة: كان بناؤها في الدهر خمس مرات:الأولى حين بناها إبراهيم على القواعد الأولى، والثانية: حين بنتها قريش قبل الإسلام بخمسة أعوام، والثالثة: حين احترقت في عهد ابن الزبير بشرارة طارت من جبل أبي قُبيس، فوقعت في أستارها فاحترقت، فبناها على ما أشار إليه رسول اللهr من ضم حِجْر إسماعيل إليها. والرابعة: في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان، حيث هدم ما بناه ابن الزبير وبناها على ما كانت في عهد الرسولr والخامسة: حين أعاد السلطان مراد الرابع بناءها على أسسها.

أقسام الحرم المكي

للحرم الملكي أقسام أهمها: موقع الكعبة المشرفة في الوسط، على شكل مربع، ويعد حِجْر إسماعيل عليه السلام من جهة الشمال جزءاً منها. وصحن البيت الحرام المكشوف سماؤه، وأروقة المسجد المسقوف، ويشمل أربع طبقات: القبو، وطابقان، والسطح، ويجري فيها كلها الطواف عند الازدحام. ومقام إبراهيم من جهة الشرق على بُعد نحو 50 متراً من الكعبة وبابها. ومقر بئر زمزم من جهة الشرق ينزل إليه الناس بسلَّم. وهناك ميضأة من جهة الشمال، والمكبّرية (موضع الأذان ومقام الإمام) من جهة الجنوب. وتوجد فيه غرف إدارة كثيرة. ويلحق بالحرم: المسعى بين الصفا والمروة، وهو ليس من الحرم، وفيه طابقان.

المسجد الحرام

إن تعبير المسجد الحرام لم يظهر إلا بعد الإسلام، وقد ورد تعبير المسجد الحرام في القرآن الكريم خمس عشرة مرة، منها مايراد به الكعبة المشرفة ذاتها، كما في قوله تعالى: }فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدَ الْحَرامِ{ (البقرة:144-149-150) ومنها ما يراد به الكعبة والمسجد كله، كما في قوله تعالى: }إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هذا{ (التوبة:28). ومنها ما يراد به مكة المكرمة كلها، كما في قوله تعالى: }سُبْحَانَ الذَّي أَسْرَى بِعَبْدِه لَيْلاً مِنَ الْمَسجِدِ الْحَرامِ إلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الذَّي بَارَكْنَا حَوْلَه{ (الإسراء:1) بناء على  أرجح الروايات أن بدء رحلة إسراء الرسولr كان من بيت أم هانئ بنت أبي طالب. وحدود المسجد الحرام كما قال عبد الله بن عمرو بن العاص هي أساس المسجد الذي وضعه إبراهيم عليه السلام من الحَزورَة (موضع بمكة يلي البيت، والمحدثون يقولونه بتشديد الواو وهو تصحيف) إلى المسعى إلى مخرج سيل أجياد (موضع من بطحاء مكة).

وهذا المسجد الحرام هو أشرف بقعة على ظهر الأرض، وأول المساجد الثلاثة التي تشدَّ إليها الرحال أي تقصد للعبادة فيها، والحج إليه أحد أركان الإسلام الخمسة، ولم يكن له سور يحيط به قبل الإسلام، وإنما كان مجرد فَنَاء حول الكعبة، منفتح على دور مكة، وظل كذلك طوال عهد الرسولr، وخليفته الأول أبي بكر الصديق، رضي الله عنه. وأول من جعل له سوراً يحيط به، دون قامة الرجل، هو الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وزاد في مساحته لما رأى كثرة المصلين فيه، خاصة في موسم الحج، فاشترى دوراً من أهل مكة وأضافها إليه وكان ذلك سنة 17 هـ/638م، ثم زاد عثمان بن عفان، رضي الله عنه، في مساحته للسبب نفسه، وجعل له أروقة مسقوفة، وكان ذلك سنة 26هـ/ 646م. وفي سنة 64 هـ/ 683م وأحدث عبد الله بن الزبير زيادة أخرى، وعمل له أساطين من رخام.

 

 

وفي العصر الأموي كانت أكبر توسعة تلك التي حدثت في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك سنة 91هـ/ 709م ولم تكن مجرد توسعة، وإنما جدَّد البناء كله وزيَّنه، وعُملت له عقود على أعمدة من رخام جلب من مصر والشام، وجمَّلَ كل ذلك بالفسيفساء. ثم توالت الزيادات في العصر العباسي، فكانت زيادة أبي جعفر المنصور سنة 137هـ/ 754م وزيادة كبيرة في عهد ابنه محمد المهدي سنة 164هـ/780م، وكانت الزيادات تتم في الجهات الشمالية والشرقية والغربية، أما الجهة الجنوبية فكانت الزيادة فيها صعبة للغاية، لأنها تقع في مجرى سيول وادي إبراهيم، وترتب على ذلك أن صارت الكعبة في الجهة الجنوبية من المسجد الحرام، وليست في وسطه. فلما حج الخليفة المهدي سنة 164هـ صمَّم على توسعة المسجد الحرام من الجهة الجنوبية، حتى تتوسطه الكعبة. وتم له ما أراد بنفقات باهظة، وآخر زيادة حدثت في العصر العباسي كانت سنة 306هـ/ 918م في عهد الخليفة المقتدر، بلغت مساحته نحو ثلاثين ألف متر مربع، وظل كذلك طوال عصور الفاطميين والأيوبيين والمماليك والعثمانيين، فلم تضف إليه مساحات جديدة، وإنما تعاهده الحكام بالصيانة والترميم والتجميل إلى أن جاءت أكبر توسعة في تاريخه في العهد السعودي.

ومكة كلها حرم، ويقابله: الحِلّ، وحدود الحرم من طريق المدينة على ثلاثة أميال، ومن العراق على سبعة، ومن الجِعرَّانة على تسعة، ومن الطائف على سبعة، ومن جدة على عشرة. وتحديد حدود الحرم له أهمية كبيرة لأن له أحكاماً شرعية تختص به، تختلف عن منطقة الحل.

توسعات المسجد الحرام في العهد السعودي

مر أكثر من ألف عام منذ آخر توسعة للمسجد الحرام في عهد الخليفة العباسي المقتدر سنة 306هـ، فلما قامت الدولة السعودية الحالية، منذ بدايات القرن العشرين، وجهت اهتماماً كبيراً للحرمين الشريفين، ومع تزايد أعداد الحجاج تزايداً مستمراً لسهولة المواصلات وسرعتها، فقد دعت الحاجة لتوسعة المسجد الحرام لمواجهة زيادة أعداد المصلين، وقد مكنت عائدات النفط الكبيرة الحكومة السعودية من القيام بمشروعات هائلة للتوسعة، وأول هذه المشروعات، كان في عهد الملك سعود بن عبد العزيز، وقد تم على ثلاث مراحل، بدأ سنة 1375هـ/ 1955م وشمل إدخال زيادات كبيرة على مساحة المسجد الحرام، واستكمل بناء الطبقة السفلى، وبناء المسعى من طبقتين، وإنشاء خمسة ميادين عامة حول الحرم، وبهذا صارت مساحته مئة وثلاثة وتسعين ألف متر مربع، تتسع لنحو أربعمئة ألف مصلٍّ، وشمل المشروع كذلك ترميم الكعبة المشرفة. وتوسعة المطاف وتجديد مقام إبراهيم.

مشروع الملك فهد بن عبد العزيز

في سنة 1409هـ/1989م بدأ أكبر مشروع للتوسعة في تاريخ المسجد الحرام، بإشراف خادم الحرمين الشريفين، الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود ورعايته، إذ وصلت مساحته  بأدواره الثلاثة، القبو والأرضي والأول وأسطحه، نحو ثلثمئة وثمانية وعشرين ألف متر مسطح، تتسع لنحو ثلاثة أرباع مليون مصلٍّ، وقد تصل إلى مليون في موسم الحج.

كذلك أُضيفت مساحة واسعة إلى مسطح المسجد من الجهة الجنوبية الغربية، مابين باب العمرة وباب الملك عبد العزيز. وقد شملت توسيعات الملك فهد مدخلاً رئيسياً جديداً وثمانية عشر مدخلاً عادياً، إضافة إلى مداخل الحرم التي كانت موجودة من قبل، وهي ثلاثة مداخل رئيسية وسبعة وعشرون مدخلاً عادياً، وصارت أبوابه أكثر من ثمانين باباً. كما شملت إضافة مئذنتين جديدتين إلى المآذن السبع القائمة، وشملت الكثير من المرافق التي تيسر لحجاج بيت الله الحرام، أداء مناسكهم، مثل السلالم وضخ الهواء إلى المسعى بين الصفا والمروة، وتبريد الأرض من تحتها، برخام أبيض استورد من أعماق البحر من إيطالية، يساعد على البرودة.

 

وهبة الزحيلي، عبدالشافي محمد عبد اللطيف

 

الموضوعات ذات الصلة:

 

الإسلام ـ الحج ـ الكعبة المشرفة ـ مكة المكرمة ـ المملكة العربية السعودية.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ محمد بن إسماعيل البخاري،صحيح البخاري (دار الفكر العربي، بيروت 1401هـ / 1981م).

ـ حسين عبدالله سلامة، تاريخ عمارة المسجد الحرام ( دار تهامة، جدة 1400هـ /1980م).

ـ محمد حسن الدقن، تاريخ كسوة الكعبة المعظمة (مطبعة الجبلاوي، القاهرة 1406هـ / 1986م).

ـ محمد طاهر الكردي المكي، التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم (مكتبة النهضة الحديثة، مكة المكرمة 1385هـ.)

ـ محمد بن عبدالله الزركشي، إعلام الساجد بأحكام المساجد (مطبوعات المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة 1403هـ / 1982م).

ـ الحرمان الشريفان، الطبعة الثالثة (مطبوعات وزارة الإعلام السعودية، 1414هـ /1994م).


التصنيف : التاريخ
النوع : دين
المجلد: المجلد الخامس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 674
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1084
الكل : 40506729
اليوم : 36544

بروس (سالومون دي-)

بروس (سالومون دي ـ) (1571 - 1626م)   سالومون دي بروس Salomon De Brosse، مهندس معماري فرنسي، ولد في مدينة فرنُويْ Verneuil، وتوفي في باريس. ينتمي إلى أسرة من المعماريين، والده المعماري جان دي بروس Jean De Brosse، وجدّه جاك الأول أندرويه Jacques I Androuet، معماري وحفار اشتهر بإنجازاته وكذلك أبناؤه وأحفاده وأشهرهم سالومون. نضجت مواهب سالومون الفنية في أحضان شقيق جده جاك الثاني أندرويه Jacques II Androuet.
المزيد »