الربوة
ربوه
-
¢ الربوة - دمشق
الربوة - دمشق
عمار النهار
تقع ربوة دمشق في وادي بردى شمال غربي دمشق، وإنما قيل لها ربوة لأنها مرتفعة مشرفة على غوطتها ومياهها، فهي منطقة طبيعية من المناطق الخضراء التي تحيط بدمشق، وتشغل السفح الغربي لجبل قاسيون، وتتوسط جبلين هما عنتر وجنك.
![]() |
وادي الربوة |
وهي أول منفسح الوادي الغربي الآخذ إلى دمشق، وفيها يخرج بردى من واديه الضيق ليتفرع من منطقة الشاذروان إلى سبعة فروع، ففي سفح قاسيون من جهة الشرق والشمال نهرا يزيد وثورى، وفي سفح جبل المزة من جهة الغرب والجنوب قناة الداراني ثم قناة المزة ثم قنوات بانياس، وبأسفل الوادي يسيل ما بقي من المياه من بردى، فيظهر في الربوة تقسيم هذا النهر عدة أنهار؛ فيزيد تلك الجهة نضارة وجمالاً.
لذلك تُعدّ الربوة منطقة شعبية رائعة كثيرة الزوار، تكثر فيها المطاعم والمقاهي وتخرج الأسر الدمشقية إليها للترويح عن النفس.
![]() | ![]() |
نهر بردى في منطقة الربوة | متنزهات الربوة على ضفاف نهر بردى |
وقال بعض المفسرين في قوله تعالى: }وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ}[المؤمنون:٥٠] هي ربوة دمشق، وذكر مؤرخ دمشق ابن عساكر في كتابه الشهير «تاريخ دمشق» في باب (ذكر الإيضاح والبيان عما ورد في فضلها من القرآن): «عن النبي ﷺ أنه تلا هذه الآية: }وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ}، قال: هل تدرون أين هي؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هي بالشام بأرض يقال لها الغوطة، مدينة يقال لها دمشق، هي خير مدائن الشام».
وأول من عمَّر في الربوة الخليفة الفاطمي المستنصر (٤٢٧–٤٨٧هـ/١٠٣٥–١٠٩٤م)، وعمَّر جامعاً نحو سنة ٤٤٤هـ/١٠٥٢م، ونقش على صخرة على سفح الجبل بالخط الكوفي لوحة بوقف هذا الجامع ومرافق عامة في تلك المنطقة.
وعندما جاء السلطان نور الدين محمود بن زنكي (٥٤١–٥٦٩هـ/١١٤٦–١١٧٤م) أقام فيها للفقراء قصراً يأوون إليه، وقال: إن للأغنياء قصوراً كثيرة، فصار الفقراء يقضون فيه الليالي ذوات العدد، وقد أُعدَّ لهم كل شيء فيه، ووقف له قرية داريا جنوبي دمشق، ووصفه ابن طولون الصالحي، فقال: «كان بها قصر مرتفع على سنِّ جبل به قاعة كبرى، وطيقان على هيئة الإيوان، ينظر الجالس هناك من مسافة يوم، وبه مئذنة ومسجد وميضأة، وتحته نهر ثورى، وفوقه نهر يزيد، يُصعد إليه من سلَّم حجر، بناه نور الدين للفقراء، فإن الأغنياء لهم قصور».
وللربوة أوقافٌ كثيرة من أجل النفقة على الغذاء والأكسية للمقيمين في المسجد، ومنها يشرف المرء على كل البساتين الغربية في البلد.
غير أن شهرة الربوة لا تنحصر فقط في متنزهاتها وطبيعتها الجميلة، بل فيها معالم طبيعية لافتة، منها الصخرة الرابضة في أحد جبليها، وقد عرفت باسم المنشار.
![]() | ![]() |
وادي الربوة | صورة علوية لوادي الربوة |
زارها ابن جبير سنة ٥٨٠هـ/١١٨٤م، وقال عنها: «من أبدع مناظر الدنيا حُسناً وجمالاً وإشراقاً وإتقان بناء واحتفال تشييد وشرف موضع، وهي كالقصر المشيد وقد شقَّ تحتها نهر في الصخر الصلد، يجري فيه نهر يزيد، والصبيان يسبحون من تحته... وماء الربوة ينصبُّ في شاذروان في الجدار متصل بحوضٍ من الرخام يقع الماء فيه، وتحتها الأنهار التي تحار الأبصار في حسن اجتماعها وافتراقها».
ولما جاء ابن بطوطة سنة ٧٢٦هـ/١٣٢٥م نقل كلام ابن جبير، ووصفها قائلاً: «من أجمل مناظر الدنيا، وبها القصور المشيدة والمباني الشريفة، والبساتين البديعة». كما وصف النيرب فقال: «وبأسفل الربوة قرية النيرب، وقد تكاثرت بساتينها، وتكاثفت ظلالها، وتدانت أشجارها؛ فلا يظهر من بنائها إلا ما سما ارتفاعه. ولها حمام مليح، ولها جامع بديع مفروش صحنه بفصوص الرخام، وفيه سقاية ماء رائعة الحسن، ومطهرة فيها بيوت عدَّة يجري فيها الماء».
وزارها ابن البدري في القرن اﻟ٩هـ/ اﻟ١٥ م، فقال: «ومن محاسن الشام الحواكير، وهي كالحدائق في سفح قاسيون، فإن الفاصل بينه وبين جبل الربوة عقبة قرية تدعى دمر التي بحد قبة السيار، وإن سياراً هذا وبشاراً كانا يتعبدان على رأس هذين الجبلين اللذين للربوة، وكأنهما كانا من أصحاب الخطوة... وكان بالربوة سوقان، وبها صيادو السمك يصطادون، والقلَّاؤون يقلون، وكان يذبح فيها كل يوم ١٥ رأساً من الغنم، بخلاف ما يأتيها من المدينة، وبها عشرة طبَّاخين وفرنان، وثلاثة حوانيت لعمل الخبز التنوري، وبها حمام ليس على وجه الأرض نظيره، وفيها سبعة مقاصف، في كل منها كل ما يلزم الإنسان الذي يطلع ليتنزه بها يوماً؛ فيقيم شهراً، وكان بها جامع بخطبة وصومعتان تسمَّيان العاشق والمعشوق». وكان في الربوة مسجد الديلمي الذي جدَّد نور الدين عمارته، وقال عنه ابن البدري: «إنه القاعة التي بناها نور الدين، وإنَّها على شعب جبل، جميعها فيها تخوت من ألواح الخشب، وفي أعلاها نهر يزيد، وفي أسفلها ثورى».
أما ابن طولون الصالحي فقال عنها: «وكان بها أربعة مساجد بخطبة، ومدرسة يقال لها المنيحية موقوفة على مدرس حنفي وطلبة».
وتحدث القلقشندي عن غوطة دمشق وربوتها؛ ودلَّ كلامه على غناهما بالثروة المائية، فقال: «وغوطتها أحد مستنزهات الدنيا العجيبة المفضلة على سائر مستنزهات الأرض، وكذلك الربوة وهي كهف في فم واديها الغربي، عنده تنقسم مياهها، يقال إن به مهد عيسى عليه السلام، وبها الجوامع والمدارس، والخوانق والربط والزوايا، والأسواق المرتبة، والديار الجليلة المذهبة السقف المفروشة بالرخام المنوع ذات البرك والماء الجاري، وربما جرى الماء في الدار الواحدة في أماكن منها والماء محكم عليها من جميع نواحيها بإتقان محكم».
وكان فيها الكثير من القصور والأبنية على طرفي واديها، وكذلك زاوية الصوفي خضر العدوي التي بناها له السلطان الظاهر بيبرس (٦٥٨–٦٧٦هـ/١٢٦٠–١٢٧٧م)، وكان في الربوة دكاكين للسمَّانين بمختلف الأنواع الغذائية، وكان بها حمام مشهور، وكان بها مشهدان: شرقي وغربي، وكان بها خمسة مقاصف، وبها عينان: إحداهما باردة، والأخرى حارَّة، وعليها قبة بين نهر بردى والقنوات، وهي من العجائب، فإن ماءها فاتر صيفاً وشتاءً، وشمالها عيون تظهر عند افتراق الماء: اثنتان ماؤهما بارد، واثنتان ماؤهما حار، وكان بها العاشق والمعشوق، وهما برجان للحمام في لحف الجبل الغربي، وفي الربوة ما يشبه المحراب، يُقال: إنه مهد المسيح عليه السلام الذي آوى إليه مع أمه.
![]() |
نهر بردى في خانق الربوة |
واشتهرت الربوة أيضاً بأنها قدَّمت عدداً من العلماء عبر تاريخها، بينهم عالم الجغرافيا الملقب بشيخ الربوة الدمشقي الذي عاش ما بين ٦٥٤-٧٢٨هـ/١٢٥٦ -١٣٢٧م، وله كتاب جغرافي شهير بعنوان «نخبة الدهر في عجائب البر والبحر».
وذكر بعض المؤرخين اشتهار الربوة بمزارع الزعفران، وأن جبلها الغربي أطلق عليه أيضاً اسم الدف لكثرة مزارع الزعفران فيه، في حين حمل الجبل الشرقي اسم الجنك؛ لأن رأسه يشبه الآلة الموسيقية الجنك، وهي العود أو الطنبورة ذات الرقبة الطويلة.
تخرَّبت الربوة وعُمرت مراراً، وقد أحرقها الصليبيون سنة ٥٤٣هـ/١١٤٨م، ثم تخرَّب ما تبقى فيها من قصور الأغنياء خلال القرنين اﻟ ١٢-١٣هـ/ اﻟ ١٨-١٩م على أيدي الإنكشارية، ولم يتبقَّ من هذه القصور سوى قصر الأمير عبد القادر الجزائري الذي تعرَّض لتخريب كبير قبل ترميمه وافتتاحه مؤخراً.
ونظراً لتوسعة طريق الربوة؛ فقد ذهب قسم كبير من آثارها التي كانت قائمة، وذهبت أكثر درجات قصر متبقٍّ لطول العهد به، والصعود عليه خطر مخيف، وبنهاية هذا الدَّرج من الأعلى آثار بناء قديم، وهناك حجرة منحوتة في صخر الجبل قد ذهب سقفها.
مراجع للاستزادة: - أبو بكر بن عبد الله بن محمد البدري الدمشقي، نزهة الأنام في محاسن الشام (المكتبة العربية، بغداد، والمطبعة السلفية، مصر ١٣٤١هـ/١٩٢٢م). - محمد بن طولون الصالحي، القلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية، تحقيق: محمد دهمان (مجمع اللغة العربية، دمشق ١٩٨٠م). - أكرم حسن العلبي، خطط دمشق (دار الطباع، دمشق ١٩٨٩م). |
- التصنيف : آثار إسلامية - المجلد : المجلد الثامن مشاركة :