رستم باشا (خان)
-

 ¢ رستم باشا

 رستم باشا (خان -)

مجد حجازي

 

يقع خان رستم باشا في القلب التجاري لمدينة حماة في الجهة الشرقية لشارع المرابط بالقرب من سوق المنصورية (سوق الطويل) وسوق الذهب؛ في مكان ليس ببعيد عن خان أسعد باشا [ر] أحد أهم الخانات في حماة وأشهرها.

يعود تاريخ بناء الخان إلى سنة ٩٦٤هـ/١٥٥٦م في زمن السلطان العثماني سليمان القانوني. وقد أمر بالبناء رستم باشا الصدر الأعظم (رئيس الوزراء) في الدولة العثمانية آنذاك، وهو الذي تولى الصدارة مرتين، وتُوفِّي سنة ٩٦٨هـ/١٥٦٠م. ويُعدّ الخان نموذجاً مثالياً رائعاً للخانات القديمة التي بنيت بتلك الفترة. وقد بنى رستم باشا خانات مماثلة في كل من حمص وصفد سنة ٩٦٦هـ/١٥٥٨م. وكان المشرف على بناء خان رستم باشا في حماة علي جلبي بن بالي بك، وكان يطلق على هذا الخان اسم «الخان الجديد» وأيضاً تسمية «خان السبيل» (لوقوعه على الطريق العام الرئيسي في حماة)، وكان مخصصاً لإقامة المسافرين الغرباء القادمين من خارج حماة؛ ومعداً لنزول القوافل التجارية على أنواعها. كما ورد ببعض المصادر أن اسم الخان هو خان «التكية الرستمية»، حيث إن بداية إنشاء المبنى كانت لتكية، ثم حُوِّل لاحقاً إلى خان، ولكن استمر بتوزيع قسم من طعامه على الفقراء. وكان قسم منه مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم واللغة العربية ومسجداً. وفي أواخر العصر العثماني سُمِّي الخان بـ »خان العسكر»؛ لأنه أصبح مقراً للخيالة العثمانية. وخلال فترة الاحتلال الفرنسي استُعمِل ثكنة عسكرية كبيرة، وكان اسمها «ثكنة فيدرب» نسبة إلى أحد الضباط الفرنسيين الذين قتلوا في سورية؛ وجرى تحويله ملجأً للأيتام سنة ١٣٥٤هـ/١٩٣٥م، ثم مقراً للبعثة الدنماركية المنقبة في القلعة.

وبعد الاستقلال أضيف إليه طابق آخر لإحداث مدرسة؛ ولاستخدامه مقراً لملجأ الأيتام الإسلامي، كما أن بعض أقسامه استخدمت مقراً لنقابة المعلمين لفترة قصيرة. وحالياً يُستخدم الطابق الأرضي للخان بعد ترميمه سوقاً للصناعات اليدوية، ويجري استثماره من قبل وزارة السياحة منذ سنة ١٤٠٤هـ/١٩٨٣م، فيما بقي الطابق الأول ملجأً للأيتام.

الخان الأثري قبل الإضافةالخان بعد الإضافة العلوية

أوقاف الخان (بحسب سجلات المحكمة الشرعية بحماة):

تذكر الوثائق المختلفة أن الخان كان يستوعب نحو مئة مسافر، ويعمل على خدمته نحو عشرين موظفاً. وكان يحتوي على أماكن للإقامة وبوائك لتخزين بضائع التجار وحفظها. وكان يُقدَّم في الخان الطعام والشراب من لحم وحساء، وكان يوزع جزء منه على الفقراء والمساكين.

وقد ذُكر في بعض المواضع أنه «كان يشرف على الخان ناظر، ومتولي وقف، وكاتب وقف، وجابي(جابٍ)، وشيخ خان، وشيخ طعام، وطباخ، وخباز، ودقاق قمحية، وأربعة أنفار يحملون الطاس أو الكأس (يحملون الطعام والماء للواردين)، ومغربل، وبواب، وفراش، وشاوي (شاوٍ)، وكناس، وإمام ومؤذن (في مسجده)، ومرمماتي لإصلاح ما يخرب».

وذُكر أيضاً: «كانت تطهى في الخان اللحم والشوربة (الحساء) ليقدم منها يومياً مائة (مئة) كأس لرواد الخان وعشرون كأساً لموظفيه... ويفرق الباقي على الفقراء». «وقد أوقف له ثلاثة دكاكين كائنات باتجاه الخان، ومِن وقفه دكانٌ معدة (معدّ) للخبازة كائنة (كائن) اتجاها (تجاه) الخان وأيضاً أربع (أربعة) دكاكين كائنة اتجاه الخان على يسرة المدخل إلى المطبخ، ومن وقفه أربع (أربعة) حوانيت كائنات تجاه الخان المتلاحقات على يمنة المدخل».

ويُذكر أيضاً أن «قرية الوزيرية في قضاء حمص جارية في وقف الخان إنشاء رستم باشا الكائن في حماة وأيضاً قرية زور النعمان وحمام البرطاس الكائن بنفس طرابلس وفيها أيضاً من وقف الخان جميع الطاحونة المعروفة بالكلتاوي (زور بالكلتاوي) قرب شيزر، وطاحون بلدة الراكبة على نهر السن جنوب اللاذقية والمشتملة على حجرين، وطاحون بيت الرحى في قرية في قضاء شيزر هي التريمسة، ومن الأوقاف بيت معد للقهوة قرب طاحون الغزالة في حماة عند جسر المراكب».

وكان يتبع له عشرون ناعورة وُقِف كامل عملها لخدمة الخان، وهي موزعة على النحو الآتي: «خمس نواعير في قرية الشهابية وأربع نواعير في شيزر وثلاث نواعير في زور المحروقة وناعورتان في قرية نحيلة وثلاث نواعير في زور الكيلتاوي (الكلتاوي) وناعورتان في قرية كفرية وناعورة في حماة برأس جسر المراكب قرب بيت القهوة على الأغلب هي الناعورة الجسرية».

الوصف المعماري: يتميز خان رستم باشا بطراز بنائه العثماني. مخطط الخان مربع تقريباً طول ضلعه ٦٧.٥م، وبذلك تكون مساحته نحو ٤٥٥٦م٢، ويتألف من طابقين. وفي وسط البناء صحن متسع مربع أيضاً تنفتح عليه أروقة جميلة ذات عقود مدببة تفصله عن غرف الخان والأروقة. والغرف مسقوفة بوساطة قبوات متصالبة وهي مستندة إلى عضادات حجرية ضخمة.

كان ثمّة بركة مثمنة أمام الخان من الجهة الشمالية، وكانت تتغذى بالمياه من ناعورة المأمورية. وقد بنيت هذه البركة من الحجارة الكلسية البيضاء، وأُزيلت مؤخراً عند توسيع الشوارع والأرصفة المحيطة بالخان.

المدخل: يتوسط الواجهة الشمالية للخان، تعلوه قنطرة بنيت بحجارة متناوبة بيضاء وسوداء كبيرة يحيط بها شريط زخرفي جميل. أما كتلة المدخل فبُنيت بالحجر الأبلق (الكلسي الأبيض والبازلتي الأسود)، وهي ممتدة على طابقين. يحد المدخل على الجانبين مصطبتان حجريتان (مكسلتان)، وله باب خشبي سميك مصفح مؤلف من مصراعين (في المصراع الأيمن فتحة صغيرة تسمى خوخة)، ينفتح على بهو طوله نحو ١٣.٥م، وعرضه ٤.٦٧م، مسقوف بقبوات متصالبة مكسوّة بالطينة الكلسية. وينفتح على بهو الدخول ثلاث غرف: غرفتان في جهة اليمين للمراقبة والحرس وغرفة على اليسار لناظر الخان، وفي الجهة اليسرى أيضاً يتوضع الدرج الصاعد للطابق العلوي. ويؤدي بهو الدخول إلى صحن الخان المتسع.

 
صورة قديمة لمدخل الخانلوحة مائية رسمها الفنان فوغمان سنة ١٩٣٨م لواجهة المدخل الشمالي 

صحن الخان: وهو باحة فسيحة سماوية مربعة الشكل طول ضلعها ٤٣.١٥م، وهي مبلّطة بالحجارة الكلسية والبازلتية بطريقة هندسية جميلة. وتحيط بها ساقية صغيرة لتجميع المياه وتصريفها خارجاً من خلال فتحات تصريف فيها.

 
لوحة مائية رسمها الفنان فوغمان لصحن الخان يتوسطه المسجد 

 

المسجد: يتوسط الباحة، شكله مثمن، تتقدمه كتلة المدخل ذات الشكل المستطيل والمدخل الواسع المرتفع المعقود بعقد مدبب، أبعادها ٣.٥م×٢.٣٥م. أما الحرم فهو مثمن الأضلاع، وكل ضلع تتخللها نافذة صغيرة باستثناء الضلع الجنوبيّة التي تحوي المحراب. وقد سُقِف الحرم بقبة نصف كروية مدببة ملساء متوّجة بالهلال قطرها ٦.٥م، ترتكز على رقبة مثمنة تتخللها نوافذ معقودة بعقد مدبب. وقد فُصِلت الرقبة عن القبة بإفريز حجري جميل وبسيط، وكذلك بين العنق وجدار الحرم.

مدخل خان رستم باشا والمصلى وسط الفناء

الطابق الأرضي: يتألف من أربعة أجنحة رئيسية بُنِيت بالحجارة الكلسية المنحوتة. في كل جناح عشر غرف مسقوفة بقبوات متقاطعة. وتنفتح هذه الغرف على رواق حُمل على عضادات حجرية مربعة، وهذا الرواق ينفتح بدوره على الباحة، ويحيط بها من الجهات الأربع.

 
الغرف 

 

الطابق العلوي: عند بناء الخان اقتصر الطابق العلوي على شغل جزء من واجهة الخان الشمالية وبطول ١٩.٦٥م×١٤.١٥م. وكان يتكون من ثلاث غرف مسقوفة بالقبوات المتصالبة، ولكل غرفة شباك مستطيل معقود بعقد مدبب أبعاده ٢×١م يطل على شارع المرابط، وشباك آخر بالأبعاد يطل على باحة الخان. وقد أضيف إلى الواجهات الثلاث (الشمالية والشرقية والغربية) بناءٌ ضم داراً ومدرسة للأيتام. وكان يُصعد للطابق العلوي من درج حجري عن يسار المدخل. أما حالياً فيُصعد إليه من درج أحدث في الواجهة الغربية، يدخل إليه من زقاق جانبي بجوار الخان. وقد اتُّبع في بناء الطابق العلوي أسلوب الطابق الأرضي نفسه من ناحية الغرف المنفتحة على رواق، ولكن الانفتاح على الباحة كان بوساطة نوافذ ذات قناطر؛ ولكن بأبعاد أصغر (كل قنطرة في الطابق الأرضي تعلوها قنطرتان في الطابق العلوي). وقد شُيِّد من الحجر الكلسي الحموي المنحوت جيداً، وختمت الواجهة الحجرية بإفريز حجري مزدوج، وفُصِل بين الطابق الأرضي والعلوي بوساطة إفريز حجري بارز قليلاً عن الواجهة، وعُمِلت ميازيب حجرية بارزة تصب على باحة الخان.

ولهذا يُعدّ خان رستم باشا في حماة مثالاً معمارياً رائعاً عن العمارة الإسلامية الشرقية التي كانت سائدة بالفترة العثمانية، فهو خان عظيم البناء دقيق الهندسة بُني بشكل متناظر جميل، وإن استثمار الخان حالياً كسوق مهن تراثية جعل منه نقطة جذب مهمة، وحافظ عليه بوصفه تراثاً حضاريّاً جميلاً.

 

 

مراجع للاستزادة:

- مجلة عمران حماة، عدد خاص رقم ٢٩-٣٠/صادرة عن وزارة البلديات، ١٩٦٩م.

- أحمد الصابوني، تاريخ حماة (المطبعة الأهلية، حماة ١٩٥٦م).

- عبد الودود محمد يوسف برغوث، لواء حماة في القرن السادس عشر- نظام حكم وبنية مجتمع (من سجلات المحكمة الشرعية بحماة)، (دراسة أعدت لنيل شهادة دكتوراه).

- علي موسى ومحمد حربة، محافظة حماة دراسة (طبيعية- تاريخية- بشرية- اقتصادية) (مطبوعات وزارة الثقافة، ١٩٨٥م).

- راشد الكيلاني، حماة تاريخ وحضارة (دار اليمامة، ٢٠٠٢م).


- التصنيف : آثار إسلامية - المجلد : المجلد الثامن مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق