يقصد بعلم الحرب science of war منظومة العلوم والمعارف والخبرات التي تختص بدراسة  طبيعة الحروب وتاريخها وقوانينها، وإعداد الدولة والقوات المسلحة للصراع المسلح، وتحديد طبيعته ووسائله وأساليب خوضه وإدارته.

"/>
حرب (علم)
polemology - Polémologie.

الحرب

علم الحرب

يقصد بعلم الحرب science of war منظومة العلوم والمعارف والخبرات التي تختص بدراسة  طبيعة الحروب وتاريخها وقوانينها، وإعداد الدولة والقوات المسلحة للصراع المسلح، وتحديد طبيعته ووسائله وأساليب خوضه وإدارته.

الحرب ظاهرة اجتماعية وتاريخية مارسها الإنسان منذ مقتل هابيل على يد أخيه قابيل. وقد تراكمت خبرات الحروب وتطورت على مر الزمن، لتتبلور في مبادئ عامة يتناولهاعلم الحرب. وقد نشأت بدايات هذا العلم وفنونه مع ظهور الحضارات الأولى في المجتمعات القديمة في مصر وبلاد الشام والرافدين وفارس والصين ثم اليونان والرومان فالعرب المسلمون، وطرح قادة تلك الدول ومنظِّروها كثيراً من المسائل الاستراتيجية والتكتيكية والشروط الجغرافية والمناخية المناسبة لخوض الحرب وتنظيم القوات وتدريبها وتنمية الروح القتالية لديها بدءاً من استخدام الأسلحة الحجرية والقتال الجماعي (المعارك) حتى تجييش الجيوش وزيادة حركيتها وفتك أسلحتها.

ظلت القلاع والأسوار الوسيلة الأساسية للدفاع والحماية مع ما ابتكر من وسائل الحصار والنقب من أجل التغلب عليها قروناً طويلة ، وظل الحصان سيد ميادين القتال والوسيلة الحركية الأساسية في تسليح الجيوش حتى ظهور الأسلحة النارية في القرن الثالث عشر للميلاد، ولاسيما المدفعية، وقد غير ظهورها كثيراً من مفاهيم القتال وأساليبه ووسائله، إيذاناً بانتهاء العصور الوسطى.

ومنذ بداية الثورة الصناعية واختراع المحرك البخاري ثم الانفجاري، ونمو القوى المنتجة وإلى اليوم أدخلت تحسينات لا يمكن حصرها على الأسلحة والعتاد الحربي وأساليب القتال، وتعقدت مشكلات القيادة، واتسعت مسارح الأعمال الحربية في البر والبحر، وتطورت المفاهيم الاستراتيجية وتراكمت الخبرة بمرور الزمن، وأدى ذلك كله في نهاية المطاف إلى صياغة علم الحرب في منظومة متكاملة من المعارف.

ينسب الباحثون والمنظّرون العسكريون الحديثون ظهور علم الحرب عامة إلى القرن الثامن عشر أو بداية القرن التاسع عشر مع تطور أساليب الإنتاج ونمو الصناعة ورأس المال الأمر الذي أحدث تطورات عاصفة في العلوم السياسية والطبيعية والاقتصادية، وتطورت على أساسها مختلف النظريات حول الحرب والعمل العسكري. ويعد الجنرال البريطاني جورج لويد G.Lloyd من أوائل مؤسسي علم الحرب الحديث في الغرب، إذ كتب عن بعض الأسس العامة لنظرية الحرب وعن العلاقة بين الحرب والسياسة، غير أنه يرى أن هذا العلم لا يصلح إلا لإعداد القوات المسلحة فحسب وأن مجريات الحرب ونهايتها مرهونان كلياً بعبقرية القائد وتدبيره، وهو مجال لا قوانين ناظمة له. وبرز في تلك المرحلة عدد من المنظرين العسكريين والقادة الكبار وفي طليعتهم سوفوروف[ر] وأوشاكوف وكوتوزوف من روسيا وكلاوزفيتز من ألمانيا وجوميني السويدي الأصل وجنرالات الثورة الفرنسية وغيرهم، وكان لآرائهم أثر كبير في إدخال  تبدلات جذرية في جوهر الأعمال الحربية وإعداد الجيوش والتجنيد والتعبئة، تجاوزت كل القواعد القديمة، وكان لنابليون بونابرت أثر بين في تطوير نظريات الحرب وتطبيقاتها وفن الحرب وتنظيم القوات واختصار أثقالها، الأمر الذي وفر لها قدرة حركية كبيرة وإمكانية رفدها بما يلزمها في أثناء القتال.

وفي أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين طرأ تطور جديد على علم الحرب مع تطور التقانات ووسائل الاتصال وظهور أسلحة أكثر فاعلية في البر والبحر واستخدام الطائرات في القتال، والدبابات بعد ذلك في أواخر الحرب العالمية الأولى، الأمر الذي فرض تغيراً نوعياً في الاستراتيجية والتكتيك وتنظيم القوات، وزاد في تعقيد مشكلات القيادة، وتطلّب وجود هيئات أركان لها دورها الأساسي في تحديد أساليب خوض الحرب وتطبيقاتها، وتقدير الإمكانات القتالية لقواتها وقوات الدول الأخرى والإسهام في تحديد التوجّهات السياسية والعسكرية للدولة. 

مقاصد علم الحرب

يهدف علم الحرب عامة إلى وضع الأسس التي تكفل حماية مصالح الدولة عامة والدفاع المسلح عنها خاصة، ويُبنى على المذهب العسكري الذي تتبناه الدولة وعلى عقيدتها السياسية والفئات التي تحكم أمورها وتسيّر مصالحها. ويختلف مضمون علم الحرب اختلافاً جذرياً بين الدول بسبب اختلاف بنيتها الاجتماعية ونظام الحكم فيها واختلاف مصالحها القومية أو الاقتصادية أو الاستعمارية أو التوسعية. فالثورة العلمية - التقنية التي يشهدها العالم اليوم تستدعي تنوعاً وتكاملاً بين المعارف العلمية والتقنية، وتؤدي بالضرورة إلى ظهور مجالات وتفرّعات واتجاهات جديدة في أكثر العلوم. ومن الطبيعي أن يخضع علم الحرب لمثل هذا التنوع، وأن يكون تطوره مرهوناً بالنظريات التي يطرحها المنظّرون وتوجهات القيادة السياسية وتعميم الخبرة التاريخية وتحليل مختلف أوجه نشاط القوات المسلحة في زمني السلم والحرب، وكذلك توقع أساليب خوض القتال وإدارته في المستقبل، ودراسة الأعداء المحتملين من جميع الأوجه مع مراعاة ما يطرأ من تطورات على العلاقات الدولية والمواقف السياسية والعوامل الاقتصادية ومصادر التسلح.

الأسس المعتمدة في تنظيم القوات وقيادتها

يسعى القادة والمنظّرون العسكريون دائماً لمراعاة الشروط التي تؤدي إلى تحقيق النصر من دراسة  الحملات العسكرية والمعارك الحربية والموازنة بين الأوضاع والأحوال المتشابهة في الحروب وسلوك القادة والقوات والنتائج التي نجمت عنها. وعلى هذا الأساس تتكَّون لدى القيادة عفوياً أفكار محددة عن ارتباط قراراتهم وأعمال قواتهم القتالية بأوضاع الحرب الظاهرة لهم، وبضرورة التمسك بالنماذج الإيجابية من قراراتهم ومن نشاط القوات المسلحة. ومع الزمن ثبت أن الخبرة المتوارثة عبر التاريخ العسكري من أهم مصادر المعرفة، وأن معظم مظاهر العنف تنطلق من المواقف السياسية والإمكانات الاقتصادية للدولة التي يمكن أن يشملها مصطلح الاقتصاد السياسي، وهو العلم الذي يحدد الغايات التي تهدف إليها الدول المتخاصمة في أي نزاع مسلح استناداً إلى ما في حوزتها من المصادر البشرية والاقتصادية والدبلوماسية، وإلى التقسيمات السياسية الجغرافية (الجيوبوليتيك) التي تسود العالم في العصر الحديث. ولما كان جوهر الحرب هو العنف، فإن الغاية كانت دائماً إخضاع الخصم لإرادة الطرف الذي يلجأ إلى العمل العنيف الذي هو وسيلته إلى تحقيق تلك الغاية، أي نزع أسلحة العدو وحرمانه من استعمالها، وهو الهدف من أي عمل عسكري أو حربي. مع أن مبادئ الحرب ما زالت كما هي لم تتبدل. وقد كانت التبدلات التقنية التي طرأت على وسائل الحرب سريعة ومستمرة في القرن العشرين ومطلع القرن الحالي إلى درجة حولت العلماء والمخترعين إلى أداة مهمة في أي صراع مسلح كما هو شأن العسكر ورجال الدولة. وكانت الحرب العالمية الأولى (1914-1918) أول نزاع شامل استخدم فيه الطرفان المتحاربان كل مصادر الصناعة والإمكانات العلمية المتوافرة، وبعد نحو ثلاثين عاماً دمر السلاح النووي مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين (6 و8 آب 1945).

لقد أوجدت التنظيمات العسكرية في ضوء التطورات السياسية والتقنية الحديثة نماذج خاصة بها ( كالأركان العامة والقيادات العليا ومجالس الأمن القومي وغيرها) شكلت العامل الثالث في الحرب، فهي التي ترسم طرائق تجنيد الناس وتدريبهم وإعدادهم للحرب وقيادتهم وإمدادهم بما يلزم، وهي تقدم للقيادة السياسية مقترحاتها وتصوراتها، وتؤثر في قراراتها. وهي تتنافس فيما بينها حيثما كانت، ويبقى دورها وتأثيرها في موضوع الحرب والسلم موضع اعتبار وأثر.


- التصنيف : الصناعة - المجلد : المجلدالثامن، طبعة 2003، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 138 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة