logo

logo

logo

logo

logo

دونان (هنري-)

دونان (هنري)

Dunant (Henri-) - Dunant (Henri-)

دونان (هنري -)

(1828-1910م)

 

   
 
   

جون هنري دونان Henry Dunant المعروف بأبي الصليب الأحمر والهلال الأحمر[ر]. ولد في جنيف بسويسرا. وكان والده رجل أعمال ناجحاً ومواطناً ذا مكانة بارزة وثروة طائلة، أما والدته فكانت امرأة متدينة وتولت أكثر من أي شخص آخر مسؤولية تربية ابنها البكر في سنوات عمره الأولى، وكان لها دور كبير في تكوين طباعه.

عندما شبّ دونان كان يحظى بكل المزايا التي أسبغها عليه وضع أسرته الاجتماعي والاقتصادي، وفي الوقت ذاته اختبر دونان الآداب المعتادة لأبناء المواطنين السويسريين المسؤولين. وأثر في نموه وتطوره كذلك جو جنيف «الكاليڤينية» (نسبة إلى كالڤن) وتكونت لديه مبكراً خلافات دينية عميقة ومبادئ أخلاقية متميزة.

وفي السنوات الأولى من نضوجه وجد دونان منفذاً لطاقاته الخلاقة بالانضمام إلى مختلف الحركات أو مناصرة بعض القضايا وبالاشتراك في النشاطات الخيرية والدينية. وأصبح عضواً في منظمة في جنيڤ عرفت باسم جمعية «الصدقة»، وكانت تعمل على تقديم العون الروحي والمادي للفقراء والمرضى والمتألمين. وكان يزور سجن المدينة بصورة منتظمة ليساعد في إصلاح الخارجين على القانون. وعلى الرغم من تكريس دونان نفسه لمثل هذا النوع من القضايا إلا أنه لم يقصر نشاطاته عليها. فقد شرع في تأسيس مستقبل له في مجال الأعمال. ففي عام 1849م تدرب في مؤسسة مصرفية في جنيف لتعلم الأعمال المالية وتقدم في هذا العمل لدرجة أنه عُين في عام 1853م بصور مؤقتة مديراً لفرع الشركة في الجزائر يحمل اسم «كولوني سويس وستيف». وفي الجزائر استطاع الاطلاع على حضارتها ومبادئ الشريعة الإسلامية في السلم والحرب حتى قيل إن ما تعلمه من هذه الشريعة كان له أثر مهم في نظرته لإنهاء الحروب.

وفي وقت لاحق قطع دونان علاقاته مع الشركة وشرع في تنظيم مشروع لحسابه، وكان يبدو أن هذا الشاب المفعم بالحيوية يتجه نحو مستقبل ناجح في مجال الأعمال. وبينما كان دونان في رحلة تجارية في إيطاليا رمته الأقدار ليصل إلى «كستيلوني ديلا بيف» في 24/6/1859م حيث وقعت معركة سولفارينو. وعندما غصت المدينة بالمصابين، واتضح أن الخدمات الطبية العسكرية غير كافية. كان من الطبيعي أن يحاول دونان المساعدة في تخفيف آلام الجرحى ومعاناتهم بحكم ما نشأ وشب عليه وتعلم من روح إنسانية.

وقد غيرت هذه التجربة مسار حياة دونان، فمنذ ذلك الوقت أصبحت أنشطة دونان التجارية واهتماماته الأخرى ثانوية، إذ إنه سعى إلى إيجاد وسيلة يمكن بها منع تلك المعاناة أو على الأقل التخفيف منها في الحروب القادمة.

وكان نشر كتاب «تذكار سولفارينو» بداية لمرحلة قصيرة وصل فيها دونان إلى ذروة نجاحه، فقد أيد كثيرون اقتراحه بشأن تنظيم جمعيات من متطوعين مدربين في جميع البلدان للمساعدة في رعاية المقاتلين الجرحى في وقت الحرب. كما أثارت فكرته بشأن عقد معاهدة دولية بين الأمم لضمان تقديم رعاية إنسانية أفضل للجرحى اهتماماً كبيراً. وتنقل دونان بين عواصم أوربية كثيرة وفتحت له جميع الأبواب، وتمكن من التخاطب مباشرة مع أشخاص نافذين من ملوك وزعماء وقادة وحتى عامة الناس، وقد أنصت كل هؤلاء باحترام إلى دونان وهو يشرح مقترحاته، وإن كان بعضهم شكّوا في جدوى ما كان ينادي به. لقد كانت تجربة بهيجة لهذا الشاب الذي برز فجأة من المجهول ليمس قلب أوربا ويحرك ضميرها وهي القارة التي كانت تتحكم عملياً بالعالم كله آنذاك.

وفي عامي 1863 و1864م بلغ نجم دونان أوجه، وشهد العالم توقيع اتفاقية جنيڤ لعام 1864م. التي يعدّها المؤرخون بداية تقنين قواعد القانون الدولي الإنساني[ر] المعاصر. تسابق الناس إلى دعمه وتأييده وشكلت لجان وعقدت ندوات ومؤتمرات لوضع أفكاره موضع التنفيذ لكن دونان الحالم بدأ تدريجياً بالانزواء حين تبنى رجال عمليون بدرجة أكبر العمل الذي نادى به. ومن ذلك إنشاء جمعيات الصليب الأحمر الدولية التي غدت مع جمعيات الهلال الأحمر محط أنظار الناس من كل الأجناس في التخفيف من معاناة البشر في أيام النزاعات المسلحة الدولية والداخلية. وازداد انزواء دونان بسبب ما عرف عنه من خجل وحياء، ففي الوقت الذي عرف ببلاغته وإقناعه بالكتابة والتحدث إلى الناس لم يكن له سوى القليل الذي يقدمه في الاجتماعات والمؤتمرات.

وكان في عام 1867م يمثل كارثة لدونان إذ أخطر لتصفية أعماله التي أهملها طويلاً، فكان لذلك أثر كبير في تخليه عن معظم ما كان يتجه إليه في مسعى منه لإرضاء دائنيه، وترك جنيڤ إلى الأبد وعمره آنذاك 39 عاماً فقط. وكانت السنوات التالية صعبة على دونان فقد عاش معسراً على المبالغ الضئيلة التي كان بوسع أصدقائه تقديمها، والمخصصات البسيطة التي أرسلتها له القلة القادرة من أفراد أسرته. وقد ظهر في هذه المرحلة مرات قليلة في فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإنكلترا لتكريمه على مشاركته في تأسيس الصليب الأحمر أو في مناسبة مشروعات أخرى كان له فيها دور بارز، لكنه عاش مغموراً معظم الوقت. وفي أحد أيام تموز من عام 1887م ظهر رجل مسن في مدينة هايدن السويسرية الصغيرة ولم يكن هذا الرجل إلا هنري دونان الذي لما يكن قد تجاوز سن التاسعة والخمسين من عمره لكن أعوام خيبة الأمل والعوز تركت آثارها عليه فبدا مسناً هرماً متعباً. وفي عام 1892م أرغمه اعتلال صحته وتقدم سنه على الإقامة في المشفى المحلي حيث عاش السنوات الثماني عشرة الأخيرة من عمره. وفي العام ذاته أدرك العالم من مقابلة أجراها معه صحفي شاب أن دونان مازال حياً يعيش في ظروف قاسية، فتقاطرت عليه رسائل التعبير عن الامتنان لخدماته العظيمة من الأكابر والبسطاء وكان من بين من كتبوا له البابا ليو الثالث عشر الذي أرسل له صورته موقعاً عليها بخط يده مع عبارة «ليحل السلام بقوتك يا الله».

لكن التكريم الأكبر لدونان كان عام 1901م حين منحته لجنة نوبل أول جائزة لها للسلام بالمشاركة مع فريدريك باسي الفرنسي. وأرسلت اللجنة جائزة دونان ووسام الجائزة إليه في مشفاه في هايدن لعدم قدرته على السفر لاستلامها. أما اللجنة الدولية للصليب الأحمر فكتبت تقول: «ليس هناك من يستحق هذا الشرف أكثر منك فأنت الذي أسست منذ أربعين سنة مضت المنظمة الدولية لإغاثة الجرحى في الميدان، ومن دونك لم يكن ممكناً أن يتحقق ذلك الإنجاز الإنساني الأعظم، الصليب الأحمر».

توفي هنري دونان في هايدن لكن ذكراه ما زالت باقية فيما دعى إليه من أفكار إنسانية وفيما أسس من منظمات خيرية وإنسانية أهمها الصليب الأحمر ومعهد هنري دونان للقانون الدولي.

محمد عزيز شكري 

الموضوعات ذات الصلة:

القانون الدولي الإنساني ـ الصليب والهلال الأحمر. 

مراجع للاستزادة:

ـ عامر زمالي، مدخل إلى القانون الدولي الإنساني (اللجنة الدولية للصليب الأحمر والمعهد العربي لحقوق الإنسان في تونس، الطبعة الثامنة، جنيڤ 1997م).

ـ جان بيكته، مدخل إلى القانون الدولي الإنساني (اللجنة الدولية للصليب الأحمر، جنيڤ).


التصنيف : القانون
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد التاسع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 478
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1062
الكل : 40495002
اليوم : 24817

تاتلين (فلاديمير-)

تاتلين (فلاديمير ـ) (1885 ـ 1953)   فلاديمير تاتلين Vladimir Tatlin، فنان روسي، وُلد وتوفي في موسكو، أحد مؤسسي تيار البنائية[ر]، مصوّر ومؤلف أعمال فنية: طبيعة صامتة ومناظر طبيعية وصور شخصية وأعمال جدارية ونصبية، وهو معمار ومؤلف مشاريع هندسية، ونحات، وحفّار ورسام توضيحي للكتب، وفنان مسرح صمّم الكثير من ديكورات المسرحيات والاستعراضات في الشوارع، وصمّم أشكال أثاثٍ جديدة وأوعية زجاجية وملابس وأجهزة إنارة وغي ذلك.
المزيد »