logo

logo

logo

logo

logo

البارة

باره

al-Bara -

 البارة

البارة

طبيعة المباني الأثرية في هذا الموقع

 

تُعدّ قرية البارة Al-Bara من أهم القرى (المدن الميتة) الواقعة في جبل الزاوية جنوبي الكتلة الكلسية[ر] مثل: مجليا[ر] وبترسا[ر] وبشيلا[ر] وفريكيا[ر] وسرجيلا[ر] وبعودة وربيعة وشنشراح[ر] ودللوزة[ر]، وتمتد على مساحة تقدر بنحو 2كم من الشمال إلى الجنوب و1كم من الشرق إلى الغرب.

وتتميز البارة من غيرها من القرى في كونها من أكبر المواقع الأثرية في الكتلة الكلسية، وتظهر فيها ملامح مدينة، حيث كشفت التنقيبات الأثرية الأخيرة وجود بدايات تنظيم عمراني متمثلاً بوجود عدد من الأزقة الطويلة والمتقاطعة بعضها مع بعض؛ مما يخلق نوعاً من التنظيم العمراني في الموقع. ويفترض أن لهذا الموقع دوراً مهماً من الناحيتين الاقتصادية والإدارية مع القرى المحيطة به، ومع المدن الكبيرة في شمالي سورية مثل أفامية وأنطاكية خلال العصر البيزنطي؛ إذ كانت البارة بمنزلة مدينة صغيرة أو قضاء.

ويختلف هذا الموقع عن باقي المواقع المحيطة به في تاريخ الاستيطان، فمن خلال دراسة العناصر المعمارية والزخرفية لم يتم التوصل إلى دليل على استيطان يعود إلى ما قبل القرن الرابع الميلادي في الموقع؛ على الرغم من وقوعه إلى جوار وادٍ غني بالتربة الزراعية الصالحة لزراعة الزيتون والفواكه. إضافة إلى ذلك، تتوافر المياه في هذه المنطقة على خلاف المناطق الأخرى، لذا فإنه يبدو من غير الطبيعي أن تبقى هذه المنطقة غير مسكونة حتى نهاية القرن الرابع الميلادي. وبالمقابل فإن القرى الأخرى المحيطة بها مباشرة المقدر عددها بعشرين قرية- التي ورد ذكر بعضها في المقدمة- قد استوطنت منذ العصر الروماني، ودلّت على ذلك التنقيبات التي أجريت في سرجيلا على بعد ثلاثة كيلومترات من البارة.

ونفت بعض الفرضيات وجود استيطان بمنطقة البارة قبل القرن الرابع الميلادي؛ معتمدة على الدراسات المعمارية للمباني الموجودة على سطح الأرض، وبرأي بعض الباحثين فإنه من غير الممكن أن تكون البارة غير موجودة في الوقت الذي كانت فيه المواقع الأخرى مأهولة منذ فترة طويلة لأكثر من قرنين من الزمن. لذلك كان لا بد من إجراء أسبار أثرية للحصول على معطيات جديدة غير معروفة سابقاً، أو طرح تساؤلات عن أسباب هذا التطور المدهش والمتأخر زمنياً. وعلى ضوء ذلك بدأت البعثة الأثرية عملها في هذا الموقع منذ عدة سنوات للتأكد من وجود طبقات رومانية فيه، وقد تم تأكيد هذا خلال عدة مواسم في ساحة المسجد الكبير وسط الموقع.

ازدهر هذا الموقع ازدهاراً مهماً منذ بدايات العصور الإسلامية، يدلّ على ذلك وجود المسجد الكبير الذي يتمتع بغنى عناصره المعمارية والزخرفية؛ على خلاف القرى الأخرى المحيطة التي هجرت تدريجياً في الفترة الممتدة بين القرنين الثامن والعاشر الميلاديين. ثم تم احتلال البارة من الصليبيين حيث أصبحت مقراً للأسقفية في القرن الثاني عشر الميلادي، تاريخ تطور الموقع في الحصول على معلومات مهمّة حول تطور الكتلة الكلسية خلال العصور البيزنطية والإسلامية المختلفة.

طبيعة المباني الأثرية في هذا الموقع:

تُعدّ قرية البارة من أغنى المواقع بالكنائس التي تعود إلى القرنين الخامس والسادس، ويبلغ عددها خمس كنائس، وقد تم اعتماد المخطط البازيليكي في بنائها، فتتألف من مجاز مركزي (صحن الكنيسة) وجناحين على الجانبين، حيث تم إجراء التقسيمات داخلها من خلال وجود صفين من الأعمدة الحاملة للأقواس التي تحمل بدورها السقف. و يمكن أن تُلفى حالات مختلفة من التقسيم الداخلي المعتمد في مناطق أخرى كوجود صفين من الدعامات أو الركائز بدلاً من الأعمدة مثل كنيسة بيزوس في الرويحة[ر]؛ لتساعد على حمل الأقواس الكبيرة والتقليل من عدد الأعمدة؛ مما يخلق نوعاً من الوحدة الداخلية بين المجاز المركزي والأجنحة ومساحة واسعة داخل الكنيسة.

وهناك بعض الأديرة المبنية إلى جانب الكنائس الخمس في البارة، وأهمها دير سوبات، كانت تعيش فيها مجموعة من الرهبان الذين اتبعوا ناسكاً، واختاروا لأنفسهم نمطاً من الحياة يقوم على نبذ كل ما يتعلق بالدنيويات، واختيار حياة الزهد والعبادة والتأمل، وأن يعيشوا حياة مشتركة بعضهم مع بعض ضمن مجموعة واحدة. ومن المعروف انتشار ظاهرة الرهبنة في الكتلة الكلسية في القرنين الخامس والسادس الميلاديين؛ فهناك العشرات منها.

وهنالك العديد من المدافن في البارة تعطي صورة واضحة عن طبيعة الدفن خلال العصر البيزنطي، وهي- على نحو أساسي- من النوعين المعروفين الأرضي و الهرمي. وتتميز المدافن الأرضية فيها بأنها محفورة في الصخر، ويقود إليها باب يتقدمه غالباً رواق محمول على أعمدة أو قوس كبيرة تعلو الباب مباشرة أو تتقدمه قليلاً مُشكِّلاً رواقاً أمامياً ودرجاً، وتتألف غرفة الدفن من مجموعة من المعازب المنحوتة في الصخر، وتحوي قبوراً تختلف بالعدد والتنظيم الداخلي. أما المدافن الهرمية في البارة فهي مبنية على سطح الأرض أيضاً، وتتألف من غرفة تحوي عدة توابيت حجرية، ويعلوها شكل هرمي، ونحتت على واجهاتها زخارف متنوعة، ولا تُلفى في البارة سوى مدفنين منها يتشابهان مع مدافن موجودة في قرية سرجيلا وبعودة وغيرها.

إحدى كنائس البارة 

وفي البارة معصرتان كبيرتان، إحداهما في الجهة الغربية من القرية على المحور الشرقي الغربي، وهي ذات مخطط مستطيل الشكل، ويتم الدخول إليها من باب يقع في جهة الشرق، يليه الدرج المؤلف من ثماني درجات نزولاً. وتتألف من قسم سفلي محفور في الصخر يصل عمقه إلى 2م، أما الجزء العلوي فهو مبني من مداميك حجرية كبيرة منتظمة المقاييس، وسقف جملوني محمول على الأقواس الحجرية. وتبلغ أبعاد المعصرة من الداخل نحو 10م × 6.75م، وداخلها أدوات العصر الرئيسة كالأحواض والقنوات والطاحونة الحجرية، والأخرى تقع إلى الجنوب من المعصرة الأولى، على بعد 50م، وعلى المحور الشرقي الغربي أيضاً، وهي تحتاج إلى أعمال حفر؛ مما يجعل من الصعب التعرُّف بدقة إليها من الداخل، أما من الخارج فهي واضحة المعالم، ويقع مدخلها في جهة الغرب على عكس المعصرة السابقة، كما تبلغ أبعادها 12.20م × 8.50م.

نموذج مدفن هرمي 

 أما الحمامات فلا وجود لها في كل قرية، على العكس من المباني المعمارية الدينية والجنائزية والمعاصر، حيث ارتبط وجود الحمامات العامة في بعض القرى بتوفر المياه اللازمة، وكذلك بالبعد الترفيهي للقرية. وفي البارة قامت الدراسات والتنقيبات الأثرية الحديثة من قبل البعثة الأثرية المشتركة السورية- الفرنسية بتوضيح مراحل التطور التي مر بها الحمام الذي يُعدّ أكبر حمامات الكتلة الكلسية بمساحة 298 متراً مربعاً، وقد شيد في وسط القرية، ويتميز بمخطط بسيط مؤلف من قسمين: القسم الشمالي صالة كبيرة، والقسم الجنوبي الذي يتألف من خمس صالات قائمة على محور واحد. ودلّت الدراسات المعمارية على التشابه بين مخطط حمام البارة والحمامات الأخرى في جبل الزاوية (سرجيلا- شنشراح- مجليا). وأشارت الدراسات المعمارية والأسبار الأثرية في القاعة الكبرى للحمام إلى وجود تغير في وظيفة المبنى خلال العصور الإسلامية؛ إذ تحوّل إلى منزل خلال العصر المملوكي، فحدثت تغيرات واضحة في تقسيم الفراغات، وإغلاق عدد من الفتحات التي تعود إلى المبنى الأساسي، وإحداث فتحات جديدة بما يتلائم مع الاحتياجات الوظيفية الجديدة، وأكدت الدراسات التي تمت على الكسر الفخارية الموجودة ضمن الطبقات الأثرية هذه الفرضية.

وفيما يتعلق بالعمارة السكنية في هذه القرية؛ فهي أكثر أهمية من حيث العدد، وكذلك من ناحية الحفظ، وتساعد على معرفة تطور القرى خلال قرون عديدة، كما تمكن من تعرف عدد السكان ونمط حياتهم. وقد تم بناؤها من جدران تتكون من صف واحد من المداميك الحجرية الكلسية والمشذَّبة بشكل جيد، أو من صفين من الحجارة غير المنتظمة -في بعض الأحيان- على ارتفاع طابقين أو أكثر، وهي محمولة على أقواس حجرية مبنية داخل الغرف، بشكل عرضاني أو طولاني؛ لتكون أقواس الارتكاز التي تستند إليها غرف الطابق الثاني؛ حيث كان يتم الصعود إلى الطابق الأعلى بوساطة درج حجري أو خشبي؛ إذ كان محمياً من المطر، وذلك بوضعه تحت رواق الواجهة، أما السقف فشكله جملوني، وهو مصنوع من القرميد ومحمول على شبكة من العوارض الخشبية. وقد تم تخصيص غرف الطابق الأرضي للقيام بالنشاطات الاقتصادية وإيواء المواشي، أما الطابق العلوي فكان مخصصاً للمعيشة. ويُلاحظ في البارة وجود لنوافذ في الطابق الأعلى تكون مفتوحة على الباحة الداخلية والخارجية في بعض الأحيان.

وتتقدم غرف البيت الأروقة المحمولة على الأعمدة ذات الطرز المختلفة (الأيوني والكورنثي والتوسكاني...إلخ)، وتبنى أحياناً على طابقين أيضاً، تحاط من جهة واحدة أو أكثر بباحة مغلقة، وفيها غالباً بئر للماء أو خزان لتخزين المياه في فصل الشتاء، وكانت بعض البيوت تجهز بحديقة ملحقة خلفية وغرف تحت أرضية مخصَّصة لتخزين المنتجات الزراعية؛ وأحياناً قليلة بمعصرة. والأكثر تميزاً في هذه البيوت هو غناها بالأنواع الزخرفية المختلفة وبتنوع أشكالها ومخططاتها.

وفي البارة مبانٍ دينية إسلامية يعود بناؤها إلى فترات مختلفة، وأهمها المسجد الكبير، وهناك خمسة مساجد صغيرة أخرى موزعة في الموقع؛ مما يدل على انتشار الإسلام في الموقع منذ الفترات الإسلامية المبكرة. وقد كشفت الأعمال الأثرية في المسجد الكبير عن المخطط الأساسي المبني وفقه؛ إذ يشغل مساحة تقدر بنحو 700 متر مربع، وعلى الرغم من وجود انحناء في الجدار الغربي؛ فإن المخطط العام يبدو مستطيل الشكل بأبعاد 35م × 20م. ويتقدم المسجد رواق، إضافة إلى وجود ساحة في وسطها بئر للماء.

كما دلّت الدراسات الأثرية حول المباني الدينية من كنائس وأديرة على استمرار استخدامها لوظائفها الأصلية بعد الفتح الإسلامي للمنطقة. وفيما يتعلق بالمعطيات الأثرية من القرى المحيطة بالبارة حول انتشار الإسلام بعد الفتح مباشرة؛ فهي غائبة أو بسيطة جداً على الرغم من أنه لا يمكن من الناحية التاريخية إنكار ذلك.

مأمون عبد الكريم

مراجع للاستزادة:

- M. Abdulkarim Et G. Charpentier, An Early Islamic Mosque In Bara, In: Colloquium On Late Antique and Islamic Archaeology In Bilad Al- Sham, Dai, (Damas, 2006).

- M. Abdulkarim Et G. Charpentier, La Gestion De L’eau Dans Un Village Des Campagnes De La Syrie Du Nord, Dans Stratégies  D’acquisition De L’eau Et Société Au Moyen-Orient Depuis L’antiquité, (Beyrouth, 2009), Pp.149-157.

- H. C .Butler., Early Churches In Syria, Fourth To Seventh Centuries,  Completed By Eb. Smith, (Princeton, 1929).

- Jlassus, Sanctuaires Chrétiens De Syrie, (Paris 1947).

- G.Tate, Les Campagnes De La Syrie Du Nord, (Paris, 1992).

- G.Tchalenko Les Villages Antiques De La Syrie Du Nord, I, (Paris, 1953-1958).

 


التصنيف : آثار كلاسيكية
المجلد: المجلد الثالث
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1073
الكل : 45632720
اليوم : 33403