النعساني (بدر الدين-)
نعساني (بدر دين)
Al-Na’sani (Badr Ad Din-) - Al-Na’sani (Badr Ad Din-)
النعساني (بدر الدين ـ)
(1298 ـ 1362هـ/1881 ـ 1943م)
أبو فراس، بدر الدين، محمد بن مصطفى بن رسلان النعساني الحلبي، أديب كاتب صحفي.
كان زاخر المعرفة، متمكناً من أسرار اللغة العربية، والغوص على دقائقها، وكان حجةً في الأدب والشعر والنحو والصرف وغيرها من العلوم العربية.
ولد بحلب في محلة «ابن يعقوب». قال الغزي في «نهر الذهب» ـ وهو يتكلم على الأسر المشهورة في تلك المحلة ـ: «… وأسرة آل النعساني المتصل نسبهم بولي الله الشيخ رسلان. ووجيه هذه الأسرة الأديب الناظم الناثر الأستاذ بدر الدين النعساني».
وجدّه الأعلى الشيخ رسلان «أو أرسلان» بن يعقوب (ت699هـ) أحد الزهاد الصالحين المشهورين من أهل دمشق.
نشأ بدر الدين النعساني في محيط لم يتسع لما آتاه الله من ذكاء وألمعية، فما كاد يبلغ الثانية عشرة من عمره حتى سافر إلى مصر ليدرس علوم اللغة والدين في الجامع الأزهر، فأقام هناك ثماني سنين (1310ـ 1318هـ) وانضم في أثنائها إلى حلقة الإمام محمد عبده فأفاد منه كثيراً، وحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب، وراح يتابع ما يُنشر من كتب الأدب والشعر ولكنه لم يكمل دراسته في الأزهر بل قام برحلة إلى الهند سنة 1319هـ، ويبدو أن المقام لم يطب له هناك فآب إلى مصر سنة 1321هـ بعد أن مكث في الهند سنة ونصف السنة وأكمل دراسته في الأزهر؛ حتى عُدّ من ألمع الرجال ومن عظماء الكتاب والأدباء الذين أنجبهم الأزهر الشريف.
ثم ما لبث أن انصرف إلى تصحيح جملة من الرسائل والكتب التراثية من أدبية ولغوية ودينية وتدقيقها وشرح غريبها وتحقيقها تحقيقاً ينمّ على غزارة علم وسعة اطلاع، مثل: ديوان زهير ابن أبي سلمى، وكتاب «الحيوان» للجاحظ (ت255هـ)، و«فقه اللغة وسر العربية» للثعالبي (ت429هـ) و«المفصّل في النحو»، للزمخشري (ت538هـ) وغيرها من الكتب النادرة يومئذ، فطبعت ونشرت وأصبحت ميسّرة للناس.
وقد مكّنه هذا العمل من قراءة كثير من الذخائر القديمة، حتى أصبح ـ إلى ثقافته الأدبية ـ من المبرّزين في فهم النصوص القديمة وشرحها، فضلاً عما عُرف به من قوةٍ في البيان، وقدرة على التعبير.
وهذا ما أهّله لأن يُضمّ إلى أسرة تحرير جريدة «المؤيد» لصاحبها الشيخ علي يوسف إلى جانب محررين آخرين من بلغاء الكتاب، وفي مقدمتهم: أحمد حافظ عوض ومحمد مسعود ومحمد كرد علي وعبد القادر المغربي وسليم سركيس وغيرهم.
بقي على الحال بضع سنوات (1905ـ1909م) قام بعدها برحلة متواصلة إلى تونس والجزائر وطرابلس الغرب سنة 1326هـ/1909م ثم إلى الآستانة. وقد أحبّ تونس وبقي فيها مدةً يدرّس ويكتب، وكان موضع حفاوة التونسيين.
وقبيل الحرب العالمية الأولى عاد إلى حلب بعد أن خلَّف في مصر أجمل الذكريات وبقي يحنّ إليها كلّ حياته فيما بعد، وانصرف في حلب إلى تدريس اللغة العربية وآدابها في المدرسة السلطانية (التي سميت فيما بعد بالتجهيز، ثم ثانوية المأمون)، وفي الكلية العلمانية (مدرسة اللاييك)، وتخرج على يديه طلاب كثُر، عرفوا فضله وأحيوا ذكره، وكانوا يتناقلون أماليه المخطوطة صفاً بعد صف، ولكنها لم تنشر وضاعت.
ثم ناطت به الحكومة العثمانية تحرير جريدة «الشرق» التي أصدرها جمال باشا السفاح بدمشق، فاشترك النعساني في تحريرها مع محمد كرد علي وشكيب أرسلان وعبد القادر المغربي.
ثم إن السفاح ندبه أيضاً لرياسة تحرير جريدة «الحجاز» التي أصدرتها السلطة العسكرية العثمانية في «المدينة المنورة» في الحرب العالمية الأولى لتنطق بلسان الدولة العثمانية هناك، وتؤيد سياستها ضد الشريف حسين الذي أعلن ثورته الكبرى على الأتراك.
ولعل سبب اختيار النعساني لهذه المهمة أنه كان عثمانيّ الهوى، منحازاً إلى فكرة الخلافة الإسلامية. وقد ظلّ كذلك طوال حياته حتى بعد خروج الأتراك من سورية.
وبعد أن مكث ستة أشهر في المدينة المنورة عاد إلى دمشق ليتابع عمله السابق في تحرير جريدة «الشرق» ومازال إلى أن وضعت الحرب العامة أوزارها (1918) وجلا الأتراك عن سورية، فعندئذ رجع إلى حلب وعمل محرراً لجريدتها الرسمية مدة قصيرة، ومدرساً في «التجهيز» منصرفاً أيضاً إلى تحرير المقالات اللاذعة في صحف حلب بتوقيع «أبي فراس»، طابعها النقد الاجتماعي، ونقد السياسة المحلية بأسلوب مشرق وديباجة جذابة.
وكان الناس في حلب يتهافتون على مقالاته تلك بلهفة شديدة، حتى تنفد الصحيفة التي كتب فيها أو تكاد، فتباع بأضعاف ثمنها أحياناً؛ لأنه كان يتخذ النقد والتجريح وسيلةً جهرية للإصلاح، ومع ذلك كان فيه شيء من الانقباض عن الناس، مع ظرفٍ وحسن عِشرة لمن يألف من أصدقائه ومن طلابه الذين تخرجوا على يديه. وكان ذكياً ومحدثاً لبقاً، دمث الخلق يحب النكتة، ويحسن روايتها والاستماع إليها، وكان يزهد في الشهرة ويمقتها، ويرى أن ما ناله منها فوق حاجته، كما كان زاهداً في المال، مترفعاً عن كسبه. وبعد أن تأسس المجمع العلمي العربي بدمشق (1919) رشّحه رئيس المجمع محمد كرد علي ليكون عضواً فيه فأجمع الرأي على انتخابه، تقديراً لفضله وأدبه.
كان النعساني شاعراً مجيداً، ولكن شعره لم يُجمع. وما وصل إلينا منه يمتاز معظمه بقوة السبك وجودة الصياغة.
ومن شعره قصيدة طويلة مشهورة نظمها في مناسبة الاحتفال بمبايعة أحمد شوقي أميراً للشعراء بمصر سنة 1927، ولم يتمكن النعساني من السفر إلى مصر فأرسل قصيدته إلى » المهرجان » لتلقى بالنيابة عنه، وهي تشير إلى أنه بقي يحنّ إلى مصر وأيامه بها، على الرغم من انقطاع صلته بها. ومطلع قصيدته:
ذراني من ملامِكُمَا ذراني ذ فلو أنْصَفْتُما لَعَذَرْتُمَاني
ومنها معبراً عن آيات الوفاء لمصر:
بني مِصْرَ فَدَيْتُكُمْ بنفسي وذلك كلُّ ما تَحْوي اليدانِ
ولو كانَت لي الدّنيا جميعاً فديْتُكم بها سمحَ الجَنانِ
غبرتُ بأرضِكم زمناً طويلاً قليل البَثِّ مَوْفُورَ الأمانِي
أروح وأغتَدي طلق المحيّا كأنّي من زماني في أَمانِ
توفي بدر الدين النعساني بحلب، ولم يترك بعد وفاته عدداً وافراً من المؤلفات، فقد كان أثره في طلابه أقوى من التأليف، وقد أنشأ للأمة أجيالاً من الشباب تلقوا على يديه الكرامة والعزة والوطنية والأدب الصافي، وتلقوا من يراعته البارعة قول الحق والحجة البالغة، منهم الصحفي والشاعر والطبيب وعالم النفس وكلّهم أخذوا عنه وأفادوا من أدبه وتأثروا به، ولا عجب في ذلك فقد كان مربياً حاذقاً ومعلماً متمرساً، ذا طريقة فذة في التعليم، فأحبوه حبّاً جمّاً، واحترموه احتراماً عميقاً، واستعاض بهم عن تأليف الكتب، فقد كان يرى التأليف والإنتاج بطيء الثمر، قليل الأثر، فلا ينصرف إليه إلا في مصيفه أو سفره.
وعلى هذا فمؤلفاته قليلة إذا قيست بالكتب التي دققها وصححها وحققها. وقد طبع منها:
1ـ «التعليم والإرشاد في إصلاح التعليم في الأزهر». طبع الجزء الأول منه سنة 1334هـ. وهو يبحث عن حال التعليم والإرشاد والدعوة في الإسلام، وينتقد طرائق التعليم في الأزهر.
2ـ «شرح أسماء أهل بدر وأحد».
3ـ «القواعد الجلية في دروس اللغة العربية» طبع منه جزآن.
4ـ «المفضل في شرح أبيات المفصّل للزمخشري» فرغ منه سنة 1323هـ، وهو مطبوع مع كتاب «المفصّل» للزمخشري.
5ـ «نهاية الأرب في شرح معلقات العرب» طبع سنة 1324هـ.
6ـ «النصوص على كتاب الفصوص لأبي نصر الفارابي» ومعه رسائل في الحكم المشرقية للفارابي المذكور.
7ـ وشارك في تأليف «منجم العمران» وهو ذيل على «معجم البلدان» لياقوت الحموي.
محمود فاخوري
مراجع للاستزادة: |
ـ سامي الكيالي، الأدب العربي المعاصر في سورية (مصر 1968 م).
ـ سامي الدهان، قدماء ومعاصرون (مصر 1961م).
ـ عبد القادر عياش، معجم المؤلفين السوريين في القرن العشرين ( دمشق 1405هـ/1985م).
ـ كامل الغزي، نهر الذهب في تاريخ حلب، تحقيق محمود فاخوري وشوقي شعث (حلب 1412هـ/1991م).
- التصنيف : اللغة العربية والأدب العربي - النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلد العشرون، طبعة 2008، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 747 مشاركة :