logo

logo

logo

logo

logo

الرُّها

رها

AL-RUHA - AL-ROUHA

الرُها

الرها أو الرهاء كما يسميها بعض المؤرخين العرب مدينة قديمة تقع في ديار مضر، من أرض الجزيرة، وقريبة من مدينة حران التاريخية. التي كانت على خلاف معها من النواحي العقائدية الدينية. وهنالك آراء أخرى حول تسمية المدينة بالرهاء، إذ يعزو بعض المؤرخين العرب أنها نسبة إلى الذي استحدثها وهو الرهاء بن البلندي بن مالك بن دُعر، في حين يذهب يحيى بن جرير النصراني إلى القول بأن هذه المدينة بنيت في السنة السادسة من موت الإسكندر المكدوني، وقد بناها الملك سلوقس الأول في القرن الثالث ق.م، أما زمن نشوئها، فمن المرجح أنها كانت موجودة قبل عصر الإسكندر المكدوني وربما ارتقت إلى العصر الآشوري، إلا أنها لم تكن ذات شأن يذكر. وفي الواقع إن الدراسات التاريخية والتنقيبات الأثرية لم تنجح في تحديد العصر الذي نشأت فيه وأقدم ذكر لها جاء في المصادر التاريخية زمن السلوقيين وقد أطلق عليها اليونانيون اسم أديسا Edessa.

وعندما رحل إليها الآراميون المتنصرون «السريان» أطلقوا عليها اسم أورهاى في حين أسماها الأرمن أورهى، إذ أنها خضعت لسيطرتهم فترة قصيرة من الزمن، ولما استولى عليها العرب المسلمون أطلقوا عليها اسم الرها بينما دعاها الأتراك العثمانيون بعد بسط نفوذهم اسم أورفا Urfa.

بلغت الرها أوج الازدهار الاقتصادي زمن السلوقيين، وكان هؤلاء يسيطرون على جزء هام من طريق الحرير، الذي تقع مدينة الرها على جانبه، ولقد كانت أكبر مدينة في الإقليم الذي كان يدعى أوسرهون Osrhoene، والذي يحده نهر الفرات من الغرب والشمال الغربي، والجنوب الغربي.

كان لموقع الرها الجغرافي تأثير على حياتها السياسية، والثقافية، والاقتصادية، فهي قريبة من التخوم الفارسية على الرغم من خضوعها للسيطرة الرومانية فالبيزنطية مما جعلها مسرحاً للنزاع بين القوى المحيطة بها. كما أن وقوعها على حافة طريق الحرير جعلها تزدهر اقتصادياً ومنفتحة فكرياً بسبب ما كانت تحمله القوافل التجارية من بضائع وثقافات متنوعة، قادمة من الصين والهند وغرب الجزيرة العربية، لتتجمع في بلاد الرافدين ولتتجه بعد ذلك غرباً نحو نصيبين والرها أو إلى دورا أوربوس «صالحية الفرات».

ولما ضعف السلوقيون، بدأت أسرة عربية قوية تسيطر على الحكم في الرها، وتسمي معظم ملوكها باسم أبجر. وفي الواقع أن بعض القبائل العربية البدوية كانت تجتاح منطقتي الرها وحضِِِر وتبسط سلطانها عليها.ويتضح من دراسة أسماء ملوك الرها، وجود أسماء عربية مثل: : معنو وبكرو وعبدو، ومزعور، ووائل.. الخ.

 برزت الأطماع الرومانية بعد أن ضعف نفوذ البارثيين (الفرس)، و أخذت سلطتهم بالتقلص، فشن أحد القواد الرومان حملة ضد الملك الأرمني وكان حليفاً لملك الرها، وتمكن القائد الروماني من دحر الحليفين عام 69ق.م، وبذلك أصبحت الرها جزءاً من الامبراطورية الرومانية. ولكن النزاع لم ينته، ولم تنعم الرها ومنطقتها بالهدوء، فعمد الامبراطور فيليب العربي إلى تسليم مدينة الرها إلى الفرس، ومع ذلك فقد بقي النزاع مستمراً. وقد استغلت دولة تدمر زمن أذينة وزنوبيا الخلافات في الامبراطورية الرومانية وبسطت نفوذها على الرها.

وقد أدت الخلافات العقائدية بين أتباع الكنيسة السريانية المسيحية قبل الإسلام إلى انقسامها إلى شرقية ويطلق على اتباعها خطأ اسم النساطرة، وكنيسة السريان الغربية وأطلق على أتباعها اسم اليعاقبة نسبة إلى يعقوب البرادعي (543-578م) أسقف مدينة الرها. وقد عملت الكنيستان على نقل العلوم اليونانية، كالطب والفلسفة إلى لغتهم، ومنها إلى اللغة العربية زمن العباسيين وبتشجيع من خلفائهم.

ومن مشاهير السريان في العصر الأموي يعقوب الرهاوي (640 ـ 708م) فقد ترجم كثيراً من كتب الإلهيات اليونانية.

وما إن بدأ التوسع العربي الإسلامي وتحررت بلاد الشام من السيطرة البيزنطية، حتى كلف أبو عبيدة بن الجراح أحد قواده «عياض بن غنم» بملاحقة القوات البيزنطية وطردهم من الجزيرة، فاضطرت مدن تلك المنطقة كحران والرها إلى توقيع الصلح والاستسلام عام 18هـ/639م.

وفي إبان  الحكم العربي برز اسم الرها لأنها أصبحت مسرحاً للقتال بين العباسيين زمن أبي العباس السفاح وبعض أنصار بني أمية بزعامة الأخوين اسحق بن مسلم العقيلي وأخيه بكار، وقد استسلما سنة 133هـ/751م،  بعد تأكدهما من مقتل مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية. وبرز من يبن أبناء الرها: الحافظ عبد القادر بن عبد الله بن عبد الرحمن الرهاوي الذي ارتحل إلى عدة أقطار طلباً للحديث (الشام، مصر، العراق، أصبهان، نيسابور..) ثم توفي في مدينة حران 612هـ/1215م. وكان ثقة في تقصيه للأحاديث، معروفاً بصلاحه وتدينه.

وفي فترة الحروب الصليبية أسس بلدوين الأول Baldwin I إمارة له في الرها عام 492هـ/1098م، وكانت واقعة تحت حكم الأرمن، وفي عام 539/1144م انتزع زنكي المدينة من  الصليبين، واتم ابنه نور الدين من بعده احتلال كونتية الرها بعد أن أسر جوسلين الثاني 546هـ/1151م.

بعد وفاة نور الدين زنكي آلت الرها إلى سيف الدين غازي أمير الموصل سنة 570هـ، ثم سقطت بيد صلاح الدين الأيوبي سنة 578هـ الذي أعطاها فيما بعد إلى المنصور الأول ملك حماة الأيوبي ثم أصبحت الرها تحت سيطرة الملك الأشرف ابن الملك العادل سنة 615هـ الذي بسط سلطته أيضاً على حران وخلاط، وفي سنة 632هـ، استولى سلاجقة الروم على الرها إلا أن الملك الكامل الأيوبي استعادها بعد أربعة أشهر، وقد تعرضت الرها للخراب والدمار في أثناء الغزو المغولي بقيادة هولاكو ولكن أعيد بناؤها فيما بعد وعاد إليها ازدهارها بعد أن احتل العثمانيون الرها زمن السلطان سليم الأول عام 923هـ/1517م.

زار هذه المدينة عدد من الأوربيين من أشهرهم نيبور الدانمركي 1180هـ/1766م، كما زارها الضابط البروسي فون مولتكة عام 1838م، ووصفها العثماني أوليا جلبي وصفاً مسهباً ، وفي الحرب العالمية الأولى احتلها البريطانيون ثم تبعهم الفرنسيون سنة 1920، وتقرر في مؤتمر لوزان 1923م ضمها إلى الجمهورية التركية ولاتزال حتى اليوم تحت سلطتها.

عبد الرحمن بدر الدين

مراجع للاستزادة:

 

ـ ج. ب. سيغال، الرها المدينة المباركة (دار الرها، حلب 1988).

ـ فيليب حتي، تاريخ سورية ولبنان وفلسطين (جزءان) (دار الثقافة، بيروت 1959).

ـ عبد الرحمن بدوي، التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية  (مكتبة النهضة المصرية، القاهرة 1946).

ـ جواد علي، تاريخ العرب قبل الإسلام  (مطبوعات المجمع العلمي العراقي 1956م).


التصنيف : التاريخ
النوع : سياحة
المجلد: المجلد العاشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 6
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1082
الكل : 40488711
اليوم : 18526

بيرس (سان جون-)

بيرس (سان جون ـ) (1887 ـ 1975)   سان جون بيرس Saint-John Perse هو الاسم المستعار للشاعر والكاتب والدبلوماسي الفرنسي اليكسي سان ليجيه Alexis Saint-Léger، وهو سليل عائلة من المستعمرين الفرنسيين الذين استقروا في جزر الأنتيل Antilles منذ القرن السادس عشر. ولد في جزيرة صغيرة يملكها والده في الغوادلوب Guadeloupe وتوفي في بلدة Giens في منطقة الفار Var. تأثرت طفولته الأولى بهذا المناخ المداري بما فيه من أرض ومياه وسماء ونور، وكونت هذه العناصر مجتمعة مصادر إلهامه الأولى وظهرت جلية في كتاباته المبكرة مثل «صور إلى كروزو» (1904) Images à Crusoe و«مدائح» (1911) Eloges.
المزيد »