logo

logo

logo

logo

logo

التحصين

تحصين

Fortification - Fortification

التحصين

 

 التحصين fortification فرع من الهندسة العسكرية يختص بإنشاء المواقع التي تحتلها القوات المقاتلة في الدفاع وتقويتها لزيادة إمكاناتها القتالية، وكذلك حماية القوات في أثناء تحشدها وفي مناطق انطلاقها للهجوم، ووقاية المنشآت العسكرية المهمة في العمق من التدمير في حال تعرضها للقصف أو لهجوم مباغت. وجميع الأعمال التي تحمل هذه الصفة تسمى تحصينات، وهي نوعان: دائمة وميدانية.

 تشيَّد التحصينات الدائمة من الحجارة والإسمنت المسلح زمن السلم، أما التحصينات الميدانية فتقام على عجل في أثناء القتال وعلى تماس مباشر مع العدو، وتكون ترابية متواضعة في بداياتها تطوَّر وتحسَّن مع الزمن لتتحول إلى منظومة دفاعية متكاملة. والقيمة الحقيقية للتحصينات تكمن في توفير الإمكانات الضرورية للمدافعين لإنهاك العدو المهاجم وإضعافه، وإتاحة الوقت لهم لحشد قواهم من أجل شن هجوم معاكس. وقد أثبت تاريخ فن الحرب أن القوات التي تقف موقفاً سلبياً خلف تحصيناتها معرضة للهزيمة في غالب الأحيان لأنها تترك للعدو حرية المبادأة وحشد قواته ليسدد ضربته في المكان والوقت الملائمين له.

لمحة تاريخية

التحصين من أقدم التدابير التي لجأ إليها الإنسان لحماية نفسه من الضواري و الأعداء. وكانت القبائل الرحل تقي مضاربها من الوحوش والمغيرين بسياج يحيط بها مما يتوافر لها من جذوع الأشجار أو الأشواك أو الحجارة والتراب أو غير ذلك إضافة إلى انتفاعها من الشروط الطبيعية للموقع. 

تشير الدراسات الأثرية إلى أن أكثر مدن بلاد الشام والرافدين وآسيا الصغرى ومصر كانت مسورة ومحمية بتحصينات قوية وأسوار مدعمة بأبراج على عدة خطوط، وبوابات محصنة وقصور منيعة داخل الأسوار، إضافة إلى وجود خندق مائي أو مانع طبيعي يحميها من بعض الجهات. وثمة قلاع ومعاقل حصينة أقيمت على طرق التجارة والنقاط الاستراتيجية المهمة أو عند حدود البلاد. وظلت القلاع والحصون والأسوار تحتل المكانة الأولى في الدفاع قروناً حتى ظهور الأسلحة النارية واختراع المدافع، وتبنتها أكثر شعوب العالم  كاليونان والرومان والعرب و الصينيين والفرنجة وغيرهم. ومن أشهر تلك التحصينات المعسكرات الرومانية المغلقة وسور الصين وأسوار القسطنطينية وأنطاكية ومدن الثغور، والقلاع والحصون المنتشرة في بلاد الشام والأناضول وقلاع الإقطاعيين في أوربة.

 

 

وبدءاً من القرن السابع عشر أخذت الأسوار المحيطة بالمدن تفقد أهميتها تدريجياً لتحل محلها نقاط استناد ومعاقل محصنة معززة بالمدفعية والنيران المتقاطعة في أماكن متفرقة على محيط المدينة أو على الاتجاهات الخطرة منها، كذلك فقد كثير من القلاع أهميته ضمن المنظومات الدفاعية التي سادت في القرون الأخيرة. واشتهر عدد من المهندسين العسكريين الذين كان لهم أثر بارز في تطوير فن التحصين في العصر الحديث، وفي طليعتهم المهندس الفرنسي المارشال سيباستيان دي فوبان  (1633-1707) Sebastien le Prestre , marquis de Vauban الذي صمم منظومات تحصينات ظلت تستخدم بنجاح حتى الحرب العالمية الأولى، وآخر نماذجها التحصينات الفرنسية الفاعلة في فردان عامي 1916 و1917 في مواجهة القوات الألمانية.

اعتمد فوبان التنويع في مخطط كل نقطة محصنة (معقل) مستغلاً جميع الخصائص الطبيعية للمنطقة التي تقام فيها، وكان يهتم كثيراً بتنفيذ أعمال التحصين على أكبر عمق ممكن، ويميل إلى التوسع في مساحة المعقل ليكون قادراً على الدفاع مستقلاً فيما لو عُزل عن بقية المواضع.

 

 

بعد الحرب العالمية الأولى قررت فرنسة تطوير دفاعاتها عند حدودها الشرقية مع ألمانية وتحويلها إلى قلعة منيعة لا يمكن التغلب عليها استناداً إلى ما تحقق لها في تلك الحرب، وكان الناتج خط ماجينو الشهير ما بين نهر الراين ومنطقة الآردن الغابية، وكان الخط يتألف من حصون ومعاقل حصينة تحت الأرض مرتبطة فيما بينها بأنفاق وممرات مستورة. وأقام الألمان في مقابِله خطاً دفاعياً مقارباً له في المناعة دعوه «الجدار الغربي». وجارَتْهم في ذلك الدول الأوربية الأخرى فأنشأت كل منها خطوطاً مماثلة على حدودها، لعل أشهرها خط مانهايم الفنلندي وخط ستالين السوفييتي وخط قناة ألبرت البلجيكي. ولما نشبت الحرب العالمية الثانية تمكن الألمان من الالتفاف حول الآردن بمناورة سريعة وهزموا القوات الفرنسية في أرض مكشوفة بفضل حربهم الحركية وتفوقهم الناري على الأرض وفي الجو وسقط خط ماجينو في وقت قصير جداً من بداية الحرب. وأثبتت الأحداث فيما بعد عدم ملاءمة التحصينات الدائمة من هذا النوع في الحرب المعاصرة. ومع ذلك أقام الإسرائيليون بعد العام 1967 خط بارليف الحصين على امتداد قناة السويس كما أقاموا خط آلون على الجبهة الشمالية في الجولان، وقد استطاعت كل من القوات المصرية والسورية اختراق الخط المقابل لها بنجاح في نقاط متعددة وفي وقت قصير نسبياً.  

 

 

التحصين في الحرب الحديثة

ما تزال التحصينات عامة تتمتع بأهمية بالغة في العصر الحاضر مع ما طرأ عليها من تعديل وتحسين نتيجة التطورات التي شهدها فن الحرب[ر] عامة. وأصبح لها أشكال وأنواع جديدة وتم تكييفها وفقاً لشروط الحرب الحديثة. وثمة سببان رئيسيان للاستمرار في إقامة التحصينات هما: الإفادة القصوى من القوة النارية والأسلحة التي يملكها الطرف المعني وحرمان العدو من هذه الميزات. إذ يتقي المُدافع ضربات العدو بتحصيناته في حين يُعوّق المهاجم أو يَضعُف اندفاعه على أرض مكشوفة بوجود الموانع والعوائق ونيران المدافعين.

 

 

التحصينات الدائمة: أدى التطور الكبير الذي تحقق لوسائط التدمير الحديثة وخاصة الطيران القاذف البعيد المدى والقذائف الصاروخية البالستية والأسلحة النووية إلى إهمال الكثير من عناصر التحصينات الدائمة الآنفة الذكر وتبني أفكار جديدة لهذه الغاية. لأنه من الصعب جداً تحقيق حماية كافية في العصر النووي للأهداف الثابتة الكبيرة في مواقع معروفة على سطح الأرض، كما أن القوة التدميرية للذخائر الحربية ودقة الإصابة تجعل أقوى التحصينات وأمنعها عرضة للتدمير الشديد ومن مسافات بعيدة. ومع ذلك يظل لهذا النوع من التحصينات مكانته في الحرب الحديثة، وأفضلها في هذه الحالة المنشآت الضخمة تحت الأرض من الإسمنت المسلح  أو المحفورة آلياً في الصخر الأصم، تستخدم لوقاية العتاد النووي وقواعد إطلاق الصواريخ البالستية ومقرات القيادة الثابتة؛ إضافة إلى بعض المنشآت الاسمنتية المدعمة بسواتر ترابية تقام على وجه الأرض لوقاية المواقع الاستراتيجية ومرابض الأسلحة البعيدة المدى والمطارات ووسائل الدفاع الجوي ومقرات القيادة ومناطق إقامة القوات وعلى الحدود الدولية والسواحل المهددة بالغزو. ويمكن أن تتألف هذه التحصينات من ملاجئ ومرابض للأسلحة ومخابئ للطائرات وعوائق طبيعية محسَّنة وموانع صنعية من الإسمنت المسلح وملاغم وأسيجة شائكة تحيط بكل موقع ومموهة تمويهاً متقناً.

التحصينات الميدانية: وهي المنشآت الدفاعية التي تقيمها القوات في أثناء العمليات وهي نوعان: تحصينات عاجلة وتحصينات مدروسة (مدبرة). فالعاجلة هي التحصينات التي تقيمها القوات وهي على تماس مباشر مع العدو أو على وشك التماس معه، فتتألف غالباً من حفر فردية ومرابض مكشوفة للأسلحة وحواجز مرتجلة تقام حين يسمح الموقف بذلك. أما التحصينات الميدانية المدروسة فهي التي تقام بعيداً عن العدو على الاتجاهات المحتملة لتقدمه، أو تُطَّور عن التحصينات العاجلة تدريجياً إذا بقيت القوات في مواضعها مدة طويلة وتشتمل على منظومة خنادق قتال وخنادق مواصلات وملاجئ مغطاة ومرابض محمية بسواتر ومنظومة موانع متكاملة.               

الحفرة الفردية: كما يدل اسمها تجويف صغير في الأرض يتسع لمقاتل واحد يتقي به نيران أسلحة العدو الخفيفة وشظايا قذائف المدفعية وقنابل الطائرات، ويتيح له استخدام سلاحه بحرية. وغالباً ما يحفر المقاتل حفرته بنفسه مستعملاً مجرفته الفردية التي يحملها مع عتاده ويحيطها بساتر من التراب الناتج عن الحفر. ويحرص ضباط الوحدة في العمليات المحدودة على أن تكون الحفر الفردية منسجمة مع طبيعة الأرض وتوفر لمقاتلي وحدتهم القدرة على استعمال أسلحتهم وتبادل الدعم الناري، والرمي على جميع الاتجاهات التي يمكن أن يقترب منها العدو، إضافة إلى ضرورة مراعاة التمويه ولا سيما إذا كان طيران العدو نشيطاً.

 

 

يمكن أن تربط جملة الحفر الفردية المتجاورة فيما بينها وتطور بإشراف مهندسين عسكريين وبمساعدة المعدات الهندسية إلى نقطة استناد حصينة للدفاع الدائري تشتمل على مخابئ تحت الأرض، وخنادق مواصلات متعرجة، وأعشاش للذخيرة ومواد التموين.

 الموانع والحواجز: هي عناصر لها شأنها في جملة التحصينات الميدانية الغرض منها إعاقة العدو المهاجم وتأخيره ومن ثم توجيهه إلى أماكن تحصده فيها نيران المدافعين. وتعد الأسلاك الشائكة من الموانع الفاعلة وهي على أشكال منها الأسيجة والشبكات الملتفة والقنافذ الشائكة وغيرها. أما الألغام فتأتي في مقدمة الموانع المستخدمة في الدفاع لسهولة زرعها وصعوبة نزعها، إذ يمكن أن تزرع بأعداد كبيرة أمام الجبهة وعلى الاتجاهات التي قد تتعرض لهجوم العدو، ومن أنواعها الألغام المضادة للأفراد والمضادة للآليات والملاغم والحواجز المتفجرة من بعد. ومن الموانع المهمة أيضاً أضراس التنين والخنادق المضادة للدبابات وغيرها.

 

محمد وليد الجلاد

 

 الموضوعات ذات الصلة:

 

 التدمير الشامل (أسلحة ـ) ـ التكتيك ـ الحرب (فن ـ) ـ الحرب العالمية الأولى ـ الحرب العالمية الثانية ـ القذائف (علم ـ).

 

مراجع للاستزادة:

 

- IAN HOGG, The History of Fortification (St. Martin’s Press 1983).

- DANIEL SPECKLIN, Architecture of Fortification (A Wofsey Fine Arts 1981).


التصنيف : الصناعة
المجلد: المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 109
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1078
الكل : 40508930
اليوم : 38745

حلواني (واصل-)

حلواني (واصل -) (1908-1995)   واصل حلواني من رجالات الرياضة الأوائل في سورية. وأحد أبرز الكتّاب الذين أثروا المكتبة الرياضية بمؤلفاته بدءاً من عام 1930. واصل حلواني هو الاسم الذي اشتهر به ومات عليه. إلا أن اسمه الحقيقي هو علي واصل حلواني ولد في حي العمارة بدمشق القديمة. وبدأ تعلمه الابتدائي في مدرسة الشيخ عبد الرحمن السفرجلاني التي كانت تعرف باسم السفرجلانية قرب الجامع الأموي. ثم انتقل إلى حلب فتابع دراسته هناك وتخرج في معهد الصنائع عام 1929 وعين مدرساً وكيلاً للرياضة بحلب عام 1940 خلفاً للأستاذ محمود البحرة واستمر حتى عام 1945 حيث انتقل إلى دمشق وعمل مدرساً للتربية الرياضية في ثانوياتها حتى عام 1964.
المزيد »