logo

logo

logo

logo

logo

تشوسر (جفري-)

تشوسر (جفري)

Chaucer (Geoffrey-) - Chaucer (Geoffrey-)

تْشوسَر (جِفْري ـ)

(1340 ـ 1400؟)

 

جفري تشوسر Geoffrey Chaucer شاعر انكليزي من أشهر أدباء العصور الوسطى في إنكلترة قبل شكسبير[ر]. اشتهر بقصائده «حكايات كانتربري» Canterbury Tales، وعرف بغزارة إنتاجه وتنوعه قياساً بالفترة التاريخية التي عاش فيها والتي ندر فيها الإنتاج الأدبي، لذا يعد من مؤسسي الأدب الإنكليزي واللغة الإنكليزية في فترة انتقال إنكلترة من العصور الوسطى إلى العصر الحديث الذي بدأ في عصر النهضة. عمل في البلاط الملكي منذ يفاعته، إذ كان والده تاجراً من الطبقة المتوسطة وكانت له علاقات جيدة في البلاط، وقد سعى لإدخال ابنه إليه ليضمن له تعليماً جيداً،  وبقي هذا يعمل في البلاط خلال عهد ثلاثة من ملوك إنكلترة هم إدوارد الثالث وهنري الرابع وريتشارد الثاني، إذ كان موضع ثقة كل منهم، فلم يخسر عمله بتولي أحدهم العرش بعد الآخر بل حصل على ترقيات عدة، وتلقى منحة مدى الحياة. التحق بالجيش الإنكليزي في فرنسة مع الملك إدوارد الثالث، وعيِّن عضواً في البرلمان عن كِنْت Kent، ونصِّب مديراً للجمارك في ميناء لندن، ثم غدا المسؤول الأول عن أعمال التشييد والمصارف والموانئ في البلاط. تزوج فيليبا بان دي رويت Philipa Pan de Roet، ابنة السير بايون رويت Paon Roet، وكانت تعمل لدى الكونتيسة أَلستر Countess Ulster. وعندما توفيت، بقي تشوسر تحت رعاية جون غونت زوج شقيقتها، وعاش في كنت معظم أيام حياته. ورغم ندرة المعلومات عن ثقافة تشوسر، عُرف عنه معرفته بالفلسفة والفلك، والقانون المدني، وكان يتقن اللغات الفرنسية والإيطالية واللاتينية. لم يكن الشعر شاغله الوحيد، إنما قام بأعمال متنوعة، وذهب في بعثات دبلوماسية إلى إيطالية وإسبانية، ويقال إنه التقى الأديبين بوكاتشو[ر]، وبتراركا[ر].

يقسم إنتاج تشوسر الأدبي إلى ثلاث مراحل أساسية، هي مرحلة التأثر باللغة الفرنسية وآدابها التي يقدّر أنها استمرت حتى 1372، ومرحلة التأثر باللغة الإيطالية وآدابها (1373-1385)، ثم المرحلة الثالثة التي ساد فيها تأثير اللغة الإنكليزية على كتاباته (1386-1400) وأرسى بها قواعد اللغة الإنكليزية الحديثة. ويعد النقاد هذا التقسيم ضرورياً لفهم تطور أدب تشوسر من حيث تأثره باللغة والموضوعات والأجناس الأدبية الفرنسية والإيطالية، حتى توجهه بعدها للتركيز على اللغة الإنكليزية وعلى موضوعات تخص مجتمعه، ليضع بهذا أنماطاً جديدة شكلت  أسس الأدب الإنكليزي. وتتداخل هذه المراحل فيما بينها خاصة في المرحلة الثالثة، فعلى سبيل المثال تُظهِر «حكايات كانتربري»، على انتمائها إلى المرحلة الإنكليزية، تأثراً واضحاً بالنماذج الشعرية الفرنسية والإيطالية التي تميز فيها الهجاء والحكايات والقصائد العاطفية، وكان معجباً بشعراء فرنسيين من أمثال ديشان Deschamps، وماشو Machaut، وترجم قصيدة «الرواية الوردية» Roman de la Rose، التي كانت نمطاً شعرياً في الغزل سائداً في فرنسة آنذاك. كتب تشوسر في هذه المرحلة أول قصيدة طويلة بعنوان «كتاب الدوقة» (1369) The Book of the Duchess، وهي عبارة عن رثاء لزوجة جون غونت بلانش Blanche، من خلال رؤيا أو حلم حاكى فيه أسلوب الشعراء الفرنسيين، إلى جانب تأثره بأوفيد[ر]، لكنه ابتكر أسلوبه المتميز باستخدامه للمكان والمشهد اللذين يضفيان طابع الحلم على القصيدة، وبإبداعه شخصيات واقعية ذات بعد نفسي عميق، ما في شخصية الفارس الذي فقد زوجته، بالإضافة إلى مزج الرثاء بالرؤيا، واتباع إيقاع الحديث العفوي مع قيود اللغة الإنكليزية الوسيطة Middle English.

تأثر تشوسر بالأدب الإيطالي عندما اطلع على شعر دانتي[ر] وبوكاتشو وبتراركا في إيطالية خلال وجوده في بعثة دبلوماسية هناك. وكان قد مضى حينئذ خمسون عاماً على وفاة دانتي الذي صار من التراث الأدبي في إيطالية، وكان بوكاتشو وبتراركا في أواخر أيامهما وحياتهما الأدبية. تعلم تشوسر من الأدباء الإيطاليين التقنية والبنية السردية في الشعر، وأهمية إعطاء الشخصيات تفرداً وعمقاً درامياً، وتعرف جمالية القوافي وتنوع النغمات فيها، والتعبيرات القريبة من الكلام الشعبي. وتجلى كل هذا في تطور أسلوبه وقوافيه في هذه المرحلة التي كتب فيها قصائد تأخذ أيضاً صورة الحلم أو الرؤيا الرمزية مثل «موطن الشهرة» (1364-1380) The Hous of Fame، و«مجلس الطيور»  (1377-1386) The Parlement of Foules، و«أسطورة النساء الصالحات» (1380-1386) The Legend of Good Women. ولم تخل هذه القصائد من بقايا تأثره بالأنماط الفرنسية التقليدية، ولكنه أظهر في الوقت ذاته تحولاً كبيراً عنها في استخدامه أفكاراً وموضوعات جديدة، وفي مهارته في رسم الشخوص وموضوعيته حيالها، وفي روح الفكاهة والبساطة في الأسلوب.  ففي «موطن الشهرة» التي تتألف من ألفي بيت، وتتنوع موضوعاتها على حساب وحدة النص، يحلق الشاعر على ظهر نسر ليسمع ويشاهد أخباراً عن الحب بكل أشكاله وألوانه. وتكمن أهمية القصيدة في شخصية النسر الطريفة والمتحذلقة والحيوية. وتعالج القصيدة موضوع الشهرة وسرعة زوالها. ويحكي تشوسر في قصيدته «مجلس الطيور» كيف تجتمع الطيور في يوم القديس فالانتين Valentine لتختار أزواجها، ويُظهر من خلال شخصية بعض الطيور وجدالها بعضها مع بعض هجاءً طريفاً ومتميزاً يسلط الضوء على أنواع الحب، وكيف تستخدم للمصلحة الشخصية. أما «أسطورة النساء الصالحات» فهي فريدة بموضوعها، إذ يقدم فيها تشوسر مجموعة من النساء اللواتي، رغم عيوبهن، أخلصن في الحب حتى الموت، مثل الملكة كليوباترا[ر]. ولكن سرعان ما سئم تشوسر من كتابتها فلم يتمها، ربما لشعوره بأن وحدة موضوعها المأساوي جعلته عن غير قصد يكرر التعبيرات والمفردات. وتعد قصيدته الغزلية الطويلة  «ترويلوس وكريسيده» Troilus and Criseyde أهم قصائده في هذه المرحلة، قدم فيها موضوعاً جديداً مع استخدامه نفس أسلوب بوكاتشو السردي في قصيدته «فيلوستراتو (المقهور حباً)» Filostrato ولتقنيات باتت مستهلكة عن الحب العذري courtly love. وكان تشوسر قد ترجم كتاب «سلوان الفلاسفة» De consolatione philosophiae للفيلسوف الروماني بويطيوس  Boeithiusالذي كان مرجعاً مهماً في العصور الوسطى. وتأثر تشوسر بهذا الفيلسوف، وظهر ذلك جلياً في تحليل شخصية المرأة بتناقضاتها متمثلة في كريسيده، ودور القدر في تسيير الإنسان وتحديد العلاقات بين البشر. وقد استعان شكسبير فيما بعد بهذه القصيدة في كتابة مسرحية «ترويلوس وكريسيدا» Troilus and Criseyda.

كتب تشوسر أهم قصائده في المرحلة الثالثة من إنتاجه الأدبي حين بدأ يعالج موضوعات تخص التراث والمجتمع في إنكلترة، وحين بدأ يطوّر إنكليزية عصره  إلى حد كبير باتجاه الإنكليزية الحديثة Modern English، حتى إنّ عباراته وجمله بدأت تستخدم في حديث الناس اليومي. وقد تمخضت هذه المرحلة عن أشهر قصائده «حكايات كانتربري» التي يلمس القارئ فيها تغيراً ملحوظاً عما سبقها من كتاباته، لا فيما يخص اللغة والأسلوب الأدبي فقط، وإنما بتوسع الموضوعات وحماس الشاعر لأرضه وثقافته وتقاليد مجتمعه وضرورة معالجة قضاياه، خاصة في ظل الوعي الوطني الجمعي الذي ساد بعد حرب المئة عام بين إنكلترة وفرنسة، وتحوّل المجتمع الإنكليزي من النظام الإقطاعي إلى البرجوازي وهجرة الفلاحين إلى المدن. وعلى وجود ملامح من تأثره باللغات اللاتينية والفرنسية حتى في هذه المرحلة، طور تشوسر لغة خاصة به وابتعد عن أسلوب الحلم وعالمه، وعن مشهدية الأماكن التاريخية القديمة، وبدأ يتحدث في أشعاره عن أماكن واقعية في إنكلترة مثل الطريق بين لندن وكانتربري. وتتحدث «حكايات كانتربري» عن فريق من الحجاج الذين يجتمعون في لندن وينطلقون معاً في سفر طويل إلى مزار القديس توماس.أ.بيكيت Thomas a Becket في كانتربري، ويتفقون على أن يروي كل منهم قصة في طريقي الذهاب والعودة إلى لندن، ومع عدم توافق عدد القصص مع عدد الحجاج ومع أن تشوسر لم يكتب عن طريق العودة، أظهر من خلال القصص المروية حقائق كثيرة عن المجتمع الإنكليزي. وقد استطاع في هذه القصيدة الطويلة أن يدلي بدلوه الزاخر من معرفته الواسعة بالمجتمع الإنكليزي بسلبياته وإيجابياته وتناقضاته، ومن اطلاعه وخبرته العميقة بالنفس البشرية وتعقيداتها. ويصوّر تشوسر هذه الملامح بكثير من روح السخرية الطريفة التي جعلت من «حكايات كانتربري» مرجعاً شعبياً محبباً توازي في أهميتها «ألف ليلة وليلة» في الأدب العربي. وقد نجح تشوسر في اختياره للحجاج شخوصاً، إذ أتاح له هذا تنوعاً في الشخصيات حتى في القصص المروية، التي شملت طيفاً واسعاًمن الأنماط الأدبية تتنوع بين قصائد الحب العذري إلى الحكايات الرمزية وحكايات الحيوانات الرامزة [ر]، والموعظة الدينية، والأساطير[ر]، وقد زاد هذا في أهمية القصيدة.

كان تشوسر مبدعاً على اقتباسه من غيره. وتكمن أهميته في كونه مؤسساً للغة الإنكليزية الحديثة، وبأنه عرّف الناس في إنكلترة الأدب الإيطالي، وكان أول من استخدم القوافي والمقاطع الشعرية التي صارت أساس الشعر الإنكليزي.

يعد تشوسر شاعر الحب الدنيوي والسماوي، فقد تناول في شعره الحب والخيانة بكل أنواعهما، وتناول حب الله والتوحد معه. وكان أول شاعر إنكليزي عالج بتوسع واقع الحال في مجتمعه من خلال رسمه لشخصيات متنوعة ذات فردية وعمق نفسي. وقد قَدّر تشوسر جميع من جاء بعده من الأدباء والقراء على حد سواء، كل حسب ذوقه وتوجهاته، إذ إنه قدّم أنماطاً وأجناساً وموضوعات شتى من الرثاء إلى الهجاء، ومن الأساطير والخرافات إلى الموضوعات الإنسانية الواقعية. كان تشوسر أول من دفن في زاوية الشعراء في مقبرة العظماء في دير ويستمينستر في لندن.

 

ريما الحكيم

 

مراجع للاستزادة:

 

- BERYL  ROWLAND (ed.), Companion to Chaucer Studies, rev.ed. (1979).

- DERERK S. BREWER, Chaucer, 3rd ed. Rev. (1973).

- S. S. HUSSEY, Chaucer: An Introduction, 2nd.ed (1981).


التصنيف : الآداب الجرمانية
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 471
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1118
الكل : 40874036
اليوم : 108768

أحمد بن محمد بن مراد

أحمد بن محمد بن مراد (998-1026هـ/1590- 1617م)   هو السلطان العثماني الرابع عشر (1012-1026هـ/1603-1617م) ويعرف بالسلطان أحمد الأول, وهو الابن الأكبر للسلطان محمد الثالث (1595-1603م). ولد في مانيسة. خلف أباه في السلطنة واستمر في الحكم إِلى أن توفي إِثر مرض عضال. لم يقتل السلطان أحمد الأول أخاه, للتخلص من منافسته, بل اكتفى بأن أرسله إِلى السرايا العتيقة حيث أقام ليخلفه في الحكم من بعده. ولصغر السلطان عند اعتلائه عرش السلطنة فقد اعتمد على أمّه ثم على كبير طواشية القصر درويش محمد آغا.
المزيد »