جماعة فيينة
جماعه فيينه
Vienna Circle - Cercle de Vienne
جماعة *يينة
جماعة فيينة
جماعة فيينة Vienna circle رابطة فكرية، تأسست عام 1922 بفضل جهود العالم الفيزيائي موريس شليك Moritz Schlick، أستاذ فلسفة العلوم الاستقرائية في جامعة فيينة، ضمت نخبة من الفلاسفة والعلماء والرياضيين أمثال كارناب Carnap وهان Hahn ونيوراث Neurath ومينجر Menger وغودل Godel وفايزمان Waismann وفايغل Feigl وكرافت Kraft وكوفمان Kaufmann الذين لم تكن لهم اهتمامات فلسفية أصلاً.
عُرفت هذه الجماعة في الأوساط العلمية والفلسفية بحلقة فيينة، وأُطلق على الفلسفة التي تبناها أعضاؤها مصطلح الوضعية المنطقية[ر] logical positivism، وهو المصطلح الأكثر رواجاً، وسميت تارة بالتجريبية المنطقية empiriscism، وطوراً بالوضعية المحدثة المنطقية neo-positivism كما فهمت أحياناً على أنها الفلسفة التي أثمرت الفلسفة التحليلية analytical أو فلسفة اللغة العادية ordinary language في كمبردج وأوكسفورد [ر.التحليل والتركيب].
وقد تأثرت فلسفة حلقة فيينة بالفلسفة الوضعية عند هيوم Hume والنزعة النقدية العلمية التجريبية عند إرنست ماخ E.Mach والفلسفة الوضعية العلمية عند بوانكاريه Poincaré ودوهيم Dohem وآينشتاين Einstein. كما تبنّت الحلقة الكثير من أفكار فتغنشتاين[ر] Wittgenstein المطروحة في «رسالته المنطقية الفلسفية» عام 1922، والتي تعرض فلسفة الذرية المنطقية، وتصرّح أن مهمة الفلسفة تتمثل أولاً في الإيضاح المنطقي للأفكار، وثانياً اختبار قضايا العلم والتحقق منها تجريبياً، أي تطبيق مبدأ التحقق verification الذي صاغه لأول مرة في تاريخ الوضعية المنطقية شليك، وثالثاً تطهير العلم من الميتافيزيقة باعتبارها لغواً. كما كان لكتابات كارناب أثر كبير في توطيد أفكارها واتجاهاتها الفلسفية، حتى أصبح المتحدث باسم الجماعة. وكان كارل بوبر ولودفيغ فتنغنشتاين من المترددين عليها والمشاركين في مناقشاتها، لكنهما لم ينتميا للجماعة.
وتهدف فلسفة جماعة فيينة، التي سعى لإقامتها علماء ثلاثة هم عالم الرياضيات هانز هان، وعالم الاقتصاد أوتو نويراث، وعالم الفيزياء فيليب فرانك، إلى قيام فلسفة علمية أصيلة بوساطة التحليل المنطقي للعلم، الذي يهدف أولاً: إلى استبعاد القضايا الميتافيزيقية من العلوم الطبيعية والرياضيات والمعرفة الإنسانية بوجه عام، كونها تبحث في موضوعات تتجاوز الخبرة ولا يمكن التحقق من صدقها عملياً بالتجربة، وثانياً: التحقيق في البناء المنطقي للمعرفة العلمية بهدف تحديد «القضايا الأساسية»، أو المعنى الذي يمكن تحقيقه تجريبياً للمفاهيم والتوكيدات العلمية. والأرجح أن الهدف النهائي لهذا التحقيق هو إعادة تنظيم المعرفة العلمية داخل نسق يعرف بأنه «وحدة العلم» وهو نسق يصف «القضايا الأساسية» ويزيل الفروق بين العلوم المنفصلة (الفيزياء والأحياء وعلم النفس والاجتماع)، سواء فيما يتعلق بمفهوم تكوينها ومنهجه، أي توحيد العلوم كلها في فلسفة علمية تشملها جميعاً.
وقد أصدرت الجماعة سنة 1929 ميثاقها الفلسفي الأشهر أو «المانيفستو» المعروف باسم «الفهم العلمي للعالم»، صاغه كارناب وهان ونيوراث، وتضمن أهداف الجماعة ومنهجها وبرنامجها العلمي في مجالات المنطق والرياضيات والعلوم. فركزت على توضيح تصورات العلوم ومناهجها، وبيان كيف أن المعرفة الإنسانية ككل تصدر عن معطيات الخبرة (وهذا هو أثر هيوم الرئيسي). وأول محاولة جرت لتنفيذ ذلك هي تلك التي أقدم عليها كارناب في كتابه «التركيب المنطقي للعالم» عام 1928.
أحرزت جماعة فيينة، بعد أن اشتهرت حركة الوضعية المنطقية حركة عالمية، شكلاً منظماً محدداً وأقامت روابط دولية مع جماعات وضعية جديدة أخرى، فكان لها روابط مع جماعة رايشنباخ ـ دوبيسلاف Reichenbach-Dubislaw في برلين، وانضم إليها أيضاً فون ميزس Von Misis وكارل هيمبل Hempel، وأثمرت الاتصالات عدداً من المؤتمرات الفلسفية الدولية، خصصتها للبحوث الرياضية والفيزيائية، ومناقشة وحدة العلم، في باريس(1935)وكوبنهاغن (1936) وباريس (1937) وكمبردج (1938) وكمبردج بأمريكة (1939)، ثم عقدت الجماعة مؤتمراً في جامعة هارفرد 1939، وتوسعت الحلقة وذاعت دعوتها وشدت إليها الكثير من الفلاسفة في القارتين الأوربية والأمريكية (نيجل وموريس)، وخاصة في بريطانية واسكندنافية وبولندة، وكان أبرزهم ألفريد تارسكي وجيلبرت رايل Ryle وألفريد أير Ayer.
وقد عرّفت جماعة فيينة نفسها عن طريق منشورات جماعة إرنست ماخ، وأصدرت مجلة فلسفية «أخبار الفلسفة»، بالاشتراك مع رايشنباخ، جمعت فيها أبحاث الوضعية المنطقية، وعرفت فيما بعد 1930 باسم «المعرفة Erkenntnis»، كما أصدرت مجموعة من المقالات الصغيرة، طبعت في سلسلة منشورات وحدة العلم. وقد أشرف كارناب[ر] على إصدارها (1930-1940)، لأنها كانت تبشر بفلسفة علمية تهدف إلى توحيد العلوم وتصطنع منهج التحليل المنطقي، كما أصدر مؤلفه «الإعراب المنطقي للغة» عام 1934.
لكن الجماعة بدأت تتفرق، فقد قوبلت فلسفتها الوضعية المنطقية بالاستهجان لأنها بدت مهاجمة للدين والميتافيزيقة والأخلاق، فقامت الحكومة النمسوية بحركة تطهير وملاحقة جميع دعاتها في الجامعة وغيرها، مما دفع الكثير من أعضائها للهجرة، خاصة أنها كانت تجمعاً يهودياً خالصاً، وذاع أن نواة دعوتها صهيونية. ولم يعد لجماعة فيينة وجود، بعد تفرق معظم أفرادها، فمات هانزهان سنة 1934، ورحل كارناب وفايجل ومنجر وجودل إلى أمريكة، وفايزمان ونويراث إلى إنكلترة سنة 1934، وقتل أحد الطلبة الجامعيين شليك سنة 1936، وبموته المأساوي وغزو هتلر للنمسة، توقفت اجتماعاتها وانحلت الحلقة رسمياً سنة 1938.
وكادت الجماعة تنتهي تماماً لولا بعض المناصرين لها من اليهود أيضاً في بريطانية والولايات المتحدة بالذات، فقد انحلّت في بريطانية واسكندنافية في التيار التجريبي العام. وخلفت هذه الجماعة التجريبية المنطقية عند كارناب وفايغل وغيرهما.
سوسن بيطار
الموضوعات ذات الصلة: |
الذرية المنطقية ـ شليك ـ فتغنشتين ـ كارناب ـ ماخ ـ الوضعية المنطقية.
مراجع للاستزادة: |
ـ زكي نجيب محمود، المنطق الوضعي (القاهرة 1951).
- A.J.Ayer, Logical Positivism (Glencoe, III, 1959).
- j.Wienberg, An Examination of Logical Positivism (London 1963).
- التصنيف : الفلسفة و علم الاجتماع و العقائد - المجلد : المجلد السابع، طبعة 2003، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 669 مشاركة :