logo

logo

logo

logo

logo

الأعشاب (إبادة-)

اعشاب (اباده)

Weed-killing - Désherbage

الأعشاب (إبادة ـ)

 

تعني إبادة الأعشابweed killing  مكافحة أنواع نباتية غير مرغوب فيها تنمو في أماكن مزروعة أو غير مزروعة وتسبب أضراراً اقتصادية أو أخطاراً معينة كأن تكون سامة للإنسان والحيوان أو مضيفة للحشرات والفطور، أو سريعة الاشتعال مسببة الحرائق أو غير ذلك، مثل الأعشاب التي تنمو في الحقول الزراعية، وعلى جوانب الطرق والسكك الحديدية وفي المطارات والأعشاب المائية التي تنمو في القنوات والأنهار.

الصفات الرئيسة البيولوجية للأعشاب الضارة

إن للأعشاب الضارة قدرة كبيرة على التكاثر والانتشار بالبذور أو عن طريق البراعم. وتستطيع البراعم البقاء حية عدة سنوات مما يؤدي إلى تزايد عدد أفراد النباتات وتكاثرها في مجموعات. والبذور هي أكثر وسائل التكاثر والانتشار أهمية، فهي تنتشر عن طريق الرياح والماء والحيوانات وأدوات الخدمة المختلفة، وتبقى حيةً مدة طويلة. ومع أن دورة حياة الأعشاب الضارة أقصر غالباً من دورة حياة نباتات المحصول المزروع، فإن لهذه الأعشاب قدرة على النمو أكبر من قدرة نباتات المحصول. وهي تستطيع مزاحمتها والاستفادة من العناصر الغذائية الموجودة في التربة بكفاية أعلى.

تطور جماعات الأعشاب الضارة

ترافق كلَّ محصول عدةُ أنواع من الأعشاب معروفةٌ بخصائصها المرتبطة بتداخل عدة عوامل هي التربة والمناخ والدورة الزراعية وطريقة المكافحة المتبعة. فالتوسع في زراعة القطن لعشرات السنين يرافقه انتشار عدة أنواع من الأعشاب الضارة الموجودة أصلاً في الحقول ولكن بنسبة قليلة مثل القطيفة (عرف الديك) Amaranthus retroflexus وعنب الذئب (المغد الأسود) Solanum nigrum والهندباء البرية (الطَرَخْشَقُون) Taraxacum dens leonis وغيرها.

وإن استخدام المكافحة الكيمياوية استخداماً متكرراً أدى إلى اصطفاء نباتات مقاومة لبعض مبيدات الأعشاب، مثل السرمق الأبيض (رجل الإوَزّ البيضاء) Chenopodium album والقطيفة المقاوِمَين لمركبات التريازين التي استعملت في حقول الذرة الصفراء عدة سنوات، أو مثل نباتات الفيزاليس Physalis المقاومة للمبيد ترايفلورالين المستخدم في حقول القطن.

وغالباً ما تكون الأعشاب الضارة لمحصولٍ ما قريبة منه من الناحية الوراثية والتصنيفية، وهذه حال الأنواع النجيلية في محصول الأرز، والنجيل الزاحف Agropyrum repens في محصول الذرة الصفراء، والشوفان البري Avena fatua في محصول القمح.

تصنيف الأعشاب الضارة وفقاً لوسائل مكافحتها

يُنظَر في تصنيف الأعشاب الضارة إلى طريقة تكاثرها وإلى شكل أوراقها. فثمة أنواع منها تتكاثر عن طريق البذور فقط، وتكون مكافحتها بإتلافها بالحصد، وهنالك أنواع تتكاثر تكاثراً خضرياً عن طريق البراعم الموجودة على الأجزاء النباتية الأرضية، وتكون مكافحتها بحرث التربة. أما من ناحية شكل الأوراق فهنالك أنواع رفيعة الأوراق مثل الأعشاب النجيلية، وهنالك أنواع أوراقها عريضة مختلفة الأشكال، وتكون مكافحتها بمعالجة الأوراق بما يناسب كلا الحالتين:

العلاقات بين النباتات المزروعة والأعشاب الضارة

هنالك علاقات تزاحم وتطفل وغيرها. فقد تؤلف بعض النباتات الضارة تحت سطح التربة مجموعات جذرية كبيرة تزاحم المزروعات الأخرى على الماء والعناصر الغذائية. وهذه حال السرمق الأبيض وعرف الديك اللذين تزاحم جذورُهما جذور الشوندر السكري ودوار الشمس والذرة الصفراء. كما تستطيع نباتات الخردل البري Sinapis arvensis تبخير كمية من الماء أكبر بأربع مرات من الكمية التي تبخرها مساحة مساوية من المجموع الخضري لنباتات القمح. مع العلم بأن الأعشاب الضارة هي في الغالب ذات جذور وتدية عميقة وتحصل على الماء من أعماق التربة حتى ستة أمتار، مثل شوك الحقل Cirsium arvense، أو تحصل عليه عن طريق التفرعات الجانبية والسطحية لجذورها التي تصل في نباتات الشوفان البري إلى مسافات طويلة جداً. والأعشاب الضارة قادرة على الاستفادة من الآزوت والعناصر الغذائية الموجودة في التربة استفادة توازي نباتات المحصول المزروع. وكذلك فإن اتساع الأجزاء الخضرية لبعض الأعشاب الضارة وكثافتها يؤديان إلى حجب الضوء عن المزروعات والتربة ويخفضان من ثم عملية التمثيل اليخضوري للنباتات الأخرى الموجودة معها في المكان نفسه.

 

وأما من ناحية التطفل فالنباتات الضارة تشارك نباتات المحصول مباشرة في غذائها، مما يتسبب في ضعف النبات المزروع وموته لتأخر نموه أو توقفه، كما هي الحال في الدبق الأبيض Viscum album الذي يتطفل على أشجار الحور والتفاح والإجاص، وفي الجَعْفِيْل المفرَّض (الهالوك القبعي) Orobanche crenata الذي يتطفل على نباتات العدس والفول والبِسِلَّى (البزلياء)، والبيقية من الفصيلة نفسها، وفي الكشُوت (الهالوك أو الحامول) Cuscuta planiflora الذي يتطفل على نباتات الفِصْفِصَة.

ومن جهة أخرى هناك بعض الأعشاب الدخيلة الضارة التي تفرز من جذورها مواد تبطّئ نمو النباتات المزروعة. كذلك فإن بعض الأعشاب الدخيلة الضارة تعيق جني المحصول وحفظه إذ يؤدي، مثلاً، وجود 25 نبتة في المتر المربع من أنواع اللُصَيْقى Galium aparine والجلبان البري (العسقولي) Lathyrus tuberosus إلى ضجعان نسبةٍ مرتفعة من نباتات القمح، مما يعيق عمل الحصادة الدراسة. كما تتجمع نباتات الأقحوان البري (أقحوان الزُرُوع) Chrysanthemum segetum مابين أجزاء الآلة، فتعرقل حركتها لأنها تكون عند الحصاد خضراء غير جافة. ويؤدي وجود ثمار عنب الذئب بين ثمار البسلَّى بعد الجمع إلى انخفاض قيمتها عند الحفظ.

ويقوم عدد كبير من الأعشاب الضارة بدور مضيف لعدد من الطفيليات النباتية أو الحيوانية التي تهاجم النباتات المزروعة فقد تكون بعض أنواع من الأعشاب النجيلية مضيفة لصدأ ساق القمح وغيره من محاصيل الحبوب، ويكون ذيل الثعلب Alopecurus myosuroides مضيفاً للصدأ الأسود في القمح. وتكون الديجيتارية الدموية Digitaria sanguinalis مضيفة لفيروس فسيفساء قصب السكر. وتكون عدة أنواع من أعشاب الفصيلة الخيمية مضيفة لذبابة الجزر، ويكون عنب الذئب مضيفاً لخيطيات التبغ والبطاطا.

وتُعد بعض النباتات الدخيلة سامةً للإنسان والحيوان عند تناولهما أجزاء منها، فنبات الشيخة Senecio jacobea مثلاً يسبب أمراضاً كبدية في الأبقار. ويسبب الهيبوفاريقون (المُنسيَة، عُصْبَة القلب) Hypericum perforatum التهاب الأنبوب الهضمي في الخيول والأبقار. ويسبب نبات الداتوره Datura تسمماً عاماً في الحيوانات جميعها. ويسبب خُرَّمُ الحنطة Agrostemma githago والزُوان المُسْكِر Lalium temulentum عند وجودهما في الطحين، تسمماً للإنسان والحيوان.

وقد تكون الأعشاب الدخيلة الضارة ملاجئ للبعوض الناقل للملاريا.

مكافحة الأعشاب الضارة

تكافح الأعشاب الضارة بطرائق غير كيمياوية وطرائق كيمياوية.

الطرائق غير الكيمياوية: وتشمل الطرائق البيئية والميكانيكية والفيزيائية والمكافحة الأحيائية.

أما الطرائق البيئية فتعتمد على التدخل في بيئة النوع النباتي وتعديلها لتصبح غير ملائمة لنمو نباتاته، مثل تجفيف الوسط المائي لمكافحة الأعشاب المائية، أو تجفيف قنوات الري والصرف مدةً من الزمن للقضاء على جميع الأنواع النباتية الموجودة فيها.

وأما الطرائق الميكانيكية فتعتمد على الحراثة والقلع والعزق. والحراثة من أشد العمليات الزراعية فعاليةً في القضاء على الأعشاب الفتية الحولية الضارة، في حين تقل فعالية الحراثة أو تنعدم في القضاء على نباتات الأنواع المعمرة، وذلك لعدم إمكان دفن الأجزاء المقطوعة المختلفة وما عليها من براعمٍ في أعماق كبيرة تحول دون احتمال نموها مرةً أخرى. أما عملية القلع اليدوي فتتم في المشاتل الزراعية حيث المساحات المزروعة صغيرة جداً، أو في بعض الزراعات المحدودة المساحة في المناطق الجبلية، في حين تؤدي عملية العزق إلى تقطيع الأعشاب الضارة النامية في الحقل ومنع هذه النباتات من الوصول إلى طور النضج التام وتشكيل البذور.

وأما ما يتصل بالطرائق الفيزيائية فتعد النار إحدى الوسائل الفعالة في القضاء على الأعشاب الضارة الموجودة على جوانب الطرق والسكك الحديدية وقنوات الري وجميع الأماكن غير المزروعة. ومن جهة أخرى، لما كانت أشعة الشمس هي المصدر الأساسي للطاقة الضوئية التي يستخدمها النبات في عملية التمثيل اليخضوري فيمكن القضاء على الأعشاب الضارة الفتية كالبادرات بعد الإنتاش مباشرة عن طريق منع ضوء الشمس من الوصول إليها باستخدام أغطية لدائنية خاصة سوداء اللون.

وأما المكافحة الأحيائية فهي مجموع الوسائل التي تؤدي إلى القضاء على الأعشاب الضارة عن طريق استخدام أعدائها الطبيعية من فطور أو حشرات متطفلة أو حيوانات أخرى كالأبقار والأغنام والطيور.

الطرائق الكيمياوية: عُرفت إبادة الأعشاب بالمواد الكيمياوية منذ نهاية القرن التاسع عشر، ولكنها لم تتطور إلا بعد العقد الثالث من القرن العشرين مع تقدم علوم الكيمياء الحيوية والعضوية. وتتم الإبادة باستخدام مركبات كيمياوية تدعى مبيدات الأعشاب. وبعد أن أصبح عدد هذه المركبات كبيراً تم تصنيفها ضمن مجموعات كيمياوية بحسب الوظيفة أو درجة القرابة الكيمياوية، وقد تطور مفهوم استخدام المركبات الكيمياوية في القضاء على الأعشاب الضارة فلم يعد الهدف إبادتها إبادة كاملة وإنما الحد من وجودها ومنعها من مزاحمة المحاصيل المزروعة.

مبيدات الأعشاب والنباتات: تقسم مبيدات الأعشاب بحسب طريقة تأثيرها إلى مجموعتين: مبيدات الأعشاب التي تؤثر بالملامسة ومبيدات الأعشاب الجهازية. أما الأولى فتؤثر في النبات في الأماكن التي يلامسها المبيد فتحرق نسجه، وتكون فعاليتها كبيرة على بادرات النباتات ومحدودة على النباتات المعمرة. ومن شروط الرش تغطية النبات تغطية كاملة متجانسة لتعطي نتائج جيدة، ومن أمثلتها الفينولات النترية والكلورات chlorate والباراكوات paraquat وغيرها.

وأما مبيدات الأعشاب الجهازية فيمتصها النبات عن طريق الأوراق أو الجذور بحسب المبيد وطريقة استعماله. وهي تنتقل ضمن أجزاء النبات مع النسغ لتصل إلى المكان الذي تؤثر فيه فتوقف بعض الوظائف الحيوية المهمة في النبات أو تسرِّعها. ومن أمثلة هذه المبيدات مركبات الهرمونات النباتية المصنعة والتريازينات والبولات المستبدلة.

مبيدات الأعشاب والتربة: تطبق مبيدات الأعشاب في العادة إما على النباتات مباشرةً، وإما على التربة، مثل مركبات البولة والتريازينات، وفي هذه الحالة تقوم التربة بدور الوسيط بين المبيد والنبات. ويتوقف نجاح عملية المكافحة هنا على دور التربة، لذلك فإن من الضروري دراسة التفاعلات المتبادلة بين المبيد والتربة لمعرفة مصير المبيد المستعمل، إذ إن سلوكية المبيد في التربة تتحدد بعدد من العوامل مثل خصائص التربة الفيزيائية والكيمياوية والأحيائية والعوامل المناخية ولاسيما كمية الأمطار ودرجة الحرارة وكذلك شكل المستحضر تجارياً. فخصائص التربة الفيزيائية تؤثر في درجة امتزاز المبيد adsorption من قبل غرويات التربة (الغضار والمادة العضوية) وتحدد من ثم نسبة المبيد المتوافرة في محلول التربة أي جزء المبيد الفعّال أو الحر الجاهز للامتصاص. ويؤدي نوع معدن التربة ودرجةُ تحلل المادة العضوية دوراً مهماً في تحديد قدرة هذه المكوِّنات على الاحتفاظ بالمبيد وجعله مرتبطاً بها. وتفيد معرفةُ خصائص التربة، من الناحية العملية، في تحديد الكمية الواجب استخدامها من المبيد إذ تستخدم كميات أعلى من المعدل العادي في الترب الغنية بالمادة العضوية وتخفض الكمية في الترب الخفيفة الفقيرة إلى المادة العضوية. أما خصائص التربة الأحيائية فإنها تؤثر في ثبات مبيد الأعشاب وبقائه، وهذا يعود إلى نشاط الكائنات الحية النباتية والحيوانية وقدرتها على تحطيم المبيد، إضافة إلى عوامل التحطيم الأخرى الفيزيائية والكيمياوية. وتؤدي العوامل المناخية، ولاسيما الأمطار والحرارة، دوراً مهماً في فعالية المبيد وانغساله ودرجة ذوبانه في محلول التربة أو تطايره، كما تؤثر درجة الحرارة في سرعة التفاعلات الكيمياوية والأحيائية في التربة، وينعكس ذلك على مدة فعالية المبيد في التربة. وتوفر مستحضرات مبيدات الأعشاب التجارية السائلة تغطية أفضل للنباتات والتربة بفضل قدرتها المبلِّلَة، ولكنها أكثر تأثراً بالتبخر والغسل بالأمطار، في حين تكون تغطية المساحيق القابلة للبلل أقل كفاية ولكن ثباتها أطول من المستحضرات السائلة.

استخدام مبيدات الأعشاب: تتحدد نتيجة المكافحة، سلباً أو إيجاباً، بأمرين: اختيار المبيد المناسب وشروط التطبيق. أما اختيار المبيد فيتعلق بعدة شروط أهمها نوع العشب المراد مكافحته ومرحلة تطوره، ونوع النبات المزروع ومرحلة نموه، ونوع المحصول التالي في الدورة الزراعية ودرجة حساسيته أو تحمله لبقايا المبيد، وشروط الوسط (نوع التربة وكمية الأمطار ودرجة الحرارة)، ومدى انتشار الأعشاب والخسائر التي تسببها، وثمن المبيد وإمكانية استعماله. وأما الأمر الثاني فهو التقيد بشروط التطبيق الجيدة بحسب الحالة. وتستخدم في العادة حجوم كبيرة من سائل الرش في وحدة المساحة للمبيدات التي تؤثر بالملامسة في حين تكون الحجوم صغيرة عند استخدام المبيدات الجهازية التأثير. وتضاف مواد مكملة أو مساعدة للمادة الفعالة بغية تحسين التصاق المبيد بأوراق النبات ولاسيما تلك التي تحوي أوباراً أو طبقة شمعية. ومن شروط الرش الجيد التأكد من الضغط في خزان الرش وذراعه وفحص المرذاذات والتأكد من سلامتها وتوزيعها محلول الرش توزيعاً متجانساً. كما أن اختيار شكل مستحضر المبيد المناسب (سائل أو مسحوق أو محبب) واختيار المزيج المناسب (أكثر من مادة فعالة أحياناً) يحققان فعالية المكافحة، وقد تحد بعض الأحوال الجوية ولاسيما سقوط الأمطار بعد الرش أو الطقس الحار جداً من نجوع المكافحة وقد تجعل المبيد غير فعال.

الصفات الرئيسية لمبيدات الأعشاب: هنالك صفتان اثنتان للمبيدات: الاصطفائية والثبات.

أما الاصطفائية فهي قدرة المبيد على القضاء على الأعشاب الضارة من دون إحداث أضرار ذات شأن في النباتات المزروعة. ويكون المبيد مثالياً عندما تكون اصطفائيته كاملة أي عندما يقضي على النباتات الضارة كلها ماعدا النبات المزروع. ويُرى في الواقع أن هذه الصفة نسبية وتتعلق بعدة عوامل مثل الكمية المستخدمة، وخصائص التربة أي علاقة تركيب التربة بسلوكية المبيد وتغلغله في أعماق التربة، ومرحلة نمو النبات المزروع (اختيار المرحلة المقاومة)، ومرحلة نمو الأعشاب الضارة (اختيار المرحلة الحساسة، مراحل النمو الأولى)، والمناخ.

وأما الثبات أو البقاء فيقصد منه المدة التي يمكن أن يحتفظ فيها المبيد بفعاليته في التربة، وتتعلق هذه المدة بإمكانية تحطم المبيد في التربة والجو. فعندما يكون الثبات طويلاً تحدث أضرار للنباتات المزروعة (عند انتقالها من مرحلة غير حساسة إلى مرحلة حساسة) أو حتى للنباتات اللاحقة في الدورة الزراعية. ومع ذلك فإن ثبات المبيد يجب أن يكون كافياً لحماية المحصول من مزاحمة الأعشاب الضارة في أثناء نموه وتطوره حتى نهاية جني المحصول.

منهجية مكافحة الأعشاب

هنالك وسائل متعددة يمكن أن يلجأ إليها المزارع لمكافحة الأعشاب، وتتحدد عناصر الاختيار بالنظام الزراعي المتبع، فاختيار تقنيةٍ ما له علاقة مباشرة بطريقة الزراعة المتبعة وتخطيط الحقل وتقسيمه ونوع المحصول وحساسيته. وتصنَّف النباتات عادة إلى معزوقة يمكن معها تطبيق تقنية ناجعة على إبادة الأعشاب (النباتات التي تُعزق مثل البطاطا والذرة الصفراء والقطن والخضراوات)، وغير معزوقة تضم النباتات التي لا يمكن خدمتها وعزقها، كالمحاصيل البقولية مثل العدس والحمص وغيرهما. وهنالك فئة ثالثة تضم المحاصيل ذات المساحات الكبيرة كمحاصيل القمح والشعير. ويلاحظ أن النباتات المعزوقة هي التي تَسْهُل مكافحة أعشابها بالطرائق الميكانيكية واليدوية، وقد ساعدت مبيدات الأعشاب في توسيع هذا المفهوم وصار في الإمكان استخدام معزق كيمياوي بدلاً من المعزق الميكانيكي أو اليدوي.

ويستطيع المزارع إدخال محصول تَسْهُل مكافحة أعشابه في الدورة الزراعية المتبعة، بحسب طبيعة الأعشاب التي يتوقع ظهورها في تعاقب المحاصيل. ويمكن أن يُطرح السؤال التالي: هل يمكن إلغاء عمليات الفلاحة العميقة المكلفة أو التقليل منها عندما تتوافر طريقة ناجعة في مكافحة الأعشاب الضارة؟ إن هذا ممكن فعلاً شريطة ألا تتأثر العوامل الأخرى المحدِّدة لخصوبة التربة وصلاحيتها كالتهوية وغيرها.

النتائج العامة لطرائق مكافحة الأعشاب

أدى التطور الزراعي وهجرة اليد العاملة من الريف إلى المدينة وارتفاع أجورها إلى الاتجاه تدريجياً نحو الطرائق الكيمياوية في مكافحة الأعشاب بدل الطرائق التقليدية ولاسيما اليدوية التي لم تعد كافية ولا اقتصادية. ومع أن هذا التطور في استخدام مبيدات الأعشاب أدى إلى زيادة ملموسة في الإنتاج، فقد رافقته نتائج سلبية ظهرت آثارها جلية على وجه الخصوص في البلاد المتقدمة التي تستخدم مبيدات الأعشاب على نطاق واسع. وتجلت هذه النتائج السلبية في الإخلال بالتوازن الطبيعي واحتمال تسمم الإنسان والكائنات الحية عموماً، كما حصلت تغيرات في توزع الغطاء النباتي وتركيبه ولاسيما عند استخدام المبيدات في الغابات أو المراعي المكثفة. وكذلك ظهرت أهمية الأعشاب الضارة الدقيقة الأوراق نتيجةً لاستخدام مبيداتٍ متخصصةٍ بالقضاء على الأعشاب العريضة الأوراق، مثل مركبات الهرمونات النباتية المصنعة، واستعمالها استعمالاً متكرراً مدة طويلة، وأصبحت الأعشاب الدقيقة الأوراق تحتاج إلى مبيدات متخصصة بمكافحتها، مما زاد في عدد دورات المكافحة وتكاليفها. كذلك أدى استخدام مبيدات الأعشاب استخداماً متكرراً إلى زيادة مقاومة بعض الأنواع لهذه المبيدات مثل مقاومة السرمق الأبيض وعرف الديك لمركبات التريازينات، مما تطلب تغيير المبيد المستخدم أو إضافة مبيد آخر للمكافحة. وإن استخدام مبيداتٍ ذات مدةِ بقاءٍ طويلة في التربة استخداماً متكرراً يجعل تراكمها خطراً على كائنات التربة، وربما أدى إلى إمكان تلوث الأنهار والبحيرات والمياه الجوفية بالمبيدات التي تغسلها الأمطار وتغلغلها في أعماق التربة وتصريفها في المصادر المائية المختلفة. وهذا ما دعا العلماء والمهتمين بالبيئة خاصة إلى التفكير جدياً في الحد من استخدام المبيدات والاعتماد على طرائق المكافحة الأخرى التي تؤثر على نحو فعال في الحد من انتشار الأعشاب الضارة، والتوجه نحو تطبيق أسلوب المكافحة المتكاملة بالاعتماد على كل الطرائق والوسائل الممكنة لجعل منافسة الأعشاب تحت مستوى الضرر الاقتصادي والتحكم في نموها وانتشارها.

وفي سورية ومعظم الأقطار العربية ازداد استخدام مبيدات الأعشاب منذ مطلع السبعينات زيادة مطّردة إلى درجة باتت تنذر بالخطر، ولابد من تدارك هذا الأمر بالاستفادة من تجارب البلاد المتقدمة في هذا المجال وتجنب كل السلبيات الناجمة عن الاستخدام غير المدروس وغير المبرمج على المدى القريب والبعيد، وهذا يتطلب إجراء دراسات محلية لتوزع الأعشاب وتركيبها الطبيعي في مختلف المناطق ومعرفة حياتها وبيئتها، واعتماد الأسس الأحيائية والبيئية لتحديد أفضل الطرائق لمكافحة هذه الأعشاب والحد من انتشارها والاهتمام بالطرائق الوقائية والفيزيائية والزراعية، واختيار المبيدات القليلة السمية التي لا تترك بقايا سامة لمدة طويلة ودراسة النتائج المحتملة لاستخدامها في البيئة المحلية.

أنور معمار، سمير طباش

 

مراجع للاستزادة

 

ـ أنور معمار، الأعشاب الضارة ومكافحتها (جامعة دمشق 1986).

-M.TISSUT et F.SEVERIN, Plantes, herbicides et desherbage (ACTA 1984).

-L.DETROUX, Les herbicides et leur emploi (Paris 1975).


التصنيف : الزراعة و البيطرة
المجلد: المجلد الثاني
رقم الصفحة ضمن المجلد : 768
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1102
الكل : 40494214
اليوم : 24029

تقي الدين محمد بن معروف

تقي الدين محمد بن معروف (نحو 932 ـ 993هـ/1525 ـ 1585م)   تقي الدين محمد بن معروف بن أحمد، عالم فلكي، وراصد رياضي ومهندس ميكانيكي، اشتهر أوائل الحكم العثماني. ورد اسمه كاملاً ومدوناً بخط يده على مخطوط له عنوانه «الطرق السنية في الآلات الروحانية». يرجع في نسبه إلى الأمير ناصر الدين منكويرس، ابن الأمير ناصح الدين خمارتكين. أشارت معظم المراجع إلى أنه من مواليد مدينة دمشق، ثم انتقلت أسرته إلى مصر، حيث استقرت فيها. نشأ تقي الدين في بيت علم ودين، فقد كان والده قاضياً في مصر. ودرس هو علوم عصره، وأصبح قاضياً مثل أبيه. تحدث عن نفسه في أحد مؤلفاته، وهو «سدرة منتهى الأفكار في ملكوت الفلك الدوار» فقال: «ولما كنت ممن ولد ونشأ في البقاع المقدسة، وطالعت الأصلين «المجسطي»، و«كتاب إقليدس في الأصول» أكمل مطالعة، ففتحت مغلقات حصونها، بعد الممانعة والمدافعة. ورأيت ما في الأزياج المتداولة (الجداول الفلكية) [ر] من الخلل الواضح، والزلل الفاضح، تعلق البال والخلد بتجديد تحرير الرصد». وهذا يدل على أن تقي الدين قد اطّلع على الكتب العربية التي وردت فيها الأرصاد والحسابات الفلكية والأزياج فسعى لإصلاحها. واستخرج زيجاً وجيزاً مستعيناً بأبحاث أَلُغ بك، كما ذكر في كتابه «الدر النظيم في تسهيل التقويم». ويبدو من أقوال تقي الدين، التي وردت في كتابه «الطرق السنية في الآلات الروحانية» أنه زار اصطنبول، مع أخيه عام 953هـ/1546م. وربما كان ذلك بحكم وظيفته، أو رغبة في طلب العلم.  وفي تلك المدينة قام بمشاركة أخيه بتصميم آلة لتدوير سيخ اللحم على النار، فيدور من نفسه من غير حركة الحيوان. عمل تقي الدين في خدمة الوالي علي باشا، الذي كان يحكم مصر من قبل السلطان سليمان القانوني، بدءاً من عام 956هـ/1549م. فأهداه كتابين من مؤلفاته وهما «الطرق السنية في الآلات الروحانية»، و«الكواكب الدرية في البنكامات الدورية». وجاء في كتاب «كشف الظنون» أنه في عام 975هـ/1568م ألف تقي الدين كتاب «ريحانة الروح في رسم الساعات على مستوى السطوح» في قرية من قرى نابلس. ثم شرحها العلاّمة عمر بن محمد الفارسكوري شرحاً بسيطاً بإشارة من المصنف، وسماها «نفح الفيوح بشرح ريحانة الروح»، وفرغ منها في ربيع الأول 980هـ، ولها ترجمة إلى اللغة التركية موجودة نسخة منها في المكتبة الظاهرية بدمشق. رحل تقي الدين بعد ذلك إلى اصطنبول، حيث تقرّب من الخواجه سعد الدين، معلّم السلطان، وصار من خواصه الملازمين. ونظراً لبراعة تقي الدين في العلوم الفلكية دعمه الخواجه سعد الدين ليكون رئيساً للمنجمين في أواخر حكم السلطان سليمان، وكان ذلك عام 979هـ/1571م. كان تقي الدين يرغب في إنشاء مرصد في اصطنبول، على غرار مرصد مراغة، الذي أنشأه أَلُغ بك، لذلك قدّم تقريراً للسلطان، عن طريق الصدر الأعظم محمد باشا، ووساطة الخواجه سعد الدين، وشرح في تقريره أن الجداول الفلكية الموجودة صارت غير قادرة على إعطاء معلومات صحيحة، لذلك صارت الحاجة ملحة لعمل جداول فلكية تستند إلى أرصاد جديدة. استجاب السلطان لطلب تقي الدين، وبدأ بإنشاء المرصد أوائل عام 983هـ/1575م، وانتهى بناؤه وتجهيزه بالأجهزة والأدوات بعد ذلك بعامين. وحدث في ذلك الوقت ظهور مذنب في سماء اصطنبول، ولما شاهده تقي الدين في مرصده تقدم بالتهنئة للسلطان، متنبأ له بالنصر على الفرس، الذين كانوا في حرب مع الدولة العثمانية. وقد تحقق ذلك النصر، لكنه لم يكن مجرداً من الخسائر الفادحة. كما أن وباء الطاعون انتشر انتشاراً واسعاً في ذلك الوقت. فانتهز الفرصة قاضي زاده شيخ الإسلام هو وجماعته المنافسون للصدر الأعظم وللخواجه سعد الدين، وشنوا حملة معادية لإنشاء المرصد، ونجحوا بإقناع السلطان بهدمه، فتم لهم ذلك في عام 1580م. كان السلطان مراد قد كافأ تقي الدين، عقب إنشائه المرصد، فمنحه راتب القضاة، كما منحه قطائع درت عليه دخلاً كبيراً. إلا أن هدم المرصد كان له تأثير سيء في نفس تقي الدين، وقد توفي بعد ذلك بخمس سنوات، ودفن في مدينة اصطنبول. كان تقي الدين، كما يقول عن نفسه، في كتابه «الكواكب الدرية في البنكامات الدورية»، مغرماً منذ حداثته بمطالعة كتب الرياضيات، إلى أن أتقن الآلات الظلية والشعاعية علماً وعملاً، واطلع على نسب أشكالها وخطوطها. كما اطّلع على كتب الحيل الدقيقة والميكانيك، ورسائل علم الفرسطون والميزان وجر الأثقال. وكان يتقن معرفة الأوقات ليلاً ونهاراً، معتمداً على عدة أشكال من الآلات، وخاصة البنكامات الدورية (الساعات). وقد دوَّن فن الساعات الميكانيكية ومبادئها، وذكر عدداً من الآلات التي اخترعها. ولكي يبرهن على مدى تقدمه في العلوم الرياضية، ورغبته في نشر المعرفة، وضع عدة مؤلفات، منها رسالة «بغية الطلاب في علم الحساب»، وكتاب في الجبر عنوانه «كتاب النسب المتشاكلة». وكتاب في الفلك عنوانه «سدرة منتهى الأفكار في ملكوت الفلك الدوّار». وسجل في كتابه الأخير المشاهدات الفلكية التي حققها في مرصد اصطنبول. ووصف الآلات التي استعملها فيه، وماكان منها من مخترعاته، محتذياً في ذلك حذو العلامة نصير الدين الطوسي الذي كان يعدّه المعلم الكبير. كان تقي الدين وافر الإنتاج العلمي، قام بتصنيف عدد من الرسائل والكتب، ولما يزل أكثرها مخطوطات محفوظة في عدة مكتبات عالمية. وفي عام 1976 قام أحمد يوسف الحسن بتحقيق ودراسة مخطوط «الطرق السنية في الآلات الروحانية»، ونشره مصوراً في كتاب عنوانه «تقي الدين والهندسة الميكانيكية العربية»، وبين بالرسم والشرح شكل وعمل الآلات التي وردت في هذا الكتاب، وقال: «إن أهمية كتاب الطرق السنية في أنه يكمل حلقة مفقودة في تاريخ الثقافة العربية، وتاريخ الهندسة الميكانيكية». أما موضوعات الكتاب فتشمل مقدمة وستة أبواب. تكلم تقي الدين في مقدمة هذا الكتاب على الآلة المعروفة بحق أو علبة القمر، وهي مشابهة في تركيبها للساعات الميكانيكية. وفي الباب الأول: تكلم على أربعة أصناف من البنكامات، وهي ساعات رملية أو مائية، مما عرفه العرب في مطلع حضارتهم. وفي الباب الثاني: ذكر ثلاث آلات لجر الأثقال. وفي الباب الثالث: وصف أربع آلات لرفع الأثقال ومثلها لرفع الماء. وفي الباب الرابع: تكلم على عمل آلات الزمر الدائم والنقارات (ثلاثة أنواع) والفوارات المختلفة الأشكال (أربعة أنواع). وفي الباب الخامس ذكر أنواعاً شتى من آلات طريفة (أحد عشر نوعاً). وفي الباب السادس: وصف لسيخ اللحم الذي يدور بصورة آلية على البخار.   محمد زهير البابا   مراجع للاستزادة:   ـ بنو موسى بن شاكر، الحيل، تحقيق أحمد يوسف الحسن (معهد التراث العلمي العربي، حلب). ـ تقي الدين، الطرق السنية في الآلات الروحانية، تحقيق أحمد يوسف الحسن (معهد التراث العلمي العربي، حلب).
المزيد »