يوحنا المعمدان (النبي يحيى)
يوحنا معمدان (نبي يحيي)
John the Baptist (prophet Yahya) - Jean le Baptiste (prophète Yahya)
يوحنا المعمدان (النبي يحيى)
يوحنا المعمدان (النبي يحيى)
(نحو 5 ق.م ـ نحو 27م)
يوحنا المعمدان John the Baptistنبي من أنبياء بني إسرائيل في عهد بنطس بيلاطس Pontius Pilateت(26ـ36م). ولد لعائلة كهنوتية متواضعة نحو العام الخامس قبل الميلاد، من أبوين بارين مواظبين على الصلاة والصوم. أبوه زكريا وهو أيضاً من أنبياء بني إسرائيل، كفل مريم العذراء[ر] وهي صغيرة، وأمه إليصابات بنت هارون خالة السيدة مريم العذراء. حملت به وهي عجوز استجابة لدعاء زكريا في المحراب أن يجعل له ذرية طيبة. وبعد ولادته بثمانية أيام تم ختانه وسمي يوحنا امتثالاً لأمر الملاك جبريل الذي تنبأ لزكريا بحمل امرأته العاقر. وقد ربياه على الحق الإلهي حتى صار شاباً تقياً وصالحاً. كانت حياته قصيرة، فهو لم يتخط الثانية والثلاثين من عمره. سماه اليهود يوحنا المعمدان لأنه كان يعمد الناس في نهر الأردن للتوبة من الخطايا، وللتطهير من الذنوب. وقد نبئ قبل أن يبلغ الثلاثين. واسم يوحنا بالعبرية Jehohanan أي Jahweh hathيعني الرحمة.
اختاره الله ليكون المبشر الذي يعد لمجيء عيسى المسيحu[ر]، معاصره وابن خالته ويضاهيه في العمر تقريباً. فقد ورد في إنجيل لوقا (1: 37) أن حمل مريم العذراء بالمسيح بدأ في الشهر السادس من حمل نسيبتها إليصابات بيوحنا. وقد امتلأ من الروح القدس وهو في بطن أمه، وتطهر من الخطيئة الأصلية حين زارتها مريم العذراء وهي حامل بالسيد المسيح.
كل ما يعرف عن حياته ووعظه وشهادته أوردته أناجيل العهد الجديد، وشذرات قليلة من أعمال الرسل (24:13؛ 19: 1ـ6)، وما كتب عنه المؤرخون اليهود الذين عاشوا في القرن الأول الميلادي أمثال يوسف فلافيوس Josephus Flavius عام 70م، على الرغم من بعض الأخطاء بأسماء الأعلام والتواريخ، إضافة إلى ترتيب الوقائع وفق منظور سياسي.
كرس يوحنا حياته منذ الصغر للعلم، وفهم مسائل التوراة، فأحاط بأصولها وفروعها، وأصبح فيها مرجعاً مهماً. ثم ساح في براري الضفة الغربية، يحيا في عزلة وزهد، حياة تخلو من شرك الكسوة وشرك القوت، يلبس ثوباً من شعر الإبل، ويأكل الجراد والعسل البري، إلى يوم ظهور أمره لإسرائيل، فبدأ الوعظ نحو العام السادس والعشرين الميلادي داعياً بني إسرائيل للتوبة وتجديد ميثاقهم مع الله. فاتجه إلى نهر الأردن يعظ بمعمودية التوبة لغفران الخطايا، ويعلن اقتراب ملكوت السموات «أثمروا إذاً ثمراً يدل على توبتكم» (لو 3: 8). وهكذا وعظ يوحنا بإنجيل الخلاص والإيمان بالمسيح، وهو جوهر الدعوة المسيحية.
كان يوحنا شجاعاً، جريئاً، لا يخاف أحداً، يصيح في قومه «يا أولاد الأفاعي، من أراكم سبيل الهرب من الغضب الآتي» (متى 3: 7). فيكشف عن غضب الله على الخطيئة[ر]، وينادي بالتوبة العملية من يؤمه من القوم ليعمدهم، فيأمرهم بالزهد والتقشف، والإحسان والصدقة والعدل والإنصاف وعدم الظلم (لو 3: 10ـ14).
كان كهنة اليهود يشكون في أمره ما إذا كان هو المسيح المنتظر، ويسألونه من أنت؟ فيجيبهم إني لست المسيح، ولست إيليا، «أنا صوت منادٍ في البرية، أعدوا طريق الرب» (لو 3: 4). وكان يقول إنه «يأتي بعدي من هو أقوى مني، من لست أهلاً لأن أنحني فأفك رباط حذائه. أنا عمدتكم بالماء، وأما هو فيعمدكم بالروح القدس» (متى 1: 8).
كان يوحنا صلباً في الحق متأكداً من دعوته، يعلم أن الله أرسله ليشهد للنور، ويظهر مجد المسيح، ويعد له الطريق فيؤمن كل الناس به. فلما أتاه يسوع من الجليل ليعمده رأى يوحنا السماء تنفتح، «ورأى روح الله يهبط كأنه حمامة وينزل عليه ويسمع صوتاً من السماء يقول: هذا هو ابني الحبيب الذي عنه رضيت» (متى3: 17). فشجع يوحنا تلميذيه على اللحاق به قائلاً لهما: «هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم» (يو 1: 29)، لكني لن أعيش لكي أراه… هو وأنتم تلاميذ ينبغي أن تزيدوا، وأنا أنقص!!… لقد طلب من الناس ألا يلتفتوا إليه، بل إلى الأعظم. كان يوحنا منسياً متلاشياً بحضرة المسيح فهو (النبي المهمل) كما قيل عنه.
دفعته جرأته في الحق أن يندد في مجالسه بخطيئة الحاكم هيرودس أنتيباس Herodes Antipas ابن هيرودس Herodesالكبير، الذي أصبح ملكاً على ربع مملكة أبيه (الجليل والبيرة شرقي الأردن) لأنه طلق زوجته (ابنة الملك العربي أريتاس Aretas) وتزوج امرأة أخيه فيليبس وهو حي واسمها هيروديا Herodias، قائلاً له: «لا يحل لك أن تأخذ امرأة أخيك» (مر 6: 18)، هذا التنديد الذي أدى بالحاكم بتحريض من هيروديا إلى سجنه في قلعة مكاروس شهوراً عديدة، حيث انتظر أن يظهر المسيح سلطانه، وينقذه من سجنه. ولما طال انتظاره أرسل إلى المسيح تلميذيه يسأله: «أنت هو الآتي أم ننتظر آخر» (مت 11: 3). فأرسل المسيح للمعمدان يحدثه برسالته الروحية العميقة : «العمي يبصرون والعرج يمشون مشياً سوياً، والبرص يبرؤون والصم يسمعون، والموتى يقومون والفقراء يبشرون، وطوبى لمن لا أكون له حجر عثرة» ( مت 11: 5ـ6).
وبعد فترة من الزمن أقام هيرودس حفلاً كبيراً في ذكرى مولده، ودعا إليه سادة بني إسرائيل، فزينت هيروديا ابنتها بأحسن حلة لترقص أمام عمها وقومه، فأعجب بها كثيراً لدرجة أنه وعدها أن ينفذ لها ما تشاء وأقسم على ذلك. فطلبت ابنة أخيه واسمها سالومة ـ بإيعاز من أمها ـ أن يأتي لها برأس يوحنا في طبق. فوفى لها عمها بذلك وقطع رأسه في الحال. (مر 6: 17ـ29).
ولما بلغ المسيح أن يوحنا قد قتل جهر بدعوته وقام بالناس واعظاً، يتحدث عن عظمة المعمدان الروحية والأخلاقية، والمركز العظيم الذي انفرد به «ولم يظهر في أولاد النساء أكبر من يوحنا المعمدان» (متى 11:11)، وسما به على أعظم نبي في العهد القديم.
يوحنا في الإسلام
في الإسلام هو يحيى بن زكريا بن دان بن مسلم بن صدوق من نسل النبي داودu، هو ووالده من أنبياء بني إسرائيل غير أولي العزم صلوات الله عليهم. ولد في السنة التي ولد فيها عيسىu، ويروى أنه ابن خالته، وأكبر منه سناً بستة أشهر. كان يقوم بتعميد الناس في نهر الأردن، وعمَّد عيسىu. مات مقتولاً وذكروا في قتله أسباباً من أشهرها أنه قتل تنفيذاً لأمر ملك اليهود هيردوس بسبب معارضته إياه في زواجه امرأة أخيه.
ورد ذكر زكريا في القرآن الكريم في سورة مريم إذ كان يناجي الله أن يرزقه ولداً بعد أن طعن في السن وكانت زوجته عاقراً، ]يَا زَكَرِيََّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً[ء(7) فوهبه الله يحيى بالرغم من عقم زوجته وكبرها في السن، ]فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ[ (الأنبياء 90). كما ورد أيضاً ذكر يحيىuفي سورة آل عمران في قوله تعالى:]فنَادَتُه الملائكةُ وهو قائمٌ يُصلّي في الْمِحراب أنّ الله يُبَشرك بيحيَى مُصَدِّقَاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ وَسَيّداً وَحَصُوراً ونبيّاً من الصالحين[(الآية 39)، وفي سورة الأنعام في قوله تعالى: ]وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ[ (الآية 85)، وفي سورة مريم في قوله تعالى: ]يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوََّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً*وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً*وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً*وَسلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً[ء(12ـ15).
ولما ولد يحيى كان كما وصف القرآن حكيماً سيداً في العلم والخلق على صغر سنه، كثير العبادة. وكان يعظ الناس، ويدعوهم إلى الله، ثم ساح في البراري، يأكل مما أنبتته الأرض، ويشرب من النهر، ولبس الوبر زهداً وتقرباً إلى الله تعالى. ولما بعثه الله إلى بني إسرائيل أمرهم بخمس خصال. جاء في الحديث أن النبيr قال: «إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها… فجمع الناس… فقال: إن الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن وآمركم أن تعملوا بهن. أولهن أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وإن مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبداً من خالص ماله بذهب أو وَرِِق فقال: هذه داري وهذا عملي فاعمل وأدِّ إليّ، فكان يعمل ويؤدي إلى غير سيده فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك. وإن الله أمركم بالصلاة فإذا صليتم فلا تلتفتوا فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته مالم يلتفت. وآمركم بالصيام فإن مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرّة فيها مسك فكلهم يعجبه ريحها، وإن ريح الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. وآمركم بالصدقة فإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو فأوثقوا يده إلى عنقه وقدموه ليضربوا عنقه فقال: أنا أفديه منكم بالقليل والكثير ففدى نفسه منهم. وآمركم أن تذكروا الله فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعاً حتى إذا أتى على حصن حصين فأحْرزَ نفسه منهم، كذلك العبد لايحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله…».
له مقام ينسب إليه في الجامع الأموي الكبير في دمشق، وقد ذكر أن رأسه مدفون هناك روى الحافظ ابن عساكر أنهم حين أرادوا بناء مسجد دمشق أُخرج رأس يحيى بن زكريا من تحت ركن من أركان القبلة، فأمر الوليد فردّ إلى المكان، ووضع تحت عمود السكاسك. ويقال إن زكريا مات في هذه الفتنة التي مات فيها ابنه. خصّت بعض التقويمات يوم التاسع والعشرين من شهر آب/أغسطس يوم ذكرى قطع رأس يوحنا المعمدان
سوسن بيطار
الموضوعات ذات الصلة: |
الأنبياء ـ الإنجيل ـ الخطيئة ـ عيسى (يسوع المسيح) ـ الكتاب المقدس ـ مريم العذراء ـ النصرانية.
مراجع للاستزادة: |
ـ الكتاب المقدس، العهد الجديد (منشورات دار المشرق ش م م، بيروت 1984).
ـ ابن عساكر، تاريخ دمشق (مطبوعات مجمع اللغة العربية، دمشق).
ـ أبو إسحاق النيسابوري، قصص الأنبياء (دار الكتب العلمية، بيروت 1985).
- C.H.DODD, The Founder of Christianity, (Macmillan, New York- 1970).
- R.M.GRANT, A Short History of the Interpretation of the Bible (Black, London- 1965).
- التصنيف : الفلسفة و علم الاجتماع و العقائد - النوع : دين - المجلد : المجلد الثاني والعشرون، طبعة 2008، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 587 مشاركة :