logo

logo

logo

logo

logo

الفضاء الاقليدي ثلاثي البعد

فضاء اقليدي ثلاثي بعد

Euclidian space of three dimensions - Espace euclidien à trois dimensions

الفضاء الإقليدي الثلاثي البعد

 

وضع العالم الرياضي اليوناني إقليدس (330-275ق.م) حجر الأساس لعلم الهندسة، حيث حدد خمس فرضيات postulates, axioms (مصادرات)، احتلت مركزاً ممتازاً في تاريخ الرياضيات، باعتمادها أساساً لعلم الهندسة حيناً من الدهر جاوز العشرين قرناً. وحتى اليوم، فإن الهندسة التي تدرَّس أساساً في المدارس والجامعات هي «هندسة إقليدس». كما وأن كتاب إقليدس «الأصول»، والذي يتألف من ثلاثة عشر جزءاً، لا يزال يطبع حتى اليوم مترجماً إلى أكثر لغات العالم.

وقد أورد إقليدس فرضياته الخمس المشهورة في كتابه «الأصول» على النحو الآتي:

1 - يمكن رسم مستقيم مار بأي نقطتين.

2 - يمكن تمديد القطعة المستقيمة بلا حدود حتى تصبح مستقيماً.

3 - يمكن رسم دائرة مركزها ونصف قطرها اختياريان.

4 - كل الزوايا القائمة متساوية فيما بينها.

5 - إذا قطع مستقيم مستقيمين آخرين واقعين في مستو واحد، وكان مجموع قياسي الزاويتين الداخليتين في إحدى جهتي المستقيم القاطع أصغر من مجموع قياسي زاويتين قائمتين، فإن المستقيمين الآخرين يتقاطعان في هذه الجهة.

ولما كانت الفكرة السائدة بين الرياضيين هي أن صحة الفرضية تقاس بوضوحها، فقد قبلوا الفرضيات الأربع من دون نقاش، أما الفرضية الخامسة فلم تكن واضحة لديهم، إذ أنها أعقد بكثير من الفرضيات السابقة لها، لذا ساد الاعتقاد بين الرياضيين بأن ما أسماه إقليدس فرضية خامسة، إن هي إلا مبرهنة (نظرية) تستند إلى ما قبلها من الفرضيات، وقد ظل الرياضيون في مشارق الأرض ومغاربها يجرون المحاولة تلو الأخرى للبرهان على فرضية إقليدس الخامسة قرابة ألفي سنة؛ بيد أن محاولاتهم كلها ذهبت أدراج الرياح. وقد اعتقد كثير منهم بأنهم قد أفلحوا في البرهان على هذه الفرضية ؛ إلا أنه عند التعمق في دراسة هذه البراهين، وجد أنها تحوي إما غلطة منطقية، أو فرضية أخرى مكافئة للفرضية قيد البرهان.

والفرضية المكافئة للفرضية الخامسة، والتي يحفظها الجميع هي:

«لا يمكن أن نرسم غير مستقيم واحد مواز لمستقيم مفروض من نقطة خارجة عنه». إن هذا الغموض الذي اكتنف الفرضية الخامسة في مدة تزيد على العشرين قرناً أدى إلى أن بعض العلماء أخذوا من إقليدس فرضياته الأربع الأولى، وأضافوا إليها فرضية خامسة تعاكس فرضيته الخامسة، فاكتشفوا عدم وجود تناقض بين مجموعة فرضياتهم الخمس الجديدة، مما قاد إلى:

1 - إثبات حقيقة استقلال فرضية إقليدس الخامسة عن فرضياته الأربع الأولى.

2 - اكتشاف هندسات جديدة «لا إقليدية» سميت بأسماء مكتشفيها.

من هذه الهندسات اللاإقليدية هندسة لاباتشيفسكي Lobachevisky ما بين (1792-1856) وهندسة ريمان Riemann.

الفضاء (الهندسي) الإقليدي Euclidean (geometrical) space

هو مجموعة نقاط الفضاء الهندسي العادي، أي الذي يخضع لفرضيات إقليدس.

الفضاء الإقليدي ثلاثي البعد Three Dimensional Euclidean Space

لتكن O نقطة محددة، OX, OY, OZ ثلاثة محاور متعامدة ثابتة، في الفضاء الإقليدي الهندسي، ولتكن الأشعة الثلاثة

  (أو نكتبها i, j, k أطوالها
   
   

الشكل (1)

   
   

الشكل (2)

هي أشعة القاعدة على المحاور OX, OY, OZ فهي متعامدة مثنى مثنى وتشكل ثلاثية مباشرة. إن الجملة OXYZ تسمى جملة إحداثية متعامدة منظمة (الشكل-1).

إن الفرضية الخامسة لإقليدس - والتي تم ذكر فرضية مكافئة لها: «لا يمكن إنشاء سوى مستقيم واحد L يوازي مستقيماً مفروضاً D من نقطة ما M خارجة عنه» - تجعل بالإمكان تعيين أي نقطة في الفضاء بإحداثياتها نسبة إلى جملة إحداثية مؤلفة من ثلاثة محاور ثابتة.

أي أن كل نقطة M من الفضاء R3 تتعين بثلاثة أعداد حقيقية x, y, z. أي يقابلها ثلاثية وحيدة (x, y, z)، حيث x, y, z هي مركبات المتجه OM على المحاور OX, OY, OZ - والعكس بالعكس (الشكل-2).

أي إنه يوجد تقابل بين نقاط الفراغ الهندسي الإقليدي المنسوب إلى جملة محاور إحداثية OXYZ وبين مجموعة الجداء الديكارتي R3 = {(x, y, z)}: x, y, z R} حيث R هي مجموعة الأعداد الحقيقية. إن هذا يجعل كل منحن أو سطح أو مجسم في R3 يمثل بعدد من المعادلات، تساعد على دراسته ومعرفة خواصه، وهذا هو مجال الهندسة التحليلية.

مثال : معادلة كرة مركزها M0 (x0, y0, z0) ونصف قطرها a هو :

(x - x0)2 +(y - y0)2 + (z - z0)2 = a2

تعريف: الفضاء الإقليدي هو فضاء حقيقي مزود بجداء داخلي.

الفضاء الحقيقي هو فضاء متجهي[ر] معرف على حقل الأعداد الحقيقية R.

الجداء الداخلي على فضاء حقيقي E هو تطبيق *: E . E → R; (u, v) → u*v يحقق الشروط الآتية:

1) (u + v) * v = u* v + w * v    u, w, v E

2) v * (u + w) = v * u + v * w    u, w, v E

3) (a.u) * v = a (u * v)     a E; u, v E

4) (u * v) = v * u     u, v E

5) u * u ≥ 0     u E  

6) u = 0 u * u = 0   

الفضاء المتجهي الحقيقي (real vector space) R3

يعرف على المجموعة R3 = {(x, y, z)}: x, y, z R} عمليتي جمع، وضرب بعدد كما يأتي:

ـ حاصل جمع متجهين a (a1, a2, a3) وb (b1, b2, b3) من R3 هو متجه ثالث c = (c1, c2, c3) = (a1 + b1, a2 + b2, a3 + b3)

ـ حاصل ضرب متجه a (a1, a2, a3) من R3 بعدد حقيقي λ من R هو متجه d يوازي المتجه a ويساوي d = (.λ .a1, .λ .a2, .λ .a3).

ـ إن المجموعة R3 = {(x, y, z) : x, y, z R} مع عمليتي الجمع والضرب بعدد من R، تشكل فضاءً متجهياً حقيقياً.

الجداء الداخلي (العددي، السلمي) inner (scalar) product على R3

إذا كان a (a1, a2, a3) وb (b1, b2, b3) متجهين في فضاء متجهي حقيقيR3 فإن جداء المتجهين a (a1, a2, a3) وb (b1, b2, b3) المعرف بالشكل

 a.b = (a1b1 + a2b2 + a3b3) هو جداء داخلي علىR3 .

الفضاء (المتجهي) الإقليدي Euclidean (vector) space R3

إن الفضاء المتجهي الحقيقي R3 مع عملية الجداء الداخلي السابقة، هو فضاء إقليدي.

مثال: الجداء العددي للمتجهين a (- 2, 5, 3), b (3, - 2, 1) هو

a.b = (- 2) (3) +(5) (- 2) + (3) (1) = - 13

طول متجه a (a1, a2, a3)

إن: (حيث |a| طول المتجه a)

أي إن طول المتجه a (a1, a2, a3) هو:  

 
 

الشكل (3)

البعد بين نقطتين

إذا كانت M1 (x1, y1, z1) وM2 (x2, y2, z2)  نقطتين من الفضاء الإقليدي R3 فإن المتجه M1 M2 = OM2 - OM1  أي أن M1 M2 (x2- x1, y2- y1,z2- z1  وطول هذا المتجه هو:

وهو البعد بين النقطتين M1 وM2 (الشكل-3).

مثال: البعد بين النقطتين M1  (-2,3,1)  M2 (1,3,-3)  هو:

الزاوية بين متجهين

إذا كان المتجهان a (a1, a2, a3) وb (b1, b2, b3) في الفضاء الإقليدي R3 وكانت بينهما زاوية قياسها θ حيث R00 ≤ θ ≤ 1800m   ، فيبرهن أن الجداء الداخلي للمتجهين a وb هو:a.b = |a|.|b|.cos θ ومن ثمَّ |cos θ = a.b / |a|.|b

 
 

الشكل (4)

أي θ = arccos (a.b / |a|.|b|)  (الشكل-4).

إن |b|.cos θ هو المسقط القائم للمتجه b على المتجه a

كذلك |a|.cos θ هو المسقط القائم للمتجه a على المتجه b

فالجداء الداخلي لمتجهين يساوي طول أحدهما مضروب بالمسقط القائم للمتجه الثاني عليه. ومن ثمَّ فإن مركبات متجه ما a على المحاور الإحداثية OX, OY, OZ هي i.a, j.a, k.a

مثال: لتكن النقاط A (1, 1, 1), B (3, 2, 3), C (0, -1, 1) فلحساب زاوية الرأس C في المثلث ABC، ولتكن θ، تحسب الزاوية بين المتجهين CA, CB 

وبفرض a = CA , b = CB  يكون a = OA - OC , b = OB - OC

  a = (1,1,1) - (0,-1,1) = (1,2,0) وb = (3,2,3) - (0,-1,1) = (3,3,2)

و

 a.b = (1) (3) +(2) (3) +(0) (2) = 9

وتكون 

ومن ثمَّ فإن b = 30.9º = 30º 54′

تعامد متجهين

إذا كان المتجهان a ≠ o ≠ b فإن a وb متعامدان إذا كانت الزاوية θ بينهما قائمة، أي إذا كانت cos θ = 0، أي إذا كان الجداء الداخلي للمتجهين يساوي الصفر، أي a.b = 0، أي a1b1 + a2b2 + a3b3 = 0. إذا كان أحد المتجهين a أوb صفراً فإن a.b = 0.

مثال: إن أشعة القاعدة i = (1,0,0), j = (0,1,0), k = (0,0,1) في الفضاء الإقليدي R3 متعامدة مثنى مثنى، حيث إن   i . j = j . k = k . j = 0وإن أي متجه

 a (a1, a2, a3) من R3 يكتب منسوباً إلى أشعة القاعدة i, j, k بالشكل:

 
 

الشكل (5)

معادلة مستوي في الفضاء الإقليدي

إن معادلة المستوي P المار بالنقطة M1 (x1, y1, z1) والعمودي على المتجه n (a, b, c) هي M1M.n = 0.

حيث M (x, y, z) نقطة ما من المستوي P (الشكل-5)،

أي a (x- x1) + b (y- y1) + c (z- z1) = 0 أي a x + b y + cz = d.

مثال: إن معادلة المستوي المار بالنقطة M1(-2,1,-3) والعمودي على المتجه AB حيث A (2,0,-3), B (-3, -2, 2) هي:

M(-3-2)(x +2) + (-2-0) (y-1) + (2 +3) (z+3) = 0M

M5x + 2y - 5z = 7M

الجداء المتجهي (الخارجي) vector product

الجداء المتجهي لمتجهين a (a1, a2, a3) وb (b1, b2, b3) في فضاء إقليدي R3 هو متجه

يمكن كتابته بالشكل:

   
   
 
 

الشكل (6)

الخواص الجبرية للجداء المتجهي

1) a . b = - b . a (الجداء المتجهي غير تبديلي).

2) a . (b + c) = a . b + a . c (الخاصة التوزيعية) .

3) (.(α . a) (β . b) = (α . β) (a . b وذلك أياً تكن α, β ε R

4) a , b = O إذا كان a وb متوازيين.

5) a . (λ a) = O وذلك أياً يكن a ε R3 وλ ε R.

الجداء المتجهي للأشعة i, j, k

1) i . j = k, j . k = i, k . i = j

2) j . i = - k, k . j = - i, i . k = - j

خواص المتجه P = a . b

 
 

الشكل (7)

1) المتجه P عمودي على كل من المتجهين a وb،  واتجاهه يجعل من الثلاثية [a, b, P] ثلاثية مباشرة (الشكل-6).

2) طول المتجه P يعطى بالعلاقة |P| = |a| . |b| . sin θ حيث θ هي الزاوية بين المتجهين a وb؛n00 ≤ θ ≤ 1800m   .

3) المتجه P لا يتغير بتغير الجملة الإحداثية OXYZ.

4) مساحة متوازي الأضلاع ABCD تساوي طول الجداء الخارجي للمتجهين AB وAD (أو أي ضلعين آخرين مشتركين برأس واحد) (الشكل-7).

مثال: النقاط الثلاث A (-2,3,-1), B (2,0,-5), C (-3,-1,3) هي رؤوس مثلث ABC

لحساب مساحته يحسب الجداء الخارجي للمتجهين AB وAC

AB = (2 + 2) i + (0 - 3) j + (- 5 + 1) k = 4 i - 3 j - 4 k

AC = (- 3 + 2) i + (- 1 - 3) j + (3 + 1) k = - i - 4 j + 4 k

AB . AC = (- 12 - 16) i - (16 - 4) j + (- 16 - 3) k = - 28 i - 12 j - 19 k

إن مساحة المثلث ABC تساوي

مطابقة لاغرانج

إن العلاقتين |a . b| = |a| . |b| . sin θ

و a . b = |a| . |b| . cos θ

تعطيان (a . b)2 + (|a . b|)2 = |a|2 . |b|2 أي:

وهي ما تسمى مطابقة لاغرانج.

الجداء المختلط mixed product أو the scalar triple product

إذا كانت الأشعة الثلاث a (a1, a2, a3) وb (b1, b2, b3) وc (c1, c2, c3) من الفضاء الإقليدي R3 فإن الجداء العددي a.(b . c) يدعى الجداء المختلط ويرمز له

 (a, b, c).

خواص الجداء المختلط للأشعة a (a1, a2, a3) وb (b1, b2, b3) وc (c1, c2, c3)

1)

2) a . (b . c) = b . (c . a) = c . (a . b)

3) a . (c . b) = b . (a . c) = c . (b . a) = - a . (b . c)

 
 

الشكل (8)

4) إذا توازى متجهان ( أو تساويا ) فالجداء المختلط a . (b . c) = 0

5) إذا كانت الأحرف الجانبية لمتوازي سطوح ABCDA ′B ′C ′D المنطلقة من أحد الرؤوس تساير (توازي وتساوي) الأشعة a, b, c فإن القيمة المطلقة للجداء المختلط a . (b . c) تساوي حجم متوازي السطوح ABCDA ′B ′C ′D (الشكل-8).

6) إذا كانت الأشعة الثلاث a (a1, a2, a3) وb (b1, b2, b3) وc (c1, c2, c3) واقعة في مستوٍ واحد (أو توازي مستوياً واحداً) فإن a . (b . c) = 0

معادلة مستوي يمر من ثلاث نقاط غير واقعة على استقامة واحدة

لتكن M1 (x1, y1, z1) وM2 (x2, y2, z2) وM3 (x3, y3, z3) ثلاث نقاط غير واقعة على استقامة واحدة، ولتكن     M (x, y, z) نقطة ما من المستوي M1, M2, M3 فإن الأشعة M1M, M1M2, M1M3 تقع في مستو واحد، ومن ثمَّ فالجداء المختلط لها يساوي الصفر، أي

وهي معادلة المستوي الذي يمر من ثلاث نقاط غير واقعة على استقامة واحدة.

مثال: لإيجاد معادلة المستوي المار بالنقاط الثلاث A (-2,3,.-1), B (2,0,-5), C (-3,-1,3)

تؤخذ نقطة ما M (x, y, z) من هذا المستوي ثم تكتب المعادلة

ينتج من نشر المحدد n(-12 - 16) (x + 2) - (16 - 4) (y - 3) + (-16 -3)  (z + 1) = 0

أي إن معادلة المستوي هي:

v28x + 12y + 19z = -39

أنور توفيق اللحام

مراجع للاستزادة:

ـ أنور اللحام وزملاؤه، الجبر الخطي (منشورات جامعة دمشق، 1998).

- D.W.JORDAN & P. SMITH, Math­ematical Techniques (Oxford 2002).


التصنيف : الرياضيات و الفلك
النوع : علوم
المجلد: المجلد الرابع عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 548
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1090
الكل : 40497012
اليوم : 26827

تقي الدين محمد بن معروف

تقي الدين محمد بن معروف (نحو 932 ـ 993هـ/1525 ـ 1585م)   تقي الدين محمد بن معروف بن أحمد، عالم فلكي، وراصد رياضي ومهندس ميكانيكي، اشتهر أوائل الحكم العثماني. ورد اسمه كاملاً ومدوناً بخط يده على مخطوط له عنوانه «الطرق السنية في الآلات الروحانية». يرجع في نسبه إلى الأمير ناصر الدين منكويرس، ابن الأمير ناصح الدين خمارتكين. أشارت معظم المراجع إلى أنه من مواليد مدينة دمشق، ثم انتقلت أسرته إلى مصر، حيث استقرت فيها. نشأ تقي الدين في بيت علم ودين، فقد كان والده قاضياً في مصر. ودرس هو علوم عصره، وأصبح قاضياً مثل أبيه. تحدث عن نفسه في أحد مؤلفاته، وهو «سدرة منتهى الأفكار في ملكوت الفلك الدوار» فقال: «ولما كنت ممن ولد ونشأ في البقاع المقدسة، وطالعت الأصلين «المجسطي»، و«كتاب إقليدس في الأصول» أكمل مطالعة، ففتحت مغلقات حصونها، بعد الممانعة والمدافعة. ورأيت ما في الأزياج المتداولة (الجداول الفلكية) [ر] من الخلل الواضح، والزلل الفاضح، تعلق البال والخلد بتجديد تحرير الرصد». وهذا يدل على أن تقي الدين قد اطّلع على الكتب العربية التي وردت فيها الأرصاد والحسابات الفلكية والأزياج فسعى لإصلاحها. واستخرج زيجاً وجيزاً مستعيناً بأبحاث أَلُغ بك، كما ذكر في كتابه «الدر النظيم في تسهيل التقويم». ويبدو من أقوال تقي الدين، التي وردت في كتابه «الطرق السنية في الآلات الروحانية» أنه زار اصطنبول، مع أخيه عام 953هـ/1546م. وربما كان ذلك بحكم وظيفته، أو رغبة في طلب العلم.  وفي تلك المدينة قام بمشاركة أخيه بتصميم آلة لتدوير سيخ اللحم على النار، فيدور من نفسه من غير حركة الحيوان. عمل تقي الدين في خدمة الوالي علي باشا، الذي كان يحكم مصر من قبل السلطان سليمان القانوني، بدءاً من عام 956هـ/1549م. فأهداه كتابين من مؤلفاته وهما «الطرق السنية في الآلات الروحانية»، و«الكواكب الدرية في البنكامات الدورية». وجاء في كتاب «كشف الظنون» أنه في عام 975هـ/1568م ألف تقي الدين كتاب «ريحانة الروح في رسم الساعات على مستوى السطوح» في قرية من قرى نابلس. ثم شرحها العلاّمة عمر بن محمد الفارسكوري شرحاً بسيطاً بإشارة من المصنف، وسماها «نفح الفيوح بشرح ريحانة الروح»، وفرغ منها في ربيع الأول 980هـ، ولها ترجمة إلى اللغة التركية موجودة نسخة منها في المكتبة الظاهرية بدمشق. رحل تقي الدين بعد ذلك إلى اصطنبول، حيث تقرّب من الخواجه سعد الدين، معلّم السلطان، وصار من خواصه الملازمين. ونظراً لبراعة تقي الدين في العلوم الفلكية دعمه الخواجه سعد الدين ليكون رئيساً للمنجمين في أواخر حكم السلطان سليمان، وكان ذلك عام 979هـ/1571م. كان تقي الدين يرغب في إنشاء مرصد في اصطنبول، على غرار مرصد مراغة، الذي أنشأه أَلُغ بك، لذلك قدّم تقريراً للسلطان، عن طريق الصدر الأعظم محمد باشا، ووساطة الخواجه سعد الدين، وشرح في تقريره أن الجداول الفلكية الموجودة صارت غير قادرة على إعطاء معلومات صحيحة، لذلك صارت الحاجة ملحة لعمل جداول فلكية تستند إلى أرصاد جديدة. استجاب السلطان لطلب تقي الدين، وبدأ بإنشاء المرصد أوائل عام 983هـ/1575م، وانتهى بناؤه وتجهيزه بالأجهزة والأدوات بعد ذلك بعامين. وحدث في ذلك الوقت ظهور مذنب في سماء اصطنبول، ولما شاهده تقي الدين في مرصده تقدم بالتهنئة للسلطان، متنبأ له بالنصر على الفرس، الذين كانوا في حرب مع الدولة العثمانية. وقد تحقق ذلك النصر، لكنه لم يكن مجرداً من الخسائر الفادحة. كما أن وباء الطاعون انتشر انتشاراً واسعاً في ذلك الوقت. فانتهز الفرصة قاضي زاده شيخ الإسلام هو وجماعته المنافسون للصدر الأعظم وللخواجه سعد الدين، وشنوا حملة معادية لإنشاء المرصد، ونجحوا بإقناع السلطان بهدمه، فتم لهم ذلك في عام 1580م. كان السلطان مراد قد كافأ تقي الدين، عقب إنشائه المرصد، فمنحه راتب القضاة، كما منحه قطائع درت عليه دخلاً كبيراً. إلا أن هدم المرصد كان له تأثير سيء في نفس تقي الدين، وقد توفي بعد ذلك بخمس سنوات، ودفن في مدينة اصطنبول. كان تقي الدين، كما يقول عن نفسه، في كتابه «الكواكب الدرية في البنكامات الدورية»، مغرماً منذ حداثته بمطالعة كتب الرياضيات، إلى أن أتقن الآلات الظلية والشعاعية علماً وعملاً، واطلع على نسب أشكالها وخطوطها. كما اطّلع على كتب الحيل الدقيقة والميكانيك، ورسائل علم الفرسطون والميزان وجر الأثقال. وكان يتقن معرفة الأوقات ليلاً ونهاراً، معتمداً على عدة أشكال من الآلات، وخاصة البنكامات الدورية (الساعات). وقد دوَّن فن الساعات الميكانيكية ومبادئها، وذكر عدداً من الآلات التي اخترعها. ولكي يبرهن على مدى تقدمه في العلوم الرياضية، ورغبته في نشر المعرفة، وضع عدة مؤلفات، منها رسالة «بغية الطلاب في علم الحساب»، وكتاب في الجبر عنوانه «كتاب النسب المتشاكلة». وكتاب في الفلك عنوانه «سدرة منتهى الأفكار في ملكوت الفلك الدوّار». وسجل في كتابه الأخير المشاهدات الفلكية التي حققها في مرصد اصطنبول. ووصف الآلات التي استعملها فيه، وماكان منها من مخترعاته، محتذياً في ذلك حذو العلامة نصير الدين الطوسي الذي كان يعدّه المعلم الكبير. كان تقي الدين وافر الإنتاج العلمي، قام بتصنيف عدد من الرسائل والكتب، ولما يزل أكثرها مخطوطات محفوظة في عدة مكتبات عالمية. وفي عام 1976 قام أحمد يوسف الحسن بتحقيق ودراسة مخطوط «الطرق السنية في الآلات الروحانية»، ونشره مصوراً في كتاب عنوانه «تقي الدين والهندسة الميكانيكية العربية»، وبين بالرسم والشرح شكل وعمل الآلات التي وردت في هذا الكتاب، وقال: «إن أهمية كتاب الطرق السنية في أنه يكمل حلقة مفقودة في تاريخ الثقافة العربية، وتاريخ الهندسة الميكانيكية». أما موضوعات الكتاب فتشمل مقدمة وستة أبواب. تكلم تقي الدين في مقدمة هذا الكتاب على الآلة المعروفة بحق أو علبة القمر، وهي مشابهة في تركيبها للساعات الميكانيكية. وفي الباب الأول: تكلم على أربعة أصناف من البنكامات، وهي ساعات رملية أو مائية، مما عرفه العرب في مطلع حضارتهم. وفي الباب الثاني: ذكر ثلاث آلات لجر الأثقال. وفي الباب الثالث: وصف أربع آلات لرفع الأثقال ومثلها لرفع الماء. وفي الباب الرابع: تكلم على عمل آلات الزمر الدائم والنقارات (ثلاثة أنواع) والفوارات المختلفة الأشكال (أربعة أنواع). وفي الباب الخامس ذكر أنواعاً شتى من آلات طريفة (أحد عشر نوعاً). وفي الباب السادس: وصف لسيخ اللحم الذي يدور بصورة آلية على البخار.   محمد زهير البابا   مراجع للاستزادة:   ـ بنو موسى بن شاكر، الحيل، تحقيق أحمد يوسف الحسن (معهد التراث العلمي العربي، حلب). ـ تقي الدين، الطرق السنية في الآلات الروحانية، تحقيق أحمد يوسف الحسن (معهد التراث العلمي العربي، حلب).
المزيد »