ـ الشعر الإيراني:  بسبب التقلبات البشرية واللغوية والسياسية المتعاقبة في إيران، ونتيجة لضعف التدوين، لم يتبق من تراث إيران الفكري ما قبل الإسلام إلا القليل. ومع دخول إيران الإسلام في القرن السابع الميلادي تبنى الفرس الخط العربي لكتابة لغتهم، وصاروا بالتدريج جزءاً من الحضارة العربية الإسلامية، وأنتجوا أدباً غنياً.

"/>
شعر (في شرق)
Poetry - Poésie

الشعر في الشرق

ـ الشعر الإيراني:

بسبب التقلبات البشرية واللغوية والسياسية المتعاقبة في إيران، ونتيجة لضعف التدوين، لم يتبق من تراث إيران الفكري ما قبل الإسلام إلا القليل. ومع دخول إيران الإسلام في القرن السابع الميلادي تبنى الفرس الخط العربي لكتابة لغتهم، وصاروا بالتدريج جزءاً من الحضارة العربية الإسلامية، وأنتجوا أدباً غنياً. وعلى صعيد الشعر تبنى الفرس بحور الشعر العربي، وبدأ الازدهار منذ القرن التاسع الميلادي، فتطورت مجموعة من الأشكال الشعرية المشابهة للشعر العربي أحياناً والمختلفة عنه في الوقت نفسه، كالشعر الملحمي وشعر الغزل والمثنوي والرباعي والقصيدة. وفي النصف الثاني من القرن التالي برز الشعر الملحمي بهدف تسجيل تاريخ الملوك وأعمالهم منذ القدم. وقد تمثل هذا الشعر في كتب حملت عنوان «شاه نامه» كما لدى المسعودي والدقيقي والفردوسي[ر: إيران] الذي وصلت ملحمته إلى 60000 بيت مزدوج في وزن البحر المتقارب.

تتصف بنية القصيدة في الشعر الفارسي بكونها محددة مسبقاً، أما المتغير فهو الموضوعات والأغراض والوزن والقافية والطول، إذ يراوح طولـها غالباً بيـن (15 و50) بيتاً مزدوجاً. وقد استخدمت في المقام الأول بغرض المديح، إلى جانب أغراض أخرى كالرثاء والخمريات والوصف. ومن أبرز شعرائها القآني والعنصري والفروجي والرودكي ومنوشهري وأنوري والحقاني. وفي المرحلة نفسها برز أيضاً شكل الرباعيات بغرض التعبير عن الأفكار والحِكَم، ومن أبرز شعرائه عمر الخيام.

لم يصل شعر الغزل الفارسي إلى ذروته إلا في القرن الثالث عشر. ولا يقل عدد الأبيات في الغزليات عن خمسة، ولا يزيد على خمسة عشر بيتاً، ويراوح الموضوع بين العشق الديني والعشق الدنيوي بجميع أشكاله. وقد برع في هذا النوع من الشعر كل من سعدي والرومي وحافظ.

يمتاز الشعر المثنوي بأن شطري البيت ينتهيان بالقافية نفسها، وهو يلائم السرد الحكائي كما في «كليلة ودمنة» للرودكي، وكذلك أغراض الفلسفة والتصوف والأخلاق، كما لدى الرومي في مثنوياته التي بلغت 26000 شطر، في حين أن مثنويات نظامي ذات طابع قصصي عاطفي. استمرت تقاليد الشعر الفارسي مهيمنة حتى القرن التاسع عشر، حين ظهرت القصائد ذات الموضوعات الوطنية، كما لدى الشاعرين عارف وعشقي. وفي المرحلة نفسها ظهر شكل شعري جديد دعي بـ «التصنيف»، وهو يقارب الموشح الأندلسي. ومنذ ما بعد الحرب العالمية الثانية دخلت الحداثة الشعرية إلى إيران، فظهرت موضوعات جديدة في قوالب تقليدية، إلى جانب شعر التفعيلة غير المقفى وقصيدة النثر.

ـ الشعر الهندي:

ثمة في الأدب الهندي القديم عرف يقارب القاعدة، يقول إن مِحَك جودة الأديب هو النثر الفني، لا الشعر، وثمة عرف ثان يقول إن مضمون العمل الأدبي أمر مفروغ منه، بل بدهي. أما الشكل الذي يقدَّم به المضمون للمستمع أو القارئ، فهو الجهد الفني الذي يدل على مدى براعة الأديب وتمكنه من موضوعه وقدراته اللغوية وأدواته الفنية، إذ ترتكز مهمة الأديب الفنان في رسم موضوعه وترصيعه وزخرفته وتزيينه بالمحسنات البديعية والألفاظ المختارة، بحيث يولِّد في نفس المستمع أو القارئ نشوة ممتعة، وهذا منتهى الأرب، وهنا تكمن خصوصية الأدب الهندي القديم حتى القرن الثامن عشر، لا في اللغات الرئيسة المدونة، السنسكريتية والبراكريتية والباليِّة فحسب، بل حتى في الأُردو ومجموعة من اللهجات/اللغات المحلية التي تمتلك تراثاً أدبياً قيماً. وهذه الخصوصية جعلت من العسير على الترجمة أن تعطي الأصل حقه على صعيد الجماليات اللغوية، ولاسيما إذا كان الأصل نصاً شعرياً. وعلى الرغم من العرف الأول حظي الشعر الهندي بانتشار واسع، شمل مختلف أجناس القول، من النصوص الدينية المقدسة ذات المكانة المتجذرة في بنية المجتمع الهندي، إلى النصوص الأدبية بمختلف أجناسها وأنواعها، حتى العلمية منها. وعبر مسيرته الطويلة التي تعود إلى منتصف الألف الثانية ق.م، ثم في ذروته الأولى، أي في المرحلة الفيدية[ر: فيدا Veda] في الألف الأولى، طور الشعراء عدداً وافراً ومتنوعاً من الأوزان الشعرية، في الأناشيد والقصائد الدينية والدنيوية، وفي الملاحم والمسرحيات، يمكن حصر أهمها وأكثرها استمرارية عبر العصور بما يأتي:

ـ «آريا» Arya، الذي تبنته السنسكريتية من لغات أواسط الهند.

ـ «أنوشْتوبه» Anushtubh الذي برز في أشعار الفيدا.

ـ «غاياتري» Gayatri الذي استخدم بشكل خاص في الأناشيد الإلهية من كتاب «رغفيدا» Rigveda.

ـ «إندرافيرا» Indravajra و«إندرافمْشا» Indravamsha، وهما وزنان قديمان مشتقان من الأوزان الفيدية، صارا يستخدمان في شعر البلاط.

ـ «شلوكا» Sloka الذي يعد أبرز الأوزان وأهمها، وبه كُتبت الملحمتان «مهابهاراتا» Mahabharata و«رامايانا» Ramayana ويتطلب دقة في مراعاة القواعد العروضية.

ـ «تريشتوبه» Trishtubh وقد استخدم خصيصاً في أناشيد الإله إندرا Indra.

ـ «فايتاليَّا» Vaitailiya وهو منتشر بوجه خاص في القصائد الفنية ذات الموضوعات الفكرية.

أما الحضارة العربية الإسلامية فقد أَدخلت إلى الهند عن طريق الفرس، في مرحلة الحكم المغولي، بحور الشعر العربية التي ازدهرت في لغة الأُردو تحديداً، وكان لها تأثيرها التجديدي في فن الشعر الهندي الكلاسيكي.

 ـ الشعر الصيني

لم يتعرض الأدب الصيني حتى القرن التاسع عشر لأية مؤثرات أجنبية ملموسة، فحافظ على خصوصيته. وعلى الرغم من تطور الموضوعات بقيت الأشكال التقليدية مواكبة لها حتى الانفتاح على الغرب. ولكن مع تكاثر الترجمات عن الشعراء الأوربيين والأمريكيين كان التأثير الغربي من العمق بحيث لم يتبق من الأشكال الشعرية الصينية التقليدية سوى آثارها المحفوظة في الكتب.

ثمة سمة رئيسة تحكم جميع الأشكال الشعرية الصينية تتلخص في توليد تواز إيقاعي ينتهي بمعارضته صوتياً، وذلك بربط الطبقات الصوتية للحروف الملفوظة ثم معارضتها بصوت القافية. ولما كانت غالبية الكلمات الصينية أحادية المقطع، فإن البيت المتشكل من 5-7 علامات كتابية، يتضمن العدد نفسه من الكلمات، وكل علامة يمكن أن تلفظ بأربعة أصوات مختلفة، مما يؤدي إلى تغيير المعنى والاستخدام، ومن ثم فإن ما يولِّد الجرس الموسيقي في الشعر الصيني هو تعامل الشاعر مع هذه الإيقاعات الصوتية المتباينة.

إن شكل «شعر الأسلوب القديم» ما قبل عصر تانغ Tangت(618-907) لم يخضع لقواعد صارمة، فطول القصيدة وعدد علامات البيت والقافية لم يكن ثابتاً. ويعد «كتاب الأغاني» Shijingت(6-11ق.م) نموذجاً جامعاً لهذا الشكل. وظهر شكل شعري جديد سمي بـ «شعر تشو» Chuci في (ق4 ق.م) تميز بتقسيم البيت شطرين، وبأن لكل أربعة أبيات قافية واحدة. وفي القرنين الأخيرين ق.م اكتسب «شعر فو» Fuci شعبية واسعة، ولاسيما أنه يلائم السرد الحكائي. وعند منعطف القرن الأخير قبل الميلاد جُمعت قصائد فو في ديوان ضخم بعنوان «يويفو» Yuefu. وفي القرن الثالث الميلادي ظهر شكل «قصيدة الأسلوب القديم» الذي أحيا «شعر الأسلوب القديم» مع تنويعات جديدة. وقد وصلت «قصيدة الأسلوب الجديد» إلى ذروتها في (8ق.م) في أشعار لي باي Li Bai، ودوفو Du Fu، وباي جويي Bai Juyi، وهي تتصف بخضوعها لقواعد صارمة من حيث الوزن والقافية والطول. أما الشكل الشعري «سي» Ciت(8-13ق.م) الذي كان تأثيره جلياً فقد التزم بموسيقى مرافقة، ثم انفصل عنها مع بقاء الوزن مرتبطاً بهذا اللحن أو ذاك ، بغض النظر عن الموضوع. وقد انفتح شعر «سي» على اللغة الشعبية وعلى حقل واسع من الموضوعات، ولاسيما في قصائد سو دونغبو Su Dongpo وكسين قيجي Xin Qiji. وفي عصر يوانYuanت(1279- 1368م) برز شكل «سانقو» Sanqu المستمد من ألحان المسرحيات الغنائية والأغاني الشعبية، وهو تطوير نوعي لشعر «سي» من حيث تقبله غير المتحفظ للغة الشعبية. أما آخر تطورات الأشكال الشعرية الصينية في القرن العشرين فهو الشعر الحر المكتوب باللغة الشعبية.

ـ الشعر الياباني:

لايعرف الشعر الياباني القافية، ولا حتى التجانس الصوتي، ولهذا نتج وزنه الأساسي وإيقاعه من تناوب عدد مقاطع البيت في القصيدة؛ ففي القصيدة القصيرة «تنكا» Tanka الخماسية الأبيات تتوزع المقاطع بالتناوب الآتي: (5-7-5-7-7)، وهذا الشكل هو النموذج الرئيس للشعر الياباني القديم الذي حفظته «مجموعة قصائد الأجيال المتعاقبة» Manyoshuت(8ق.م)، وهي تضم (5000) قصيدة، بعضها من نوع القصيدة الطويلة «نغاوتا» Nagauta التي قد تزيد على المئة بيت. وعلى الرغم من التنويعات الكثيرة التي طرأت على شكل «تنكا» بقي مهيمناً حتى القرن العاشر الميلادي، واكتسب اسم «واكا» Waka أي القصيدة اليابانية، في مواجهة القصيدة الصينية «كانشي» Kanshi، وصار الشكل المفضل لدى أرستقراطية بلاط العاصمة كيوتو Kyoto، بحيث صار الامبراطور يأمر بجمع القصائد وإصدارها في كتب بلغ عددها واحداً وعشرين حتى عام 1438م. وفي تطور مواز ظهر منذ القرن التاسع الميلادي شكل «قصيدة الأسلوب الجديد» Imayo- uta ذات الطابع الشعبي التي قامت بدور مهم في مسرح «نو» No الغنائي. برز شكل «القصيدة المسلسلة» Renga (ق14) التي يشترك في صوغها ثلاثة شعراء معاً حول موضوع واحد، كما في بعض الزجل العربي، بحيث يحتمل أن يبلغ طول القصيدة المسلسلة 3000 بيت متناوب بين الخماسي والسباعي.

استمرت تقاليد «القصيدة المسلسلة» أو «الرِنغا» حية حتى نهاية القرن التاسع عشر الميلادي. وتفرع عنها شكل قصيدة «هايكو» Haiku بمقاطعها السبعة عشر الثابتة، التي تعتمد على درجات الاختزال في التعبير عن فكرة أو عاطفة أو انطباع، بحيث لابد للقارئ أو المستمع من المشاركة في ملء تفاصيل النص. وقد بلغ هذا الشكل الشعري ذروته في قصائد بوسون Busonت(1716-1784)، وإيسا Issaت(1763-1828) الذي أغني الشعر الياباني بموضوعات ريفية مهمة. وكان قد ظهر قبل ذلك شكلان شعريان جديدان، هما«سنريو» Senryu الذي يشبه الهايكو، و«كيوكا» Kyoka الذي يشبه التنكا، وكلاهما هجائيان ساخران لاقيا شعبية واسعة في إيدو Edo (طوكيو حالياً). وبعيد عام 1880، وتحت تأثير الآداب الأوربية المترجمة تبلور شكل «قصيدة الأسلوب الجديد» Shimtaishi، أي قصيدة الشعر الحر التي صارت الأوسع انتشاراً في القرن العشرين، ولاسيما في قصائد توسون شيمازاكي[ر] T.Shimazaki وهاغيوارا ساكوتارو H.Sakutaroت(1886-1942). وفي المرحلة نفسها قادت الشاعرة موساوكا شيكي Mosaoka Shikiت(1867-1902) حملةً لإحياء شكلي «تنكا» و«هايكو»، فاستعادا مكانتهما وفاعليتهما، واكتسبا شعبية واسعة، ولاسيما «هايكو» الذي انتشر عالمياً منذ الحرب العالمية الأولى وامتد إلى فرنسا ويوغسلافيا والمكسيك والولايات المتحدة، حيث تأسست عام 1963 أول مجلة خاصة به. ويلاحظ تأثير هذا الشكل الشعري في قصائد بول إيلوار الفرنسي وسِفريس Seferis اليوناني وباوند الأمريكي.

رضوان القضمانين، نبيل الحفار، طارق علوش


- التصنيف : الأدب - المجلد : المجلد الحادي عشر، طبعة 2005، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 704 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة