logo

logo

logo

logo

logo

فاغنر (ريشارد-)

فاغنر (ريشارد)

Wagner (Richard-) - Wagner (Richard-)

ڤاغنر (ريشارد -)

(1813-1883)

 

 

ريشارد ڤاغنر Richard Wagner مؤلف موسيقي وقائد أوركسترا ألماني، ولد في لايبزيغ وتوفي في البندقية (إيطاليا). وهو ابن كاتب في سلك الشرطة توفي بعد ستة أشهر من ولادة ريشارد الذي لم يكن قد تجاوز السنتين حين تزوجت والدته من الممثل الرسام الكاتب لودفيغ غاير L.Geyer الفنان الموهوب الذي قدم ما في وسعه لإسعاد الطفل ريشارد وتثقيفه، لكنه توفي ولم يتجاوز ڤاغنر الثامنة من عمره.

أمضى ڤاغنر طفولته في مدينة درسدن وأبدى ولعاً كبيراً باللغة والأساطير اليونانيتين، وميلاً إلى المطالعة الأدبية والفلسفية وأعلامهما مثل شكسبير وغوته.

بدأ ڤاغنر عام 1824 بدراسة العزف على البيانو بإشراف هومَن Humann، وقام عام 1826 بمحاولته الأولى لتأليف تراجيديا. ومع اطلاعه على موسيقى بتهوفن[ر] Beethoven وفيبر[ر] Weber قرر عام 1828 التفرغ لدراسة الموسيقى، فتلقى دروس التأليف مع فاينليغ Th.Weinlig، وقدم تجاربه الأولى في التأليف الموسيقي عام 1832 بسـمفونية[ر] symphony من أربع حركات، وأوبرا «الزفاف». حصل ڤاغنر عام 1833 بمساعدة أخيه على وظيفة قائد كورال في دار أوبرا فورتسبورغ Würzburg، وقام بمحاولته الثانية في مجال الأوبرا بتأليف أوبرا «الجنيات» Die Feen. وفي عام 1834 قرر احتراف قيادة الأوركسترا وتنقل في بعض المدن الألمانية حيث تعرف زوجته الأولى مينّا بلانر Minna Planer. وانتقل إلى بلدة ريغا Riga وعُيِّن فيها قائد أوركسترا، وبدأ تأليف أولى أوبراته الكبيرة «رينزي» Rienzi. تعرضت سفينته إلى عاصفة هوجاء في أثناء رحلته إلى إنكلترا، واستمع فيها إلى أحاديث البحارة ورواياتهم عن سفينة شبح تسمى سفينة «الهولندي الطائر»، أغنتها أحاديث الشاعر هـ. هاينه.

سافر ڤاغنر إلى باريس آملاً تحقيق النجاح والشهرة والثراء، لكنه لم يجد إلا حياة التقشف والوظائف الصغيرة في انتظاره إضافة إلى الدعم المزيف من قبل المؤلف الموسيقي مايربير Meyerbeer، وتجاهل الجمهور، لكنه تمكن من إنهاء تأليف «رينزي» (1840)، وأوبرا «الهولندي الطائر» (1841). وبعد سلسلة طويلة من الإخفاقات قرر مغادرة فرنسا إلى درسدن حيث قدمت أوبرتاه «رينزي» و«الهولندي الطائر» بنجاح كبير، مما مهد له الطريق للتقرب من بلاط سكسونيا، فعين مدير موسيقى البلاط عام 1843. وفي السنوات الست التي قضاها في درسدن نشط ڤاغنر قائدَ أوركسترا، وأحيا عدداً من الأمسيات الموسيقية الناجحة قدّم فيها سمفونيات بتهوفن بإتقان فائق مما زاد في شهرته قائدَ أوركسترا مجدداً.

أنهى ڤاغنر تأليف أوبرا «تَنْهويزر» Tannhäuser وقدمها بنجاح عام 1845، وانتهى من تأليف أوبرا «لوهِنغرين» Lohengrin عام 1848، إلا أن تقديمها تأخر. وتقدم ڤاغنر بمجموعة اقتراحات إصلاحية لرفع السوية الفنية لأوركسترا العاصمة السكسونية ومسرحها داعماً اقتراحاته بمبررات سياسية لم تلق استحسان البلاط السكسوني، وعُد شخصية ثورية لا توحي بالثقة. وتطورت الأحداث على خلاف ما توقعه ڤاغنر مما دفعه إلى الانضمام إلى حشود المتمردين في درسدن (أيار/مايو 1849) وانتهى به الأمر إلى الهروب إلى سويسرا إثر صدور مذكرة توقيف بحقه.

تفرغ ڤاغنر في أثناء إقامته في زيوريخ للكتابة الأدبية مثل «الفن والثورة» Die Kunst und die Revolution، و«العمل الفني المستقبلي» Das Kunstwerk der Zukunft و«اليهودية في الموسيقى» Das Judentum in der Musik، و«الأوبرا والدراما» Oper und Drama. وبدأ في عام 1851 بكتابة نص أوبرا «زيغفريد الشاب». ومع تقدمه في كتابة «زيغفريد» أحس ڤاغنر بضرورة الارتقاء بمضمون الأوبرا إلى إنجاز أكثر شمولية ضمّه «حلقة خاتم النيبلونغ» Der Ring des Nibelungen. وعندما انتهى من صياغة نص الأوبّرات الأربع لهذه «الحلقة» في عام 1852، تعرف ڤاغنر الزوجين أوتو وماتيلد فَيزِنْدونك Wesendonk اللذين قدما كل ما في وسعهما من دعم مادي وإمكانية الإقامة للتخفيف من وطأة المنفى عنه.

أنهى ڤاغنر تأليف موسيقى أوبرا «ذهب الراين»Das Rheingold في عام 1854 وباشر تأليف موسيقى أوبرا الـ«فالكورِه» Die Walküre التي أتمها في عام 1856. وفي الأجواء الساحرة المحيطة بمسكنه قرب آل فيزندونك، بدأ عام 1858 تأليف موسيقى الفصل الأول من أوبرا «تريستان وإيزولدِه» Tristan und Isolde، وأغان على قصائد لماتيلدِه فيزندونك، وبدأت مشاعر الإعجاب بماتيلدِه Mathilde بالتحول إلى عواطف حب طاهر يشتعل في أعماق ڤاغنر. إلا أنه حين بدأت الشهوات تعصف به سارعت زوجته الغيورة مينّا إلى إثارة فضيحة كبيرة أعادت العاشقين إلى جادة الصواب، فأنهيت العلاقة تفادياً لنهاية مبتذلة ومخجلة. وفضّل ڤاغنر مغادرة زوريخ إلى البندقية مبتعداً عن مينّا وماتيلدِه وضوضاء الفضيحة.

أنهى ڤاغنر تأليف موسيقى الفصل الثاني من «تريستان وإيزولدِه» في البندقية، وسرعان ما غادرها إلى بحيرة لوتسِرن Luzern في سويسرا حيث أنهى الفصل الثالث من الأوبرا. ومع حلول فصل صيف 1860 سُمح لڤاغنر بالعودة إلى ألمانيا (عدا إمارة سكسونيا)، فقام في عامي 1862-1863 بجولات موسيقية متنقلاً بين بعض المدن الألمانية وڤيينا وبراغ وموسكو وبودابست. إلا أن الإخفاق المادي ظل يلاحقه حيثما حل وتراكمت الديون عليه واحتدت مطاردات الدائنين؛ إلا أن ڤاغنر لم يعان العزلة والحرمان العاطفيين بعد افتراقه عن زوجته وابتعاده عن عشيقته ماتيلدِه، فالعنصر النسائي ظل ملازماً لتنقلاته المتواصلة مأسوراً بسحره وقدراته الذاتية الخارقة في اجتذاب المرأة. بدءاً من مغامراته العاطفية الأولى وانتهاءً بكوزيما ليست Cosima Liszt (ابنة المؤلف الهنغاري فرانتس ليست) زوجة صديقه الوفي هانز فون بولو Hans von Bülow، التي استأثر بحبها حتى غدت له عشيقة معلنة، ورزق منها بطفلتين قبل أن تنفصل عن زوجها.

وفي ربيع عام 1864 ابتسم الحظ له أخيراً بتدخل ملاكه الحارس، ملك بافاريا الشاب لودفيغ الثاني Ludwig II، الذي انتشله من البؤس والشقاء والمطاردة مسدداً كل ديونه من صندوق البلاط، ومقدماً له السكن المريح مع صديقته كوزيما في بلدة ستارِنبورغ Starnburg (قرب ميونيخ). ولم يتوان الملك عن تبني فكرة إنشاء المسرح المثالي الذي حلم به ڤاغنر، إلا أنه مع احتداد الصراعات الحزبية حول لودفيغ الثاني وتزايد الحسد والنميمة حول ڤاغنر، شن البلاط حملة مدروسة لإبعاده عن الملك موقناً أن تدخلاته أحد أسباب الضياع الذي يتخبط فيه الملك. اضطر ڤاغنر إلى الرحيل إلى تريبشن Tribschen المطلة على بحيرة لوتسرن مستعيداً حيويته الإبداعية بتأليف أوبرا «أساطين الغناء في نورمبرغ» Die Meistersinger von Nürnberg والجزأين الأخيرين من «خاتم النيبلونغ». ولم تنقطع في السنوات الست لإقامته الثانية في سويسرا زيارات الملك لودفيغ الثاني له ومساعداته، فقرر الملك تحقيق حلم تأسيس دار الأوبرا المتخصصة بأعمال ڤاغنر في بلدة بايرويت Bayreuth. وانتقل ڤاغنر عام 1872 إلى مدينة المهرجان «بايروت» ليراقب عن كثب تشييد مسرحه الذي اكتمل بناؤه بعد أربع سنوات. وتم افتتاح المهرجان الأول في صيف 1882، وفي هذه الفترة ألَّف ڤاغنر آخر أوبراته «بارسيفال» Parsifal. ومع تشبثه الصادق بزوجته كوزيما فقد منح نفسه نفحة عاطفية أخيرة ينعش بها شيخوخته وذلك بإقامة علاقة غرامية وداعية مع الفاتنة الفرنسية جوديت غوتييه J.Gauthier قبل أن تنتهي أيامه في البندقية.

لعل الجاذبية الكبيرة التي تتمتع بها الذهنية الألمانية تكمن في فكرها التركيبي، فالميل الغريزي لتجميع المعارف ودمجها وصهرها لم تكن غائبة عند ڤاغنر، الشاعر والكاتب المسرحي والفيلسوف والمفكر السياسي والاجتماعي والمؤلف الموسيقي والمخرج. لقد التقت في شخص هذا الفنان المفكر جميع مقومات التفوق الذهني والإرادة لتحقيق رسالة سامية سخَّر نفسه لها، ولم تتمكن التحديات مهما اشتدت من إرغامه على التخلي عنها.

تعمق ڤاغنر في دراسة الفلسفة الألمانية وبعض أعلامها ولاسيما شوبنهاور Schopenhauer، وتولدت لديه قناعة راسخة بتوقد شعلة ربانية في أعماقه، ائتمن عليها ولابد من الحفاظ على استمرارها مهما بلغت تجاوزاته لأعراف عصره وقوانينه، مما يفسر غياب ضميره ومغامراته في تصرفاته مع أصحابه وزوجاتهم. ولم يتورع هذا المستجدي المتكبر من تسخير مؤيديه لخدمته، إذ كان على قناعة تامة بمقولته «البشر مدينون لي بكل ما أحتاجه». ووجد من الطبيعي أن يستدين المال منهم إلى ما لا نهاية طالما أنه على يقين بأنه سيسدد ما أخذ بإنجازات فنية في غاية الكمال.

أثارت الحركة الڤاغنرية مناظرات حماسية حول مضمون أوبراتها خاصة في مرحلة «تريستان» وما بعدها، لأهمية القضايا الفكرية والفنية التي أثارتها، ولصدق تناولها للقضايا الاجتماعية في عصرها وعمقها، ولتكهناتها حول أخطار اليهودية الألمانية ولرفضها ومعاداتها العلنية للفكر اليهودي بشقيه الفني والسياسي. كتب ڤاغنر في أحد مؤلفاته الأدبية: «كبداية لابد من تحرير ألمانيا من تطلعاتها الغامضة وإخلاء أرضها من الأبالسة - ومعظمهم من اليهود - الذين وفدوا إليها مع عصر التنوير المسيحي، وبذلك يمكن إقامة مهد الحضارة الجديدة حيث ينهض الشعب ويستعيد صحوته وتتعاقب الأجيال في عصر مجيد».

أما من الناحية الموسيقية فقد أحدث ڤاغنر تطوراً كبيراً في أساليب تأليف النص الأوبرالي وصياغته من جهة، والتوزيع الأوركسترالي من جهة أخرى، مانحاً العزفَ المرافق للغناء أبعاداً سمفونية في غاية التنوع والتلون، إذ تتطلب الدراما الموسيقية عند ڤاغنر حضوراً ومشاركة دائمين من الأوركسترا في أثناء تقلبات الأحداث على خشبة المسرح. فقد حرر ڤاغنر الموسيقى من الانضباط الهندسي في تأليف الأوبرا التقليدية القائمة على تناوب الآريا aria (الأغنية)، والإلقاء المنغم، والغناء الجماعي والتكرار، وذلك بابتكاره لما عرف بـ«اللحن الدال» leitmotiv. وتسللت الأوركسترا إلى خفايا العاطفة الدرامية إذ تحدّر «اللحن الدال» من نص الحوار معبراً عن التلاؤم المثالي بين الكلمة واللحن والاندماج المنطقي لكل مكونات الدراما. وبذلك حقق ڤاغنر غايته المنشودة، إذ لم يعد المسرح الغنائي قادراً على الارتداد إلى الماضي والتواصل مع أساليبه المتحجرة.

وأولى ڤاغنر اهتماماً خاصاً لإغناء قسم النحاسيات[ر. الآلات الموسيقية] في الأوركسترا إذ أضاف عدداً من الأبواق الجديدة الهادرة، كالترومبيت والترومبون والتوباتينور والتوبا الجهيرة، ليحقق تنوعاً رائعاً وخلفية قائمة تستند إليها أوركسترا أوبراته الأخيرة الزاخرة بالمواقف البطولية والدلالات الخفية ذات الصبغة الأسطورية. وقد أبرز ڤاغنر دور «اللحن الدال» في أوبراته إذ أسهم في إظهار التطور الدرامي بتحوله وتقلبه وفق متطلبات الظروف وضروراتها والمواقف الدرامية في فصول الدراما الموسيقية ومشاهدها.

يلاحظ الدارسون لتطور أسلوب ڤاغنر أنه مع تمرسه في فن تأليف الأوبرا وبلوغ إتقانه لعلوم «الطباق» (الكونتربوان) counterpoint و«الانسجام»[ر] (الهارموني) harmony حد الكمال؛ ظهر في مؤلفاته شيء من التحويل المقامي modulation، كما أنه مع تقدمه في التأليف زادت هذه التحويلات إلى جانب اعتماده المتزايد السلالم الملونة[ر. الموسيقى] chromatic فأصبح كل مقطع مستقلاً نسبياً عن سابقه، وتنقلت الألحان الدالة بحرية بين المقاطع المتعاقبة مانحة النسيج الموسيقي حيوية دائمة.

توفي ريشارد ڤاغنر مخلفاً إرثاً موسيقياً عظيماً يضم 12 أوبرا ودراما موسيقية جميعها مهمة، وبعض القطع الموسيقية والغنائية المختلفة، وبعض المؤلفات الأدبية، إضافة إلى سمعة ترتبط بسيرة حياة مضطربة تحرج في كثير من مواقفها جمهوره وأنصاره. ولم يحجب ڤاغنر تفاصيل حياته عن جمهوره إذ أصر على تدوين سيرته بتفصيل دقيق في مجلد ضخم بعنوان «حياتي». ومهما اشتدت وتراكمت انتقادات خصومه التاريخيين حول شخصه فلا يمكن إلا تذكر ما قاله صديقه المطعون هانز فون بولو، بعد حضوره لأحد عروض «تريستان وإيزولد»: «من يؤلف مثل هذه الموسيقى العظيمة، فجميع أفعاله تغتفر».

من أهم مؤلفاته للأوركسترا: «أنشودة زيغفريد الريفية» (1870). وكتب بعض القطع للجوقة الغنائية، وأغنيات مختلفة، وبعض القطع الموسيقية للبيانو، ومن أهم مؤلفاته النظرية:

«في الموسيقى الألمانية» (1840)، و«حول قيادة الأوركسترا» (1869)، و«الدين والفن» (1880)، و«حياتي» (1865-1880).

واهي سفريان

الموضوعات ذات الصلة:

 ألمانيا (الموسيقى في ـ) ـ الأوبرا.

مراجع للاستزادة:

ـ ألفريد آينشتاين، الموسيقى في العصر الروماتيكي، ترجمة أحمد حمدي (الهيئة المصرية للكتاب، القاهرة 1973).

- M.KENNEDY, The Concise Oxford of Music (Oxford Univ. Press, N.Y 1989).


التصنيف : الموسيقى والسينما والمسرح
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد الرابع عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 231
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 622
الكل : 31849915
اليوم : 49458

الإتريوم

الإتريوم   الإتريوم Yttrium عنصر معدني يرافق عناصر الأتربة النادرة [ر] في الطبيعة، وهو ذو لون رمادي غامق وقابل للالتهاب عندما يكون مسحوقاً. رمزه الكيمياوي Y، وعدده الذري 39، ووزنه الذري 88.905. اكتشفه يوهان غادولين  J.Gadolin   (1760-1852) عام 1843 في فلز من السيليكات قرب إِتِرْبى Ytterby في السويد، وسمي الفلز بعدئذ غادولينيت. ويستحصل الإتريوم حراً بإرجاع كلوريده اللامائي بالصوديوم أو بالتحليل الكهربائي لصهارة مزيج كلوريده مع الصوديوم.
المزيد »