logo

logo

logo

logo

logo

السنغال

سنغال

Senegal - Sénégal

السنغال

 

تقع جمهورية السنغال Senegal في غربي إفريقيا، وهي أكثر أقطار القارة الإفريقية امتداداً نحو الغرب. يحدها من الشمال موريتانيا ومن الشرق مالي، ومن الجنوب غينيا وغينيا بيساو، وتضم في داخلها غامبيا التي تشكل جيباً يمتد داخل البلاد على طول نهر غامبيا، وتطل من الغرب على المحيط الأطلسي. تبلغ مساحة السنغال 722 196كم2، طول الحدود مع غامبيا 740كم ومع موريتانيا 813كم، ومع مالي 419كم، في حين تمتد بطول 330كم مع غينيا و338كم مع غينيا بيساو، ويبلغ امتداد شواطئها على المحيط الأطلسي 531كم.

تمثل السنغال منطقة انتقالية بين المناطق الصحراوية في الشمال والاستوائية في الجنوب. ويمتاز السطح في السنغال بالاستواء المطرد، حيث يتكون من سهول متموجة تنحدر من حافة الكتلة القديمة في الشرق نحو الغرب، تقع هذه السهول على ارتفاع 100م فوق مستوى سطح البحر، تزداد الارتفاعات فوق 500م فقط في المنطقة الجنوبية الشرقية في تلال فوتا Futa.

تنتشر في هذه السهول الرمال التي يتخللها بعض الصلصال، وقد تظهر الرمال على هيئة كثبان في جزئها الشمالي، في حين يكون ساحل السنغال منخفضاً رملياً بين نهر السنغال ورأس كيب فيرت (الرأس الأخضر)، يصبح صخرياً تحف به الجزر حتى يعود رملياً منخفضاً جنوب داكار، ليصبح بعد ذلك صخرياً تتخلله الخلجان، كما هي الحال في خليج سلوم وساحل كازامانس Casamance. مناخ السنغال انتقالي بين مناطق الصحراء الجافة في الشمال والمنطقة الاستوائية الرطبة في الجنوب، فهو مداري حار رطب يتميز بفصل ممطر يمتد من تموز إلى تشرين الأول في الشمال، حيث يصل المعدل السنوي للأمطار 380مم، أما في الجنوب فيستمر فصل المطر من حزيران إلى تشرين الأول، وبمعدل سنوي للأمطار قدره 1400مم.

تهطل أكبر كمية من الأمطار في إقليم كازامانس، حيث تتجاوز أحياناً 1500مم، وتتناقص كمية الأمطار تدريجياً من الجنوب إلى الشمال، وتتعرض البلاد في فصل المطر لرياح قوية.

أما درجات الحرارة فيبلغ متوسطها السنوي نحو 22، ويزداد في الداخل ليصل إلى 28 درجة مئوية.

أكثر الأنهار أهمية: نهر السنغال في الشمال، ونهر غامبيا في الجنوب، ونهر كازامانس في الجنوب الغربي، وعلى الرغم من تعرض هذه الأنهار للتغيرات الموسمية، من حيث التدفق المائي، تبقى صالحة للملاحة في مجاريها الدنيا.

النبات والحيوان: القسم الشمالي من السنغال منطقة انتقالية بين المناطق الصحراوية والاستوائية، وتغلب على النبات أعشاب السافانا والأجمات المتفرقة والشجيرات الشائكة. وجنوباً في منطقة نهر غامبيا تصبح الأشجار أكثر شيوعاً، وفي أقصى الجنوب توجد مستنقعات المانغروف والغابات الكثيفة، من نخيل الزيت والماهوغني والتيك والخيزران، كما تنمو الشجيرات الشوكية والحشائش القصيرة في المنطقة الساحلية.

أما الحياة البرية فهي متنوعة، على الرغم من تعرضها للتدهور، نتيجة الصيد الجائر وامتداد العمران، وتعيش الثدييات المتنوعة، مثل الفيلة والأسود والفهود والظباء في النصف الشرقي من البلاد، ويعيش في الأنهار فرس النهر والتماسيح إضافة إلى أفاعي الكوبرا.

أهم الموارد الطبيعية، الفوسفات الذي نقب عنه قرب بلدة ثييس Thiès، شرقي الرأس الأخضر، كما اكتشف احتياطي للنفط والغاز بعيداً عن الشاطئ، وهناك ثروات كبيرة من الحديد الخام، لكنها لم تستغل بعد، لصعوبة استخراجها. أدى اقتطاع أشجار الغابة وتحويلها إلى أرض زراعية، إضافة إلى رعي الماشية وظروف الجفاف في مناطق كثيرة من البلاد، إلى استنزاف الغابة، وتبلغ المساحة المشجرة 32% من مساحة البلاد، وبدأت الحكومة ببرامج وطنية لإحياء الغابات، وعدت 11% منها محميات ومتنزهات طبيعية. وتضم السنغال حديقة عامة في جنوبي شرق السنغال بمساحة 9000كم2 لحماية التنوع الحيوي. وسجلت موقعاً تراثياً عالمياً.

السكان

كانت جزيرة غوري المحصنة مركزاً مهماً لتجميع العبيد قبل شحنهم إلى أمريكا

يؤلف الأفارقة الأصليون نحو 95% من السكان، ينتمون إلى مجموعات عرقية متعددة أكبرها الولوف (44%) والفولا والتوكولور (24%) والسيرير (15%) والديولا(5%) والمالينك (4%)، ولكل مجموعة لغتها وعاداتها المميزة. وهناك مجموعات من المهاجرين الذين هاجروا من أقطار إفريقية أخرى ومن فرنسا ولبنان. وعدد سكان السنغال 10284929 نسمة (تقدير عام 2001) والكثافة العامة 52 نسمة/كم2 ويتركز أغلب السكان على طول الساحل الغربي.

معدل نمو السكان مرتفع 2.9% ومتوسط الأعمار 62.9 سنة يعيش نحو 60% من السكان في الريف والنسبة الباقية منهم ويمثلون 40% يعيشون في المدن الرئيسة، وأهمها:

داكار Dakar العاصمة، وهي ميناء رئيسي كبير ومركز تجاري مهم، يتجاوز عدد سكانها 1708000 نسمة، أنشئت عام 1857 وشهدت نمواً ملحوظاً في الربع الأخير من القرن الماضي، تتصل بالداخل بوساطة السكك الحديدية.

سانت لويس Saint-Louis العاصمة الإدارية، يبلغ عدد سكانها 132499نسمة، تقع عند مصب نهر السنغال، نشأت منذ وصل التجار الأوربيون إلى هذه المنطقة، لما تتمتع به من الحماية ولقربها من طرق التجارة. كما أنها كانت منفذاً للصمغ والعبيد والذهب. وهناك مجموعة من المدن تقع معظمها في غربي السنغال، أهمها  ثييس وكاولاك Kaolack.

الفرنسية هي اللغة الرسمية في البلاد إلى جانب لغة الولوف التي يتحدث بها قطاع كبير من السكان والعديد من اللغات الإفريقية. يدين بالإسلام 92% من السكان و6% ديانات إفريقية تقليدية و2% يدينون بالمسيحية.

التعليم إلزامي في المرحلة الأولى، ومع ذلك فإن نسبة الطلاب في المدارس لا تتعدى 55%، كما أن نسبة القادرين على القراءة والكتابة فوق 15 سنة أقل من 40%، وتنتقل نسبة بسيطة من طلاب المدارس إلى المرحلة الثانوية وقليلون جداً الذين يلتحقون بالتعليم العالي، وتعد جامعة داكار التي أسست عام 1949م الوحيدة في السنغال ويبلغ عدد طلابها نحو 25 ألفاً.

الاقتصاد

تعد الذرة الصفراء من الماصيل الرئيسة في السنغال

على الرغم من عمل أكثر السكان في الزراعة، إلا أن  الصناعة تنمو نسبياً، فالسنغال واحدة من أكثر الدول تطوراً في غربي القارة. ويعد الفستق والقطن أهم المحاصيل الزراعية وقد حصلت السنغال على مساعدات تقنية واقتصادية من فرنسا والاتحاد الأوربي والبنك الدولي.

يعمل 77% من السكان الناشطين بالزراعة، ويستثمر في الزراعة 12% من المساحة. وتعد السنغال بين المنتجين الكبار في العالم للفستق الذي ينتج في مناطق عدة، وخاصة في المنطقة الشمالية الغربية، وقد بلغ الإنتاج 828300 طن عام 2000، ويشكل الفستق وزيته مصدرين مهمين للدخل على الرغم من تراجع إسهامهما من 29% من الدخل إلى 9% منه. من المحاصيل المهمة أيضاً القطن 20507طن، وهناك توجه لتنويع الإنتاج الزراعي الذي يضم زراعة الأرز والخضار، والذرة الصفراء وقصب السكر. أما تربية الحيوان فتشمل 3 مليون رأس من الماشية و4.3 مليون أغنام و3.6 مليون من الماعز و45 مليون من الدواجن. أما فيما يتعلق بالغابات فقد بلغ إنتاج الأخشاب 4.9مليون طن متري عام 1999. ومياه السنغال غنية بالأسماك، كما تمتلك البلاد أسطولاً جيداً، ويعد الفوسفات أهم المعادن، بلغ إنتاجه 1800000 طن عام 1999. وهناك مصفاة للنفط بطاقة 900000 طن، تعمل على النفط المستورد. ومن الصناعات الاسمنت والأسمدة والمنسوجات والمواد الكيميائية والتبغ. وتنتج السنغال 127 مليون كيلو واط ساعي مولدة حرارياً.

تُخدْم السنغال بشبكة طرق جيدة، يبلغ طولها 14576كم، 29% منها معبدة و1100كم من السكك الحديدية التي تصل بين المدن في الداخل والساحل وإلى مالي، وفي داكار مطار دولي.

تعاني السنغال من عجز تجاري، وأهم الصادرات الفوسفات ومنتجات الأسماك والفستق والمنتجات القطنية. ويستورد السنغال كل احتياجاته من النفط إضافة إلى السلع المصنعة والحبوب ويتم معظم التبادل التجاري للصادرات مع فرنسا وإيطاليا، ومالي وإسبانيا والهند والواردات مع فرنسا والكميرون ونيجيريا وإيطاليا والصين واليابان.

وتشجع الحكومة السياحة، وأهم ما يميز السنغال شواطئها الجميلة وحدائقها العامة، وقد بلغ عدد الزوار لعام 1999 نحو 369000 زائر.

السنغال جمهورية أعلن دستورها في عام 2001 تتمثل السلطة التنفيذية في الرئيس الذي ينتخب لمدة خمس سنوات والذي يعين رئيس الوزراء الذي يعين الوزراء بالتشاور مع الرئيس. ويتمثل المجلس التشريعي في جمعية وطنية عدد أعضائها 120 عضواً ينتخبون مدة خمس سنوات. يتألف المجلس الدستوري من الرئيس ونائبه وثلاثة قضاة يعينهم الرئيس.

تقسم السنغال إلى عشر مناطق، يعين لكل منها حاكم من قبل الرئيس وجمعية محلية منتخبة.

هناك صلات تجارية وثيقة للسنغال مع أوربا تشكلت مع وصول البرتغاليين، وبعد ذلك جاء الفرنسيون والهولنديون ليحلوا محلهم في القرن السادس عشر، وأدخل الأوربيون زراعة الفستق. وتنازعت كل من إنكلترا وفرنسا وهولندا على المحطات التجارية، ثم أصبحت السنغال مستعمرة فرنسية، ثم جزءاً من الاتحاد الفيدرالي الفرنسي المعروف باسم غربي إفريقيا الفرنسي، وأصبحت داكار العاصمة في عام 1882، وأسفر الاستعمار عن تغيرات عديدة، فقد شجع الفرنسيون الأهالي على زراعة الفستق بغرض تصديره لسد حاجة البلاد الاقتصادية، وفي مرحلة لاحقة بدأت المطالبة بالاستقلال، ويعد ليوبولد سيدار سنغور الأب المؤسس للسنغال المستقلة. منحت السنغال حكماً ذاتياً في عام 1958، وفي حزيران 1960م أصبحت مستقلة تماماً وجزءاً من اتحاد مالي الذي انضمت إليه في آب 1960م، ثم ما لبثت أن انسحبت منه وأصبحت جمهورية مستقلة. وانتُخب ليوبولد سنغور رئيساً للسنغال في المدة من 1960-1981 وقد زاد من سلطاته كثيراً في دستور 1963، بعد محاولة الانقلاب المزعومة في عام 1962 من قبل رئيس الوزراء محمدو ضياء. تطورت الصناعات الزراعية وتنوع الاقتصاد في هذه المدة لكن الفستق بقي المصدر الأساسي للحصول على العملات الأجنبية. قامت المظاهرات الطلابية احتجاجاً على تركز السلطات في يد الرئيس سنغور، وعُدِّل الدستور في عام 1976 وأصبح النظام متعدد الأحزاب. في أوائل عام 1981 استقال سنغور من الرئاسة، فخلفه رئيس وزرائه عبده ضيوف، وانتخب بعد ذلك ثلاث مرات قبل أن يهزم في انتخابات عام 2000، تمتع ضيوف بشعبية واسعة في سنواته الأولى، ما لبثت أن تراجعت في منتصف الثمانينات، بعد التعثر الاقتصادي واحتجاج المعارضة على قبضة الحزب الاشتراكي على السلطة السياسة، وفي انتخابات 1988 الرئاسية والتشريعية اتهمت المعارضة الحزب الاشتراكي بالتلاعب بالانتخابات وشهدت العاصمة العديد من الاضطرابات، كذلك حدث في 1991 عندما بُدئ بإصلاحات شكلية وغير مقنعة أبقت على سيطرة الحزب الاشتراكي، كما مددت الولاية الرئاسية من خمس إلى سبع سنوات إلى أن جاءت الانتخابات الرئاسية في عام 2000 وأزالت هيمنة الحزب الاشتراكي التي دامت 40 عاماً، منها 19 سنة عهد ضيوف، وانتهت بهزيمته في الانتخابات من قبل عبدولي واد Abdoulaye Wade وصدق الدستور الجديد باستفتاء جرى في عام 2001، أعاد الدورة الانتخابية إلى خمس سنوات.

حافظت السنغال على صلات وثيقة مع فرنسا، كما تتبع سياسة خارجية موالية للغرب، وتقدم فرنسا مساعدات اقتصادية للسنغال.

علي دياب

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ جمال الدين الدناصوري، جغرافية العالم ـ دراسة اقليمية ـ الجزء الثاني إفريقيا واستراليا (المكتبة الانجلو المصرية، عين شمس 1971).

ـ مجموعة من المؤلفين، دليل دول العالم: باللغة الروسية (موسكو 1988).


التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
النوع : سياحة
المجلد: المجلد الحادي عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 182
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 832
الكل : 41020874
اليوم : 111257

تقي الدين محمد بن معروف

تقي الدين محمد بن معروف (نحو 932 ـ 993هـ/1525 ـ 1585م)   تقي الدين محمد بن معروف بن أحمد، عالم فلكي، وراصد رياضي ومهندس ميكانيكي، اشتهر أوائل الحكم العثماني. ورد اسمه كاملاً ومدوناً بخط يده على مخطوط له عنوانه «الطرق السنية في الآلات الروحانية». يرجع في نسبه إلى الأمير ناصر الدين منكويرس، ابن الأمير ناصح الدين خمارتكين. أشارت معظم المراجع إلى أنه من مواليد مدينة دمشق، ثم انتقلت أسرته إلى مصر، حيث استقرت فيها. نشأ تقي الدين في بيت علم ودين، فقد كان والده قاضياً في مصر. ودرس هو علوم عصره، وأصبح قاضياً مثل أبيه. تحدث عن نفسه في أحد مؤلفاته، وهو «سدرة منتهى الأفكار في ملكوت الفلك الدوار» فقال: «ولما كنت ممن ولد ونشأ في البقاع المقدسة، وطالعت الأصلين «المجسطي»، و«كتاب إقليدس في الأصول» أكمل مطالعة، ففتحت مغلقات حصونها، بعد الممانعة والمدافعة. ورأيت ما في الأزياج المتداولة (الجداول الفلكية) [ر] من الخلل الواضح، والزلل الفاضح، تعلق البال والخلد بتجديد تحرير الرصد». وهذا يدل على أن تقي الدين قد اطّلع على الكتب العربية التي وردت فيها الأرصاد والحسابات الفلكية والأزياج فسعى لإصلاحها. واستخرج زيجاً وجيزاً مستعيناً بأبحاث أَلُغ بك، كما ذكر في كتابه «الدر النظيم في تسهيل التقويم». ويبدو من أقوال تقي الدين، التي وردت في كتابه «الطرق السنية في الآلات الروحانية» أنه زار اصطنبول، مع أخيه عام 953هـ/1546م. وربما كان ذلك بحكم وظيفته، أو رغبة في طلب العلم.  وفي تلك المدينة قام بمشاركة أخيه بتصميم آلة لتدوير سيخ اللحم على النار، فيدور من نفسه من غير حركة الحيوان. عمل تقي الدين في خدمة الوالي علي باشا، الذي كان يحكم مصر من قبل السلطان سليمان القانوني، بدءاً من عام 956هـ/1549م. فأهداه كتابين من مؤلفاته وهما «الطرق السنية في الآلات الروحانية»، و«الكواكب الدرية في البنكامات الدورية». وجاء في كتاب «كشف الظنون» أنه في عام 975هـ/1568م ألف تقي الدين كتاب «ريحانة الروح في رسم الساعات على مستوى السطوح» في قرية من قرى نابلس. ثم شرحها العلاّمة عمر بن محمد الفارسكوري شرحاً بسيطاً بإشارة من المصنف، وسماها «نفح الفيوح بشرح ريحانة الروح»، وفرغ منها في ربيع الأول 980هـ، ولها ترجمة إلى اللغة التركية موجودة نسخة منها في المكتبة الظاهرية بدمشق. رحل تقي الدين بعد ذلك إلى اصطنبول، حيث تقرّب من الخواجه سعد الدين، معلّم السلطان، وصار من خواصه الملازمين. ونظراً لبراعة تقي الدين في العلوم الفلكية دعمه الخواجه سعد الدين ليكون رئيساً للمنجمين في أواخر حكم السلطان سليمان، وكان ذلك عام 979هـ/1571م. كان تقي الدين يرغب في إنشاء مرصد في اصطنبول، على غرار مرصد مراغة، الذي أنشأه أَلُغ بك، لذلك قدّم تقريراً للسلطان، عن طريق الصدر الأعظم محمد باشا، ووساطة الخواجه سعد الدين، وشرح في تقريره أن الجداول الفلكية الموجودة صارت غير قادرة على إعطاء معلومات صحيحة، لذلك صارت الحاجة ملحة لعمل جداول فلكية تستند إلى أرصاد جديدة. استجاب السلطان لطلب تقي الدين، وبدأ بإنشاء المرصد أوائل عام 983هـ/1575م، وانتهى بناؤه وتجهيزه بالأجهزة والأدوات بعد ذلك بعامين. وحدث في ذلك الوقت ظهور مذنب في سماء اصطنبول، ولما شاهده تقي الدين في مرصده تقدم بالتهنئة للسلطان، متنبأ له بالنصر على الفرس، الذين كانوا في حرب مع الدولة العثمانية. وقد تحقق ذلك النصر، لكنه لم يكن مجرداً من الخسائر الفادحة. كما أن وباء الطاعون انتشر انتشاراً واسعاً في ذلك الوقت. فانتهز الفرصة قاضي زاده شيخ الإسلام هو وجماعته المنافسون للصدر الأعظم وللخواجه سعد الدين، وشنوا حملة معادية لإنشاء المرصد، ونجحوا بإقناع السلطان بهدمه، فتم لهم ذلك في عام 1580م. كان السلطان مراد قد كافأ تقي الدين، عقب إنشائه المرصد، فمنحه راتب القضاة، كما منحه قطائع درت عليه دخلاً كبيراً. إلا أن هدم المرصد كان له تأثير سيء في نفس تقي الدين، وقد توفي بعد ذلك بخمس سنوات، ودفن في مدينة اصطنبول. كان تقي الدين، كما يقول عن نفسه، في كتابه «الكواكب الدرية في البنكامات الدورية»، مغرماً منذ حداثته بمطالعة كتب الرياضيات، إلى أن أتقن الآلات الظلية والشعاعية علماً وعملاً، واطلع على نسب أشكالها وخطوطها. كما اطّلع على كتب الحيل الدقيقة والميكانيك، ورسائل علم الفرسطون والميزان وجر الأثقال. وكان يتقن معرفة الأوقات ليلاً ونهاراً، معتمداً على عدة أشكال من الآلات، وخاصة البنكامات الدورية (الساعات). وقد دوَّن فن الساعات الميكانيكية ومبادئها، وذكر عدداً من الآلات التي اخترعها. ولكي يبرهن على مدى تقدمه في العلوم الرياضية، ورغبته في نشر المعرفة، وضع عدة مؤلفات، منها رسالة «بغية الطلاب في علم الحساب»، وكتاب في الجبر عنوانه «كتاب النسب المتشاكلة». وكتاب في الفلك عنوانه «سدرة منتهى الأفكار في ملكوت الفلك الدوّار». وسجل في كتابه الأخير المشاهدات الفلكية التي حققها في مرصد اصطنبول. ووصف الآلات التي استعملها فيه، وماكان منها من مخترعاته، محتذياً في ذلك حذو العلامة نصير الدين الطوسي الذي كان يعدّه المعلم الكبير. كان تقي الدين وافر الإنتاج العلمي، قام بتصنيف عدد من الرسائل والكتب، ولما يزل أكثرها مخطوطات محفوظة في عدة مكتبات عالمية. وفي عام 1976 قام أحمد يوسف الحسن بتحقيق ودراسة مخطوط «الطرق السنية في الآلات الروحانية»، ونشره مصوراً في كتاب عنوانه «تقي الدين والهندسة الميكانيكية العربية»، وبين بالرسم والشرح شكل وعمل الآلات التي وردت في هذا الكتاب، وقال: «إن أهمية كتاب الطرق السنية في أنه يكمل حلقة مفقودة في تاريخ الثقافة العربية، وتاريخ الهندسة الميكانيكية». أما موضوعات الكتاب فتشمل مقدمة وستة أبواب. تكلم تقي الدين في مقدمة هذا الكتاب على الآلة المعروفة بحق أو علبة القمر، وهي مشابهة في تركيبها للساعات الميكانيكية. وفي الباب الأول: تكلم على أربعة أصناف من البنكامات، وهي ساعات رملية أو مائية، مما عرفه العرب في مطلع حضارتهم. وفي الباب الثاني: ذكر ثلاث آلات لجر الأثقال. وفي الباب الثالث: وصف أربع آلات لرفع الأثقال ومثلها لرفع الماء. وفي الباب الرابع: تكلم على عمل آلات الزمر الدائم والنقارات (ثلاثة أنواع) والفوارات المختلفة الأشكال (أربعة أنواع). وفي الباب الخامس ذكر أنواعاً شتى من آلات طريفة (أحد عشر نوعاً). وفي الباب السادس: وصف لسيخ اللحم الذي يدور بصورة آلية على البخار.   محمد زهير البابا   مراجع للاستزادة:   ـ بنو موسى بن شاكر، الحيل، تحقيق أحمد يوسف الحسن (معهد التراث العلمي العربي، حلب). ـ تقي الدين، الطرق السنية في الآلات الروحانية، تحقيق أحمد يوسف الحسن (معهد التراث العلمي العربي، حلب).
المزيد »