التوحيد
توحيد
Tawhid / Monotheism - Tawhid / Monothéisme
التوحيد
التوحيد هو عماد الرسالات والشرائع السماوية كلها قبل تحريفها على أيدي متبعها، فكل الأنبياء والرسل من لدن آدم عليه السلام[ر]، وهو أبو البشر وأول الأنبياء إلى الرسول الخاتم محمدr، حملوا رسالة التوحيد، وبلغوها لأقوامهم، قال تعالى: }وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون{[الأنبياء:25].
وفي الحديث الشريف الذي أخرجه الموطأ (1/214) والترمذي (ح 2585) قال r: «أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له».
والتوحيد لغة: جعل الشيء واحداً. وشرعاً: اعتقاد وحدانية الله تبارك وتعالى ونفي التعدد في ذاته وصفاته وأفعاله، لأنه تعالى واحد في ذاته وواحد في صفاته، وواحد في أفعاله.
وتوحيد الذات: يعني اعتقاد وحدة ذاته تبارك وتعالى، ونفي وجود ذات أخرى تشاركه في الربوبية والألوهية ونفي الكثرة والتعدد في ذاته سبحانه بمعنى عدم تركبها من أجزاء.
وتوحيد الصفات: يعني إفراد صفته تعالى عن صفة غيره، بإثبات الفاعلية لله تعالى مطلقاً ونفيها عن غيره فليس لغيره جل وعلا علم كعلمه ولا قدرة كقدرته، كما يعني توحيد الصفات انتفاء أن يكون له سبحانه صفتان متماثلتان أو من جنس واحد، فعلمه واحد ويمتنع أن يتعدد بتعدد المعلومات بحيث يتمم بعضها بعضاً.
وتوحيد الأفعال: يعني إثبات الفاعلية لله تعالى بإفراد فعله عن فعل غيره، فهو وحده المنفرد بإيجاد جميع الكائنات وسائر المخلوقات، كما يعني امتناع إسناد التأثير لغيره في شيء من المخلوقات، فهو تعالى وحده المتصرف بالخلق أو الرزق أو الإحياء أو الإماتة لا يشاركه في ذلك غيره.
وتجدر الإشارة إلى أن الموحد لله عز وجل يستجمع في عقيدته مبدأين أساسيين:
الأول: مبدأ توحيد الربوبية لله تعالى لأنه رب السماوات والأرض لم يشركه في خلقها وتربيتها وإمدادها بالبقاء شريك ولا نظير.
الثاني: مبدأ توحيد الألوهية لله تعالى لأنه سبحانه له وحده الأمر والنهي والحكم والقضاء ويترتب على هذا:
1- ألا يتوجه الناس بالعبادة إلا لله وحده على النحو الذي أمرهم به دون ما يخترعونه من عند أنفسهم.
2- ألا يحكِّموا شريعة غير شريعته في سائر أعمالهم وتصرفاتهم الفردية والجماعية، الخاصة والعامة.
ومن المعلوم أن توحيد الله تعالى كعقيدة واجب مفروض على كل المكلفين من كل البشر لتحقيق مصالحهم الدنيوية والأخروية، فلا سعادة لهم بغيرها.
وحول عقيدة التوحيد نشأ علم خاص، اشتغل به علماء المسلمين وأفردوه بالتصنيف والتأليف عرضوا مبادئه، وفصلوا قضاياه، وقعدوا قواعده، أسموه علم التوحيد: وذلك لأنه يتعلق بالأحكام الأصلية الاعتقادية، فالمقصود من أحكامه بها العمل، كقولك: الصلاة مفروضة، وقتل النفس التي حرم الله حرام. كما سمي علم أصول الدين: لأن التوحيد عماد الدين وهو أساسه الذي يبتنى عليه، فهو أصل كل العلوم الشرعية. وسمي علم الكلام: لأنه يورث الدارس له القدرة على الكلام ومناقشة الخصوم والرد على المخالفين ودفع الشبهات، والحوار مع الرأي الآخر، وإبطال شبهات ومغالطات ذوي الأهواء والنزعات. وسماه الإمام أبو حنيفة الفقه الأكبر، لأنه اعتبر الكلام في مسائل الاعتقاد فقهاً أكبر، والكلام في الأحكام الشرعية العملية فقهاً أصغر.
وأهم موضوعات هذا العلم وهي أصوله الأساسية:
1- الإلهيات: وهي الموضوعات المتعلقة بذات الله تعالى لمعرفة ما يجب في حقه سبحانه، وما يستحيل عليه، وما يجوز له سبحانه.
2- النبوات: وهي الموضوعات المتعلقة بالأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام لمعرفة ما يجب في حقهم وما يستحيل عليهم وما يجوز لهم.
3- السمعيات: وهي الموضوعات المتعلقة بالأمور الغيبية التي لا يمكن الوصول إلى معرفتها للإيمان بها إلا عن طريق الوحي، كالإخبار عن نزول المسيح، وظهور الدجال، وعلامات الساعة الكبرى، ومعرفة الجن والملائكة وطبائعهم وأسمائهم ووظائفهم، وحياة البرزخ بعد الموت وما يتعلق بها من سؤال القبر ونعيمه وعذابه. واليوم الآخر وما يتعلق به من الحشر والحساب والصراط والميزان، والجنة والنار والنعيم للمتقين والعذاب للكفرة والعاصين.
وإلى جانب هذه الموضوعات الأساسية التي تمثل الموضوع الأصلي لعلم التوحيد، هناك موضوعات أخرى تدخل في سياقه مثل:
الكلام على الفرق الإسلامية الناشئة بسبب الاختلاف في مواقفها من موضوعات الأصول الاعتقادية، ولكل من هذه الفرق فروع وأقسام، مثل الخوارج والمرجئة والجبرية والقدرية (المعتزلة) وأهل السنة والشيعة، كما تشمل الفرق الخارجة عن الإسلام باعتقاداتها المكفرة وإن انتسبت إليه في الصورة الظاهرة.
وهناك موضوعات أخرى تدخل في مباحث علم التوحيد، وتعد أدوات ومقدمات للنظر والبحث في كل موضوعاته كأبحاث الواجب والمستحيل والجائز، وبيان حدود المعرفة السليمة ومن تجب عليه، ومفهوم الإيمان والإسلام والإحسان، وهل يزيد الإيمان أو ينقص.
فائدة علم التوحيد
تتمثل فائدته في ارتقاء الإنسان من حضيض التقليد إلى ذرا اليقين، وإرشاد المسترشدين بإيضاح الحجة لهم، وإلزام المعاندين بإقامة الحجة عليهم، وحفظ قواعد الدين من أن تزلزلها شبهات المبطلين وأن تقوم العلوم الشرعية الأخرى على أساس قوي سليم، فإن ثبوت وجود الخالق العالم القادر المتصف بكل صفات الكمال والمنزه عن كل صفات النقصان، الذي أرسل الرسل مبشرين ومنذرين ومعهم الكتب الجامعة لأحكام الشرائع والأحكام المحققة لمصالح الناس في الدنيا وسعادتهم في الآخرة، كل هذا ضروري لقيام علوم التفسير والفقه والأصول وغيرها من العلوم الضرورية، ولولا هذه الأصول لما نشأت هذه العلوم ولما عكف عليها العلماء والمحققون.
محمد هشام برهاني
الموضوعات ذات الصلة: |
الإسلام ـ الله (جلَّ جلاله) ـ الأنبياء ـ الإيمان ـ الجبرية ـ الجنَّة ـ المرجئة ـ المعتزلة ـ النار.
مراجع للاستزادة: |
ـ محمد بن محمد الغزالي، الأربعين في أصول الدين، دار الآفاق الجديدة (لبنان 1400هـ /1980م).
ـ محمد علي التهانوي، كشَّاف اصطلاحات الفنون والعلوم، تحقيق علي دحروج وإخوانه، بإشراف رفيق العجم، مكتبة لبنان (1996م).
ـ حسن محمد أيوب، تبسيط العقائد الإسلامية، المطبعة العصرية (الكويت 1397هـ/1977م).
- التصنيف : الشريعة - النوع : دين - المجلد : المجلد السابع، طبعة 2003، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 126 مشاركة :