إن ما يلفت النظر في دولة جنوب إفريقية هو التعددية الثقافية الموجودة داخل حدودها السياسية، فهناك كتلتان ثقافيتان رئيستان، الأولى ذات التقاليد الحضارية الغربية،

"/>
جنوب افريقيه (ادب)
South-Africa - Afrique du Sud

الأدب في جنوب إفريقية

الأدب في جنوب إفريقية

 

إن ما يلفت النظر في دولة جنوب إفريقية هو التعددية الثقافية الموجودة داخل حدودها السياسية، فهناك كتلتان ثقافيتان رئيستان، الأولى ذات التقاليد الحضارية الغربية، وهي تضم الأفريقانية[ر] المنحدرة من جذور هولندية ـ فلمنكية ـ ألمانية، والإنكليزية المنحدرة من جذور أنكلوسكسونية، والثانية ذات التقاليد الإفريقية التي تتكون عناصرها الرئيسة من مناطق جنوب نغوني Nguni وتسوانا-سوثو Tswana-Sotho وفِندا Venda. وثقافات زنوج جنوب إفريقية متجذرة في القارة الإفريقية، في حين أن الثقافات الغربية التي يشارك فيها الملونون تنحدر بصورة رئيسة من هولندة وبلجيكة وألمانية وفرنسة وبريطانية. وعلى مدى القرون الثلاثة الأخيرة طوَّر أصحاب الثقافتين الأفريقانية والإنكليزية وسائل تعبير حيوية ضربت جذورها في التربة المحلية. وهناك كثير من سكان جنوب إفريقية ممن ينتمون إلى أكثر من ثقافة في آن واحد.

أدب زنوج جنوب إفريقية

يشمل أدب المجموعات الإثنية السوداء الموروث الشفوي والأشكال الحديثة معاً. وقد بُذلت جهود كبيرة لتدوين وتسجيل الموروث الشفوي، بهدف حفظه من الضياع. ويشمل الموروث النثري طيفاً واسعاً من الأشكال السردية، بما في ذلك الحكايات الشعبية[ر] والخرافية[ر] والبطولية[ر: الأدب] والأخبار التاريخية. أما الأقوال المأثورة والأحاجي فهي تنتمي إلى جنس أدبي طريف وفريد. كما يمتاز الشعر التقليدي بإيقاعاته ورفعة لغته. ومن أشكاله الأكثر انتشاراً قصيدة المديح ذات الأغراض المتنوعة، كتمجيد ذوي الشأن والثناء على الحيوانات الأصيلة وإبراز الأحداث المهمة.

لقد أدى التعليم والتمدن إلى ولادة أدب مكتوب يستخدم الأشكال الغربية، وبلغات مثل خوسا وزولو وتسوانا ـ سوثو وفِندا، كُتب النثر والشعر والمسرح. والموضوعات المفضلة هي التاريخ القبلي وتأثر الحياة التقليدية بأنماط الحياة الحديثة. وفي مرحلة ما قبل الحرب العالمية الثانية برز اسم الكاتب توماس موفولو Thomas Mofolo الذي كتب بلغة سوثو الجنوبية رواية بطولية بعنوان «شاكا» Chaka عن مؤسس أمة الزولو، وشكلت هذه الرواية في تسعينات القرن العشرين أساساً للفيلم التلفزيوني اللافت «شاكازولو» حول نضال أمة الزولو ضد الغزو البريطاني. وهناك فيلاكازي B.Vilakazi  الذي اشتهر بحكاياته الغرامية التقليدية، وكتب بلغة الزولو أيضاً. وممن كتب بلغة الخوسا جولوبه J.J.R.Jolobe الذي تناول موضوعات تعاطي السحر، في حين عالجت أعمال جوردان A.C.Jordan موضوع غضب الأجداد.

وفي مرحلة ما بعد الحرب العالمية، طغى موضوع الصدام بين التقاليد والحداثة على أعمال نيمبيزي C.L.C.Nymbezi ونغاني M.A.P.Ngani، في حين كرّس ماوميلا T.N.Maumila أعماله الروائية التي كتب معظمها بلغة الفندا للقضايا الجذرية للشعب الإفريقي. وعلى صعيد الشعر برزت أسماء بيرينغ D.C.T.Bereng وماتشاكا S.R.Machaka.

واستخدم بعض الكتّاب الزنوج اللغة الإنكليزية وسيلة للتعبير، ومن أبرزهم بعد السبعينات أُزوالد جوزيف متشالي Oswald Joseph Mtshali الذي تنبأ في أعماله بتجزئة مجتمع جنوب إفريقية.

أدب اللغة الأفريقانية (Afrikaan)

يبدأ الأدب الأفريقاني مع سيادة اللغة الأفريقانية بدلاً من اللغة الهولندية[ر]، وذلك عندما نشر الكاتب يوجين ماريه Eugéne Marai في عام 1905 قصيدته «شتاء قارس» Winternag بالأفريقانية. وتتمحور معظم موضوعات هذا الأدب حول معاناة خروج الأفريقانيين، مما سمي في تاريخهم «العصر البطولي»، فحتى عشرينات القرن العشرين ظهرت قصائد عدة تعكس روح شعب منهزم، وكذلك تحولات الشعور الفردي حيال انهيار المجتمع التقليدي ودخول المستقبل حيّز المجهول، كما في قصائد لايبولد C.L.Leipoldt.

وعلى صعيد الرواية والقصة القصيرة التي ظهرت بوادرها في العشرينات أيضاً، برزت أسماء يوخِم فان بروغِّن Jochem Van Bruggen، لانغنهوفن C.J.Langenhoven، فان دِن هيفر C.M.Van Den Heever الذين عالجوا بأسلوب فكاهي هزلي قضية الرجل الأبيض المجتث من جذوره، مما أدى إلى فقره وصعوبة اندماجه في المجتمع الجديد. ومع تطور حركة التصنيع في الأربعينات والخمسينات التي حفلت بالصدامات العرقية والمشكلات الاقتصادية برزت موهبة الشاعر أوبرمان D.J.Opperman الذي أظهر في دواوينه حالة الخواء والضياع البشري، والتي سميت «الأرض اليباب» تيمناً بالشاعر إليوت[ر]. وقد ظهرت هذه القضية في الرواية والقصة في المرحلة نفسها في أعمال فنتر F.A.Venter وجان رابي Jan Rabie وديكليرك Deklerk. وفي الستينات برزت حركة «رجال الستينات» Sestigers الأدبية الثورية التي ارتبطت بمناهضة نظام التمييز العنصري Apartheid، شعراً، كما في قصائد برايتن برايتنباخ B.Breytenbach الذي هاجر إلى باريس، ونثراً كما في روايات هِني أوكامبHennie Aucamp  وإتيين ليرو Etienne Leroux المتأثر بالسريالية، وفان فيك لوفVan Wyk Louw مؤلف رواية «تريستيا» Tristia التي صور فيها مقاومة الفنان للنظام العنصري.

أدب اللغة الإنكليزية

يشبه وضع أدباء الإنكليزية في جنوب إفريقية وضع أدباء الأفريقانية، أي إنهم ممن ارتبطوا بالأرض حتى تجذروا فيها. وتعد رواية «حكاية مزرعة إفريقية» (1833) The Story of an African Farm التي كتبتها أوليف شراينر Olive Schreiner أول رواية ومن أشهر الإبداعات النثرية الجنوب إفريقية، وكذلك قصص بولين سميث Pauline Smith في مجموعتها «النجد الجاف الصغير» The Little Karroo التي تتناول بحساسية عالية مصائر الريفيين البيض، وقصص هرمَن تشارلز بوسمَن Herman Charles Bosman في مجموعة «طريق مَفكينغ» Mafeking Road ذات الحس الكوميدي الرفيع التي عالجت أيضاً نماذج بعض الريفيين البيض. وعلى نقيض هؤلاء الكتّاب ينتمي معظم المستوطنين البريطانيين إلى الطبقة الوسطى في المدن، مما جعل الأدب الإنكليزي الجنوب إفريقي يفتقد الخلفية السياسية التي يمتاز بها الأدب الأفريقاني، ومن ثمَّ لم تصدر عنه أيَّ حركة تميزه، ولهذا أيضاً يعد الأدب الإنكليزي في جنوب إفريقية جزءاً من الأدب الإنكليزي عامة. إلا أن كلا الأدبين: الأفريقاني والإنكليزي خاضا تجربة خاصة في المدن المتطورة صناعياً في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، نتج منها بعض الأعمال التي لاقت صدىً عالمياً، مثل «نداء، الوطن الحبيب» Cry, The Beloved Country، و«عودة طائر الفلاروب المتأخرة» Too Late the Phalarope لآلان بيتون[ر]. كذلك كان الأمر بصدد روايات وقصص نادين غوردِمر Nadine Gordimer المشبعة بانقسامات ونزاعات مجتمع متعدد الأعراق، والكفاح من أجل المساواة بين هذه الأعراق مما أدى إلى حصولها على جائزة نوبل لعام 1991. أما نظم الشعر فإنه حالة تشبه الهوس بين أدباء اللغة الإنكليزية في جنوب إفريقية، وقد برز منهم غاي بتلَر Guy Butler وأنطوني دِليوس Anthony Delius وروي مَكناب Roy MacNab، إلى جانب الشاعر المغترب روي كامبل Roy Campbell. ومن المغتربين أيضاً اشتهر الروائيان لورنس فان دربوست Laurens Van der Post، ودان جاكوبسون Dan Jacobson.

وعلى صعيد النشاط المسرحي الممول من قبل الدولة، فقد أنجبت اللغة الأفريقانية الكثير من الكتّاب المسرحيين الذين صدروا في مسرحياتهم عن تقاليد فنية عميقة الجذور، إلا أن تأثيره بقي محلياً. ومع مسرحيات أثول فوغارد Athol Fugard الذي كتب بالإنكليزية وعالج قضايا التفرقة العنصرية ومآسي الاضطهاد وصل مسرح جنوب إفريقية إلى الشهرة العالمية، إذ عرضت أعماله في أوربة وأمريكة وترجمت إلى كثير من اللغات، منها العربية.

نبيل الحفار

 

 

 


- التصنيف : الآداب الأخرى - النوع : سياحة - المجلد : المجلد السابع، طبعة 2003، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 726 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة