حوليات
Annals - Annales (Ies)

 الحوليات

الحوليات

 

الحوليات Annals هي التسجيلات التي دأب على تدوينها ملوك بلاد الرافدين على الألواح الطينية أو الأنصاب الحجرية افتخاراً بفتوحاتهم وأعمالهم الحربية والعمرانية، منذ عصر السلالات الباكرة الثالث (نحو منتصف الألف الثالث ق.م)، تطورت لاحقاً وخاصة خلال العصر الآشوري الوسيط ثم الحديث من مجرد إيراد عبارات بسيطة إلى مادة غنية فيها الكثير من التفاصيل التي تتحدث عن الحملات العسكرية التي كان يشنها هؤلاء الملوك على المناطق المجاورة، وتضمنت أسماء آلهة ومدن وملوك وحكام وأشخاص وهدايا ومنجزات معمارية. وقد اعتمد الملوك في تأريخ سيرهم الرجوع لسنة توليهم الحكم، وكأنها بداية التاريخ بالنسبة إلى كل واحد منهم، فيسرد أحداث السنة الأولى ثم الثانية فالثالثة وهكذا. في الوقت الذي انطلق آخرون من حادثة معيّنة وقعت في إحدى سنوات حكمهم مستخدمين الأسلوب نفسه، وأحياناً تم استخدام الطريقتين معاً، في الوقت الذي استخدم ملوك الدولة الآشورية طريقة إطلاق أسماء أحد الولاة أو الوزراء أو القادة المميزين على كل سنة من سنوات حكمهم، ومن هنا أصبحت النصوص تدعى بالحوليات على الرغم من أنه كان يتم أحياناً إغفال بعض السنوات.

من أقدم أنواع الحوليات ما دوّنه ملك لجش أي - نّاتم Eannatum مخلداً حادثة انتصاره على مدينة أوما (نحو ٢٤٧٠ ق.م) بإشادة نصب الصقور الشهير الذي استعرض فيه تاريخ العلاقة بين لجش وأوما في عهد أسلافه ثم في عهده ووقائع الحرب التي انتصر فيها.

مسلة نرام -سن (يعود تاريخها إلى ٢٢٣٠ ق.م) التي خلد فيها انتصاراته على قبائل اللولبيين

في العصر الأكادي أرخ الملك نرام- سن (٢٢٩١- ٢٢٣٥ق.م) لسنوات حكمه منطلقاً من انتصاره على قبائل اللولبيين في جبال زاغروس، وخلد الذكرى بإشادة نصب لها. في الوقت الذي أطلق الملك شو سن (٢٠٣٦–٢٠١٨ ق. م) من سلالة أور الثالثة على إحدى سنوات حكمه اسم «العام الذي بُني فيه سور مارتو»، أما حمورابي [ر] (١٧٩٢- ١٧٥٠ق.م) ملك بابل؛ فقد أطلق على سنوات حكمه أسماءً متعددة، منها العام الذي فتح فيه مدينتي إيسن وأوروك، والعام الذي أقام فيه العدل (ربما في إشارة إلى إصداره قانونه الشهير).

تعلم الكتَّاب الحثيون [ر] تقاليد المدرسة الرافدية في الكتابة وأشكال التعبير المختلفة، ومنها وصف حملات ملوكهم وتصويرها، ومن هنا جاءت المحاولات الأولى لكتابة الحوليات في المملكة الحثية القديمة، وكان من أبكرها حوليات حاتوسيليس [ر] الأول (١٦٥٠- ١٦٢٠ ق.م) التي كُتبتْ بالأكادية مع ترجمة حثية، لكن إتقان هذا النوع من الوصف لم يتحقق إلا بعد مضي نحو قرن من الزمن؛ أي مع فترة حكم مورسيليس [ر]الثاني (١٣٢٠- ١٢٩٠ق.م).

أما في مصر فيمكن أن تدرج أخبار الحملات العسكرية التي كان يشنها ملوك مصر ضمن إطار الحوليات، ومن ذلك ما قام به الفرعون تحوتمس الثالث (١٤٧٨- ١٤٢٥ق.م) والذي شن سبع عشرة حملة عسكرية إلى منطقة بلاد الشام، وهذا ما فعله ملوك آخرون، ومنهم سيتي الأول (١٢٩٠- ١٢٧٩ق.م) ورمسيس الثاني (١٢٧٩- ١٢١٣ق.م) الذي سجل وقائع معركة قادش بطريقة مزدوجة بالنص الأدبي كتابة؛ وبالنقوش المصورة على جدران العديد من المعابد، وقد تضمنت هذه السجلات أسماء الأماكن والمواقع والمدن التي تم إخضاعها أو المرور بها من قبل هؤلاء.

موشور مثمن من الطين مع نقش تأسيسي للملك تجلات - بلاصر الأول يعود تاريخه إلى ١١٠٩ ق.م عثر عليه في معبد آنو-أدد في بلاد آشور يتناول تقرير أعمال ترميم المعبدالمسلة السوداء لشلمنصر الثالث

بدأت الحوليات تتطور أكثر خلال العصر الآشوري الوسيط (القرن الرابع عشر ق.م)، فتوسعت موضوعاتها، واحتاجت إلى مزيد من الألواح الطينية؛ لتتسع لكلّ التفاصيل خاصة في عهد أدد- نراري[ر] الأول (١٣٠٧ – ١٢٧٥ ق.م)، وتجلات – بلاصر [ر] الأول (١١١٤-١٠٧٦ق.م)، حيث بلغ حجم إحدى الحوليات في هذه المرحلة ١٣٠٢سطراً، كتبت على ألواح ذات شكل موشوري مؤلفة من عدة أوجه (أحياناً عشرة) ارتفاعها ٥٠ سم، كانت تختم أيضاً عند نهايتها بذكر التاريخ. ولم يُعد استخدام هذا النوع من الألواح الطينية حتى عصر الملك سرجون[ر] الثاني (٧٢١- ٧٠٥). وكثيراً ما كتب ملوك الدولة الآشورية الحديثة (٩١١- ٦١٠ ق.م) حولياتهم على أكثر من نسخة، وأحياناً كان يتم اختصار الكثير من تفاصيلها وحجمها. وقد اتبع هؤلاء طريقة توثيق الأحداث من خلال إطلاق أسماء الأشخاص والحكام والوزراء والقادة المميزين على كل سنة من سنوات حكمهم مبتدئين بمقدمة تتضمن تمجيداً لآلهتهم- وأهمها آشور- ولوصيه على الأرض- وهو الملك نفسه- وأصله ونسبه والسنة (التي تحمل اسم إحدى الشخصيات)، ثم يبدأ بسرد المآثر التي حققها على المستوى العمراني أو العسكري وخط سير الحملات العسكرية والصعوبات التي واجهها والمعارك التي خاضها والبطولات التي أبداها والمغانم التي كسبها.

وتُعدّ حوليات الملك شلمنصر[ر] الثالث (٨٥٩–٨٢٤ ق.م) نموذجاً لحوليات ملوك الدولة الآشورية الحديثة، وربما كانت أهمَّها؛ لكونها تزخر بتفاصيل الأخبار المتعلقة بحملاته على الإمارات الآرامية وخاصة ضد بيت عدين[ر] التي كانت تسيطر على منطقة الفرات الأوسط. وقد دوّن وقائع معركة قرقار[ر] التي جرت بين قواته وتحالف الإمارات السورية بزعامة آرام دمشق عام ٨٥٣ ق. م، وخصص لهذه المعركة حيزاً وافياً من نصه الذي سطّره على مسلة حجرية تعرف بالمسلة السوداء (محفوظة في المتحف البريطاني): « في السنة السادسة من حكمي خرجت من نينوى...، عبرت الفرات وقت الفيضان...، خرجت من حلب واقتربت من قرقار، أدد عزر من دمشق، أرخوليني من بلاد أماتو (حماة) واثنا عشر ملكاً من شاطئ البحر خرجوا ضدي...». وعلى هذا المنوال درج أغلب الملوك الذين جاؤوا بعده، ومنهم الملك تجلات- بلاصر[ر] الثالث (٧٤٥ – ٧٢٧ ق.م) الذي أورد أخبار انتصاره على ملك أورارطو ساردوري الثاني وحلفائه الآراميين في أخبار العام الثالث من حكمه: «في العام الثالث من حكمي، ساردوري... مع متيع إيل (ملك أرفاد) وسالومال من ميليد وتارخولار من جرجوم...».

مسلة حجرية تمثل الملك شلمنصر الثالث وتوثق انتصاراته (المتحف البريطاني)

مما لا شك فيه أن المعلومات التي ترد في حوليات الملوك تفيد المؤرخين فائدة جمة؛ لأنها تضع بين أيديهم مادة غنية وعلى صعد مختلفة، فعدا عن كونها تخبر عن النشاطات العسكرية لهؤلاء الملوك (وهي المادة الأساسية الواردة في هذه الحوليات)؛ فهي تفيد في التعرف إلى أساليب الحرب في العالم القديم من حيث التحضير لها عن طريق إعداد الجيوش والأسلحة والاستطلاع وأدوات حصار المدن والحصون، وطريقة التنقل والمبيت وعبور الأنهار وتسلق الجبال وملاحقة الفارين، كما تساعد على تعرّف أسماء المدن والحصون والخريطة الجغرافية للمناطق المفتوحة؛ علاوة على أوضاعها الاقتصادية بما تورده من كميات الضرائب وأصناف الغنائم والأسلاب التي تم جمعها من البلاد والتي غالباً ما كانت تشتمل على المواشي والمعادن المختلفة (ذهب وفضة ونحاس وقصدير) علاوة على بعض المواد المصنعة كالمنسوجات مثلاً، ولهذا فقد عُدّت الحوليات أحد أهم مصادر كتابة التاريخ القديم.

جباغ قابلو

 

مراجع للاستزادة:

-عيد مرعي، تاريخ بلاد الرافدين منذ أقدم العصور حتى عام ٥٣٩ ق.م (الأبجدية للنشر، دمشق ١٩٩١م).

-A. K. Grayson, Assyrian and Babylonian Chronicles (New York 1970).

-A.R. Millard, Babylonian King lists; The Context of Scripture 1, W. W. Hallo and K. L. Younger, eds (Leiden 1997), pp. 461-468.


- التصنيف : العصور التاريخية - المجلد : المجلد السادس، طبعة 2020، دمشق مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق