logo

logo

logo

logo

logo

أنطيوخوس

انطيوخوس

Antiochus -

 أنطيوخوس

أنطيوخوس

أنطيوخوس الأول (سوتير) أنطيوخوس السابع (يورجتِس: المحسن)
أنطيوخوس الثاني (ثيوس) أنطيوخوس الصغير (إبيفانس)
أنطيوخوس الثالث (ميغاس) أنطيوخوس الثامن (غريبوس)
أنطيوخوس بن سلوقس الرابع  أنطيوخوس التاسع (فيلوباتور)
أنطيوخوس الرابع (إبيفانس) أنطيوخوس الثاني عشر (ديونيسوس)
 أنطيوخوس الخامس (ايوباتور) أنطيوخوس الثالث عشر (فيلادِلفوس)
أنطيوخوس السادس (ديونيسوس)  
 

أنطيوخوس Antiochus اسم مقدوني حمله ثلاثة عشر ملكاً من ملوك الأسرة السلوقية التي حكمت سورية بعد اقتسام القادة العسكريين لامبراطورية الإسكندر الكبير عقب وفاته في حزيران من سنة 323 ق.م، يضاف إليهم ملكان أكدت المكتشفات الأثرية الحديثة وجودهما وهما أنطيوخوس بن سلوقس الرابع (175) ق.م وأنطيوخوس الصغير إبيفانس (128) ق.م. وكان الملك سلوقس الأول نيكاتور (المنتصر) Seleucus I Nicator ابن أنطيوخوس أول ملوك هذه الأسرة التي أسست حكمها رسمياً في الأول من شهر ديوس "Dios" (تشرين الأول) سنة 312 ق.م، وامتدت حدودها عند وفاة سلوقس من مقدونيا وتراقيا غرباً حتى حدود الهند شرقاً كما شملت آسيا. وقد استمرت سلالته في الحكم حتى سنة 64 ق.م عندما تمكن القائد الروماني بومبي من دخول البلاد ووضع حدٍ للفوضى والاضطرابات الناجمة عن الصراع على العرش والحروب الأهلية التي أنهكت البلاد والسكان في القرن الأول قبل الميلاد.

أما الملوك السلوقيون الذين حملوا اسم أنطيوخوس فهم:

1- أنطيوخوس الأول (سوتير) -Antiochus I Soter - (281-261) ق.م:

وهو ابن سلوقس الأول من زوجته الفارسية أباما. كان في الثانية والأربعين من عمره تقريباً عندما خلف والده على عرش المملكة، وكان قد حكم الساترابيات Satrapies أي المقاطعات الشرقية من مركزه في سلوقية دجلة، لمدة ثلاث عشرة سنةً تقريباً (293-281) ق.م. وجد أنطيوخوس نفسه وريثاً لمملكةٍ واسعة الأرجاء مهددةٍ بالانحلال، فعقب اغتيال سلوقس مباشرةً بدأت المدن والمقاطعات تتصرف على نحوٍ مستقل، وبدأ الأمراء التابعون بالتمرد، وشرع الملوك المجاورون في الاستيلاء على المناطق النائية التابعة للمملكة. كما عانت المدن اليونانية الواقعة على الساحل الإيجي هجمات الغلاطيين (الغاليين) Galatians، فاستغاثت بأنطيوخوس الذي لم يتمكن من التعامل معهم بفعالية قبل مضي أربع سنوات على بدء هجماتهم، حيث تمكن من هزيمتهم سنة 275 ق.م بمساعدة فرقةٍ من الفيلة الباكتيرية المدرعة، واستحق أنطيوخوس لقب "سوتير" أي "المنقذ" لأنه أنقذ الإغريق من تعديات الغلاطيين. بدأت في عهد أنطيوخوس ما عُرف لدى المؤرخين بـاسم الحروب السورية بين الأسرتين السلوقية والبطلمية الحاكمة في مصر، وذلك من أجل السيطرة على سورية المجوفة Coele Syria. ولا يُعرف الكثير عن حياة أنطيوخوس في السنوات الأخيرة الممتدة من سنة 271 ق.م حتى وفاته سنة 261ق.م في مدينة ساردس Sardes - عاصمة ليدية - سوى أنّه تعرض في سنة 262 ق.م إلى هزيمةٍ قاسية على يد يومينيس Eumenes I الأول حاكم بيرغامه Pergamon في آسيا الصغرى.

سكّ أنطيوخوس خلال عهده العديد من الإصدارت النقدية، وقد تابع في البداية سكّ إصدارات والده سلوقس الأول من النمط الإسكندري في كل من ورشات سك أنطاكية وأفامية ودمشق وورشة سك مجهولة في كبادوكية أو سورية، وجميعاً تحمل اسمه ولقبه "الملك أنطيوخوس" BAΣΙΛΕΣ ANTIOXOY، لكنّ ورشة سك اللاذقية (لاوديكية قرب البحر- Laodicea ad Mare) تابعت سكّ التيترادراخمات الإسكندرية باسم أبيه "سلوقس" حتى نهاية عهده. وبدءاً من نحو سنة 278ق.م بدأ إنتاج مسكوكات أنطيوخوس الشخصية - التي سُكت من المعادن الثمينة (الذهب والفضة) - بالازدياد في مختلف أرجاء الامبراطورية. وهي تحمل صورته الجانبية الخاصة على الوجه، في حين تحمل على الظهر صورة الإله "أبولو" العاري جالساً فوق الأومفالوس (كرسي بثلاث قوائم)، مستنداً بيده اليسرى إلى قوسه المستند إلى الأرض ويمسك بيده اليمنى الممتدة سهماً أو سهمين أو حتى ثلاثة، وتُعرف هذه الإصدارات بنمط أنطيوخوس، وقد بقي هذا النمط لأجيالٍ طويلةٍ النمط المفضل للملوك السلوقيين. كما أصدرت ورشة سك أنطاكية - التي أصبحت بحدود هذه الفترة مركز إدارة الامبراطوية - مجموعةً من الإصدارات البرونزية التي لاتتميز بتنوعها فحسب بل بأحجامها.

2- أنطيوخوس الثاني (ثيوس)- Antiochus II Theos- (261-246) ق.م:

ثاني أبناء أنطيوخوس الأول. شارك أباه في الحكم منذ سنة 265 ق.م. كان في الرابعة والعشرين أو الخامسة والعشرين من عمره عندما تولى العرش بعد وفاة والده. ولم يمضِ على تتويجه ملكاً أقل من سنة حتى استأنف بطلميوس الثاني فيلاديلفوس مجدداً الحرب بين المملكتين لتبدأ "الحرب السورية الثانية" التي استمرت حتى سنة 253 ق.م تقريباً ودارت رحاها- رغم اسمها- على نحو أساسي في آسيا الصغرى. ومع أنّ تفاصيل هذه الحرب عموماً غامضة، من المرجح أنّ أنطيوخوس الثاني قد تمكن من تحقيق انتصارات في آسيا الصغرى خلال الفترة ما بين (258-254 ق.م)، كما تمكن من السيطرة على معظم الساحل الغربي لآسيا الصغرى، وكرّمه أهالي مدينة ميليتوس Miletos بمنحه لقب (ثيوس= الإله) لأنه خلّصهم من الطاغية تيمارخوس، كما تمكن أنطيوخوس من الاستيلاء على أغنى وأجمل المدن الأيونية، وهي مدينة إفسوس Ephesos التي أصبحت مقر إقامته المفضل، ثمّ تابع زحفه حتى وصل إلى تراقيا Thrace، وكانت المرة الأولى التي تطأ فيها قدما ملك سلوقي أرض هذه المنطقة منذ اغتيال سلوقس الأول. وفي أثناء انشغال أنطيوخوس بهذه الحروب الغربية كانت مقاطعاته الشرقية تتهاوى، فقد تمكن ديودوتوس في سنة 256 ق.م من الثورة في ساترابية (أي مقاطعة) باكتريا الغنية بالمصادر والكثيفة بالسكان، وأسس ما أصبح يُعرف لاحقاً بالمملكة الإغريقية الباكتيرية Greco-Bactrian Kingdom. اضطرت هذه التطورات أنطيوخوس إلى إنهاء حالة الحرب مع البطالمة فعُقدت معاهدة سلامٍ بين المملكتين تكللت بمصاهرةٍ بين العائلتين الملكيتين، حيث تزوج أنطيوخوس من بيرينيكي Berenike ابنة بطلميوس، وتطّلب هذا الزواج من أنطيوخوس إزاحة زوجته الملكة "لاوديكي" Laodike مع ولديها (سلوقس وأنطيوخوس) لتحل مكانها الزوجة الجديدة. فتمركزت السلطة مجدداً في أنطاكية وأهملت منطقة آسيا الصغرى التي كانت مركز نفوذ لاوديكي، لكن الملكة لاوديكي لم تكن من النساء اللواتي يرضخن للذل، فعملت بجدٍّ لاستعادة مكانتها السابقة حيث نجحت في استمالة أنطيوخوس أخيراً، لتصبح بيرينيكي وحيدةً في أنطاكية في نحو سنة 246 ق.م، وقد تزامن ذلك مع موت أخيها بطلميوس الثاني. اجتاز الملك جبال طوروس في طريقه إلى مدينة "إفسوس" للعيش مجدداً مع زوجته السابقة ولكنه لم ينعم بذلك طويلاً إذ سرعان ما توفى بعد وصوله إلى إفسوس بوقتٍ قصير عن عمرٍ ناهز الواحد والأربعين، ويُعتقد أنّ لاوديكي قد قتلته بدّس السم له لتمنع تعرّض وراثة ابنها للخطر مرةً أخرى بسبب تقلبات مزاجه.

وخلال عهد أنطيوخوس الثاني تابعت العديد من ورشات السك الامبراطورية إنتاج الإصدارات الفضية التي دشّنها والده، كما تابعت ورشة سك اللاذقية إصداراتها السابقة من النمط "الإسكندري" وباسم "سلوقس" من دون أي تغيير.

3- أنطيوخوس الثالث (ميغاس)- Antiochus III Megas - (223-187) ق.م:

الابن الأصغر لسلوقس الثاني وشقيق سلوقس الثالث، لم يكن يتجاوز العشرين من عمره عندما خلف أخاه، وكان خاضعاً لسيطرة وزيره الأول هرمياس Hermias الذي ترك له سلوقس الثالث أمر إدارة سورية. كانت الامبراطورية السلوقية في تلك الفترة على وشك التفكك، فمقاطعاتها الآسيوية كانت بين يدي أتالوس الأول، الذي أراد جعل بيرغامه عاصمةً لآسيا الصغرى، ولم تعد المقاطعات الواقعة في الشرق تنتمي إلى السلوقيين، كما أنّ سورية المجوفة كانت تابعة للبطالمة. وقام ساتراب ميدية المدعو مولون Molon بالتمرّد على السلطة السلوقية؛ حيث قام بغزو مقاطعة بابيلونيا سنة 222 ق.م، وأعقبه تمرّد القائد آخايوس Achaius الذي تمكن من استعادة آسيا الصغرى من أتالوس، ثم أعلن نفسه ملكاً. لكن أنطيوخوس الثالث تمكن من استعادة السيطرة والهيبة السلوقية بعد تحقيقه انتصاراً تلو الآخر رغم ارتكابه أخطاء استراتيجية في البداية كادت تودي بحكمه تحت تأثير الوزير الماكر هيرمياس. وبعد أن سئم أنطيوخوس من مكائد هيرمياس، تدبّر أمر التخلص منه بخطةٍ كان لأنطيوخوس نفسه دورٌ فيها. واستأنف أنطيوخوس بعد عودته من الحملة الشرقية الأولى سنة 220 ق.م الحرب مع بطلميوس الرابع حيث هاجم مدينة سلوقية بيرية التي كانت في أيدي البطالمة منذ سنة 246 ق.م - الحرب السورية الثالثة - لتبدأ بذلك الحرب السورية الرابعة في ربيع سنة 219 ق.م. وتمكن أنطيوخوس من الاستيلاء على المدينة بسهولة، ثم تابع زحفه جنوباً ليصبح مع نهاية سنة 218 ق.م سيداً على كامل سورية البطلمية، باستثناء صيدا وجنوبي فلسطين. لكنّ بطلميوس تمكن من استجماع قواه وأعاد تنظيم جيشٍ جديد وحقق انتصاراً ساحقاً على جيوش أنطيوخوس في حزيران من سنة 217 ق.م في معركة رافيا Raphia (رفح) وانكفأ أنطيوخوس على إثرها إلى العاصمة أنطاكية خشية أن يستثمر آخايوس نتائج المعركة لمصلحته، بينما أعاد بطلميوس احتلال سورية المجوفة وفينيقيا البطلمية، وتم توقيع اتفاقية سلام بين الطرفين في السنة نفسها تقوم على قاعدة "عودة الحال إلى ما كانت عليه قبل الحرب" status quo ante، باستثناء احتفاظ أنطيوخوس بسلوقية بيرية إلى جانب المراكز البطلمية الأخرى الواقعة إلى الشمال من نهر الإلوثيروس Eleutheros (النهر الكبير الجنوبي). ولم يكن الإخفاق الذي أصاب أنطيوخوس في معركة رفح ليثني ملكاً مثله عن خطته الرامية إلى إعادة بناء امبراطورية أجداده، فسرعان ما أعاد تشكيل قواته وتدريبها وبادر إلى تسوية علاقاته مع أتالوس ملك برغامه والعدو الطبيعي للبلاط السوري وتحييده قدر الإمكان في صراعه ضد آخايوس الذي تعاظم خطره إلى درجةٍ بات يُهدد العرش السلوقي، ولا يُعرف الكثير عن سير حوادث الحرب بين أنطيوخوس وآخايوس سوى أنّ مدّتها كانت أربع سنوات حيث بدأت في سنة 216 ق.م وانتهت بحصار ساردس الذي دام سنةً كاملة ومن ثم أسر آخايوس وإعدامه. ثم توجّه أنطيوخوس مجدداً إلى الشرق في حملةٍ عسكريةٍ ثانية، وذلك بسبب استخفاف بعض ولاة الامبراطورية في أقاصي الشرق بالسلطة الملكية إلى حدّ مناداة بعضهم بالاستقلال عنها. وقد استغرقت هذه الحملة الفترة ما بين (212-204 ق.م) تمكن أنطيوخوس خلالها من استعادة سلطة الدولة في الولايات الشرقية. ثم توجه بعد ذلك إلى وادي نهر الهندوس (السند) حيث قام بتنصيب أحد الموالين له من الحكام المحليين نظير الاعتراف بسلطة التاج السلوقي، وحصل منه على عددٍ من الفيلة. ثم عاد نحو عاصمته الشرقية سلوقية دجلة، حيث وصل إليها في سنة 205 ق.م وأصبح منذ هذا التاريخ فصاعداً يعرف في الغرب بلقب "الملك العظيم"، مثلما أصبح معروفاً في الشرق بلقب أنطيوخوس نيكاتور (المنتصر). وبعد استعادته لزمام الأمور في الشرق قرّر أنطيوخوس تصفية حسابه القديم مع مصر، ولاسيما أنّ الملك بطلميوس الرابع قد مات في سنة 205 ق.م وآل عرش البطالمة إلى طفلٍ صغير مغلوبٍ على أمره هو بطلميوس الخامس إبيفانس. وبدأت الحرب السورية الخامسة في سنة 202 ق.م بتغلغل قوات أنطيوخوس في سورية المجوفة مستغلةً الاضطرابات التي وقعت في الإسكندرية؛ والتي نجمت عن الصراع بين الأوصياء على العرش البطلمي. تمكن أنطيوخوس في البداية من غزو كامل سورية الجنوبية رغم مقاومة غزة التي استمرت حتى خريف سنة 201 ق.م. وبعد معركة بانيون Panion (بانياس) في ربيع سنة 200 ق.م سيطر أنطيوخوس على كامل سورية المجوفة لتنتهي بذلك الهيمنة البطلمية على هذه المنطقة إلى غير رجعة بعد أن دامت أكثر من قرنٍ من الزمن. ولم يكتف أنطيوخوس بما أصابه من نجاح في استعادته ما عجز عنه أسلافه، فاستغل فرصة الصراع الذي اندلع بين فيليب الخامس وروما، وأخذ يفكر في استعادة جميع الممتلكات السلوقية في آسيا الصغرى، وفي ربيع سنة 197 ق.م زحف بقواته على آسيا الصغرى واستولى على الممتلكات البطلمية في تلك المنطقة. وقد أثارت تحركات أنطيوخوس مخاوف الرومان ولاسيما بعد عبوره مضيق الهيليسبونت (الدردنيل) واستيلائه على إقليم تراقيا. وبعد هزيمة هانيبال في معركة زاما 202 ق.م فرّ إلى مدينة صور الفينيقية، ثم توجه بعد ذلك إلى إفسوس في صيف سنة 195 ق.م، حيث التقى أنطيوخوس الثالث وعرض عليه أن يضع تحت تصرفه كل خبراته في الحرب مع الرومان مما أثار غضبهم. وفي سنة 191 ق.م تمكن الجيش الروماني من دفع السلوقيين خارج تساليا ثم هُزم أنطيوخوس نفسه في ثرموبيلاي Thermopylai وانسحب فجأةّ من اليونان إلى آسيا. وفي السنة التالية دار القتال بصفة رئيسية في البحر، وساهم أسطولا برغامه ورودس إلى جانب الأسطول الروماني في إنزال هزيمتين قاسيتين بأسطول أنطيوخوس والتعزيزات الفينيقية التي اصطحبها هانيبال في سنة 190 ق.م؛ أصبح على إثرها الأسطول السلوقي مشلولاً تماماً. وفي أثناء هذا كله كانت روما قد سيّرت جيشاً آخر بقيادة القنصل لوكيوس كورنيليوس اسكيبيو Lucius Cornelius Scipio وبإشراف أخيه سكيبيو أفريكانوس قاهر هانيبال في زاما، حيث تمكن هذا الجيش من عبور مقدونيا وتراقيا بسهولة بفضل مساعدة فيليب الخامس. وكان أنطيوخوس بعد هزيمة أسطوله قد انسحب من تراقيا، وأخفقت جميع محاولاته لإبعاد شبح الحرب عن طريق المفاوضات. وفي المعركة الأخيرة في ماغنيزيا على نهر سيبيلوم Magnesia ad Sipylum التقى الجيشان وجهاً لوجه في كانون الثاني من سنة 189 ق.م، ولقي أنطيوخوس هزيمةً ثقيلةً مع أن تعداد جيشه كان يبلغ ضعف الجيش الروماني، ثمّ فرّ إلى سارديس ثم إلى أفاميا (في فريجيا) واضطر إلى قبول صلحٍ مهينٍ تم توقيعه هناك في صيف سنة 188 ق.م وعُرف بصلح أفامية، تعهد فيه بالتخلي عن جميع ممتلكاته في بلاد اليونان وآسيا الصغرى حتى جبال طوروس، وبأن يدفع تكاليف الحرب التي قُدّرت بخمسة عشر ألف تالنت يُدفع خمسها عاجلاً والأربعة أخماس على مدى اثنتي عشرة سنة، وأن يسلم جميع فيلته وسفنه الحربية ما خلا عشراً، وكذلك تسليم هانيبال ومعه عشرون رهينة، من بينهم ابنه أنطيوخوس (الرابع فيما بعد).

كانت هزيمة ماغنيزيا هي النهاية الحقيقية لأنطيوخوس الثالث، ولكنّ وفاته جاءت في السنة التالية لصلح أفامية، أي في السنة 187 ق.م، حيث لقي حتفه في أثناء محاولته الاستيلاء على كنز أحد المعابد العيلامية المكرسة للإله بل.

ونظراً لطول مدّة حكم أنطيوخوس الثالث التي بلغت نحو ست وثلاثين سنةً وحملاته العسكرية المتعددة فإنّه من الطبيعي أن تكون إصداراته الأكثر وفرةً وتنوعاً بين إصدارات جميع الملوك السلوقيين. وإذا ما استُثنيت بعض الستاتيرات والتيترادراخما الإسكندرية وإصداران من فئة الهيمي أوبول، فإنّ جميع مسكوكات أنطيوخوس الثالث تحمل صورته الجانبية على الوجه، ونمط "أبولو" إله الأسرة السلوقية أو نمط "الفيل" الذي يرمز إلى قوته العسكرية على الظهر. كما حمل القسم الأعظم من مسكوكاته البرونزية أنماط "أبولو" (أبولو، أو أنطيوخوس الثالث ممثلاً بهيئةٍ تشبه صورة أبولو، أو الحامل الثلاثي القوائم)، أو أنماطاً عسكريةً (كالترس، والفيل، ونيكي) وهي تعلن بوضوح عن شرعيته وسلطته. في حين ظهرت أنماطٌ أخرى محلية في إكباتانا (الفرس أو المهر)، وفي صور (جزء من سفينة أو شجرة نخيل). وتظهر مسكوكات أنطاكية التي سُكت بين (208-200 ق.م) قمة الواقعية الفنية، فقسمات وجه أنطيوخوس الثالث أكثر صرامة، وتظهر صورته بجبين بارزٍ مائلٍ ومتجعّد، وشعرٍ منحسرٍ عن الجبهة، وحاجبين مائلين بشدة، وجعلت وجنته الضامرة عظم الخد الناتئ يبرز بوضوح في النقش، ويبدو أنفه ذا انحنائين وينتهي بطرفٍ مستدّقٍ طويل، وفمه ذا شفتين رقيقتين وزوايا مجعّدة، كما أنّ شعره أصبح خفيفاً على جانبي رأسه. يظهر هذا النقد بوضوح آثار السنين وتعب المعارك والخبرات التي تركت بصماتها بوضوح على وجه أنطيوخوس الذي تتطابق صوره الممثلة على مسكوكات هذه الفترة مع التمثال النصفي الرخامي الرائع الموجود في متحف اللوڤر، الذي يعتقد المختصون بتاريخ الفن أنّه مطابق تماماً لأنطيوخوس الثالث، ويمكن تأريخه في نحو سنة 200 ق.م أو بعد ذلك بفترة قصيرة.

4- أنطيوخوس بن سلوقس الرابع -Antiochus, Son of Seleucus IV (أيلول- تشرين الأول/ تشرين الثاني 175) ق.م:

بعد اغتيال سلوقس الرابع حاول وزيره هيليودوروس الاستيلاء على مقاليد الحكم، فأعلن الطفل أنطيوخوس بن سلوقس الرابع ملكاً. ومما لاشكّ فيه أنّ هيليودوروس كان ينوي الاستئثار بكامل السلطة الملكية لنفسه، لكنه كان سيخسر أكثر مما سيكسب بادعائه الدياديما (التاج) لنفسه. لذا فضّل التستر خلف الملك الطفل على أمل أن يجعل منه أداةً بيديه، لذا عيّن أم الطفل أرملة الملك القتيل الملكة لاوديكي الرابعة ملكةً مشتركةً في الحكم. لكنّ خطة هيليودوروس سرعان ما باءت بالإخفاق، حيث تمكن يومينيس ملك برغامه وشقيقه أتّالوس من طرده وتنصيب شقيق الملك الراحل أنطيوخوس الرابع على عرش سورية تعبيراً عن حسن نيتهم… ويبدو أنّ أنطيوخوس الرابع قد حول ترتيبات هيليودوروس نفسها لمصلحته الشخصية فأعلن تبنيه لابن أخيه ومشاركته في الحكم، ومن المرجّح أنّه قد اتخّذ من أرملة أخيه زوجة له لتدعيم مركزه. وفي شهر تموز/يوليو أو آب/أغسطس من سنة (170) ق.م - عشية حملته العسكرية الأولى على مصر- قام بقتل أنطيوخوس الطفل.

وتقتصر الأدلة على حكم الطفل أنطيوخوس على الحوليات البابلية والمسكوكات التي تعد نادرةً نظراً إلى قصر فترة حكمه، وهي من فئة الأوكتادراخما الذهبية والتيترادراخما والدراخما الفضية التي سُكت في أنطاكيا؛ حمل قسم من هذه الإصدارات على الوجه صورةً مزدوجة لرأسي الملك الطفل وأمه لاوديكي يلتفتان باتجاه اليمين، وتحتل صورة لاوديكي مكان الشرف في المقدمة، أما الظهر فيحمل نمط السلوقيين المألوف الممثل بأبولو جالساً فوق الأومفالوس باتجاه اليسار ممسكاً بقوسه وسهمه، ونقشاً باسم الملك أنطيوخوس. وقد حملت إصداراتٍ أخرى من فئة التيترادراخما على الوجه صورة جانبية لرأس أنطيوخوس وحده باتجاه اليمين، وحملت على الظهر النمط السابق نفسه.

5- أنطيوخوس الرابع (إبيفانس)- Antiochus IV Epiphanes (175-164 ق.م):

بعد تخلصه من ابن أخيه أنطيوخوس بن سلوقس الرابع أصبح أنطيوخوس الرابع بحلول سنة 169 ق.م الحاكم الوحيد بلا منازعٍ وكان يلقب إبيفانس المتجلي. وبحدود سنة 173 ق.م تمكنّ أنطيوخوس الرابع من تسديد آخر قسطٍ من أقساط الغرامة الرومانية المفروضة على السلوقيين بحسب شروط صلح أفاميا المبرم سنة 188 ق.م. كان أنطيوخوس الرابع ملكاً ذكياً مقتدراً ونشيطاً، ديمقراطي الطبع تحلو له مجالسة الأدباء والفلاسفة، وكان في بداية عهده نصيراً متحمساً للفلسفة الرواقية ثمّ تحوّل عنها لاحقاً إلى الأبيقورية بتأثيرٍ من الفيلسوف الأبيقوري فيلونيدِس Philonides (فيلسوف اللاذقية من سورية) ويبدو أنّ تأثره بالفلسفتين السابقتين قد دفعه إلى إبداء حماسٍ منقطع النظير في نشر مظاهر الحضارة الإغريقية بين رعايا امبراطوريته مما أدى إلى قيام عدة حركاتٍ داخليةٍ معارضةٍ ومؤيدة، كان من الممكن أن تؤدي صراعاتها إلى تهديد وحدة سورية والحد من قوتها لولا حزم أنطيوخوس الرابع ومهارته في معالجة هذه الأمور، حيث شهدت السنوات الخمس الأخيرة من فترة حكمه ثلاثة أحداث رئيسية وهي: الحرب السورية السادسة، والثورة اليهودية، والحملة العسكرية في آسيا العليا. في أثناء فترة ارتقاء أنطيوخوس الرابع عرش سورية كانت مصر تُحكم من قبل شقيقته كليوبترا الأولى ابنة أنطيوخوس الثالث وأرملة بطلميوس الخامس إبيفانس الذي توفي سنة 182 ق.م، وكانت وصيةً على ابنها الصغير بطلميوس السادس. وقد أراحت هذه الظروف أنطيوخوس الرابع من القلق بشأن حدوده الجنوبية، بيد أنّ كليوبترا توفيت في سنة 173 ق.م فانتقلت الوصاية إلى الحزب المناوئ للسلوقيين الذي حاول منذ تسلمه السلطة استخلاص إقليم سورية المجوفة الغني في محاولةٍ لإنعاش مالية البلاد. وفي صيف سنة 169 ق.م بدأت الحرب السورية السادسة، ولم تكن ظروف روما آنذاك تسمح بأي تدخلٍ عسكريٍ من قبلها نظراً لانشغالها بالحرب المقدونية الثالثة التي كانت مستعرةً في ذلك الوقت. فحشد أنطيوخوس جيشاً كبيراً وتمكن من احتلال الحصن الحدودي المنيع بيلوسيومPelusium، والعاصمة المصرية القديمة ممفيس Memphis، وهكذا نجح أنطيوخوس فيما أخفق فيه عددٌ ممن سبقه من قادة العصر الهلنستي السابقين ومنهم والده أنطيوخوس الثالث، فمنذ عهد الإسكندر الأكبر أي منذ مدة تزيد على قرن ونصف لم يُفلح أي قائد في غزو مصر من ناحية سورية. كما تمكنت قوات أنطيوخوس الرابع من إلقاء القبض على بطلميوس السادس الذي كان يحاول الفرار، ورداً على فراره قرّر الإسكندريون المقاومة ونادوا بأخيه الأصغر بطلميوس يورجيتِس ملكاً، فوجد أنطيوخوس ذريعةً تبرّر تدخله في مصر فزحف إلى الإسكندرية زاعماً أنّه يؤيد حقوق الملك الشرعي. ونحو نهاية سنة 169 ق.م انسحب أنطيوخوس على نحوٍ مفاجئ من مصر تاركاً بطلميوس السادس ملكاً في ممفيس، وشقيقه الأصغر بطلميوس ملكاً في الإسكندرية، آملاً أن تبقى مصر مشلولةً بسبب التنافس بين الملكين الشقيقين، كما أبقى حاميةً سوريةً في حصن بيلوسيوم على حدود مصر الشرقية. وفي ربيع سنة 168 ق.م قام أنطيوخوس بغزو مصر مرةّ أخرى بعد أن وصلته أخبار تفيد أنّ كليوبترا الثانية أخت بطلميوس السادس وزوجته قد نجحت في التوفيق بين الأخوين وأنهما اتفقا على التشارك في حكم مصر معاً من الإسكندرية. وتمكن أنطيوخوس من دخول ممفيس واستأنف السير منها إلى الإسكندرية. وكانت روما قد انتصرت على بيرسيوس Perseus في مقدونيا انتصاراً حاسماً في (22 حزيران سنة 168 ق.م) وقضت على مقدونيا دولة مستقلة للأبد، فتمكنت من الالتفات إلى شؤون مصر وسورية تلبيةً لاستغاثة الأخوين. فأوفدت بوبيليوس لايناس إلى الإسكندرية ليتدخل في النزاع بين مصر وسورية، فالتقى بوبيليوس بأنطيوخوس في ضاحية إليوسيس Eleusis القريبة من الإسكندرية، وأبلغه قرار مجلس الشيوخ الروماني senatus consultum في المشكلة السورية المصرية والذي يُطالبه بالانسحاب الفوري من مصر. فانكفأ أنطيوخوس بجيشه عبر الحدود إلى سورية، في حين أقلع الوفد الروماني إلى قبرص وأكره الأسطول السوري على مغادرة مياه هذه الجزيرة. وبالرغم من تلك الصدمة المعنوية التي ألحقتها روما بأنطيوخوس، فقد كان وضعه من النواحي السياسية والعسكرية والاقتصادية قوياً لدرجة قرّر معها الرد على الاحتفال الكبير الذي أقامه القائد الروماني إميليوس باولوس Aemilius Paullus في مدينة أمفيبوليس Amphipolis اليونانية سنة 167ق.م احتفالاً بقهر مقدونيا، فأقام أنطيوخوس احتفالاً ضخماً سنة 166 ق.م في ضاحية دفنة (بالقرب من أنطاكيا) دام شهراً كاملاً. أما على الصعيد الداخلي فقد واجه أنطيوخوس تمرداً عنيفاً من قبل اليهود في القدس، واصطدمت سياسته الرامية إلى توحيد مملكته على أساس ثقافةٍ هيلينيةٍ مشتركة بتقليدٍ آخر تمثّل باليهود المتعصبين. وقُتل أحد الضباط السلوقيين على يد الكاهن متاتياس Mattathias الحشموني وأبنائه في مودين في فلسطين، ثم شنّ يهوذا المكابي (المطرقة) أكبر أبناء متاتياس حرب عصاباتٍ كبّدت العديد من الضباط السلوقيين المتلاحقين وقواتهم العسكرية هزائم قاسية. وفي سنة 165 ق.م قاد أنطيوخوس الرابع حملةً كبرى على المقاطعات الشرقية، حيث قام البارثيون بقيادة فرآتِس الأول Phraates I باختراق المملكة، فعين أنطيوخوس القائد ليسياس Lysias نائباً له على الجزء الغربي من المملكة الممتد من نهر الفرات إلى حدود مصر، ووصياً على ابنه أنطيوخوس (الخامس فيما بعد). وفي أثناء غيابه تمكن يهوذا المكابي من إلحاق هزائم بالقوات السلوقية، كما هُزم ليسياس شرّ هزيمة، وانتهت حملة أنطيوخوس الرابع بوفاته المفاجئة لأسبابٍ مجهولة في تاباي (Tabae= أصفهان)، وقبيل وفاته بفترةٍ وجيزة قرّر إسناد الوصاية على ابنه إلى فيليب أحد مرافقيه في الحملة على فارس.

تُعدّ مسكوكات أنطيوخوس الرابع نقطة تحولٍ مهمة في مجال المسكوكات السلوقية. وكانت ورشة سك أنطاكية ورشة السك الرئيسية في عهده، ليس بسبب حجم مسكوكاتها فحسب، بل بسبب ابتكاراتها الإيقونوغرافية، والتغييرات التي أحدثتها على صعيد الألقاب الملكية، وإصداراتها الخاصة، والفئات النقدية الاستثنائية التي أصدرتها. وأعاد في سنة 173/172 ق.م إحياء نمط زيوس نيقفوروس "Nicephorus" باعتماده على التيترادراخمات التي سُكت في أنطاكية، وذلك بعد انقطاعٍ دام أكثر من قرن، وهو النمط الذي اعتمده جميع ورثته الذين خلفوه على عرش المملكة.

كان أنطيوخوس الرابع أول ملكٍ سلوقي يوظّف في مسكوكاته - في أثناء حياته - صورةً وجهيةً مشعّة وألقاباً إلهية محاكياً بذلك الملوك البطالمة. كما ظهرت في عهده سلاسل نقدية شبه محلية سُكت في سورية وبلاد ما بين النهرين وفينيقيا تحمل صورة جانبية للملك، إلى جانب اسم مدينة الإصدار المنقوش باليونانية أو بالفينيقية. وسُكت - بعد سنة 169/168 ق.م على الأرجح - ثلاث فئاتٍ نقديةٍ برونزية حملت للمرة الأولى "علامات القيمة" AX، BX، وAX، التي تمثل القيم (1)، (2)، (4) "خالكوس" على التوالي، وذلك في ورشات سكّ سلوقية دجلة، وأنطاكيّة ميغدونيا (نصيبين)، وورشة سكٍّ مجهولةٍ ربما كانت تقع في فينيقيا أو في سورية المجوفة Coele-Syria.

6- أنطيوخوس الخامس (ايوباتور)- Antiochus V Eupator- (164-162) ق.م:

أصبح أنطيوخوس الخامس ملكاً وهو لايزال في التاسعة من عمره وكان لقبه البار بوالده، وبقي تحت وصاية ليسياس طوال عهده الذي دام سنةً وستة أشهر فقط. استهل ليسياس فترة وصايته بشنّ عدة حملاتٍ عسكرية ضدّ يهوذا المكابي، وتمكن من إيقاع الهزيمة بالمكابيين عند مدينة بيت زكريا، وقتل العازر أحد أشقاء يهوذا. ثم وردت أنباء تفيد أنّ فيليب الوصي الذي عينه أنطيوخوس الرابع على ابنه قد زحف من الشرق باتجاه أنطاكية، فاضطر ليسياس إلى أن يكتفي بما حققه في فلسطين وأصدر باسم الملك أنطيوخوس الخامس عفواً عن المكابيين، وعاهد اليهود على أن يكونوا أحراراً في ممارسة شرائعهم. ثم أسرع لمواجهة الوصي فيليب في شمالي سورية حيث تمكن من هزيمته، وفرّ هذا الأخير إلى مصر ملتجئاً واختفى ذكره من التاريخ. وفي سنة 163ق.م اضطر أنطيوخوس وليسياس إلى مواجهة أزمةٍ أعظم بعد قيام أحد المواطنين - في جمنازيوم اللاذقية - بقتل غنايوس أوكتافيوس Gnaeus Octavius رئيس البعثة الرومانية المكلفة التحقيق في مزاعم بمخالفة الحكومة السورية بنود معاهدة أفامية، وأشرف أوكتافيوس هذا على إحراق أسطول السفن المبنية حديثاً وذبح الفيلة الحربية باعتبارهما خرقاً لشروط معاهدة أفاميا. ومما زاد الوضع سوءاً وفاقم التحديات في وجه أنطيوخوس الخامس سنة 162 ق.م احتمال شنّ الرومان لحربٍ ضده بعد أن رفضوا تبرأته وليسياس من جريمة قتل أوكتافيوس، كما تمكن عمه ديمتريوس (الأول فيما بعد) ابن سلوقس الرابع من الهرب من الأسر في روما ودخول سورية على رأس قوةٍ من المرتزقة بسهولة، ثم حاصر أنطيوخوس وليسياس وأمر بإعدامهما بعد القبض عليهما، وكانت هذه أول جريمة يرتكبها ملكٌ سلوقيٌ حاكم من داخل العائلة. وهكذا تمكن ديمتريوس من استرداد إرثه في عرش أبيه بعد ثلاث عشرة سنةً.

تعد مسكوكات أنطيوخوس الخامس تكراراً لأنماط مسكوكات أنطيوخوس الرابع الفضية والبرونزية إلى حدٍّ كبير. وكانت ورشة سك العاصمة أنطاكية ورشة السك الرئيسية في عهده، وقد أنتجت عدداً كبيراً من التيترادراخمات والدراخمات.

7- أنطيوخوس السادس (ديونيسوس)- Antiochus VI Dionysus - (144-142) ق.م:

استغل ديودوتوس Diodotus الأفامي - أحد القادة العسكريين في عهد اسكندر بالاس - شعبيته ونفور الجيش من ديمتريوس الثاني فتوجه إلى إيملكوئيل العربي (ابن زبديئيل) الذي كان يُربي أنطيوخوس بن اسكندر بالاس وأقنعه بتسليمه. ثم عاد وبرفقته أنطيوخوس الذي كان مجرّد طفلٍ صغير، فوضع الدياديما على رأسه وأعلنه ملكاً باسم أنطيوخوس (السادس)، كما استطاع كسب تأييد جميع الجنود الذين تخلوا عن ديمتريوس لعدم تلقيهم رواتبهم. وقبل حلول خريف سنة 144ق.م تمكنت قوات ديودوتوس وأنطيوخوس السادس من الاستيلاء على القاعدة العسكرية المهمة في أفامية التي اشتهرت أيضاً بأنها مركز لعبادة ديونيسوس، ومن هنا على الأرجح جاء ارتباط أنطيوخوس السادس بلقب (ديونيسوس). ومن أفامية أيضاً تحركت قوات أنطيوخوس بقيادة ديودوتوس الذي اتخذ لقب تريفون Tryphon وتمكن من هزيمة ديمتريوس الثاني، واستولى على الفيلة الحربية وعلى العاصمة أنطاكية التي دخلها منتصراً مع الملك الطفل حين فرّ ديمتريوس الثاني إلى سلوقية بيرية. منح انقسام المملكة السلوقية بين ديمتريوس الثاني وديودوتوس (تريفون) الذي كان وصياً على أنطيوخوس السادس اليهودَ فرصةً إضافية لتحقيق مكاسب على حساب الطرفين المتصارعين. فانقلب يوناثان على حليفه ديمتريوس الثاني وتحزّب لأنطيوخوس السادس الذي منحه رتبة "قريب الملك"، كما عين شقيقه الأكبر سمعان حاكماً على كامل سورية المجوفة باستثناء فينيقيا. وفي سنة 142/141ق.م أشيع في أنطاكية أنّ أنطيوخوس مرض مرضاً شديداً تطلب إجراء عملية جراحية، ثم أعلنت وفاته إثر العملية الجراحية من دون أن يشكّ أحد في أن تريفون كان وراء هذا الاغتيال الصريح.

كانت أفامية بين نحو منتصف سنة 144ق.م ومنتصف سنة 143ق.م أولى ورشات سك أنطيوخوس السادس الرئيسة، وقد بدأت عملها من قبل موظفي ورشة سك أنطاكية الذين فروا من بطش ديمتريوس الثاني. حملت إصدارات أفامية على الوجه صورة جانبية مشعّة للملك الطفل لتأكيد نسبه الملكي المزعوم بجده أنطيوخوس الرابع، في حين حملت على الظهر تمثيلات ورموزاً تلائم لقبه الإلهي بصفته "ديونيسوس المتجلي"،كما تتوافق أيضاً مع عبادات المدينة التي كانت مركزاً رئيسياً لعبادة ديونيسوس. وقد حملت إصدارات متميزة من أفامية من فئة التيترادراخما توقيع تريفون شخصياً. وبعد انتقال البلاط إلى أنطاكية نحو نهاية سنة 144ق.م أو أوائل سنة 143ق.م تابع قضاة سك ورشة أفامية أعمالهم في ورشة أنطاكية، ليتوقف إنتاج المسكوكات من المعادن الثمينة في ورشة أفامية.

8- أنطيوخوس السابع (يورجتِس: المحسن)- Antiochus VII Euergetes - (138-129) ق.م:

بعد وقوع ديمتريوس الثاني في الأسر البارثي سنة 139 ق.م سارع شقيقه الأصغر أنطيوخوس (السابع فيما بعد) الذي كان في جزيرة رودس، وكان في العشرين من عمره؛ إلى إعداد جيشٍ وأسطول من المرتزقة تمكن من الوصول إلى سلوقية بيرية في خريف سنة 138 ق.م بدعوةٍ من الملكة كليوبترا ثيا، ونصب نفسه على العرش السلوقي باسم "أنطيوخوس يورجيتِس" أي(أنطيوخوس المحسن) بعد زواجه منها. كما اشتهر بلقب سيدتِس "Sidetes" (أي الذي من مدينة سيدي Side، جنوبي آسيا الصغرى). تمكن أنطيوخوس من محاصرة تريفون في مسقط رأسه أفامية، حيث تمكن من إلقاء القبض عليه وأجبره على الانتحار في أواخر سنة 138 ق.م. وبعد القضاء على تريفون، عاد ليتربع على عرش المملكة السلوقية من جديد ملكٌ شرعيٌ وحيد ممثلاً بأنطيوخوس السابعَ الذي أخذ على عاتقه مهمة استعادة سلطة الملك ولمّ شتات الدولة السلوقية. فاتجه إلى معالجة الإشكالية اليهودية، لكن يوحنا هيركانوس لم يكن مستعداً للتخلي عن أي امتيازٍ من الامتيازات التي أحرزتها الأسرة الحشمونية (المكابية) خلال سنوات الاضطراب التي شهدتها المملكة السلوقية. ولكنه لم يكن نداً لأنطيوخوس فاضطر إلى عقد تسويةٍ معه. وفي نحو سنة 132 ق.م برزت مقاطعة أوسروينا [ر] Osrhoene المتمركزة في عاصمتها مدينة إديسا Edessa الرافدية، كمملكةٍ جديدةٍ تابعةٍ للبارثيين. وفي سنة 130ق.م رافق هيركانوس الملك أنطيوخوس في حملته العسكرية لاستعادة الممتلكات السلوقية في الشرق، وتمكن أنطيوخوس من احتلال بابيلونيا. وإثر هذا الانتصار الكبير انضمّ إلى أنطيوخوس جميع الشعوب المجاورة ولم تبق للبارثيين سوى بلادهم الأم (إقليم بارثية). وفي هذه الأثناء لجأ فرآتِس الثاني Phraates II الذي خلف أباه ميثريداتيس الأول؛ إلى استراتيجيةٍ جديدةٍ فأطلق سراح ديمتريوس الذي توجه إلى سورية على رأس كتيبةٍ بارثيةٍ ليستولي على العرش، محاولاً بذلك إنهاء أنطيوخوس وإجباره على الانسحاب لحماية سلطته. وفي ربيع سنة 129 ق.م عرض فرآتس على أنطيوخوس الدخول في مفاوضات لإنهاء الحرب، لكنّ أنطيوخوس الذي شعر بأنه في مركز القوة، رفض الاستجابة لهذا الطلب، فلجأ البارثيون إلى الحيلة؛ وتمكنوا من رشوة أحد ضباط أنطيوخوس وأوقعوا بالملك وقتلوه كما أسروا معظم قواته. وقد حرص فرآتِس على معاملة جثمان الملك القتيل بكل تقدير. وانتهت مع هذه الهزيمة آخر آمال السلوقيين في الشرق. وتعدّ وفاة أنطيوخوس السابع الذي كان آخر ملكٍ قديرٍ من الأسرة السلوقية نهايةً لهذه السلالة بوصفها قوةً مؤثرة. ومنذ ذلك الحين حتى احتلال سورية من قبل الرومان سنة (64) ق.م لم يعد تاريخ سورية - وضمنه تاريخ أنطاكية - إلا سجلاً مشوشاً ومحزناً لمظاهر الضعف والانحلال المتزايدين.

حملت جميع مسكوكات أنطيوخوس السابع الفضية التي سُكت حسب المعيار الأتيكي أنماط الملك الخاصة؛ والتي تمثلت بنمط "أثينا نيقفوروس الواقفة" على التيترادراخمات، ونمط"نيكي" على الدراخمات. في حين حملت المسكوكات التي سُكت حسب المعيار الفينيقي نمط الظهر المعتاد (النسر البطلمي واقفاً على صاعقة). وعلى الرغم من هذا النزوع إلى توحيد أنماط الإصدارات التي سُكت من معادن ثمينة، فإن أنماط مسكوكات أنطيوخوس السابع البرونزية كانت متنوعة إلى حدٍّ كبير. والعديد منها ذو أصولٍ محليةٍ والقلة فقط، حتى في أنطاكية نفسها، تشير إلى الصور السلوقية التقليدية كأبولو والمرساة.

9- أنطيوخوس الصغير (إبيفانس)- Young Antiochus Epiphanes- (128) ق.م:

إنّ الدليل الوحيد على الحكم المنفرد لأحد الملوك السلوقيين المجهولين وتحت اسم أنطيوخوس إبيفانِس (المتجلي) يأتي من مسكوكات أنطاكية فقط. وكان ظهور هذا الملك الذي حكم لفترة قصيرة في أنطاكية خلال سنة 128ق.م متزامنا ًمع فترة حاسمة من تاريخ المملكة السلوقية تمثلّت بالاضطرابات والفوضى الناجمة عن تمرد أنطاكية وأفامية على ديمتريوس الثاني، وتسليح بطلميوس الثامن للمدعي إسكندر زابيناس الذي كان يستعد للانقضاض على العرش السلوقي.

حملت مسكوكات أنطيوخوس الصغير على الوجه صورته الجانبية مرتدياً الدياديما، وعلى الظهر تيخي التي مُثلّت واقفة،ً وهي المرة الأولى الذي تظهر فيها بهذه الوضعية وهي لا تمسك فقط قرن الخصب الخاص بها وإنما تمسك أيضاً ذراع دفة سفينة.

10- أنطيوخوس الثامن (غريبوس)- Grypus Antiochus VIII- (121/120-97/96) ق.م:

عُرف أنطيوخوس الثامن بلقب غريبوس Grypus (القانئ الأنف)، وحكم في البداية مع أمه كليوبترا ثيا مدة أربع سنواتٍ (125-121) ق.م حتى ضاق ذرعاً من استبدادها وأجبرها على شرب كأسٍ مسمومةٍ كانت قد حضّرتها له بنفسها فوقعت ضحية خطتها، وغدا أنطيوخوس الحاكم الوحيد للعرش السلوقي. ونعمت المملكة السلوقية بعد ذلك ببضع سنواتٍ من السلم، لكنّ شبح الحرب الأهلية عاد مجدداً في سنة 114/113 ق.م، عندما قام أخوه غير الشقيق من أمه كليوبترا ثيا وأنطيوخوس السابع والمدعو أنطيوخوس (التاسع) كيزيكينوس Cyzicenus (نسبة إلى مدينة كيزيكوس Cyzicus) بغزو كيليكيا ثم سورية وفينيقيا ليستولي على العرش السلوقي. وفي سنة 112ق.م تمكن غريبوس من هزيمة كيزيكينوس بالقرب من أنطاكية. وفي سنة 110/109 ق.م تمكن كيزيكينوس من السيطرة على العاصمة مجدداً. وفي سنة 109/108 ق.م عاد غريبوس ليستولي على المدينة مجدداً كما استولى أيضاً على دمشق، وفي السنة التالية استولى على طرسوس. ولكن الملكين المتنافسين أذعنا فيما بعد للتقسيم الذي فرضه الأمر الواقع فتقاسما الأراضي السورية، ونال غريبوس حصة الأسد من المقاطعات حيث احتفظ بأنطاكية وكيليكيا وحكم سورية الشمالية، في حين تركزت قوة كيزيكينوس في سورية الجنوبية والساحل السوري. لكنّ هذا التقسيم لم يكن نهائياً فخلال الحرب الأهلية بين غريبوس وكيزيكينوس، كانت المدن والمقاطعات تنتقل من يدٍ إلى أخرى ومعظمها لأكثر من مرة. وقد استغلّ اليهود كعادتهم تدهور الحالة السياسيّة في كلٍّ من سورية ومصر معتمدين على دعم روما (ولو نظرياً). وتمكنوا في عهد هيركانوس من مدّ سلطانهم على معظم الإقليم الفلسطيني جنوبي الكرمل فيما عدا المنطقة الساحلية والجنوبية. ولم يكن اليهود فقط هم الذين أفادوا من تقهقر السلطة السلوقية، ففي تلك الآونة برزت على مسرح الأحداث قوة الأنباط في عهد ملكهم الأول إيروتيموس Erotimus أي حارثة الذي اكتسح مع "أولاده السبعمئة" جميع المناطق الممتدة على طول الصحراء المتاخمة للحدود الفاصلة بين سورية ومصر. وفي الشمال أدت الأحداث الداخلية إلى بروز سلالة حاكمة جديدة في إقليم كوماجيني (شمال شرقي سورية) من أصلٍ فارسي ادعت وراثة حقوق الأسرة السلوقية بدعوى تحدّر ملوكها منذ بداية القرن الأول ق.م من لاوديكي بنت أنطيوخوس غريبوس التي تزوجت من ميثريداتِس كالينيكوس ملك كوماجيني، واعتمد ملوكها التسمية الملكية (أنطيوخوس) كتسمية ملكية محلية، حتى قضى الرومان على هذه المملكة الصغيرة سنة 72م. قُتل غريبوس في سنة 96 ق.م إثر مؤامرةٍ دبّرها وزير حربيته هيراكليون Heracleon من بيروية (حلب)، الذي استولى على العرش لفترة قصيرة، وفرت الملكة كليوبترا سيلين لتسلم نفسها إلى كيزيكينوس. ولكنّ هيراكليون لم يتمكن من السيطرة على أنطاكية طويلاً فسرعان ما تمكن كيزيكينوس من استعادة العرش السلوقي والسيطرة على العاصمة، وفرّ هيراكليون إلى مسقط رأسه "حلب" وأسس مملكة مستقلة ضمت إضافة إلى مسقط رأسه كلاً من بامبيكي (منبج) وهراقلية.

كانت ورشة سك عكا الأهم على الإطلاق خلال فترة حكم كليوبترا ثيا وأنطيوخوس الثامن المشتركة، وقد أصدرت هذه المدينة المسكوكات الذهبية الوحيدة المعروفة خلال هذه الفترة وهي أوكتادراخمات نادرة جداً؛ تتميز بنمطها ومعيارها البطلمي، حملت على الوجه صورة جانبية مزدوجة للملكين أنطيوخوس الثامن ووالدته كليوبترا ثيا التي تحتل مكان الشرف في المقدمة، في حين حملت على الظهر نمط قرني الخصب الممتلئين بالفاكهة والمطوقين بعصابة. وبعد هزيمة اسكندر زابيناس سنة 112 ق.م أصدرت أنطاكية تيترادراخمات ودمشق تيترادراخماتٍ فضية، أما صيدا فسكت مسكوكات من المعيارين الأتيكي والفينيقي، وسكت عسقلان تيترادراخمات ودي-دراخمات من المعيار الفينيقي. وبعد تخلصه من والدته أصدر أنطيوخوس الثامن مسكوكاته الخاصة به، وحملت جميع تيترادراخماته ذات المعيار الأتيكي في البداية نمطه الخاص المتمثل بزيوس أورانيوس (زيوس السماوي) الذي صُّور دائماً واقفاً باتجاه اليسار وفوق رأسه هلال، ونجمة فوق يده اليمنى الممدودة، أما يده اليسرى فتُمسك بصولجانٍ طويلٍ ينتهي بزهرة اللوتس. لكنّ غريبوس عاد واستبدل بهذا النمط نمطَ زيوس نيقفوروس الجالس على عرشه في مسكوكات أنطاكية ودمشق.

وتنامت في عهد غريبوس أهمية عسقلان التي سكت تيترادراخمات ودي- دراخمات من المعيار الفينيقي وكانت آخر إصداراتها السلوقية في السنة السلوقية (209= 104/103ق.م). حيث حصلت بعد ذلك في سنة 103 ق.م على استقلالها.

واللافت للانتباه أنّ المسكوكات التي تحمل صورة أنطيوخوس الثامن جميعها تظهر صفته بوضوح أي "غريبوس"، حيث صوّرت أنفه المعقوف بشكلٍ مبالغٍ فيه.

11- أنطيوخوس التاسع (فيلوباتور)- Antiochus IX Philopator - (114/113-95) ق.م:

بعد مصرع أنطيوخوس الثامن (غريبوس) حاول شقيقه أنطيوخوس التاسع فيلوباتور (وتعني المحب لوالده) الاستيلاء على سورية بالكامل، لكنّ سلوقس السادس طالب بعرش أبيه وبدأ بحشد جيوشه على الساحل الكيليكي، فزحف عمه كيزيكينوس على رأس جيشه من أنطاكية لمحاربته، واشتبك الطرفان سنة 95 ق.م لكنّ كيزيكينوس هُزم فأسر ثم أًعدم، وفي روايةٍ أخرى انتحر قبل أسره، وخلفه ابنه أنطيوخوس العاشر.

 
 

اقتفى أنطيوخوس التاسع أثر والده (أنطيوخوس السابع) بتوظيفه نمط "أثينا نيقفوروس الواقفة" على ظهر تيترادراخماته الفضية من المعيار الأتيكي، في حين حملت الدراخمات على نحوٍ متكرر نمط "نيكي" الذي وظفه أنطيوخوس السابع. وكانت ورشتا سك دمشق وعكا ورشتين مهمتين بالنسبة إلى كيزيكينوس. وتعود أقدم إصدارات دمشق لمصلحة كيزيكينوس إلى السنة السلوقية (200 = 113/112 ق.م)، وقد بقيت المدينة بحوزته حتى سنة 110 ق.م. وتظهر الغالبية العظمى من مسكوكات أنطيوخوس التاسع صورته بلحيةٍ خفيفة فيما عدا استثناءاتٍ نادرة.

12- أنطيوخوس العاشر Antiochus X Eusebes, Philopator -(94- 88) ق.م، وأنطيوخوس الحادي عشر (إبيفانِس، فيلادِلفوس) Antiochus XI Epiphanes Philadelphos (94/93) ق.م:

تزوج أنطيوخوس العاشر من كليوبترا سيلين أرملة كلٍّ من والده أنطيوخوس كيزيكينوس وعمه أنطيوخوس غريبوس وكان يلقب (التقي، والمحب لأبيه). وبعد طرده لسلوقس السادس قاتل أبيه واستيلائه على العرش في أنطاكية سنة 94/93 ق.م واجه أنطيوخوس تحدياً جديداً تمثل بخطر شقيقي سلوقس؛ أنطيوخوس الحادي عشر (المتجلي والمحب لأخيه) وفيليب الأول اللذين أعلنا نفسيهما ملكين مشتركين وخلفاء شرعيين لسلوقس السادس، وتمكن أنطيوخوس الحادي عشر من الانتصار مؤقتاً على أنطيوخوس العاشر والحلول مكانه في أنطاكية لمدةٍ قصيرة. لكنّ أنطيوخوس العاشر شنّ هجوماً مضاداً وأنزل بأنطيوخوس الحادي عشر هزيمة نكراء بالقرب من العاصمة أدت إلى غرقه في نهر العاصي. وبعد موت شقيقه ارتدى فيليب الأول الدياديما وأعلن نفسه ملكاً على جزءٍ من سورية. وفي نحو سنة 86-85 ق.م تمكن ديمتريوس الثالث بمساعدة ملك قبرص البطلمي من استخلاص سورية الجنوبية واتخاذ دمشق عاصمةً له مطلقاً عليها اسمه "ديمترياس"، ويبدو أن نجاحه في مهمته كان غير متوقع لدرجة أن الدمشقيين أطلقوا عليه لقب (يوكيروس = المحظوظ) Eucaerus، وبذلك انقسمت سورية في تلك الفترة (85-83) ق.م إلى ثلاث ممالكٍ. وتعد هذه الفترة من الفترات الغامضة في التاريخ السلوقي، ففي حين يؤكد أبيانوس مرتين أنّ تيغرانِس الأرمني قد طرد أنطيوخوس العاشر من سورية، فإنّ فلافيوس يوسيفوس يروي أنّ أنطيوخوس العاشر قتل بعد هزيمته على يد البارثيين بين (90-88) ق.م. وخضعت سورية بعد ذلك لسيطرة الأخوين ديمتريوس الثالث وفيليب الأول، كما ظهر على مسرح الأحداث أصغر الأخوة الخمسة من أبناء أنطيوخوس الثامن المدعو أنطيوخوس الثاني عشر لينخرط في الصراع على ماتبقى من الإرث السلوقي.

   

أنطيوخوس العاشر

 أنطيوخوس الحادي عشر
 

سُكت تيترادراخمات نادرة تعود إلى فترة حكم أنطيوخوس الحادي عشر وفيليب الأول المشتركة في كيليكيا، وهي تحمل على الوجه صورة مزدوجة للملكين التوأمين، يحتل فيها أنطيوخوس مكان الشرف بظهوره في المقدمة، وقد حملت هذه التيترادراخمات على الظهر نمط "زيوس نيقفوروس".

13- أنطيوخوس الثاني عشر (ديونيسوس)- Antiochus XII Dionysus - (87/86-83/82) ق.م:

كان أنطيوخوس الثاني عشر أصغر أبناء أنطيوخوس الثامن وشقيق أنطيوخوس العاشر وديمتريوس الثالث. استولى على دمشق عقب أسر الأخير على يد البارثيين. ولكنّ أنطيوخوس الثاني عشر لم يكن طموحاً كشقيقه أنطيوخوس العاشر فلم يحاول مدّ سلطته نحو سورية الشمالية، وبدلاً من ذلك ركز اهتمامه على مواجهة التهديدات على التخوم الجنوبية لمملكته. ولم يدم حكمه أكثر من خمس سنوات؛ إذ قتل خلال إحدى المعارك مع الأنباط، وتشتت جيشه ومات معظم جنوده. وخضعت دمشق لسيطرة ملك الأنباط أريتاس (الحارث) الثالث بدعوةٍ من "أولئك الذين يسيطرون على المدينة".

 
 

اقتصرت إصدارت أنطيوخوس الثاني عشر (ديونيسوس) الفضية على التيترادراخمات فقط. وكانت دمشق ورشة السك الوحيدة في عهده. حملت معظم هذه التيترادراخمات - وهي مؤرخة - صورة أنطيوخوس الثاني عشر الذي صّور كشابٍ حليق الذقن، لكن في أواخر عهده ظهرت صورته ملتحياً وبدا شبيهاً بشقيقه ديمتريوس الثالث، كما تميزت هذه التيترادراخمات بحملها نمط ظهرٍ متميزٍ وجديدٍ تمثل بـإله مدينة دمشق المحلي والرئيسي "حدد" الذي صُوّر مع رموزه المعتادة؛ سنبلة القمح والثيران المكرّسة له.

14- أنطيوخوس الثالث عشر (فيلادِلفوس)- Antiochus XIII Philadelphus - (العهد الأول 69/68-67) ق.م، (العهد الثاني 65/64) ق.م:

أرسلت الملكة كليوبترا سيلين ولديها أنطيوخوس الثالث عشر وشقيقه الذي لم تذكر المصادر التاريخية اسمه إلى روما، في محاولةٍ غير مجدية للحصول على اعتراف روما بهما ملكين على المملكة السلوقية، وكان أنطيوخوس الثالث عشر في طريق عودته من روما عندما تمكنّ تيغرانِس الأرمني من احتلال سورية، الأمر الذي أدى إلى خسارته لعرشه حتى سنة 69 ق.م وهي السنة التي اضطر فيها تيغرانِس إلى الانسحاب الكامل من سورية عندما وصلته أخبار الانتصارات التي حققها الرومان في أرمينيا بقيادة لوكولوس Lucullus الذي كان يُطارد ميثريداتِس السادس ملك بونتوس، وبذلك تمكنّ أنطيوخوس من العودة خلسةً إلى أنطاكية وسط ترحيبٍ شعبيٍ. واستهلّ أنطيوخوس عهده بحربٍ مخفقة لا يُعلم عن تفاصيلها الكثير، ولكن من المرجّح أنها كانت ضد شيخ إحدى القبائل العربية التي أخذت تستولي على المزيد والمزيد من أراضي المملكة. وقد أدت هزيمة أنطيوخوس إلى فقدانه شعبيته واندلاع ثورةٍ في أنطاكية سرعان ما تمكنّ من سحقها، لكنّ قادة الثورة اجتمعوا في كيليكيا واتفقوا مع "عزيز" شيخ إحدى القبائل العربية على إعلان فيليب الثاني ابن الملك فيليب الأول ملكاً، ومن المرجّح أنّ عزيز هذا هو نفسه الشيخ الذي ساعد والده فيليب الأول عندما حاصره ديمتريوس الثالث. وتمكن فيليب الثاني من طرد أنطيوخوس من أنطاكية بين (67-65) ق.م. فتحالف أنطيوخوس مع شمسيغراموس Samsigeramus أمير حمص والرستن، لكنّ عزيز وشمسيغراموس اتفقا على التخلص من حليفيهما وتمكن شمسيغراموس من أسر أنطيوخوس في حين أحسّ فيليب بالخطر وتمكن من الفرار، لكن لا تذكر المصادر شيئاً عن مصيره بعد ذلك. ومن الأرجح أنّ شمسيغراموس قد أطلق سراح أنطيوخوس الذي عاد ليحكم أنطاكية لفترةٍ قصيرة خلال سنة 65/64 ق.م، حيث تذكر المصادر أنه قدّم التماسا ًإلى بومبيوس[ر] Pompeius الذي التفت إلى الشؤون السورية بعد انتصاره الحاسم على ميثريداتِس، وطلب منه تنفيذ الوعود التي أعطاها له لوكولوس حول إعادة أملاكه في سورية، الأمر الذي قابله بومبيوس بالرفض، وقام بتحويل سورية إلى ولاية رومانية لتخضع كاملة إلى السيطرة الرومانية المباشرة. وبذلك انتهت المملكة السلوقية ولا يُعرف على وجه الدقة مصير الملك أنطيوخوس الثالث عشر لكن من المرجح أنّه قد وقع مجدداً أسيراً بين يدي شمسيغراموس الذي أمر بإعدامه.

 
 

أظهرت المسكوكات المكتشفة حديثاً أنّ الملك أنطيوخوس الثالث عشر قد حكم لفترة قصيرة مع والدته الملكة كليوبترا سيلين خلال الفترة (83/82- قبل سنة 75) ق.م، وتحمل جميع هذه المسكوكات - وهي من إصدار ورشة سك دمشق - على الوجه صورة مزدوجة للملكين الحاكمين، تحتل فيها الملكة كليوبترا سيلين مكان الشرف في المقدمة، في حين تحمل على الظهر أنماط نيكي، الحامل ثلاثي القوائم، وأبولو.

وخلال فترة حكمه المنفرد سكت ورشة أنطاكية تيترادرخمات من المعيار الأتيكي حملت على الوجه صورته الجانبية مرتدياً الدياديما، في حين حملت على الظهر نمط "زيوس نيقفوروس الجالس على عرشه"، وكانت أنطاكية ورشة السك الوحيدة في عهد أنطيوخوس الثالث عشر.

باسل زينو

مراجع للاستزادة:

- مفيد رائف العابد، سوريا في عصر السلوقيين من الإسكندر إلى بومبيوس 333- 64 ق.م ( دار شمأل، دمشق 1993).

- APPIAN, Roman History, Volume II, Translated by Horace White, (London/ New York, 1912)

- POLYBIUS, The Histories, Vol.II, III, IV, V, VI, Translation by W. R. Paton, (Loeb Classical Library, Harvard University Press, 1922, 23, 25, 26, 27).

- A. BOUCHÉ-LECLERCQ, Histoire des Séleucides, Vol. I, (Paris, 1913).

- E. BIKERMAN, Institutions des Séleucides, (Paris, 1938).

- E. R. BEVAN, The House of Seleucus, Two Volumes in one, (Chicago, 1902).

- G. LE Rider, L’enfant-roi Antiochos et la reine Laodice, (BCH, Volume 110, p. 409- 417. 1986)

- O. HOOVER, Handbook of Syrian Coins: Royal and Civic Issues, Fourth to First Centuries B.C., The Handbook of Greek Coinage Series, Volume 9. (ANS, in association with CNG, New York/ Lancaster, 2009).

- M. SARTRE, D’Alexandre à Zénobie, Histoire du Levant antique, IVe siécle av. J.-C.-IIIe siécle ap. J.-C., (Paris, 2001).

 


التصنيف : آثار كلاسيكية
المجلد: المجلد الثاني
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1091
الكل : 45614074
اليوم : 14757