logo

logo

logo

logo

logo

جايا

جايا

-

 جايا

جايا

 

 

تروي الأساطير الإغريقية-الرومانية أن هذا العالم كان في أصله فراغاً كونياً واسعاً مضطرباً تعتريه الفوضى، يعُرف باسم كاؤس Chaos الإله الأّول ، حيث جميع الأشياء الموجودة فيه آنذاك كانت مختفية في ظلامه سابحة في فوضاه، وتدريجياً وعبر عدة عصور طويلة سئم هذا الإله أن يكون مجرد ظلام وفوضى، فقرر أن يُقسِم نفسه إلى إلهين عظيمين: الأول تمثله جايا= Gaea، أو كما تعرف بالكتابات اليونانية القديمة جي Γη أو جايا Γαια إلهة الأرض، والثاني كان أورانوس Uranus (وصيغته باليونانية القديمة Ouranos) إله السماء المخيمة فوق الأرض.

نقش نافر لجايا على أحد جدران مذبح السلام - روما

الجانب الأسطوري:

بعد أن انبثقت جايا من الفراغ الكوني كاؤس اقترنت بأخيها أورانوس فكوّنت معه أول زوج إلهي، وأنجبت منه عدداً من الأولاد كانوا على النحو التالي: اثنا عشر ابناً وبنتاً عرفوا بالتيتان Titans، وستة من العمالقة كانوا على نوعين:ثلاثة كان لكل واحد منهم عين واحدة في رأسه عرف باسم سيكلوب Cyclope، وثلاثة آخرين كان لكل واحد منهم مئة يد، عرفوا باسم هيكاتونكيريس Hecatoncheires. كما تزوجت جايا أيضاً تارتاروس Tartarus إله أعماق الجحيم، وهو تجسيد لهوة سحيقة جداً مملوءة بالظلام السرمدي، وأنجبت منه ما يعرف بالتيفون Typhon.

وقد مثلت جايا بوصفها إلهة مجسدة لقوة الخصب والعطاء لدى الإغريق إلى جانب كونها الإلهة الحامية للتكاثر الجنسي، أما عن الرومان فقد عُبدت تحت اسم تيلّوس Tellus بوصفها إلهة مجسدة للوفرة والخصب إلى جانب كونها الإلهة التي ترعى البشر، وتحمي الغلال. وقد علا شأنها لديهم إذ بجلوها لدرجة عُدّت الإلهة الأولى بين الآلهة كلها، فهي من يطعم الأحياء جميعاً، ويبث الحياة في الثمار والقطعان والبشر، فأطلقوا عليها فيما بعد اسم الأرض Terra ، واسم الأم أحياناً Mater، ولقبوها بالمُعلية والمُغذية. وكانت تيلّوس ترعى ولادة الحياة بمختلف أشكالها لذا كان الناس يلجؤون إليها عند الزواج أيضاً؛ لكي ترزق الأسرة الجديدة ذرية صالحة كثيرة العدد. كما أن الأرض لا تستقبل بذار الحياة الجديدة فقط، بل الموتى أيضاً؛ ولهذا عدت تيلّوس ربة الدفن.

ومع مرور الزمن ضاعت ميزات تيلّوس الخاصة وذلك لكونها انصهرت في العديد من الآلهة الرومانية ومنها سيريس Ceres إلهة الزراعة والحامية للفلاحين حيث تشمل عبادتها تقديس بذرة الحياة بكل مظاهرها، وتقابلها ديميتر Demeter إلهة القمح والحصاد والخصب لدى الإغريق.

لوحة فسيفسائية أخرى لجايا- مدينة شهبا
لوحة فسيفسائية تظهر جايا في مشهد أسطوري- مدينة شهبا

جايا في الفنون الكلاسيكية السورية:

بوجه عام مُثلت جايا في الفنون الكلاسيكية ولاسيما الرومانية منها وفق نموذج إيقونوغرافي ظهرت بموجبه على هيئة امرأة تحمل قرن الخصب أو بعض الأزهار والثمار، وتحيط بها مجموعة من الأطفال والحيوانات، كتلك التي ترى ضمن نقشٍ نافرٍ زيّن أحد جدران مذبح السلام الأغسطي في روما، بدت من خلاله جايا جالسةً على صخرةٍ تحتضن طفليها، وقد أحيطت بالزهور والنباتات وبعض الحيوانات، وامتلأ حجرها بالثمار الرامزة إلى خصوبتها. وقد ظهر هذه النموذج الإيقونوغرافي في بعض الفنون السورية الكلاسيكية ولاسيما منها فن الفسيفساء، إذ قدمت بعض إبداعات هذا الفن دلائل على الأهمية الفنية التي حظيت بها جايا، ففي واحدةٍ من لوحات الفسيفساء المكتشفة في مدينة شهبا[ر] Shahba مطلع الخمسينيات من القرن الماضي والمؤرخة نحو منتصف القرن الثالث الميلادي تظهر هذه الإلهة ضمن مشهد أسطوري على هيئة امرأة شبه عارية، جالسة بشكل مسترخٍ في وضعية الثلاثة أرباع، وتتجه نحو اليسار برأسها المحاط بهالة القداسة، والمتوج بسلة مملوءة بأنواع مختلفة من الفاكهة، تعرف بالصيغة اليونانية القديمة كالاثوس Calathos، وتسند بيدها اليمنى قرن خصب تدلت من فوهته عناقيد العنب، وفي الوقت نفسه تتكئ على صخرة صغيرة نقش عليها اسمها بالأحرف اليونانية القديمة على الشكل التالي ГН، وحولها أربعة أطفال صغار عراة توجت رؤوسهم بالفاكهة، وحملوا بين أيديهم سلالاً مملوءة بخيرات الأرض، ويعتقد أنهم يمثلون أولادها آلهة الفواكه.

لوحة جايا الفسيفسائية المكتشفة في عمريت
تمثال فضي لجايا

وفي لوحة أخرى من مدينة شهبا اكتشفت عام ١٩٣٤م بالقرب من الحمامات الكبرى - وأُرخت نحو منتصف القرن الثالث الميلادي- تظهر جايا على هيئة سيدة رومانية نبيلة موقرة تقف في وضعية الثلاثة أرباع، وقد تزينت بالأساور، وغرس تاج من سنابل القمح في شعرها الأسود الطويل المنسدل على كتفيها، وكالاثوس اعتمرته فوق رأسها، وبدت من خلال حركة يديها وانثناء قدمها اليمنى وكأنها تتقدم دافعةً أمامها أربعة أطفال صغار توجت رؤوسهم بأنواع متعددة من منتجات الأرض الزراعية، وقد مثل هؤلاء الأطفال فصول السنة الأربعة وذلك وفقاً لكتابات يونانية قديمة دونت بالقرب منهم، كان من بينها ثيروس Θεροc وتعني فصل الصيف.

وكُشِف في موقع آخر وهو مدينة عمريت[ر] Marathus على الساحل السوري عن أرضية فسيفسائية ضمت عدة لوحات كان من بينها لوحة قسمت إلى ثلاثة أقسام، حمل القسم الأوسط منها صورة نصفية لامرأة تتجه نحو اليمين، وقد زُين شعرها الكثيف بالكالاثوس، وبأنواع مختلفة من الفاكهة وزعت حوله كالعنب والرُمّان. وعلى كتفها اليسرى تظهر بقايا قرن الخصب والوفرة في إشارة لإلهة الأرض جايا.

ولم يقتصر هذا النموذج الإيقونوغرافي في تجسيد هذه الإلهة على فن الفسيفساء، وإنما ظهر في فنون أخرى مثل التماثيل الزجاجية التي قدمت شاهداً على هذا النموذج تمثل بتحفة معروضة في الجناح الكلاسيكي في المتحف الوطني بدمشق.

مما سبق تبرز الأهمية التي حظيت بها هذه الإلهة من قبل الفنان السوري الذي حاول عبر بعض فنونه تمثيلها وفق نموذجين أساسين: الأول كان على هيئة امرأة تحمل قرن الخصب ومحاطة بالأولاد، والثاني ضمن صورة نصفية محاطة بالفاكهة وتسند قرن الخصب إلى إحدى كتفيها، وفي كلا النموذجين كان يعتمر فوق رأسها الكالاثوس المملوء بأنواع مختلفة من الفاكهة.

أسامة نوفل

مراجع للاستزادة:

- بولي سيركين، أساطير روما القديمة، ترجمة هاشم حمادي(دمشق ٢٠١١م).

- ماكس شابير، هندريكس، رودا، معجم الأساطير، ترجمة حنا عبود (دمشق ١٩٩٩م).

- سهيل عثمان، عبد الرزاق الأصفر، معجم الأساطير اليونانية والرومانية (دمشق ١٩٨٢م).


التصنيف : آثار كلاسيكية
المجلد: المجلد الرابع
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1087
الكل : 45629578
اليوم : 30261