وعد بلفور
وعد بلفور
Balfour Declaration - Déclaration Balfour
وعد بلفور
وعد بلفور
وعد بلفور Balfour declaration مصطلح سياسي، يقصد به التصريح الذي صدر عن وزير خارجية بريطانيا آرثر جيمس بلفور A.J. Balfourت(1848ـ1930) الذي عبر فيه عن تعاطف بريطانيا مع أماني اليهود في إقامة وطن قومي يضم أشتاتهم المتفرقة في جميع أنحاء العالم على أرض فلسطين العربية.
جاء هذا الوعد نتيجة للجهود التي بذلتها المنظمات و العناصر اليهودية الصهيونية حينما تلاقت مصالحها مع الدول الاستعمارية الغربية, التي كانت تتفق فيما بينها على اقتسام أشلاء الدولة العثمانية، وتسعى إلى وجود استعماري دائم في المنطقة العربية وهي استراتيجية خطط لها المنظرون الاستعماريون منذ بداية القرن التاسع عشر لأهمية المنطقة العربية عموماً، وموقع فلسطين ـ كونه نقطة الوصل ما بين جناحي الوطن العربي في آسيا وإفريقيا خصوصاً ـ للحيلولة دون عودة الدولة العربية الإسلامية إلى سابق عهدها.
عند نهاية القرن التاسع عشر، وحينما كانت الدول الغربية تتفق فيما بينها فيما يعرف بـ(سياسة التفاهمات) كان رواد الحركة الصهيونية الذين أفادوا من أفكار «مبدأ التكامل القومي» قد انتهوا لتوِّهم من إيهام العالم بأن اليهود أمة لها خصائصها القومية وهي بالتالي صاحبة حق تاريخي وديني في فلسطين، وعمدوا إلى إقرار ذلك في المؤتمر الذي دعا إليه تيودور هرتزل T.Herzl ت(1860ـ1904) في مدينة بال السويسرية سنة 1897 ثم دعوا من خلاله يهود الشتات إلى الهجرة إلى فلسطين بهدف تأسيس الدولة اليهودية الخالصة، ومن أجل هذا الغرض سافر هرتزل إلى إصطنبول وقابل السلطان عبد الحميد الثاني[ر] طالباً منه السماح لليهود بإقامة بعض المستعمرات اليهودية في فلسطين، لكن السلطان العثماني رفض هذا العرض بإباء على الرغم من الإغراءات المالية الضخمة، فعمد زعماء الحركة الصهيونية بالتعاون مع المحافظين الصهاينة في الحكومة البريطانية وفي مقدمتهم هربرت صموئيل Herbert Samuel إلى العمل سوية لإنجاح هذا المشروع لانسجامه مع تطلعات بريطانيا الاستعمارية التي كانت في هذه الأثناء تمارس سياسة مزدوجة مع العرب والصهاينة، فهي من جهة كانت على صلة بالحسين بن علي[ر] شريف الحجـاز تحضه على الثـورة والتمرد على الدولـة العثمانية ليكون ملكاً على العرب، ومن جهة ثانية كانت تنسق مع فرنسا وروسيا عبر اتفاق سايكس ـ بيكو [ر] Picot ـSykes الذي يناقض كل ما اتفقت عليه مع الشريف حسين، وكان من بين بنود هذا الاتفاق إخراج فلسطين عن دائرة النفوذ الفرنسي، وعلى الأثر تم التنسيق ما بين المنظمات الصهيونية والحكومة البريطانية عن طريق هربرت صموئيل، الذي أقنع حكومته بأن قيام دولة يهودية في فلسطين من شأنه أن يدعم المصلحة الاستعمارية البريطانية، وقد ساعده في الاتجاه نفسه أحد النشطاء الصهاينة أستاذ الكيمياء حاييم وايزمن Haim Weizmann خليفة هرتزل، الذي أدرك حاجة بريطانيا إلى المال اليهودي والمواد الكيميائية التي كان قد اكتشفها وقدمها للحكومة البريطانية في أثناء مشاركتها في الحرب العالمية الأولى، وانتهى الأمر باتفاق الطرفين على خطة تكفل تحقيق أهداف كل منهما. وفي 2 تشرين الثاني/نوفمبر 1917 صدر الفصل الأول من تلك الخطة على صورة كتاب موجه من وزير الخارجية البريطاني آنذاك جيمس آرثر بلفور إلى المليونير اليهودي اللورد ليونيل والتر روتشيلد L.W. Rothschild جاء فيه: «إن حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومي في فلسطين للشعب اليهودي وسوف تبذل أفضل جهودها لتسهيل بلوغ هذه الغاية. على أن يفهم جلياً أنه لا يجوز عمل أي شيء قد يضر الحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية في فلسطين، وسأكون ممتناً إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علما بهذا التصريح». أما الفصل الثاني من تلك الخطة فقد تمثل في صك الانتداب البريطاني على فلسطين الذي كان لبريطانيا دور لافت في صياغته، وصدر عن عصبة الأمم على خلفية التسويات الناجمة عن الحرب، وقد تضمن هذا الصك في ديباجته كل ما ورد في وعد بلفور، وُعدّ مقدمة لأحكامه، وخرقاً فاضحاً لشرعة عصبة الأمم وعده المشرعون باطلاً لأكثر من سبب، فهو من جهة يشير إلى منح أرض لا صلة قانونية لبريطانيا بها، ويعطي هذه الأرض لمن ليس له أي صفة قانونية لتسليمها، ومن جهة أخرى إن هذا الوعد ليس أكثر من خطاب موجه إلى مواطن بريطاني صهيوني لم يكن يمثل طائفته الدينية التي ينتمي إليها، فضلاً عن افتقار تلك الطائفة إلى الشخصية الاعتبارية من وجهة نظر القانون الدولي، وإذا كان من حق بريطانيا أن تتصرف بحكم قوتها العسكرية في فلسطين فإن قانون الحرب نفسه لا يسمح لها أن تتصرف بالأراضي الفلسطينية على هواها؛ لأن الهدف من دخول القوات البريطانية إلى أراضي فلسطين آنذاك كان تحريرها من السيادة العثمانية، وإقامة حكومة وطنية تستند سلطتها إلى إرادة شعبها الفلسطيني. ويذكر أن عصبة الأمم لم تسند مهام الانتداب[ر] إلى الحكومة البريطانية إلا في 20 حزيران/يونيو 1922، في حين كان الاحتلال الفعلي لفلسطين قد بدأ فعلياً منذ أواخر عام 1917، وهي الفترة ذاتها التي صدر فيها هذا الوعد، الأمر الذي يؤكد ما كانت تخطط له بريطانيا قبل إقرار مشروع الانتداب، ليتطابق لديها حقيقة الوعد مع حقيقة الصك، ومنذ بداية الاحتلال لجأت السلطات البريطانية إلى وضع فلسطين في ظل ظروف إدارية وسياسية واقتصادية تهيئ لإنشاء وطن قومي لليهود, وقامت بتسهيل الهجرة اليهودية تدريجياً من مختلف أنحاء العالم، وهي تدرك تماماً أن دعوى الارتباط التاريخي والروحي بين العناصر المهاجرة غير المتجانسة لا تتفق مع حقائق التاريخ. وفي تموز/يوليو 1920 أقدمت على إلغاء الإدارة العسكرية في فلسطين وحولتها إلى إدارة مدنية وانتدبت وزيرها اليهودي هربرت صموئيل آنف الذكر ليكون مندوباً سامياً عليها، فكان هذا الصهيوني أول يهودي يحكم فلسطين، ومنذ تقلده هذا المنصب وقف العالم عاجزاً أمام قضية ربما كانت الأعقد من بين قضاياه المعاصرة والتي لم تقطع المنظمة الدولية إزاءها بيقين حتى اليوم.
كان من نتائج هذا الوعد الغادر أن سجلت المنظمة الدولية سابقة خطيرة في تاريخها لتجاوزها ما كانت قد أقرته في ميثاقها وانقلبت على قواعده القانونية، وغدت منذ ذلك التاريخ أداة نظامية هدفها الأول تحقيق إرادة الأقوياء في مواجهة الضعفاء والمنهزمين. من جهة أخرى كشف هذا الوعد عن خيانة بريطانيا التي لم تتصرف كما يتصرف المؤتمن بما عهد إليه، ولم تفِ بالتزاماتها الأخلاقية والأدبية، وبات العالم ينظر إلى الضمير الإنكليزي نظرة المتشكك لانقلابها الفاضح على ما كانت قد تعهدت به للعرب، وحرمت شعباً بكامله من أرضه وحقوقه وألقت به في أعاصير الشقاء.
مصطفى الخطيب
الموضوعات ذات الصلة: |
تيودور هرتزل ـ الحسين بن علي ـ سايكس - بيكو ـ فلسطين (تاريخ فلسطين الحديث والمعاصر) ـ القضية الفلسطينية.
مراجع للاستزادة: |
ـ إبراهيم الشهابي، نقاط على حروف في الصراع العربي الصهيوني (دار الأدهم، دمشق 1986).
ـ عبد الوهاب كيالي، تاريخ فلسطين الحديث (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1981).
ـ محمد عزت دروزة، القضية الفلسطينية في مختلف مراحلها، منظمة التحرير الفلسطينية (دائرة الإعلام والثقافة، 1984).
- التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار - المجلد : المجلد الثاني والعشرون، طبعة 2008، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 291 مشاركة :