النحل في-الشعر العربي (مصطلح-)
نحل فيشعر عربي (مصطلح)
Plagiarism - Plagiat
النحل في الشعر العربي (مصطلح ـ)
النحل: هو نسبة الشيء إلى غير صاحبه، وهو في الشعر أن تُنسب الأشعار إلى غير قائلها، ويقال أيضاً: «الانتحال»: وهو أن ينسب شاعرٌ قصيدة أو أبياتاً لنفسه على أنه قائلها وهي ليست له. كما يستخدم معهما مصطلح آخر هو: «الوضع»، ويعني صناعة الشعر ونسبته إلى آخر. واشتهر هذان المصطلحان في الشعر العربي معاً، إذ يُقال: «النحل والوضع», وأكثر ما تخص هذه القضية الشعر الجاهلي.
فقد كانت بدايات الشعر العربي تروى روايةً شفويةً، ولم يَعرف الشعرُ العربي التدوينَ حقيقةً إلا في العصر الأموي، وما كتب منه كان حالات نادرة، كالمعلقات وبعض الأخبار التي تشير إلى تدوين بعض القصائد. وأدت الرواية الشفوية للشعر وتناقله عبر الأجيال إلى مشكلة ظهرت بسبب بعض رواة الشعر والأخبار الذين كانوا يصنعون بعض الأشعار وينسبونها إلى غيرهم، أو ينسبون أشعاراً إلى غير أصحابها، وهنا ظهرت قضية نحل الشعر ووضعه.
وقد تنبه على هذه المشكلة الشعراء ورواة الشعر من العلماء قديماً، فقال الأعشى ـ الشاعر الجاهلي ـ ينفي عن نفسه أن ينتحل شعر غيره:
فما أنا أمْ ما انتحالي القَوَا فِي بعدَ المشيبِ كفى ذاكَ عارا؟
وقال الفرزدق في هجاء جرير:
إذا ما قلتُ قافيةً شروداً تنَحَّلَها ابنُ حمراءِ العجانِ
وكان رواة الشعر من العلماء يشيرون إلى ظاهرة (النحل)، فأبو عمرو بن العلاء (ت154هـ) ذكر أبياتاً لذي الإصبع العدواني، ثم قال بعدها: «إنه لا يصح منها إلا هذه الأبيات، وسائرها منحول».
وأول من أشار إلى هذه الظاهرة التي أصبحت قضية كبرى من قضايا الشعر الجاهلي؛ محمد بن سلاّم في كتابه «طبقات فحول الشعراء» إذ قال في مقدمته: « وفي الشعر مصنوعٌ مفتعلٌ موضوعٌ كثير، لا خير فيه، ولا حجة في عربيّته، ولا أدب يستفاد، ولا معنى يُستخرج، ولا مثل يُضرب، ولا مديح رائع، ولا هجاء مقذع، ولا فخر معجِب، ولا نسيب مستطرف. وقد تداوله قومٌ من كتاب إلى كتاب، لم يأخذوه عن أهل البادية، ولم يعرضوه على العلماء. وليس لأحد إذا أجمع أهل العلم والرواية الصحيحة على إبطال شيء منه أن يقبل من صحيفة ولا يروي عن صُحُفي». وقول ابن سلاّم يوحي أن علماء الشعر كانوا يدركون هذا الخلل ويكشفونه ويحكمون على الرواة الذين لا يحسنون نسبة الأشعار إلى أصحابها، فقالوا أيضاً: «وللشعر صناعة وثقافة يعرفها أهل العلم كسائر أصناف العلم والصناعات» وقال: «وكان ممن أفسد الشعر وهجنه، وحمل كل غثاء منه محمد بن يسار بن إسحاق... وكان يعتذر منها ويقول لا علم لي بالشعر أُتينا به فأحمله».
وأعاد القدماء هذه المشكلة إلى أسباب منها: جهل بعض الرواة، ورغبة بعض أبناء القبائل في استكثار أشعار قبائلهم، وحب أبناء بعض الشعراء في زيادة أشعار آبائهم، وتعمد بعض القصاصين مزج قصصهم بالشعر صحيحاً كان أو موضوعاًَ وغير ذلك.
ولم تعد هذه القضية مشكلةً بارزةً في الشعر العربي بعد عصر التدوين إلا في حالات يسيرة وكانت معروفة لدى رواة الشعر والعلماء والنقاد وغيرهم.
وأعيد إحياء هذه المشكلة في القرنين التاسع عشر والعشرين على يد المستشرقين ثم أتباعهم من العرب. ويُعد المستشرق الألماني نولدكة Theodor Noldeke أول من أثار هذه القضية (سنة 1861) مستبعداً أن تكون الرواية الشفوية قادرة على حمل الشعر قروناً من الزمن. ثم تبعه وليم آلورد Wilhelm Ahlwardt، وبعدهما مرغليوث D.S.Margoliouth الذي نشر مقالاً في مجلة الجمعية الآسيوية (سنة 1925) بعنوان «نشأة الشعر الجاهلي» أشار فيها إلى أن الشعر الجاهلي مشكوك فيه وأنه من صنع المسلمين فيما بعد؛ لأن الرواية الشفوية غير قادرة على نقل الشعر عبر الزمن الطويل، كما أشار إلى أسباب أخرى.
وتمسك بهذا الرأي طه حسين وأطال في عرض المشكلة في كتابه «في الشعر الجاهلي» مما حمل عدداً من الباحثين على الرد عليه في مجموعة من الكتب والمقالات منهم الرافعي، ومحمد لطفي جمعة، والشيخ محمد الخضر حسين في كتابه «نقض كتاب في الشعر الجاهلي» وغيرهم.
وقد حاول طه حسين التراجع عن بعض ما جاء في كتابه، وأصدر كتاباً جديداً بعنوان: «في الأدب الجاهلي». وبقي هذا الموضوع مجالاً لبعض الباحثين المعاصرين يدخلون من خلاله للطعن في صحة الشعر الجاهلي. على أنّ معظم الشعر الجاهلي الذي وصل إلينا صحيح المضمون والنسبة من خلال توثيق العلماء والرواة والباحثين المدققين من القدماء والمعاصرين.
علي أبو زيد
مراجع للاستزادة: |
ـ محمد بن سلاّم، طبقات فحول الشعراء، تحقيق محمود شاكر (مطبعة المدني، القاهرة، د.ت).
ـ طه حسين، في الشعر الجاهلي (دار الكتب المصرية، القاهرة 1926).
ـ طه حسين، في الأدب الجاهلي (دار المعارف، القاهرة 1927).
ـ محمد الخضر حسين، نقض كتاب في الشعر الجاهلي، تحقيق علي الرضا التونسي (المطبعة التعاونية، دمشق، د.ت).
ـ علي العتوم، قضايا الشعر الجاهلي (مكتبة الرسالة الحديثة، عَمّان، د.ت).
- التصنيف : اللغة العربية والأدب العربي - المجلد : المجلد العشرون، طبعة 2008، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 517 مشاركة :