تعود بدايات الأدب في أوكرانية إلى أواخر القرن العاشر الميلادي حين اعتنقت الشعوب السلافية الدين المسيحي. لكن الأدب المكتوب باللغة الأوكرانية المعروفة اليوم حديث العهد نسبياً إذ نشر أول عمل أدبي بهذه اللغة سنة 1798.

"/>
اوكرانيه (ادب)
Ukraine - Ukraine

أوكرانية

 

أوكرانية

الأدب الأوكراني

تعود بدايات الأدب في أوكرانية إلى أواخر القرن العاشر الميلادي حين اعتنقت الشعوب السلافية الدين المسيحي. لكن الأدب المكتوب باللغة الأوكرانية المعروفة اليوم حديث العهد نسبياً إذ نشر أول عمل أدبي بهذه اللغة سنة 1798. وكان الأدباء قبل ذلك التاريخ يستعملون اللغة المعروفة بالسلافية الكنسية وحدها (من القرن الحادي عشر إلى القرن السادس عشر). والجانب الديني واضح المعالم في هذا الأدب حتى في القصص التاريخي، «فقصص السنين الغابرة» على سبيل المثال تبدأ بطوفان نوح وتقسيم العالم بعد الطوفان بين أبنائه الثلاثة سام وحام ويافث. وهي تصور تصويراً شاملاً حياة السلافيين الشرقيين: الأوكرانيين والروس والبيلوروس الذين اشتركوا في التراث الأدبي حتى القرن الثالث عشر حين حطم التتار «إمارة كييف الروسية» سنة 1240. اشتملت هذه الحقبة على قدر كبير من التراث الشعبي والديني الشِفاهي والمكتوب مثل: بعض كتب الحوليات، وكتاب «كلمة عن القانون والفردوس» لمطران كييف عام 1073، ومجموعة القوانين «الحقيقة الروسية» عام 1282، و«تعاليم» عام 1423.

تعدّ سنة 1798 سنة حاسمة في تاريخ الأدب الأوكراني، ففي تلك السنة نشر الشاعر إيفان بيتروفيتش كوتلاريفسكي (1769- 1838) كتابه «الإنيادة» وهو أول عمل أدبي مكتوب كله باللغة الأوكرانية المحلية.

و«إنيادة» كوتلاريفسكي أقصر من إنيادة فرجيل[ر] المعروفة، إذ تتألف من ستة أناشيد في مقابل اثني عشر نشيداً، وهي ليست ترجمة لملحمة الشاعر الروماني وإنما هي اقتباس جعل من إنياس مغامراً أوكرانياً في معارضة أدبية تتألق مرحاً وفكاهة وتهكماً، وتصور عادات المجتمع الأوكراني وتقاليده في القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر. ويظهر البطل تعاطفاً مع الأقنان في مواجهة الإقطاعيين وحباً عظيماً للوطن وماضيه المجيد. لهذا كان للإنيادة شعبية واسعة وأثر كبير في نمو المشاعر القومية وتطوير اللغة الأوكرانية.

كتب كوتلاريفسكي أيضاً مسرحيتين كان لهما أثر مهم في تطور المسرح الأوكراني هما «الجندي الساحر»، و«ناتالي (ناتالكا) البولتافية» (نسبة إلى بولتافا مسقط رأس الكاتب)، التي حولها الموسيقار ليسنكو مسرحية «ناتالي البولتافية» إلى أوبرا تصور في فصلين قصة ناتالي الفتاة الفقيرة التي تحب بطرس وتبقى مخلصة له في غيابه متجاهلة الخُطّاب من الأغنياء وذوي الألقاب، مثلها في ذلك مثل بنيلوبه في غياب أوديسيوس في ملحمة هوميروس المعروفة الأوديسة[ر].

مهد كوتلاريفسكي الطريق لشاعر أوكرانية وفنانها الشهير تراس غريغوريفتش شفتشنكو[ر](1814- 1861)Taras Shevchenko الذي طور اللغة الأوكرانية وجعل منها لغة أدبية. نشر شفتشنكو مجموعته الشعرية الأولى «عازف الكوبزا» سنة 1840 (الكوبزا آلة موسيقية وترية شرقية تشبه العود شاع استعمالها في شرقي أوكرانية) وكان ما يزال طالباً في أكاديمية الفنون الجميلة في سانت بطرسبرغ.

ويعد الوطن محور قصائد شفتشنكو، فقصيدة «الهيداماك» (المهاجمون، والكلمة من أصل تركي بمعنى انتفض) تروي قصة ثورة الفلاحين الأوكرانيين على المستعمر البولندي، وقصيدة «القوقاز» (القفقاس) هجوم على الاستعمار الروسي وسعيه لإخضاع شعوب القوقاز وطبعها بالطابع الروسي، وقصيدة «الحلم» نقد عنيف لسياسة القياصرة في بلاده ولاسيما بطرس الأول الذي صلب أوكرانية، وكاترين الثانية التي أجهزت على الضحية؛ وقصيدة «الوصية» دعوة للشعب الأوكراني إلى حمل السلاح في وجه مضطهديه حتى يقيم من جديد دولته الحرة المستقلة. وهو في قصائده قريب من الأغنية الشعبية شكلاً وإيقاعاً، وهذا ما أعطى شعره موسيقية رائعة. ومع قرب هذا الشعر من لغة الحياة اليومية فإنه غني بمفرداته مما جعل من شفتشنكو أهم شاعر أسهم في تطوير اللغة الأوكرانية. وهو يعد بحق مؤسس الأدب الأوكراني الحديث.

ومن الرواد أيضاً غريغوري فيودرفيتش كفيتكا(1778- 1843)Grigóry Fyódorovich Kvitca الذي كتب تحت الاسم المستعار غريتسكو أوسنوفْيانِنْكو روايات واقعية أشهرها «ماري» (1834) و«أوكسانا المنحوسة» (1841) اللتان تصوران حياة الفلاحين الأوكرانيين. ومن هؤلاء الرواد يفغيني غريبيونكا(1812- 1848)Evgeny Grebiunka الذي كشف النقاب في مجموعته القصصية «حكايات أوكرانية» (1834) عن الظلم الاجتماعي والرشوة وتسلط الملاكين. ومنهم الروائية ماركو فوفْتشوك Markó Vovchók، وهو الاسم المستعار لماريا ماركوفيتش(1833- 1907)Maria Vilinska Markovych التي نالت إعجاب شفتشنكو وتورغينيف[ر] الذي كتب مقدمة للترجمة الروسية لكتابها «قصص شعبية» (1857) وهو أكثر كتبها شهرة. وقد وصف الكاتب الأوكراني إيفان فرانكو[ر] روايتها القصيرة «الطالبة الجامعية» (1860) بأنها «من بين الدرر العظيمة في أدبنا».

في النصف الثاني من القرن التاسع عشر غلبت المدرسة الواقعية في الأدب الأوكراني. ومن أهم الشعراء الواقعيين ليونيد غْليبوف (1827- 1893) وبافلوف غرابوفسكي (1864- 1902). وفي الرواية اشتهر إيفان نتشوي (وهو الاسم المستعار لإيفان سميونفيتش ليفيتسكي (1838- 1918) الذي كتب روايات اجتماعية واقعية عن الفلاحين والعمال وصيادي الأسماك، كما في رواية «عائلة كيداشيف» (1878) التي تعالج مشكلات الأقنان المحررين الذين صاروا عمالاً في المعامل. ومن الكتاب المسرحيين مارك كروبيْفنيتْسكي(1840- 1910)Marc Loukich Kropivnetski وإيفان توبيلوفيتش (1845-1907)Tobilovich الذي كتب تحت اسمه المستعار «كاربنكو ـ كاري» Carpenko Cari مسرحيات هزلية ساخرة.

في هذا الوقت ازداد الاضطهاد القيصري لأوكرانية واشتدت حملات الهيمنة الروسية، ففي سنة 1876 أصدر القيصر ألكسندر الثاني مرسوماً يمنع استعمال اللغة الأوكرانية في المدارس ونشر أي كتاب أو مجلة بها، مما أعاق تطور الأدب الواقعي ونشره، وأدى إلى انتقال مركز الحركة الثقافية الأوكرانية إلى غاليسية التي كانت تحت السيطرة النمسوية.

كان إيفان باكوفليفيتش فرانكو(1856- 1916)Ivan Franko صوت الشعب الأوكراني في غاليسية وأعظم الأدباء الأوكرانيين بعد شفتشنكو، وكان متعدد المواهب، موسوعي الثقافة، ثوري الاتجاه. درس في جامعة فيينة ونال شهادة الدكتوراه، ولكنه لم يعّين أستاذاً في الجامعة بسبب أفكاره السياسية ونشاطه القومي. وقد سجنته السلطات الروسية مراراً، فهو مثل شفتشنكو في نظرته القومية وتعلقه بوطنه.

ومن أعمال فرانكو ديوان «النجاد والوهاد» (1887- 1893) وديوان «موت قابيل» (1889) ورواية «يوريسواف الضاحك» (1882) والمجموعة القصصية «الأفعى العاصرة» (1878) ومسرحية «السعادة المسروقة» وملحمة «موسى» (1905). وبطل هذه الملحمة زعيم قومي يقاوم تحامل أتباعه وطغيان مضطهديهم مؤمناً بأن الشعب محرك التاريخ.

كافح الأدباء الأوكرانيون الاضطهاد الروسي للغتهم. ومن أهم هؤلاء ميخايلو كوتسيوبينسكي(1864- 1913)Mykhaylo Kotsyubynsky، ففي سنة 1903 ألقى كلمة جريئة ندد فيها بالسياسة القيصرية في حفل إزاحة الستار عن النصب التذكاري الذي أقيم للشاعر كوتلاريفسكي في بولتافا. ولكن السلطات لم تسمح بنشر الكتب والمجلات باللغة الأوكرانية إلا بعد ثورة سنة 1905 في روسية.

وبإلغاء القيود صار الأدب أكثر حرية في التطور والازدهار. ففي ميدان الرواية برز كوتسيوبنسكي، وكان صديقاً لمكسيم غوركي[ر] الذي ساعده في نشر أعماله المترجمة إلى الروسية في مجلة «المعرفة» التي كان يرأس تحريرها. وأشهر كتبه رواية «السراب» التي صدر الجزء الأول منها في سنة 1903 والثاني في سنة 1910، وهي تصور حياة الفلاحين الأوكرانيين وثوراتهم على مضطهديهم. ومن رواياته الأخرى «أشباح الأسلاف المنسيين» (1912) التي أخرجها باراديانوف للسينما في سنة 1965. ومن أعلام الشعر والمسرح ليسا أوكرايينكاLesa Ukrainka (واسمها الحقيقي لاريسا كوساتش كِفيتكا، 1871- 1913) التي قضت وقتاً طويلاً في مصر ابتغاء الشفاء من مرض السل، وأثر إقامتها هناك واضح في ديوانها «الربيع في مصر» (1910)، وفي قصيدتها الطويلة «نقش في الآثار». ومن أشهر أعمالها المسرحية «المحامي مارتيانوس»(1913) التي تجري أحداثها في رومة في القرن الثالث الميلادي. وفي مسرحية «كساندرا» (1908) تستخدم أوكرايينكا شخصيات الأسطورة اليونانية للتعبير عن المطامح السياسية والاجتماعية المعاصرة.

دخل الأدب الأوكراني مرحلة جديدة بعد الثورة الشيوعية في سنة 1917، فقد صارت أوكرانية جمهورية من جمهوريات الاتحاد السوفييتي، وسيطر الحزب الشيوعي سيطرة تامة على جوانب الحياة كلها. وفي سنة 1932 أصدر الحزب قراراً بإحداث اتحاد الكتاب الأوكرانيين، وفي سنة 1934 فرض عليهم الواقعية الاشتراكية بقرار آخر. وقمعت السلطات في عهد ستالين كل محاولة للاستقلال الفكري.

ومن أهم شعراء هذه الحقبة بافل تيتشينا(1891- 1967)Pavel Tichina، ومكسيم ريلسكي(1895- 1964)Maksym Rylsky، وفلاديمير سوسيورا(1898- 1965) Vladimir Sosiora، وميخايلو سيمنكو(1892- 1939)Mykhaylo Semenko، وميكولا باجان(1904- 1983) Mikola Bajan، وإيفان دراتش(1936-) Ivan Drach. كان تيتشينا مجدداً موهوباً، ولكن التزامه بما يمليه الحزب حوّله على سبيل المثال من شاعر ثوري فريد في ديوان «مزامير الشمس» (1918) إلى نظّام مطيع في ديوان «الفولاذ والرقة» (1941).

وقد بدأ ريلسكي بعيداً عن الواقعية الاشتراكية، مما أدى إلى سجنه ومنع كتبه. وعند إطلاق سراحه التزم الخط السياسي المطلوب، كما يبدو واضحاً في قصائده عن ظل القائد (لينين) والنهضة العمالية الشاملة، وفي نشيد «العمل والشمس». ومن أعماله أيضاً ملحمة «مارينا» (1933) التي استمد موضوعها التاريخي من تراث شعبه. أما سوسيورا فقد نظم قصائد تتقد حماسة وحباً للوطن، وكان أكثر الشعراء شهرة في عهد ستالين. ويتصف شعر سيمنكو بأصالة ساحرة وتجديد مستمر، وقد نفي إلى سيبيرية حيث توفي. وأما باجان الذي كان من مريديه في البداية فقد تعرض إلى نقد حزبي شديد جعله يقبل بالواقعية الاشتراكية. أما إيفان دراتش فكان يكتب بأسلوب حديث مبتكر ويتمتع بشعبية كبيرة.

وفي المسرح الأوكراني السوفييتي برز ميكولا كوليش(1892- 1962)Mikola Koulish، وإيفان كوتشرغا(1881- 1952)Ivan Kocherga وألكسندر كورنيتشوك(1905- 1972) Alexandr Korneichouk. من أعمال كوليش مسرحية «97» التي شهرته وقد نشرها سنة 1924، و«نار ودني مالاخي» (1929) التي تصور شخصية دونكيشوتية أوكرانية معاصرة. وكان كوليش من ضحايا التسلط الستاليني، ففي سنة 1954 نفي إلى أحد معسكرات الاعتقال في سيبيرية حيث توفي. أما كوتشرغا فكتب مسرحيات مستوحاة من التاريخ وأخرى تصور الواقع المعاصر. وتتصف مسرحيات كورنيتشوك بتقنية عالية وتطبيق صارم لمبادئ الواقعية الاشتراكية.

وفي الرواية غلب الاتجاه التعليمي، ولاسيما في العشرينات والثلاثينات بهدف ترسيخ القيم الاجتماعية الجديدة. ففي أعمال لي وكوبيلنكو وسكليارنكو يجد المرء روايات عن الإنتاج الاشتراكي والمزارع التعاونية ومشكلات الخطط الخمسية. ومن الروائيين البارزين أوليس هونشارOles Honchar  (1918-) الذي تتصف قصصه القصيرة بالشاعرية والدقة في تصوير الحالات النفسية، وقد نالت ثلاثيته «حاملو الراية» جبال الألب»، و«الدانوب الأزرق»، و«براغ الذهبية») جائزة ستالين في سنتي1947و1948. وكوفئ بتعيينه عضواً في مجلس السوفييت الأوكراني ثم رئيساً لاتحاد الكتاب الأوكرانيين، ولكنه نحي عن هذا المنصب بعد الحملة النقدية العنيفة التي تعرضت لها روايته «الكاتدرائية» (1968) لتأكيدها القيم الروحية ورفضها للاتجاهات المادية والإلحادية.

وباستقلال أوكرانية في سنة 1991 دخل أدبها عصراً جديداً.

سليمان أحمد

 

 

- التصنيف : الآداب الأخرى - المجلد : المجلد الرابع، طبعة 2001، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 300 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة