أسعد باشا (خان-) /دمشق
اسعد باشا (خان) /دمشق
As'ad Pâshâ (Khân-) /Damascus - As'ad Pâshâ (Khân-) /Damas
أسعد باشا (خان -) / دمشق
يقع خان أسعد باشا العظم في مدينة دمشق القديمة داخل السور، جنوب الجامع الأموي، حيث يطل بواجهته الكبيرة على سوق البزورية، ومن الجهة الجنوبية على سوق الورق.
ويعد خان أسعد باشا العظم من أجمل الخانات العثمانية، حيث تؤرخه الكتابة التي تعلو مدخله بسنة 1166هـ/1752-1753م حين أمر والي دمشق العثماني أسعد باشا بن إسماعيل باشا العظم ببناء هذا الخان، وقد استغرق بناؤه سنة وشهرين، وبعد ستة أعوام من بناء الخان وقع الزلزال الشهير الذي ضرب مدينة دمشق ومدن سورية أخرى، وإثر هذا الزلزال سقطت ثلاث قباب في خان أسعد باشا.
![]() ![]() | |
مخطط لمدية دمشق القديمة وموقع خان أسعد باشا العظم فيها |
وكان الخان محطةً دمشقيةً بارزةِ للاستراحة والإقامة تفد إليها القوافل، ومثالاً نموذجياً للمباني الاستعمالية في كل تفاصيلها، وقد استمرت وظيفة الخان حتى بداية القرن العشرين حين انتقلت ملكيته إلى التجار، فاستخدموه لتخزين بضائعهم حتى بداية الثمانينات حين أخلي الخان من شاغليه بعد صدور قرار استملاكه لمصلحة وزارة الثقافة، المديرية العامة للآثار والمتاحف عام 1976م، والتي قامت بدورها بترميمه وإعادة تأهيله، حيث أصبح اليوم منبراً ثقافياً لكثير من الفعاليات الثقافية والفكرية وقبلة سياحية لكل الزائرين الذين يقصدون سورية.
![]() |
مسقط أفقي للطابق الأرضي |
![]() |
مسقط أفقي للطابق الأول |
وتتجلى روعة العمارة العربية الإسلامية في هندسة خان أسعد باشا بالرغم من تأثرها بطابع العهد العثماني، حيث يلاحظ تفضيل العمارة الداخلية على العمارة الخارجية، من حيث غنى المبنى بالعديد من العناصر المعمارية والزخرفية كالجدران والسواكف والأفاريز والأعمدة والقباب والنوافذ والأبواب والبركة والفسقية، وقد تم بناء الخان بإتقان وعناية فائقتين.
![]() | ![]() | |
خان أسعد باشا في دمشق | قباب خان أسعد باشا في دمشق - من الأعلى |
وتعد واجهة خان أسعد باشا الغربية الرئيسية المطلة على سوق البزورية من أجمل واجهات المباني الأثرية في سورية وذلك لغناها بالزخارف، وهي واجهة حجرية فخمة تتألف من حُجر رأسي واسع معقود بالمقرنصات والدلايات الحجرية وتنتهي في أعلاها بصدفة، وتحتوي هذه الواجهة على بوابة ضخمة تتألف من مصراعين من الخشب المصفح بالحديد في أحدهما باب صغير (باب خوخة)؛ كان يفتح في الليل ليتيح الدخول للأشخاص المقيمين في الخان، ويعلو الباب واجهة مؤلفة من خطوط هندسية جيدة النحت تحتوي على النقش الذي يؤرخ تأسيس الخان، ويوجد على جانبي البوابة من الخارج كوتان داخل كل منهما سبيل ماء، وتؤدي بوابة الخان إلى دهليز داخل الخان مسقوف بعقود متصالبة تزينها زخارف جصية، وعلى جانبي الدهليز يوجد درجان حجريان يصعدان إلى الطابق العلوي، وينتهي المدخل بقنطرة واسعة مفتوحة على صحن الخان.
![]() |
المقرنصات أعلى باب الدخول لخان أسعد باشا |
ولمسقط الخان الأفقي شكل متناظر شبه مربع يشغل مساحة تبلغ تقريباً 2500 متر مربع، وبالولوج إلى صحن الخان يوجد باحة مربعة الشكل طول ضلعها 27 متراً، وهي مبلطة بالحجر البازلتي الأسود، تتوسطها بحرة كبيرة مضلعة الشكل في وسطها فسقية، تعلوها فتحة مركزية سماوية رممت عام 2005م ضمن مشروع ترميم ضخم قامت به المديرية العامة للآثار والمتاحف، حيث زودت بسقف مسطح معدني مزجج وقابل للفتح والإغلاق هيدروليكياً بوساطة محركات خاصة لهذا الغرض.
ويحيط بالبحرة أربع دعامات حجرية ضخمة تحمل أقواس القباب الثمانية المتماثلة التي تغطي الخان، أي إن قباب الخان التسع هي من أصل هندسة الخان المعمارية، وقد أعيد بناء القباب المتهدمة بفعل الزلزال في مشروع الترميم المذكور أعلاه، وتضم كل قبة (16) ضلعاً في كل منها نافذة خشبية معشقة مع الجبس والزجاج, وقد زودت بمنور خشبي لتأمين إنارة إضافية للخان، وهنا يكمن الانسجام في توزع الضوء والظل في جوانب الخان، وأما جدرانه المطلة على الباحة فتتناوب مداميكها بين اللونين الأبيض والأسود (الأبلق) وتربط بينها المونة الكلسية التقليدية، والقسم العلوي من هذه الجدران مؤلف من أقواس رواق الطابق الأول وعددها اثنتا عشرة قوساً وتتميز بأبعادها ذات الانسجام المعماري الكبير، ويلاحظ وجود تناظر هندسي بين قباب الوسط والزوايا والفتحة السماوية.
ويحيط بصحن الخان غرف ومخازن موزعة على طابقين حيث يحتوي الطابق الأرضي على ثلاثة وعشرين جناحاً مستقلاً ثنائياً أو ثلاثياً، ويتألف كل جناح من غرفة أمامية أبعادها الوسطية (3.5×6) متراً، وكانت تستخدم مكتباً، ويليها في الداخل غرفة أو غرفتين أبعادها الوسطية (4×6) متراً وكانت تستخدم مخازن للبضاعة، وتطل هذه الأجنحة مباشرة على صحن الخان، ما عدا تلك التي تقع في زاوية البناء فإنها تتصل بالصحن بوساطة ممر ضيق مسقوف، والجدير بالذكر أن هذا التخطيط المعماري المميز لخان أسعد باشا العظم لا يشبه إطلاقاً ما كانت عليه الخانات في العهود السابقة، بل هو أشبه بتصميم القصور الأموية كقصر الحير الغربي على سبيل المثال.
![]() |
أحد أبواب خان أسعد باشا في دمشق |
وللخان مسجد من جهة الشمال الغربي للبناء فُصل عنه، وجُعل له مدخل مستقل من سوق البزورية. وقد ذكر ولتسينجر Wulzinger وكارل واتسينجر C. Watzinger أن المسجد المذكور كان موجوداً قبل بناء الخان، وقد حافظ مصمم الخان على هذا المسجد، وجعل له باباً منفصلاً يطل على سوق البزورية مباشرة.
للمسجد مدخل من الجهة الغربية له باب صغير تعلوه قوس حجرية تظلله مئذنة خشبية صغيرة تبرز عن سمت جدار الخان الغربي، يوصل الباب إلى دهليز يفضي إلى حرم للصلاة مستطيل مسقوف بقبوة برميلية مدببة، يتم الصعود من الحرم إلى مصطبة عبر ثلاث درجات، هذه المصطبة مستطيلة الشكل مسقوفة بقبوة برميلية مدببة تحتوي على مقامين أحدهما للصحابي عبيد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، والثاني للعارف بالله الشيخ محمد البزوري.
إن مخطط المسجد يبين بوضوح أنه لا يتبع أي مخطط للمساجد من جهة مكوناتها الرئيسية.
أما بالنسبة إلى الطابق الأول: فيؤدي إليه درجان متقابلان في دهليز المدخل، وهو يتألف من رواق مسقوف بعقود متقاطعة ويطل على صحن الخان من الجهات الأربع، ويلي الرواق من الداخل غرف صغيرة متماثلة تبلغ أبعادها الوسطية 3.5×5 متراً وعددها أربع وأربعون غرفة، ولكل غرفة شباك مستطيل الشكل مفتوح في الواجهة المطلة على الرواق، وكانت هذه الغرف تستخدم سابقاً لمبيت الغرباء من التجار، وقد تمَّ بناء أسقف غرف الخان على شكل عقود متصالبة، أو قبوات نصف أسطوانية زُوّد معظمها بمحاريب وكتبيات جدارية تم إكساؤها جميعاً بالطينة والكلسة التقليدية، وتتميز الغرف بأنها ذات أبواب ونوافذ خشبية مزودة بحمايات حديدية مازالت تحتفظ بأصالتها حتى اليوم.
لقد كان خان أسعد باشا محط إعجاب الشاعر الفرنسي لامارتين الذي زاره عام 1823م وقال عنه: "خان أسعد باشا قطعة معمارية ذات غنى بالتفاصيل الفخمة التي لا نظير لها في العالم، وتتمثل فيه العمارة العربية الإسلامية بشكل كامل"، ولا يزال الخان حتى اليوم قبلة للزوار ومنارة فنية لامعة في سماء العمارة الإسلامية.
بشرى عبده
مراجع للاستزادة: - عبد القادر الريحاوي، "مقال خانات مدينة دمشق"، مجلة الحوليات الأثرية العربية السورية، المجلد الخامس والعشرون (دمشق 1975)، ص ص. 47-82. - كارل ولتسينجر وكارل والتسينجر، الآثار الإسلامية في مدينة دمشق، تعريب: قاسم طوير (دمشق 1984).
|
- التصنيف : آثار إسلامية - النوع : مباني - المجلد : المجلد الأول، طبعة 2014، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 418 مشاركة :