logo

logo

logo

logo

logo

إمرسون (رالف وولدو)

امرسون (رالف وولد)

Emerson (Ralph Waldo-) - Emerson (Ralph Waldo-)

إمرسون (رالف وولدو ـ)

(1803 - 1882)

 

رالف وولدو إمرسون Ralph Waldo Emerson أديب وخطيب ومفكر وشاعر أمريكي احتل مكانة بارزة في تاريخ أمريكة الأدبي والفكري لم يتبوأ مثلها أحد قبله. ولد إمرسون في بوسطن في شمال شرقي الولايات المتحدة في حقبة تعد من أكثر حقب التاريخ الأمريكي شأناً في أعقاب حرب الاستقلال عام1776. دخل جامعة هارفرد في سن مبكرة. ومع أنه لم يتفوق ولم يجد متعة في الكثير مما درس، فقد برز في كتاباته، كما وجد في الآداب واللغات الكثير مما يشد اهتمامه. كان منطوياً على نفسه، قليل الكلام، كثير التأمل، واسع القراءة، ممضياً معظم وقته في التفكير في القضايا الإنسانية والفلسفية والروحية وفي بلورة موقفه إزاءها. عمل بعد تخرجه في التعليم، إلا أن المهنة لم ترق له فتركها وعاد إلى الجامعة لدراسة اللاهوت. وفي هذا الوقت بدأ بإلقاء المواعظ في الكنائس، ثم أصيب بمرض في عينيه وبالسل، فتغيب عن الدراسة بعض الوقت وعانى من مخاوف نفسية سببها المرض.

نبغ إمرسون في مواعظه الدينية ونال إعجاب الكثيرين، وإن لم يفهم مواعظه الكثير من الحضور، إلا أن الجميع أجمعوا على رفعة سويتها. وكان يعتقد أن المسيحية الحقة تعتمد على التأمل والغوص في أعماق الذات والاتصال بالروح، وليس على الأفعال الجسدية والشعائر. وقد حصل بينه وبين المشرفين على كنيسة الموحدين Unitarian التي فضلها على غيرها مشادة حول هذا الموضوع أدت إلى استقالته منها عام 1832 تمسكاً برأيه. سافر إمرسون في السنة ذاتها إلى أوربة حيث التقى الشاعرين الإنكليزيين الإبداعيين (الرومانسيين) وردزورث[ر] Wordsworth وكولريدج [ر] Coleridge واطلع على إنتاجهما، كما قابل توماس كارلايل [ر] Thomas Carlyle  وأقام معه صداقة حميمة دامت طوال حياته. استقر في بلدة كونكورد Concord لدى عودته إلى أمريكة في العام التالي وانكب على إلقاء المحاضرات والكتابة لكسب العيش.

كان إمرسون من مؤسسي حركة فلسفة التعالي[ر] Transcendentalism، التي قال بها الفيلسوف الألماني كنت[ر] Kant، وكانت رداً على عقلانية القرن الثامن عشر وماديته، فأشرف على تحرير مجلتها The Dial لمدة عامين. ناصر حقوق المرأة ونادى بتحرير السود من العبودية، كما عارض الحرب التي شنتها أمريكة ضد المكسيك، إذ عدها شكلاً من أشكال الاستعمار.

كتب إمرسون الشعر والنثر قبل دخوله الجامعة وأثناء دراسته، وحاكى في معظم هذا الإنتاج النماذج التي كان يطلع عليها ويعجب بها. أما إنتاجه الجاد فقد بدأ بعد تخرجه، فكتب المواعظ والمحاضرات التي كان يلقيها والتي ألّفت النواة الفكرية والفلسفية لمعظم كتاباته اللاحقة. وتعد محاضرته «رجل العِلم الأمريكي» The American Scholar (1837) من أهم ما قدمه، نادى فيها باستقلال أمريكة الفكري وباعتمادها على نفسها في بلورة ثقافة خاصة بها. أما أكثر محاضراته إثارة للجدل بين معاصريه فهي «خطاب» Address، التي ألقاها في عام 1838 في خريجي قسم اللاهوت في الجامعة  وأعلن فيها حربه على ما أسماه بالمسيحية التاريخية Historical Christianity التي وصفها بأنها ديانة رجعية تعنى بالطقوس والقشور، وتضع وسيطاً بين المخلوق والخالق، مؤكداً على ضرورة نبذها والاستعاضة عنها بتصور يقوم على احترام أكبر للنفس البشرية وقدراتها وعلى إيجاد علاقة مباشرة ما بين النفس والذات الإلهية.

كان أول ما نشر من مؤلفاته مقاله المطول «الطبيعة»  (1836) Nature الذي يعد عصارة فكره ودستوراً لحركة التعالي. ظهرت له بعد ذلك سلسلة «مقالات» Essays، المجموعة الأولى عام1841، والثانية عام 1844 قدم فيهما شرحاً مفصلاً لتلك الآراء التي وردت في «الطبيعة«. كذلك أصدر عام 1850 مقالات «رجال نموذجيون» Representative Men قدّم فيها مجموعة من عظماء الأدب والفلسفة أمثال أفلاطون[ر] وشكسبير[ر] ومن أهم فصول هذا العمل الفصل الخاص بالفيلسوف الفرنسي مونتيني[ر] Montaigne الذي يعد أحد المفاتيح الأساسية لفكر إمرسون نفسه. و فرغ من كتابه «السمات الإنكليزية» English Traits (1856) و«مسيرة الحياة» (1860) The Conduct of Life الذي يتضمن أشهر مقالاته «القدر» Fate، التي تمثل فكر إمرسون وأسلوبه في مرحلة النضوج.

بدأ حديثاً التركيز على جانب كان مهملاً من أعمال إمرسون هو شعره ومذكراته. وكان النقاد يرون شعره أقل جودة من نثره، إلا أنه كان في الواقع شاعراً حتى في مؤلفاته النثرية، وإن لمقالاته من الخصائص الأسلوبية، كالصور والتشبيهات، والسلاسة التعبيرية والعذوبة في الإيقاع والنغم ما يجعل لها في نفس القارئ وقعاً أشبه ما يكون بوقع الشعر. ويرى كثير من النقاد أن الشعر الأمريكي الحديث بدأ في الواقع عند إمرسون وليس عند ويتمان[ر] كما يظن الكثيرون. وكان ديوانه الأول «قصائد» Poems قد ظهر في عام1847. أما مذكراته فتسرد بالتفصيل الأحداث المهمة في حياته وقراءاته وتأملاته وانطباعاته التي منها ستنبثق معظم نصوصه الأخرى.

عاش إمرسون في زمن طغت فيه الاهتمامات المادية والتوجهات العلمانية على المسائل الروحية، وكان ذلك رد فعل إزاء تشدد الحركات الروحانية في القرن السابع عشر. لذا فقد اهتم إمرسون بتشخيص الداء الذي شكى منه عصره وبوصف الدواء، فوجد أن الداء يكمن في ابتعاد الإنسان عن ذاته الحقة، التي هي الروح، وإهماله لها وسعيه وراء شهواته الجسدية وحاجاته المادية، وأما الدواء فيتمثل في ترك تلك الشهوات والتخفيف من هيمنة الجسد والإكثار من الزهد والتأمل. وكان إمرسون يؤمن بأن قدرات الإنسان تكمن في روحه، ولذلك كانت مكانتها سامية ومفهومها معقداً، فهي تتكون من عدة ملكات، العقل واحدة منها فقط. وأكد على ضرورة اكتشاف الملكات الأخرى واستثمار طاقاتها، ولو فعل الإنسان ذلك لعاش حياة أكثر غنى وسعادة. والهدف الأسمى للذات عند إمرسون هو الاتصال بما أسماه «الروح العليا» Over-Soul الموجودة في النفس والطبيعة وما وراءهما. وكلما سعت النفس للابتعاد عن الجسد صارت قريبة من الروح العليا، وهذه أهم معادلة في فلسفته لا يمكن تحقيقها إلا عن طريق التأمل.

تأثرت فلسفة إمرسون بكثير من الحركات الفكرية والدينية، فأعماله هي عصارة قراءاته في أعمال المفكرين الألمان أمثال كَنت وهيغل[ر] Hegel وغوته[ر] Goethe وفي أعمال سويدنبورغ [ر] Swedenborg، والشعراء وردزورث وكولريدج، وكذلك في معتقدات الحركة التطهرية[ر] البيوريتانية Puritanism. وتأثرت تلك الفلسفة أيضاً بالفلسفات اليونانية والهندية والصينية والإسلامية. وقد تركت قراءاته هذه بصماتها لا على أفكاره التي اتسمت بالعمق والغنى والتشعب فقط بل على الأسلوب أيضاً، فجاءت جمله سهلة التركيب، سلسة العبارة ومحددة المعنى. إلا أن علاقات أفكاره وجزئيات فلسفته بعضها بالآخر كثيراً ما تحير القارئ وتضفي الغموض على نصوصه، من دون أن يقف ذلك في وجه التأثير العميق الذي سيكون له على الفكر في أمريكة وخارجها. وتكمن أهمية إمرسون في أنه أخذ على عاتقه حمل راية الاصلاح والاستقلال الفكري لبلاده. وقد ذهب كثير من النقاد إلى تسمية هذه الحقبة الزمنية، التي تعرف أيضاً بعصر النهضة الأمريكية، بعهد «إمرسون وجماعته» مؤكدين بذلك دور إمرسون الرائد.

أحمد يعقوب مجذوبة، طارق علوش

 

مراجع للاستزادة

 

- RICHARD HARTER FOGLE, The Romantic Movement in American Writing (The Odyssey press INC, New York 1996).


التصنيف : الآداب الجرمانية
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد الثالث
رقم الصفحة ضمن المجلد : 522
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 557
الكل : 31208422
اليوم : 33579

لاغركفيست (بير-)

لاغركڤيست (بير ـ) (1891 ـ 1974)   ولد الأديب بير فابيان لاغركڤيست Pär Fabian Lagerkvist في مدينة فِكشو Växjö في منطقة سمولند Småland جنوبي السويد في بيئة ريفية متدينة ومحافظة. كان والده موظفاً في سكة الحديد، وكان أصغر إخوته الثمانية، وعلى الرغم من الظروف المادية الصعبة فقد حصلوا جميعاً على تعليم جيد. التحق بعد تخرجه في المدرسة الثانوية بجامعة أُبسالا Uppsala، إلا أنه لم يحصل على درجة علمية. ثار على البيئة المحافظة التي ترعرع فيها وبدأت أفكاره تأخذ منحىً اشتراكياً داروينياً. تزوج مرتين، وصار عضواً في الأكاديمية السويدية عام 1940، ومنح جائزة نوبل للأدب لعام 1951، وهو يعد، إضافة إلى يالمر برغمَن[ر] H.Bergman وإيديت سودرغران[ر] E.Södergran من رواد الحداثة في الأدب السويدي.
المزيد »