logo

logo

logo

logo

logo

الشام (بلاد-)

شام (بلاد)

Bilad al-Sham - Bilad el-Cham

الشام (بلاد ـ)

 

في الشمال من شبه الجزيرة العربية، تمتد بقعة متممة لها، إلا أنها أحدث تكويناً من الوجهة الجيولوجية، تعرف بسورية الطبيعية أو بلاد الشام. وهي تمتد بين جبال طوروس شمالاً وبوادي العراق في الشرق، ونجد والحجاز في الجنوب، وسيناء في الجنوب الغربي، والبحر المتوسط في الغرب. وتربو مساحتها العامة على 317 ألف كيلو متر مربع، ويراوح عرضها بين 160 و300كم، أما طولها فيبلغ 800كم.

وقد اتخذت هذه المنطقة خلال عصور التاريخ أسماءً عدة، وذلك بالنسبة إلى الشعوب التي قطنتها أو سيطرت عليها؛ فسُميت تارةً باسم الحوريين، وتارةً أخرى باسم الآموريين والآراميين، ولكنّ اسمين لها خلدا إلى اليوم، وهما سورية الطبيعية وبلاد الشام، ولا يعرف على التحقيق منشأ هذين الاسمين.

فكلمة سورية يرجعها بعضهم إلى التجار اليونانيين الذين كانوا يزورون المنطقة في أثناء حكم الآشوريين لها (بين القرن التاسع والسادس قبل الميلاد)، وكانوا يدعونها مع العراق باسم واحد وهو آسوريا. ولكن مؤرخين آخرين يعتقدون أن اليونان إنما اشتقوا هذا الاسم من كلمة صور، وهي المدينة الفينيقية العظيمة التي كان بحارتها يجوبون البحار على سفنهم منذ الألف الأول قبل الميلاد.

بيد أن الحفريات التي أجريت في رأس شمرا (أغاريت) قرب مدينة اللاذقية، أثبتت أن كلمة «سرين» أو «شرين» كانت مستعملة في كتابات تلك المدينة الفينيقية قبل أربعة عشر قرناً من الميلاد، وهي تعني عندهم منطقة جبال قلمون. والعبرانيون أيضاً كانوا يسمون تلك المنطقة باسم «سيريون»، كما كانوا يطلقون اسم «ليبانون» على المنطقة المقابلة لها وهي لبنان. وقد وجدت كلمة سريانا دالة على المنطقة ذاتها في معاهدة ترجع إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد، بين الملك الحثي شوبيلوليوما والملك الآموري الخاضع له آزيرو. ومن جهة أخرى فإن البابليين كانوا يدعون منطقة الفرات الأعلى باسم سوري.

وهكذا نرى أن منشأ اسم سورية لم يتحقق بعد نهائياً، ولكن الشيء الثابت هو أن الملوك السلوقيين قد استعملوا هذا الاسم رسمياً للدلالة على مجموع المنطقة التي نعرفها اليوم باسم سورية الطبيعية، وكانوا هم يسمون ملوك سورية، والرومان اقتبسوا هذه التسمية من السلوقيين.

ولا نجد لدى الجغرافيين والمؤرخين العرب الأوائل تحديداً أوفى لمدلول سورية؛ فالمسعودي (ت: 643هـ) مثلاً في كتاب «التنبيه والإشراف» يذكر أن لفظة سورية هي تسمية يونانية، ولكنه يضيف إلى ذلك أن الفرس في زمنه (القرن العاشر الميلادي) كانوا يطلقون اسم (سوريستان) على العراق والشام، وذلك لوجود السريانيين فيهما. أما العالم الجغرافي ياقوت الحموي (ت: 626هـ) (من القرن الثالث عشر للميلاد) فيقول في كتابه «معجم البلدان»: إن سورية والشام شيء واحد، ولكنه يعود فيذكر في موضع آخر، أن سورية هي الجزء الشمالي من الشام (بين حماة وحلب!.).

ويجدر بنا أن نلاحظ أن المؤلفين العرب قبل القرن التاسع عشر كانوا نادراً ما يستعملون كلمة سورية!. بل يقولون بلاد الشام، وهم لا يأتون بلفظة سورية إلا في موضع واحد، وذلك عندما يروون قصة الامبراطور هرقل وهو يودع (أرض سورية)، بعد أن فتحها العرب المسلمون. فكأن لفظ (سورية) بالنسبة للمؤلفين العرب القُدامى هو الاسم الأجنبي لبلاد الشام.

ومنشأ اسم الشام ليس أسهل تحديداً من اسم سورية. وقد ورد هذا اللفظ في الشعر الجاهلي، وفي أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويميل أكثر المؤرخين والجغرافيين العرب إلى الاعتقاد بأن الشام سميت شاماً، لوقوعها على شمال الكعبة إذا اتجهنا نحو مطلع الشمس، واليمن سميت يمناً، لوقوعها على يمين الكعبة.

ويردها البعض إلى كلمة (تشاءم) أي اتجه نحو الشآم، والشآم هو جهة اليسار، وذلك لأن الكنعانيين تشاءَموا إلى سورية من العراق. وقد تكون الشام جمع شامة، تشبيهاً لها بالشامات المتفرقة على جسم الإنسان، وذلك لتنوع تربتها، أو لانتشار القرى والبلدات على سطحها. ويذهب بعضهم إلى أن كلمة شام هي في الأصل سام، وهو سام بن نوح، الذي يقال أنه أول من حّل الأرض السورية بعد الطوفان.

وجميع هذه الفرضيات لا توصل إلى رأي قاطع، والمهم أن نعرف أن لسورية اليوم مدلولين: أولهما مدلول طبيعي، وهو يشمل جميع المنطقة الكائنة بين العراق من الشرق والبحر من الغرب، وتركيا من الشمال وشبه الجزيرة العربية من الجنوب. والمدلول الثاني سياسي، ويقصد به الجمهورية العربية السورية المحدودة بين تركيا شمالاً والعراق شرقاً ولبنان غرباً وفلسطين والمملكة الأردنية الهاشمية جنوباً.

مظاهر السطح العامة لبلاد الشام

تعطي النظرة العامة عن سورية الطبيعية (بلاد الشام) فكرة الوحدة المنسجمة في التضاريس والبنية الجيولوجية والمناخ والمياه، وذلك لا يعني أن جميع أجزاء البلاد متشابهة، بل العكس هو الواقع، لكن الظواهر الطبيعية المختلفة المتضادة تتكرر فيها وتميزها عما جاورها؛ فالتضاد العنيف بين الذُرَا الشم والوهاد البعيدة الغور، والتقابل بين الجبال المثلوجة والبوادي القاحلة، هو ما يجعل لسورية الطبيعية شخصيتها الجغرافية المميزة.

إن لسورية الطبيعية من ناحية أخرى، حدوداً رسمتها الطبيعة، وميزتها بها عما جاورها؛ فبين الهضبة الأناضولية والأرض السورية جبال شامخة عرضانية هي جبال طوروس، ومن الغرب يكون البحر حداً طبيعياً فاصلاً، ومن الشرق يمكن اعتبار بوادي العراق تخوماً جغرافية، وكذلك الصحاري الشمالية من نجد، فهي فواصل طبيعية.

وأخيراً نجد أن تضاريس سورية الطبيعية تتألف بمجموعها من سلسلتين جبليتين موازيتين للساحل في الغرب؛ وهما محدودبان التوائيان عظيمان معاصران لجبال الألب، ويفصل بينهما غور خسفي (أو حفرة انهدامية). أما في الشرق فالهضاب والسهول تمتد بعيداً منحدرة نحو أرض العراق. والمحدودب الأول يمتد من طوروس في الشمال حتى سيناء في الجنوب، ويراوح ارتفاعه بين 1000 و3000 متر. أما المحدودب الشرقي، فهو أرحب عرضاً، ولكنه أقل انتظاماً وتساوقاً، ويتفرع من وسطه عدة محدودبات باتجاه الشرق. وارتفاع هذه السلسلة يراوح بين 800 و2800 متر. وتبدأ في الشمال بجبال طوروس وتنتهي في الجنوب بجبال السَّراة القديمة، الممتدة على الطرف الغربي من شبه الجزيرة العربية. والغور الخسفي الفاصل بين السلسلتين يمتد من كيليكيا حتى البحر الأحمر.

ومن الناحية الجيولوجية، تتصف أرض سورية الطبيعية بغلبة الصخور الكلسية على سطحها، وهي من الزمنين الجيولوجيين الثاني والثالث. وفيما عدا ذلك، نجد الصخور البركانية السوداء (البازلت) بالقرب من الخطوط الانهدامية أو التصدعات، وهي تؤلف في الوسط منطقة واسعة؛ هي منطقة حوران وجبل العرب.

أما من الناحية المناخية، فسورية الطبيعية واقعة في المنطقة المعتدلة، وإقليمها ينتمي إلى مجموعة أقاليم البحر المتوسط،  ذات الصيف الحار والشتاء الممطر. وفي أرجاء سورية الطبيعية كافة نجد التضاد بين المناخين البحري والقاري؛ ففي الغرب يسيطر المناخ البحري الرطب، وفي الشرق يسود المناخ القاري الجاف. والرياح الغربية والجنوبية الغربية الممطرة الدافئة هي المهيمنة على المناطق الغربية، أما الشرق فيقع تحت تأثير الرياح الصحراوية الجافة.

والمياه على سطح الأرض في سورية الطبيعية قليلة الوفرة ومتفاوتة الجريان، وذلك لأن الأمطار لا تتوافر إلا في نصف السنة أو أقل من ذلك، فلا تغذي الأنهار بصورة منتظمة مستمرة، ثم أن أكثر الأمطار الهاطلة تترشح في أعماق الأرض الكلسية، ثم تخرج على شكل ينابيع متفرقة في سفوح الجبال وبطون الأودية.

وهكذا، فالصفة المميزة للأنهار في سورية الطبيعية هي فيضانها في الشتاء حين هطول الأمطار، وأحياناً في الربيع عند ذوبان الثلوج على رؤوس الجبال، ولكن معظمها يجف في الصيف أو يكاد.

ووضع التضاريس يعين اتجاه مجراها؛ فهي إما أن تشكل سيولاً ساحلية قصيرة تنبع من الجبل وتصب في البحر القريب، وإما أن تسير في الغور الخسفي مضطرة نحو الشمال أو نحو الجنوب، أو تضيع في المستنقعات والبحيرات الداخلية.

إن الحدود الطبيعية، من بحر وجبل وقفر، لم تكن في سورية الطبيعية مطابقة دائماً للحدود التاريخية، فهي لم تشكل في يوم ما عائقاً جدياً يحول دون الغزوات الخارجية، كما أنها لم تمنع أبداً اتصال سورية الطبيعية بالبلاد القريبة منها والبعيدة؛ فالمصريون القدماء مثلاً كانوا حريصين على ضم سورية الطبيعية إليهم لأنها مركز الدفاع المتقدم عن بلادهم، ولاحتوائها على الموارد الطبيعية اللازمة لحياتهم، كأشجار الأرز والزيت.. وغير ذلك. وخضعت سورية الطبيعية أيضاً للحثيين والميتانيين والآشوريين والأتراك العثمانيين. وعن طريق البحر جاءها الصليبيون ثم الفرنسيون والبريطانيون.. أما صلاتها بشبه الجزيرة العربية، فيكفي ذكر أن شعوب سورية الطبيعية ينحدرون من الهجرات السامية التي عمرت بلادهم.

وهكذا، فإن الحدود التاريخية لسورية الطبيعية كانت في تغير مستمر خلال عصور التاريخ، وذلك حسب قوة الشعوب القاطنة فيها بالنسبة لقوة الشعوب المجاورة لها. ولعل أبرز من الحدود الطبيعية أثراً في تاريخ سورية الطبيعية هو ما أسماه أحد المؤرخين الأمريكيين المحدثين بـ «الهلال الخصيب»، ويراد به ذلك القوس الدائري المتفاوت العرض، المكوّن من أراضٍ خصبة مروية، والممتد في شمال شبه الجزيرة العربية، بين الخليج العربي والبحر الأحمر، ويضم طرفه الشرقي سهول العراق، ويتألف طرفه الغربي من مجموعة جبالٍ وسهولٍ ووديان تمتد فوق سورية الطبيعية حتى الحجاز، ويلتحم طرفا القوس في العقدة الجبلية الأرمينية.

وميزة هذا القوس أنه مروي بالأمطار القادمة من البحر المتوسط، وهي تشكل فيه إطاراً من المزروعات والنباتات التي تفصل ما بين الصحاري المجدبة لشبه الجزيرة العربية وسيناء من جهة، وهضاب إيران والأناضول القاحلة من جهة أخرى، ومحور هذا الإطار الحيوي هو مجرى أنهار دجلة والفرات والعاصي والليطاني والأردن.

ولا عجب أن يغري هذا الفردوس النضر من العشب والماء جشع الشعوب المحرومة الموجودة على أطرافه، فتقتحمه غازية أو متسللة. وهذا سبب أساسي في الموجات السامية التي خرجت من قلب الجزيرة نحو أرض العراق والشام قبل الإسلام، واستوطنت فيها بعد أن هجرت حياة البداوة.

على أن قيمة الهلال الخصيب ليست في خصبه وريّه فحسب، بل يضاف إلى ذلك قيمته التجارية كممر مهم ميسور، يصل مابين الشرق والغرب. وهذا الطريق هو الذي يعلل اليوم ازدهار مدن قديمة في قلب البادية كتدمر، وقد اندثرت تلك المدن بعد تحول الطرق عنها.

والشعوب المجاورة للهلال الخصيب حاولت دوماً السيطرة على هذا الشريان الدافق، ولذا كان تاريخ سورية الطبيعية حافلاً بالحروب الطاحنة التي شنتها على أرضها الشعوب الطامعة فيها كالحثيين والميتانيين والمصريين والآشوريين والفرس وغيرهم.

المناطق الطبيعية

إذا اخترقت سورية الطبيعية من غربها إلى شرقها، يجد المرء فيها، بعد الساحل، المناطق المتميزة الآتية:

السهول الساحلية والجبال الغربية والغور الخسفي والجبال الشرقية والسهول والهضاب الداخلية.

السهول الساحلية:

تشكل ساحل سورية الطبيعية نتيجة الهدم والردم البحريين، ونتيجة المجروفات السيلية والنهرية؛ فالبحر يجلب الرمال الناعمة ويدمجها ويلقي بها على الشاطئ على شكل كثبان متنقلة أو بطائح حمراء، كما هي الحال في الساحل الفلسطيني بين حيفا والحدود المصرية، وكذلك في جنوب بيروت وشمال طرابلس. وتكون الرمال إما مجروفة من الجبال القريبة أو تأتي بها التيارات البحرية الساحلية من دلتا النيل. والبحر أيضاً يأتكل الجبال المجاورة للبحر، ويشكل على أطرافها رواشن صخرية عالية. وإذا استمر نحته لأسفل الرواشن انهارت وكوّنت منبسطات صخرية واطئة، ثم إن السيول والأنهار الهابطة من الجبال القريبة تحمل معها كميات من التربة والحصى وتضعها على الساحل.

وتبعاً لهذه العوامل تلاحظ  السواحل السورية على أنواع مختلفة، فمنها الشواطئ الرملية، ومنها الشواطئ الصخرية المنبسطة، ومنها الرواشن العالية المشرفة على البحر (كرواشن جنوب طرابلس حيث فتحت الأنفاق في الصخر لمرور السيارات)، ومنها الشواطئ اللحقية الواطئة، وهي الكائنة عند مصبات الأنهار.

وبشكل عام، ليس على شواطئ سورية الطبيعية قيعان بعيدة الغور، وخط عمق 100م يوازي الساحل على بضعة كيلو مترات، كما أنه ليس في سورية الطبيعية رؤوس ممتدة طويلاً في البحر وخلجان متعمقة في داخل البر؛ فالتعاريج الساحلية، على كثرتها شمال حيفا، ليس لها اتساع كبير، ولا توجد قرب الساحل جزرُ ذات شأن، إلا جزيرة «أرواد» المقابلة لمدينة طرطوس.

الجبال الغربية:

تتميز الجبال المراصفة للساحل السوري بالصفات الآتية:

ـ هي محدودبات التوائية خفيفة لا تشبه التواءات طوروس والألب العنيفة.

ـ تتجه بصورة عامة من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي، لكن هذا الاتجاه يتبدل حسب المواقع، فجبال أمانوس أشد ميلاً نحو الغرب من جبال لبنان، وجبال اللاذقية ذات اتجاه شمالي جنوبي ظاهر، وجبل الكرمل في فلسطين يغاير في اتجاهه الالتواءات السورية الفلسطينية كلها، فيمتد من الشمال الغربي نحو الجنوب الشرقي.

ـ يكسرها صدع طولاني من شرقها (يرتفع طول الصدع 2000م أحياناً) فتكون قممها الشاهقة على طرفها الأيمن، بينما طرفها البحري يهبط متدرجاً، ويؤلف أحياناً هضاباً خفيفة التموج كهضبة الكورة (من 100م إلى 300م) عند طرابلس.

ـ تخترقها مجازات طولانية عميقة وضيقة، تقسمها إلى كتل صغيرة منعزلة يصعب الاتصال فيما بينها، وقد تكون هذه المجازات ناشئة عن صدوع عرضانية، ولكنها في الغالب من عمل الائتكال النهري، وتتقارب رؤوس الأودية أحياناً فلا تترك بينها سوى ظهور أو متون جبلية ضيقة.

ـ تسود في رؤوس أكثرها الصخور الكلسية الصلبة (من الزمن الجوراسي)، ولكن هيكلها الأساسي مؤلف من صخور الزمن الحواري (الطباشيري) المركبة من أحجار كلسية وحوارية في الأعلى، وأحجار رملية في الأسفل (الحجر الرملي النوبي) وبينهما خط الينابيع.

ـ لقد أثرت وعورة هذه الجبال في مصيرها التاريخي، فكانت الملجأ الأمين للأقليات العرقية والطائفية.

ـ تدر على البلاد أرباحاً كثيرة في موسم الاصطياف، إذ يرتادها أبناء البلاد العربية المجاورة للتمتع بمناخها العذب وجمالها الفتان.

ـ تضربها الرياح الممطرة الغربية فتساعد على نمو الغابات فيها، وتكون سفوحها البحرية مخضوضرة، بينما سفوحها الشرقية فقيرة بالماء والأشجار. وتختلف النباتات على السفوح الغربية تبعاً للارتفاع؛ ففي السفوح الأولى بين البحر وعلو 1100م توجد في الأودية مختلف المزروعات، وعلى المرتفعات المعرضة للشمس والقليلة الرطوبة ينمو اللوز والخرنوب والتوت والسفرجل والخوخ والعنب..وغيرها، والأحراج السائدة هنا تتألف من البلوط والسنديان. أما في المنطقة الجبلية العالية بين 1100 و3088م فالمزروعات السنوية تزرع حتى ارتفاع 1800م  والأحراج تعلو إلى 1900م وفوق ذلك توجد أعشاب ترعاها قطعان الماعز والأغنام. وأشجار هذه المنطقة تتكون من الصنوبر والأرز، وينمو شجر الجوز بين 1200 و1400م.

وتنقسم السلسلة الغربية من الشمال نحو الجنوب إلى الأقسام الآتية: الأمانوس، الأقرع، جبال اللاذقية، لبنان، الجليل، الكرمل، جبال نابلس (السامرية)، جبال القدس، الخليل، وجبال النقب.

منطقة الغور الأوسط:

بين الجبال الساحلية والجبال الداخلية يمتد أخدود طولاني ضيق، ناجم عن خسف عميق، هو جزء من الانهدامات السورية الإفريقية، وهو لذلك محاط من جهتين بمنحدرات شديدة الميل.

وفي واقع الأمر، لا يتشابه هذا الغور في جميع أرجائه من حيث البنية وشكل السطح ونوع التربة والمناخ، بل ينقسم إلى مناطق متباينة تجتازها أودية متعاكسة في الاتجاه. ولا مجال للقول بأن لهذه المنطقة وحدة طبيعية أو تاريخية أو بشرية، والأقرب إلى الحق أن كل جزء يتمم ما يجاوره شرقاً وغرباً.

وقد تشكل هذا الغور في الزمن الجيولوجي الثالث، ولكن الانهدامات التي كوَّنته لم يكن لها علو واحد؛ ففي فلسطين مثلاً يهبط مقر الغور إلى قرابة 800م تحت سطح البحر، وعند بعلبك يرتفع حتى 1100م فوق سطح البحر.

وفي أمكنة عدة خرجت الحمم من الصدوع وسالت نحو قرارة الغور فشكّلت فيه سدوداً طبيعية تجمعت وراءها المياه وشكلت بحيرات، وقد جف بعض هذه البحيرات وترك مكانه رواسب صلصالية توجد حتى اليوم في سهل الغاب وسهل العمق، تكسوها طبقة سطحية من الرواسب النهرية الحديثة. وهكذا توجد في الغور صخور صلصالية وكلسية وبركانية ولحقية.

والاختلاف في أجزاء الغور لا يقتصر على الاتجاه والارتفاع ونوع الأرض، بل يتعداه أيضاً إلى المناخ؛ ففي الشمال تهطل أمطار كافية، وتشكل الأمطار مناقع واسعة ، ولا مجال لمقارنة ذلك بالوديان الجنوبية الحارة الجافة كوادي عربة. وبالإجمال تشتد الحرارة وتقل الأمطار من الشمال نحو الجنوب.

وتراوح كمية الأمطار في الشمال بين 600 و800مم، وهي لا تتجاوز 442مم سنوياً عند طبريا، و295مم عند بيسان، و147مم عند أريحا، و82مم في شمال البحر الميت، و48مم جنوب البحر الميت، و15مم عند العقبة.

منطقة الجبال الشرقية:

تراصف الجبال الساحلية على الطرف الشرقي من الغور الأوسط، ولكنها، على قربها منها، تختلف عنها أشد الاختلاف فهذه جافة جرداء، وتلك مروية مكسوة بالغابات، وهذه متقطعة قليلة التساوق والانتظام، وتلك مستمرة إلا حين تخترقها مجازات الأنهار. والجبال الغربية أشد علواً، أما الشرقية فهي أكثر تفرعاً، لأنها ترسل نحو الداخل مجموعة محدودبات تصل حتى الفرات ودجلة، وتُعرف بالسلاسل التدمرية.

والقسم الشمالي من السلاسل الشرقية يوازي جبال الأمانوس والأقرع واللاذقية، وهو يتألف من تقوسات خفيفة منعزلة، احتفظ أكثرها بصخور الزمن الثالث، ونادراً ما تعلو أكثر من 900 متر، وهذا العلو كافٍ لأن يجعل منها أيضاً ملاجئ أمينة للأقليات العرقية والدينية.

منطقة الهضاب والسهول الداخلية:

تشغل هذه المنطقة ثلثي مساحة سورية الطبيعية، وليس لها وحدة ظاهرة من حيث التضاريس ونوع الأرض والمناخ وتوزع المياه.

يلاحظ أن سلسلة المحدودبات تجتازها من الجنوب الغربي نحو الشمال الشرقي، بادئة من القلمون ومنتهية عند دجلة، قد سُميت  بالسلاسل التدمرية. وإلى الشمال من هذه العتبة المرتفعة، وإلى الجنوب من جبال طوروس تمتد منطقة مستوية تؤلف سهول حلب والجزيرة. وإلى الجنوب من العتبة المذكورة هضبة صحراوية صخرية هي منطقة الحماد (المؤلِّفة لبوادي الشام والعراق)، ويحد المنطقتين من الشرق سهول الفرات.

ومن الجدير بالذكر أن السهول المستوية المترامية لا وجود لها في سورية الطبيعية، بل يعترضها في كثير من المواقع حرّات بركانية، كما يتخللها شبكة من الأودية العميقة الجافة والسبخات، مما يدل على أن المناخ كان قديماً أكثر أمطاراً والسيول أكثر انتشاراً وأغزر ماءً. وحتى صحراء الحماد في الجنوب، فإنها مجتازة بعدد كبير من الأودية المتجهة نحو وادي الفرات (وادي حوران، وادي عبيد مثلاً)، وهي ممرات للبدو الرحل، ويطلقون عليها اسم «منطقة الوديان».

والسهول الداخلية هي نجود أو سهول شبه صحراوية، وهي مأهولة بالبدو الرحّل أو نصف الرحل، إلا في حدود المدن المعمورة وحول الأنهار. وهم يطلقون على كل جزء منها اسماً خاصاً؛ فأطراف الفرات تدعى «الزور»، والسهوب القائمة وراء حمص وحلب تُسمى «الشنبل» وشرق الفرات يدعى «الجزيرة» وغربه «الشامية» والواحات الداخلية (كتدمر والسخنة) تعرف بـ «المناظر»، والوادي العميق المتوسط بين السلاسل التدمرية يعرف بـ «الدّو».

أشهر العشائر المرتادة لمنطقة الجزيرة والفرات هي شمَّر والفدعان، وبين حلب وحماة وتدمر: الموالي والحديديون، وفي الوسط والجنوب الشرقي قبائل السبعة، وفي الجنوب قبائل الرولة، وهي أكثر العشائر عدداً.

صفوح خير

 

 الموضوعات ذات الصلة:

 

الأردن ـ سورية  ـ فلسطين ـ لبنان.

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ بسام كرد علي وزملاؤه: جغرافية البلاد العربية (مكتبة العلوم والآداب للطباعة والنشر، دمشق 1949).

ـ عزة النص: بلاد الشام (مذكرات منشورة في معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة 1962).

- W.B Fisher , The Middle East 1950.                                                                 

 


التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
النوع : سياحة
المجلد: المجلد الحادي عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 524
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1085
الكل : 40513787
اليوم : 43602

القبطي (الفن-)

القبطي (الفن ـ)   الفن القبطي Coptic art هو الفن المصري في العهد المسيحي، ويشتمل على أعمال متعددة الشخصية لعدم وجود فصل بين «الفن» art، و«الحرفة» craft في الفترة المسيحية الأولى. أما تسمية «القبطي» فهي نسبة إلى كلمة «قبط» المشتقة من التسمية الإغريقية (إيغيبتوس) لأرض الفراعنة.
المزيد »