التوثيق (نظم-)
توثيق (نظم)
Documentation - Documentation
التوثيق )نظم ـ(
التوثيق (نظم ـ)
تعريف علم التوثيق
تختلف تعريفات علم التوثيق باختلاف المجالات المطلوبة، ولعل أهم وأفضل هذه التعريفات هو: «التوثيق هو علم السيطرة على المعلومات».
ذلك أن هذا التعريف ينطبق على نظم التوثيق التقليدية. كما يستوعب الاتجاهات الحديثة لهذا العلم، فالمعلومات يمكن أن تتضمن جميع الأشكال بدءاً من الوثيقة والكتاب وانتهاء بالصورة والتسجيلات الصوتية والفيديوية والنصوص الإلكترونية. كما أن مفهوم السيطرة يتضمن العمليات الفنية التقليدية كالتجميع والاختزان والفهرسة والتصنيف والتكشيف، كما يتضمن الاتجاهات الحديثة كمحركات البحث والمكانز والفهرسة الآليين.
لمحة تاريخية
تعود بدايات التوثيق Documentaion إلى العصور القديمة، أي إنَّ بدايات التوثيق سبقت التدوين الكتابي، ذلك أن التوثيق بمفهومه الواسع: أي حفظ الأحداث التاريخية والمعلومات العلمية ونقلها إلى الأشخاص الذين يمكنهم الاستفادة منها، ينطبق أيضاً على التناقل الشفاهي للمعلومات والمعـارف والمهارات، فأسهم الشعر الجاهلي في توثيق تاريخ العرب قبل الإسـلام، وكانت ملاحـم هوميروس الشاعر الإغريقي «وثَّقت» فترة تاريخية كانت غائرة في عمق الذاكرة الإغريقية، وإن التناقل الشفاهي لملحمتي الأوديـسة والإلياذة كان من أول أشكال التوثيق الشفاهي وذلك قبل تدوينهما بقرون عديدة. وفي إطار التوثيق في تاريخ العالم القديم يمكن تحديد المحطات الرئيسية الآتية:
ـ وصلت الحضارتان السورية والمصرية إلى مستوى عالٍ من الكتابة التصويرية، التي اسـتوعبت تدوين الشـعر والطب والمعتقدات الدينية والعلوم.
ـ اكتشف المصريون من نحو 2500 قبل الميلاد ورق البردي، وبذلك أصبح من الممكن تبادل الوثائق، ونقل المعلومات المدونـة من مكان إلى آخر.
ـ اكتشف السومريون نحو 1700 قبل الميلاد وسـيطاً آخر وهو الكتابة على ألواح فخارية (الرقم) وسـجَّلوا عليها بالكتابة المسمارية تاريخهم وعلومهم ومبادلاتهم التجارية، وذلك بعد أن طوَّروا كتابتهم التصويرية القديمة إلى كتابة مسمارية.
ـ ظهرت أولى المكتبات المنظمة والمصنفة في العالم في مصر وبلاد ما بين النهرين في الألف الثانية قبل الميلاد.
ـ في القرن الثامن قبل الميلاد ظهرت في سـورية أول أبجدية فتحت الطريق أمام الانتشار الواسع للكتابة في العالم القديم، وأثّرت على الأبجدية اليونانية والتي انطلقت منها فيما بعد الأبجدية اللاتينية.
ـ في الفترة (1450- 1456م) أخرجت مطبعة يوحنا غوتنبرغ أول كتاب مطبوع يتكون من 42 سطراً من الإنجيل، مما منح البشرية إمكانية النشر الواسع للنصوص المكتوبة.
ـ في القرن التاسع عشر ظهر نظام تصنيف ديوي Melvil Dewey، وهو أشهر وأهم نظم تصنيف المكتبات حتى اليوم.
نظم التوثيق التقليدية
في القرن التاسع عشر بدأت ملامح ظاهرة انفجار المعلومات بالإعلان عن نفسها، مما دفع بالموثقين إلى استكشاف أساليب جديدة تساعدهم في مواجهة هذه الظاهرة. وكان التحذير الذي ورد على لسان جوزيف هنري، وهو أحد أهم العاملين في مجـال المكتبات في الولايات المتحـدة وبريطانية، أسهم في إنشاء 380 مكتبة في هذين البلدين، وعبر عن قلقه تجاه مستقبل التوثيق عام 1851 قائلاً:
«لقد أثبتت التقديرات أن مقدار ما ينشر سنوياً من مصادر المعلومات، يبلغ نحو عشرين ألفاً من المجلدات، بما فيها النشرات، وتعد كلها إضافة إلى رصيد المعرفة البشرية، وما لم ترتب هذه الكميات الضخمة بطريقة ملائمة فسوف يضل الباحثون سبيلهم بين أكداس الإنتاج الفكري، كما أن تل المعلومات سوف يتداعى تحت وطأة وزنه».
ويمكن القول أن علم التوثيق الحديث انطلق في القرن التاسع عشر، مع ولادة نظام ديوي للتصنيف، وشهد انطلاق معظم الأساليب المستخدمة فيما بعد في مجال التوثيق ووضع أسسها العلمية وفيما يلي أهم الأدوات المستخدمة في نظم التوثيق التقليدية:
ـ الكشافات: هي إحدى الأدوات الأساسية المستخدمة في استرجاع المعلومات، وتعنـى الكشافات بتنظيم المقالات والدراسـات والبحوث داخل الدوريات أو الصحف أو الكتب، ويكون تنظيم الكشافات إما موضوعياً أو ألفبائياً أو زمنياً أو رقمياً.
ـ المستخلصات: هي ملخصات دقيقة تبنى بصورة علمية وفقاً لقواعد الاستخلاص التي تتوخى تضمين الملخص كل العناصر الموجودة في المادة الأصلية، وتصاغ بأسلوب مشـابه للوثيقة الأصلية مع وصف ببليوغرافي يسهل استرجاع الوثيقة الأصلية.وتتنوع المستخلصات وفقاً للهدف من إنشائها فهنالك المستخلصات الوصفية والمستخلصات الإعـلامية والمستخلصات الموجـزة (التلغرافية).
ـ الأدلـة: تفيد في الوصول إلى المعلومات الجارية والمتجددة وتعرف بأنواعها وأماكن وجودها، وهنالك أنواع عديدة من الأدلة أهمها:
- أدلة الأفراد: تعرف بالخبراء المتخصصين في مجال معين.
- أدلـة الهيئات والجمعيات والمنظمات الدوليـة: تعرِّف بهـذه الجهات وأعمالها وأقسامها ومهامها وأنظمتها وخدماتها.
- أدلة الدوريات: تعرِّف بالدوريات وتخصصها وأماكن صدورها.
- أدلة المؤتمرات وحلقات البحث: تعرِّف بالندوات وغاياتها وأنواعها وأعمالها وتوصياتها والبحوث الصادرة عنها.
- أدلة المواد السمعية والبصرية: تعرِّف بالأشـرطة الصوتية والفيديوية والأفلام والصور والشرائح الثابتة والأقراص الليزرية.
ـ نظم التصنيف: هي إحدى الأدوات الأساسية المستخدمة في تنظيم المكتبات ودور الأرشـيف، ويغلب على نظم تصنيف المكتبات ونظم تصنيف مراكز المعلومات الصحفيـة الطابع الموضوعي، والانتقال من رأس الموضـوع العام إلى رؤوس الموضوعات الفرعية، في حين تعتمد دور الأرشـيف على تصنيف الوثائق الورادة إليها وفقاً للجهة التي أصدرتها.
ـ نظم الفهرسة: وهي إحدى الأدوات الأساسية المستخدمة في تنظيم مـواد المكتبات ودورالأرشيف، وتدل هذه النظم على طريقـة وصف أوعية المعلومات وفقاً لقواعد علمية موضوعة سلفاً على أن تغطي وصف وعاء المعلومات من جميع الجوانب الممكنة.
ـ المكانز: هي النظم التي تتضمن كلمات البحث الرئيسة (الكلمات المفتاحية) والتي تستخـدم في تخزيـن المعلومات ومن ثم استرجاعها، وغني عن البيان أن المكانز هي لغة مقيدة، أي أن الواصفات المستخدمة في الإدخال يجب أن تكون هـي ذاتها المستخدمة في الاسترجاع.
نظم التوثيق الحديثة
لعل أول من أشار إلى ضرورة فتح آفاق جديدة أمام نظم استرجاع المعلومات، بشكل يتجاوز نظم التوثيق التقليدية هو فانيفار بوش الذي كتب مقالاً عام 1945 قال فيه: «يرجع عجزنا عن الوصول إلى الوثيقة، إلى حد بعيد إلى الافتعال وعدم الدقة في نظم التكشيف، فحينما توضع بيانات من أي نوع في مكان الاختزان فإنها ترتب هجائياً أو رقمياً، ويتم الوصول إلى المعلومات (إذا تحقق) بتتبعها من فرع إلى آخر...والعقل البشـري لا يعمل بهذه الطريقة، وإنما يعمل بتداعي المعاني أو ترابط الأفكار، فهو عندما يحصل على إحـدى المواد ينتقـل في التو واللحظة إلى الأخرى التي اقترحها تداعي المعاني». وبذلك يكون فانيفار بوش أول من دعا إلى تجاوز نظم التوثيق التقليدية، وكان لا بد أن تنتظر قبل تحقيقها ما يقارب نصف قرن من الزمن، مع تطويـر تقنيات البحث والاسترجاع واعتماد محركات البحث والمكانز الآلية والشبكات العصبونية، ومع ظهور النص الفائق (الممنهل) Hypertext.
واليوم تعتمد المكتبات الكبرى في العالم على نظم استرجاع متطورة، وقامت مكتبة الكونغرس والمكتبة البريطانية بتحويل ملايين الكتب من شكلها الورقي إلى الشكل الرقمي، إذ صار بالإمكان اليوم إجراء بحث متطوِّر ليس فقط في عناوين الكتب وموضوعاتها وكلماتها المفتاحية، بل من خلال البحث عن أيَّ كلمة وردت في الكتاب.
وفيما يأتي أهم الأدوات المستخدمة في نظم التوثيق الإلكترونية الحديثة:
ـ محرك البحث: وهو برنامج ذكي يبحث عن الكلمات ومرادفاتها في نصوص الكتب أو الوثائق المخزنـة رقمياً، أو إذا لم تكـن النصوص مخزنة بشكلها الكامل فإنه يستطيع البحث في نصوص الملخصات. كما تتميز بعض هذه المحركات بذكائها وبإمكانيـة التعلم،أي أنها يمكن أن تطور أساليب بحثها ذاتياً من خلال تقويم نتائج البحث ومدى مطابقتها وتلبيتها لحاجات المستفيد في كل مرة.
ـ المكنز الآلي: وهو نظام ذكي يعتمد على استخراج الواصفات من النصوص المخزنة وإقامة علاقات ترابط فيما بينها من العام إلى الخاص وعلاقات ترادف. ويقوم بتطوير وتعديل هذه العلاقات بشكل آلي، من خلال تقويم نتائج البحث ومدى مطابقتها وتلبيتها لحاجات المستفيد.
ـ النصوص الفائقة (الممنهلة): تقوم النصوص الفائقة بالإحالة فوراً من نص يعالج موضـوعاً محـدداً إلى نصوص أخرى متعلقة بكلمة وردت في النص، ممَّا يشكِّل أساساً متطوراً للمعلومات المتكاملة، بالانتقال من فكرة إلى أخرى وفقاً لتداعي المعاني. ولكن هذا الانتقال لا يعتمد على تداعي المعاني لدى القارىء، وإنما لدى المؤلـف الذي يتوقع أين يكمن تداعي المعاني في النص فيحيل في هذه المواقع أو الكلمات على نصوص أخرى مترابطة مع النص الأصلي.
نظم الأرشفة الضوئية
مع تعاظم حجم الوثائق الحكومية المخزنة في دور الأرشيف، صار من العسير الوصـول إلى هذه الوثائق دون استخـدام الوسائل الإلكترونية. ومن الطبيعي أن الخطوة الأولى في هذا المجال هي إنشاء قواعد معطيات لتوصيف هذه الوثائق وتسهيل الوصول إليها، أمَّا الخطوة الثانية فهي ربط هذه القاعدة مع مكنز للواصفات التي تحدِّد بدقَّة الموضوعات المتعلِّقة بهذه الوثائق. إلا أن الشكل الأحدث لحفظ الوثائق الورقية يتمثل دون شك في إنشاء نظام الأرشفة الضوئية، الذي يضمن عدم المساس بالوثيقة الأصلية، فهو يحيل المستفيد على صورة الوثيقة المخزنة في الحاسوب بسهولة وسرعة.
تربط النظم الأحدث للأرشفة الضوئية صورة الوثيقة بنظام التعرف على الأحرف ضوئياً OCR، ومن ثمَّ يستطيع المستفيد أن يشاهد صورة الوثيقة بشكلها الأصلي مع الأختام والتواقيع، وفي الوقت نفسه يستطيع أن يستفيد من البحث في النص الكامل للوثيقة بعد قراءتها آلياً باستخدام نظام OCR.
نظام الأرشيف الرقمي
شهد العقد الأخير من القرن العشرين تطورات كبيرة في مجال تطبيقات تقنيات المعلومات والاتصالات في مجال الإدارة، وبذلك أمكن تقنياً معالجة المعلومات المطلوبة ونقلها في جميع أقسام المؤسسات الرسمية المتباعدة جغرافياً، تماماً كما لو أن موظفي المؤسسة يعملون في مبنى واحد، وهكذا ظهر اهتمام الأرشيفيين بحفظ واسترجاع هذه الوثائق الرسمية الإلكترونية التي تجري ضمن بيئة إلكترونية بحتة، وفي جزء هام من هذه الحالات دون استخدام الورق. إلا أن نجاح نظام الأرشيف الرقمي يتطلب عدة شروط أهمها:
ـ لا بد أن تتوفر في النظام المنشود حماية قوية تتحكم بأي تعديل يطرأ على الوثيقة الأصلية، وذلك من خلال إجراءات تحـدد صلاحيات إنشاء الوثيقة بدقـة. وتحتفظ بنسـخ عن الوثيقـة الأصلية مع معلومات عن تاريخ إنشائها والجهة التي أنشأتها، كما تحتفظ بنسخ عن أيَّ تعديلات أو إضافات تطرأ عليها مع تاريخ التعديل والجهة التي قامت به.
ـ لابد من حفظ جميع المعلومات المتعلقة بالسياق، مثل علاقة الوثيقة بالوثائق الأخرى، والجهة التي أنشأت الوثيقة، والفعالية التي أنشئت فيها الوثيقة.
ـ لا بد من حفظ جميع المعلومات المتعلقة ببنية الوثيقة كالتنسيق وتسجيل استخدام المصطلحات والشكل والوسط والحقول والجداول والهوامش والفصول والأجزاء والصور والأشكال المتضمنة في الوثيقة.
ـ لابد من حفظ المعطيات الوصفية Meta Data حول الوثيقة، وهي المعطيات التي تبين كيفية تسجيل الوثيقة ونوعها وموضوعها، وتوضح خلفية الوثيقة والأجزاء والسلاسل، كما تتضمن معلومات عن محتوى الوثيقة.
ـ لا بد من الحفاظ على الوثيقة نفسها بصورة ملائمة للاستخدام عبر التطور التقني المتسارع، وهذا يتطلب نسخ الوثيقـة من النظام القديم إلى النظام الأحدث مع تأكيد الحفاظ على معلومات السياق والبنيـة والمعطيات الوصفية دون تغيير، بما في ذلك شكل الوثيقة وتنسيقها الداخلي.
النظم المتكاملة المندمجة
تتجه نظم التوثيق الحديثة حالياً إلى نظم متكاملة تتيح للمستفيد الذي يستفسر عن موضوع محدد، مثلاً: إعلان الحرب العالمية الثانية، أن يقرأ هذا الخبر من الصحف، ثم يستمع إلى التسجيل الصوتي للخبر من الإذاعة، ثم يمكن أن يشاهد أفلاماً وثائقية تسجيلية لأحداث بداية الحرب. كل ذلك إلى جانب الوثائق الرسمية الصادرة عن الحكومات التي دخلت الحرب في بدايتها، ونظم التوثيق هذه دخلت طور العمل فعلياً منذ عدة سنوات. ولا بد من التأكيد أن هذه النظم صارت متاحة على شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت)، وتعتمد هذه النظم على محركات بحث عن الكلمة المفتاحية ومرادفاتها، كما تقبل في الوقت نفسه أسئلة باللغة الطبيعية.
بشار عباس
مراجع للاستزادة: |
- SEORGEL DAGOBERT, Organizing Information: Principles of Data-base & Retrieval Systems (Academic Press 1985).
- التصنيف : التقنيات (التكنولوجية) - النوع : تقانة - المجلد : المجلد السابع، طبعة 2003، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 116 مشاركة :