logo

logo

logo

logo

logo

التحوير

تحوير

-

 التحوير

التحوير

 

 

التحوير هو الخروج من الأوضاع والنسب والأبعاد الفنية، وتحوير الأشكال عن الطبيعة مع وضعها في قوالب فنية وجمالية ووحدات زخرفية يتم تكرارها مع الاحتفاظ بخصائصها ومميزاتها الأصلية وذلك في إطار فني.

وللتحوير مترادفات كثيرة كالتبييض- وإن لم يكن اللون الأبيض هو الغالب- والتجريد والتصحيف والتوريق وهناك من يطلق عليه التزويق أو الترشيح أو الأرابيسك وإن كان الأخير أعم وأشمل من المسميات السابقة.

وقد شاع تحوير الزخارف النباتية في التحف المختلفة سوا كانت من الخشب أم المعدن أم الزجاج أم الخزف أم السجاد وغير ذلك، كما زينت هذه الزخارف العمائر وصفحات الكتب، وكان من أهم عناصر تلك الزخارف النباتية المحورة عناقيد العنب وأوراقه وأوراق الأكانتس والزهور والوريقات النباتية والمراوح النخيلية، ذلك إضافة إلى الأنواع المختلفة من الأشجار والأزهار.

واجهة قصر المشتى بالأردن أنشأه الخليفة الأموي الوليد الثاني سنة 127هـ/ 744م

ولا يستطيع أحد أن ينكر تأثر فن الزخرفة الإسلامية في بدايتها بالزخرفة اليونانية الشرقية لاسيما الرومانية والهلنستية أو بالفنون الفارسية والعراقية، إذ خلصت الفنون الإسلامية من ذلك كله بما يتناسب وينسجم مع تعاليم الإسلام.

وقد مر فن التحوير عبر العصور الإسلامية بمراحل عدة أهمها:

المرحلة الأولى:

ظهرت فيها الزخارف النباتية القريبة من الطبيعة والمحورة بعض الشي من الطبيعة، والتي ظهر فيها مدى التأثر بالزخارف البيزنطية والهلنستية والساسانية ولعل ذلك يلاحظ بوضوح في الزخارف النباتية الموجودة على واجهة قصر المشتى، والتي تشبه إلى حد بعيد الزخارف النباتية القبطية التي وجدت على بعض التحف في مصر حيث اشتمل المدخل الأيمن لهذا القصر على زخارف نباتية بحتة قريبة من الطبيعة محفورة حفراً بارزاً متعدد المستويات، تتألف من فروع نباتية تنبثق منها أوراق العنب وعناقيده.

وتصدرت العناصر النباتية المحورة والواقعية والأشكال الهندسية نافذة قصر خربة المفجر حيث شغلت تلك العناصر مساحات كثيرة من النافذة.

طراز سامرا الأول (زخرفة جصية) طراز سامرا الثاني (زخرفة جصية)

المرحلة الثانية:

وتسمى مرحلة الممارسة والابتكار، فيها عرف المسلمون فن التحوير وأجادوا وابتكروا. بدأت هذه المرحلة في بداية القرن 3هـ/9م قبيل نهاية العصر العباسي الأول، وارتبطت بما عثر عليه علما الآثار من زخارف جصية بمدينة سامرا التي أنشأها الخليفة العباسي المعتصم بالله سنة 222هـ/836م لجنده من الترك؛ فقد عثروا على كميات كبيرة من الرسوم والزخرفة الجصية التي شاع استخدامها في تكسيات العمائر في عصر الدولة العباسية وما انشق عنها من دويلات، وقد قسم العلما الزخارف الجصية في هذه المدينة إلى ثلاثة طرز هي كالتالي:

الطراز الأول:

وكانت زخارفه قريبة من الطبيعة؛ إذ كان قوام الزخارف النباتية فيه ورقة العنب ذات الفصوص الثلاثة والخمسة كما كان متبعاً في العصر الأموي، وبعض كيزان الصنوبر والمراوح النخيلية التي مُلئت بداخلها ببعض الأشكال الهندسية.

طراز سامرا الثالث (زخرفة جصية)

الطراز الثاني:

ضم هذا الطراز بعض الزخارف النباتية التي تبعد بعض الشي عن أصولها الطبيعية، وامتلأت العناصر الزخرفية بالزخارف الداخلية من عروق نخيلية وأشكال هندسية، واتسمت هذه الزخارف بأنها أقل عمقاً في الحفر من المرحلة السابقة.

الطراز الثالث:

تم فيه تحوير العناصر النباتية تحويراً شديداً يبعد عن الطبيعة فلا يُعرَف بداية أو نهاية للعناصر النباتية، وهذا الطراز أحدث تحولاً كبيراً في فن الزخرفة الإسلامية بصفة عامة وفن التحوير بصفة خاصة؛ إذ يتميز هذا الطراز بتنفيذ زخارفه بالحفر المائل أو المشطوف، كما تخلص من الأرضيات العميقة. وكان قوام العناصر الزخرفية لهذا الطراز المراوح النخيلية الكاملة وأنصافها والورقة الجناحية، وحلت هذه العناصر محل أوراق العنب وصارت المروحة النخلية ورقة ذات خمسة فصوص أو سبعة تبدأ بفصَين حلزونيَّين ثم يعقب ذلك فصوص نصف دائرية.

وانتقل طراز سامرا الثالث على الجص إلى مصر على يد أحمد بن طولون (٢٥٤ - ٢٧٠هـ/٨٦٨ - ٨٣٨م) حيث كشفت حفائر الفسطاط عن بيوت مزخرفة بتكسيات جصية على نمط طراز سامرا الثالث، وانتقل هذا الطراز بدوره إلى بلاد المغرب حيث ظهر في المحراب الرخامي لجامع القيروان بتونس الذي شيده زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب في سنة 221هـ/835م (أحد أمرا دولة الأغالبة) فقد برزت الزخارف النباتية واعتمدت على فروع نباتية تتثنى وتكوّن أشكال دوائر تحفر بداخلها أوراق عنب وأنصاف مراوح نخيلية، وقد ظهرت ورقة العنب داخل الزخرفة بأكثر من صورة وخرجت منها الزهور على الفرع. ولعل أروع الأمثلة التي يظهر فيها التحوير ويُمثل طراز سامرا الثالث هو أحد تيجان الأعمدة الرخامية المحفوظة بمتحف المتروبوليتان بنيويورك، فقد نفذت فيه الزخارف بطريقة الحفر المائل أو المشطوف ونقش عليه تفريعات من المراوح النخيلية على هيئة زهرة لوتس محورة ومحفورة حفراً مائلاً وفي أركان التاج أوراق الأكانتس.

يوجد بمتحف الفن الإسلامي بمصر قطعة خشبية يرجع تاريخها إلى العصر الطولوني يبلغ طولها 59 سم × 14.5 سم، عليها بعض الزخارف النباتية المحورة، كما يوجد أيضاً حشوة من الخشب مستطيلة الشكل عليها زخارف نباتية محورة ومحفورة حفراً مائلاً.

قطعة خشبية لطائر محورة من العصر   الطولوني (متحف اللو فر)     تاج عامود الألباستر عباسي (قرن 3هـ/9م) - سورية: يوضح طراز الزخارف بطريقة الحفر المائل أو المشطوف (متحف متروبوليتان - نيويورك)

المرحلة الثالثة

وهي مرحلة الإبداع: بلغ فيها فن التحوير الذروة واتخذ مساره الصحيح نحو التطور، حيث رأى الفنانون المسلمون ضرورة تعميق الحفر على الأرضية حتى تكون عناصر الزخرفة أكثر ظهوراً ووضوحاً مع المحافظة على انسيابها وجعلها أكثر تناسقاً وتماثلاً.

وقد بدأت هذه المرحلة منذ عصر الدولة الفاطمية واستمرت خلال العصرين الأيوبي والمملوكي بشقيه البحري والبرجي.

حيث خطا فن التحوير في العصر الفاطمي خطوات واسعة إذ ظهر تحور العناصر النباتية والأشكال الهندسية والكتابات على العمائر وعلى أسطح القطع الخشبية.

ولعل أشهر الأمثلة وأروعها التي يظهر فيها فن التحوير هي الواجهة الداخلية للجامع الأزهر حيث يوجد بها حنايا ذات نقوش نباتية محورة وهندسية، وكذلك الزخارف النباتية المحورة الموجودة في الإطار الجصي تحت السقف.

ولم يطرأ أي تغيير على فن التحوير في العصر الأيوبي حيث ظلت الأساليب الفنية الفاطمية هي المتبعة في عهد الأيوبيين نظراً لانشغالهم بالحروب.

محراب خشبي (متحرك)، السيدة نفيسة من العصر الفاطمي
(المتحف الإسلامي بالقاهرة)

وخير الأمثلة التي يظهر فيها فن التحوير في هذا العصر؛ هي شبابيك القلل (المشربيات) الموجودة بمتحف الفن الإسلامي بالقاهرة فهي زاخرة بالرسوم النباتية والمحورة والأشكال الهندسية ويرجع تاريخها إلى العصر الأيوبي.

وبعد استيلا المماليك على مصر أصبحت مقراً للخلافة العباسية الثانية، وقبلة وملاذاً للصناع والفنانين الفارين من هجمات المغول، كما كانت مصر معبراً آمناً للقوافل التجارية التي تمر بأرضها فتوافرت الأموال لها وللأيدي الماهرة كما أدى تشجيع الأمرا والسلاطين المماليك ورعايتهم للفنانين إلى ازدهار الحياة الفنية والأساليب الزخرفية وكان منها فن التحوير؛ ولعل العمائر والمباني العامة والقصور المملوكية وما خلَّفه ذلك العصر من تحف شواهد على مدى تقدم فن التحوير وازدهاره في ذلك العصر.

وقد زاد ميل الفنان المسلم إلى استخدام العناصر النباتية المحورة والأشكال الهندسية فتداخلت العناصر النباتية والهندسية بعضها مع بعض في تراكيب متنوعة بما لا يؤثر في القيمة الجمالية للقطعة الفنية.

ولم يقتصر الفنان في العصر المملوكي على زخرفة الجدران والمنابر فقط بل استخدم النباتات المحورة والأشكال الهندسية في تزيين أغلفة المصاحف والكتب.

فاطمة السليطي

مراجع للاستزادة:

- علي أحمد الطايش، الفنون الزخرفية الإسلامية المبكرة (مكتبة زهرا الشرق، القاهرة ٢٠٠٣م).

- زكي محمد حسن، الفن الإسلامي في مصر (الهيئة العامة للكتاب، القاهرة ١٩٨٢م).

- حسن الباشا، التصوير الإسلامي في العصور الوسطى (دار النهضة العربية، القاهرة د.ت).

 


التصنيف : آثار إسلامية
المجلد: المجلد الرابع
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1068
الكل : 45632094
اليوم : 32777