يمن (فن عماره في)
Yemen - Yémen

فن العمارة في اليمن

فن العمارة في اليمن

 

اختصت اليمن بفن متفرد هو فن واجهات العمارة اليمنية الذي يلخص مفهوم الفن التشكيلي في هذه المنطقة العربية التي بقيت زمناً طويلاً محافظة على أصالتها العمرانية والمعمارية والفنية بطرز متنوعة بحسب الأقاليم والمدن، مثل صنعاء وزبيد وحضرموت. لقد تسامت الأبنية في مركز مدينة صنعاء على شكل طبقات يصل عددها إلى تسع طبقات أحياناً، وتستعمل الطبقات السفلى كحظائر أو مطاحن، والطابق الأول مؤلف من حجرات واسعة تسمى «الدواوين»، والطابق الثاني خاص للمعيشة ومحاط بغرف منفتحة على الخارج تسمى «المناظر». والطوابق العليا مخصصة للرجال، مؤلفة من غرفة مستطيلة واسعة منخفضة تسمى «المفرج» مزودة بأرائك يجلس عليها السمار، وفوقها غرفة قليلة الارتفاع محاطة بحاجز يسمى «التجواب».

مسجد أروى في صنعاء

ولم تكن هذه المنشآت البرجية تقريباً مجرد كتل معمارية، بل كانت مهاداً من الجهات الأربع للفنان المعمار الذي زينها بفتحات وزخارف بارزة مازالت محافظة على جماليتها الخاصة.

وتبدو العناصر الفنية التزيينية في العمارة اليمنية فناً تجريدياً ذا دلالات روحية، تحمل قيمها الإبداعية من التناسق والتلوين الجمالي الذي يتفاعل مع نور الشمس وهي تخترق زجاج النوافذ الملون بإشراق وهاج.

لقد أبدع المزخرف عناصر تشكيلية بارزة تحيط الفتحات والشرفات، فتشكل بنفورها ظلالاً تزيد الزخرفة حيوية وتلويناً. وتبدو جميع القمريات أو الشمسيات ذات الزجاج الملون التي تغطي المناور أو النوافذ موزعة باعتدال وتنسيق، تسر الناظر إليها من الخارج كما تمتع الجالس خلفها في الداخل، وتُرى تلك الزخارف الملونة مشرقة كأنها مجموعة مصابيح كونية.

يبدو الطلاء الخطّي الأبيض الذي يغطي الجدران الداخلية في غرف الدواوين على هيئة تشكيلات زخرفية تمتد على أطراف الرفوف والتي تسمّى «الصفيف» أو على أفاريز تزيّن الجدران. وتحاكي هذه الزخارف الجصية البيضاء الزخارف الخارجية التي تبدو إطارات للنوافذ والفتحات، تذكر بالزخارف الداخلية، ولكنها تبقى إعلاناً وتعبيراً عن الرغبة في تجميل العمارة بأسلوب بريء تلقائي، ولكنه متكامل التنسيق والطريقة.

تبدو الفتحات على مستويين: مستوى علوي مخصص لدخول الشمس والنور والهواء، ومستوى سفلي مخصص للانفتاح على الفضاء الخارجي. وتبدو هذه الفتحات بأشكال مختلفة، فهي مؤلفة من قسمين مستقلين، القسم الأعلى ينتهي بقوس مؤطرة وبسيطة، والقسم السفلي مربع أو مستطيل، وهذه الفتحات متصلة على شكل مستطيل ممشوق، أو على شكل دائرتين منفصلتين الواحدة فوق الثانية، تربطهما أشرطة زخرفية.

يمتاز الفن التشكيلي في العمارة اليمنية بالخلافية والانسجام، وتظهر الخلافية في الأشرطة والأحزمة، فهي مكسرات أو معيّنات أو مثلثات، تشكل إيقاعات مستمرة تثريها الظلال التي تصنعها بروزات هذه التشكيلات؛ مما يوحي بالحركية التي تشبه الرقص كما يقال، على أن هذه الخلافية التي أبعدت العناصر عن الواقعية قامت على انسجام كامل في توزيع الفتحات، فهي انسجام تشكيلي وانسجام وظيفي إسكاني، فالفتحات في المستودعات والمطابخ تختلف عن نظائرها في غرف المعيشة أو في «المفارج» العليا أو الشرفات.

وإذا كانت العمارة المنخفضة في زبيد تختلف عن العمارة الصنعائية البرجية فإن المعمار في صنعاء استطاع أن يقطع ارتفاع واجهات البناء إلى مربعات أو مستطيلات، تفصلها الأحزمة الزخرفية، وهي أشرطة عريضة يصل ارتفاعها إلى ما يقرب من المتر، ذات تشكيلات هندسية مكررة. وتعتمد هذه الأشرطة في عمارتها على ألواح الياجور أو «الآجر» المنتظم الأبعاد في عملية الزخرفة والتشكيل، ولذلك فإنها أكثر غنى في الطوابق العليا المبنية من الياجور أيضاً. وتسمى الأشرطة المزخرفة في أطراف البناء أو في وسطه «الشراتيح». وتختلف الزخارف على حوافي «التجواب» أي الشرفات إذ تبدو على شكل أقواس زخرفية تختلف عن أشكال الزخارف التي تحلّي الحواجز المحيطة «بالمفارج».

تتجلى روعة الفن اليمني وأصالته في الزخارف التي تزين سقوف الجوامع الكبيرة والمساجد الأخرى، وهذه السقوف تدعمها جسور خشبية تسمى «المصندقات» مزينة بروائع الصيغ النجمية والزهرية. ولقد تبين أن بعض هذه المصندقات المزخرفة يعود إلى عصر الرسولr، أي إلى زمن إنشاء المسجد، إذ تتابع أسلوب زخرفة المصندقات في أكثر مساجد صنعاء في مسجد العباس ومسجد أروى (الطاووس القديم) ومسجد المدرسة، وكذلك في جامع شبام كوكبان.

توجد في المتحف الوطني في صنعاء نماذج من الخشبيات المزخرفة التي تعود إلى صدر الإسلام، منها زافرات خشبية مزخرفة.

ومازالت الزخارف الموزعة في «الدرجات والقوائم والسطوح» في جامع صنعاء، (وهي أجزاء المصندقات) تعود إلى العصر الأموي، وتشابه الزخارف الموجودة في الجامع الأموي الكبير بدمشق أو في مسجد قبة الصخرة في القدس، وهي زخارف مستمدة من شكل سعف النخيل أو زهرة اللوتس أو زهر الرمان، عدا الزخارف الهندسية والنجمية، إضافة إلى الكتابات القرآنية بالخط الكوفي.

لقد امتدت هذه الفنون إلى العصر الحديث، وبدت منمطة في المباني الجديدة بعد الثورة اليمنية ثم الوحدة؛ إذ انفتحت النهضة اليمنية على أساليب العمارة والفن الحديث.

 عفيف البهنسي

 

 

 


- التصنيف : العمارة و الفنون التشكيلية والزخرفية - النوع : عمارة وفنون تشكيلية - المجلد : المجلد الثاني والعشرون، طبعة 2008، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 541 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة