التيفوس
تيفوس
Typhus - Typhus
التيفوس
التيفوس
التيفوس typhus ويسمى أيضاً التيفوس الوبائي أو الحمى النمشية، وهو مرض خمجي يحدث غالباً على شكل تفشيات أو أوبئة تترافق غالباً مع الحروب والفاقة، ويتظاهر على شكل حمى واندفاعات جلدية بقعية وصفية، ويتميز بأذية بطانة الأوعية الدموية والتهابها وإصابة الجملة العصبية المركزية وغيرها من الأعضاء.
العامل المسبب للمرض جرثوم يدعى ركتسيا بروفزكي Rickettsiea Prowazekii ينتمي إلى الجنس الجرثومي المسمى بالركتسيات Rickettsiea، وهي جراثيم صغيرة جداً يبلغ قطرها نحو 0.3 ميكرون ولا تستطيع التكاثر إلا داخل الخلايا الحية (إجبارية التطفل داخل الخلوي) لأنها غير قادرة على إنشاء طاقة كافية للتضاعف وحدها، وتتصف بأنها مقاومة للبرودة والجفاف، لكنها تتلف بالمطهرات وعند تعريضها لدرجة حرارة أعلى من 60 ْ. وتتميز الركتسيات عامة بأنها تستمر موجودة في الطبيعة داخل بعض الحشرات (مفصليات الأرجل) كالقمل والقراد والبراغيث.
الإنسان هو المستودع الرئيسي لريكتسيا بروفزكي المسببة للتيفوس. وتشاهد الركتسيات في دم الشخص المصاب في أثناء المرض، ويقوم القمل -وخاصة قمل الجسد- بدور العامل الناقل لها بين البشر، فعندما تقوم القملة بالتطفل على شخص مريض بالتيفوس وتتغذى من دمه، فإن الدم الذي تمصه يكون حاوياً على عدد كبير من الركتسيات التي تصل إلى أمعائها وتتكاثر فيها. وعندما تقوم القملة نفسها بعد ذلك بلدغ إنسان سليم فإنها تلقي بمفرغاتها على الجلد في مكان العض ويخرج مع برازها عدد كبير من الجراثيم، فإذا ما قام هذا الشخص بعد ذلك بحك مكان العضة فقد تحدث سحجات في الجلد تدخل من خلالها الركتسيات لتصل إلى الدم وتنتشر فيه، ثم تنتشر بوساطته إلى أعضاء الجسم المختلفة. ويؤدي توضعها على الجدر الداخلية للأوعية الدموية إلى التهاب بطانة هذه الأوعية وزيادة في نفوذيتها مما يسبب حدوث النزف والوذمة والطفح الجلدي، كما أن انحلال الركتسيات في الدم يؤدي إلى انطلاق مواد سمية منها تدعى الذيفان الداخلي، والتي تسبب أذيات مختلفة أهمها أذية الأوعية الدموية والجملة العصبية المركزية والقلب. ولا يوجد انتقال للركتسيات من قملة إلى أخرى، لذا فإن إصابة الإنسان مرحلة إلزامية في دورة المرض.
تمتد مدة الحضانة في التيفوس بين أسبوع وثلاثة أسابيع، ثم تبدأ الأعراض بما يشبه أعراض النزلة الوافدة (الأنفلونزا) بصداع مفاجئ وقوي يترافق بارتفاع تدريجي في درجات الحرارة لتصل في اليوم الثالث أو الرابع من بدء المرض إلى نحو 39 ْ-40 ْ، وتتناوب الحمى والقشعريرة، ويبدو وجه المريض محمراً ومحتقناً، مع وذمة خفيفة وتكون عيناه لامعتين وشفتاه محمرتين، ولا يتناسب سلوك المريض الشخصي مع شدة المرض، إذ يكون المصاب متهيجاً كثير الكلام. ويظهر الطفح الجلدي الوصفي للمرض وخاصة على جلد البطن والصدر في اليوم الخامس تقريباً، وهو اندفاعات لطخية حطاطية بعضها شاحب يزول بالضغط، وبعضها الآخر لامع لا يزول بالضغط. قد يكون الطفح خفيفاً في بعض الأحيان على نحو تصعب ملاحظته. وقد يظهر عند المريض تسرع في دقات القلب وأرق وهذيان قد يتطور إلى السبات. وغالباً ما تنخفض حرارة المريض وتتحسن حالته بعد أسبوعين من بداية المرض. وإنذار التيفوس على الأغلب سليم عند الأطفال، لكنه قد يكون خطيراً عند الكهول، إذ قد يلي المرض حدوث التهاب في السحايا أو الرئتين، وتعد ذات الرئة الجرثومية المضاعفة الأكثر شيوعاً للتيفوس. كما قد تحدث هجمة أو عدة هجمات ناكسة بعد سنوات عديدة من حدوث التيفوس أول مرة، وتدعى الهجمة الناكسة داء بريل-زينسر Brill-Zinsser disease . قد يحدث النكس بعد 40-50 سنة من الإصابة الأولى ويمكن أن يحرضه مرض آخر يترافق معه. والمرض الناكس أقل شدة وأقصر مدة من الإصابة الأولى، ولا يحدث على شكل أوبئة، كما أن ظهوره غير مرتبط بوجود القمل.
يشخص التيفوس بالأعراض والعلامات السريرية. ويتم تأكيد التشخيص السريري مخبرياً باستفراد الركتسيات من الدم أوالخزعات الجلدية وذلك بزرعها في أوساط خلوية خاصة، أو بإجراء التفاعلات المصلية النوعية -وهي الأكثر استخداماً- للكشف عن الأضداد النوعية الخاصة بالركتسيات كاختبار التألق المناعي غير المباشر أو اختبار تثبيت المتممة.
تقوم معالجة المريض المصاب بالتيفوس على تأمين الراحة والهدوء، لذا تفضل معالجته في المشفى، كما تعطى الصادات المناسبة كمركبات التتراسكلين أو الإريترومايسين أو غيرها. ولوقاية الآخرين من العدوى يجب عزل المصابين بالتيفوس وتطهير أجسادهم وثيابهم وأغطية أسرتهم من القمل (تطهير كيمياوي). كما يجب تخليص الأشخاص المحيطين بالمريض والمتماسين معه من القمل ومراقبتهم سريرياً، وفي حال حدوث ارتفاع في الحرارة عند أحد الأشخاص المحيطين به يفضل إدخاله المشفى وإجراء الفحوص المخبرية اللازمة للتأكد من العدوى.
غالباً ما كان التيفوس يحدث في الماضي على شكل وافدات أو أوبئة، وقد ارتبط ظهور هذه الأوبئة في أغلب الأحيان بالحروب والمجاعات والهجرات الكبيرة، والتي تترافق غالباً بتدن كبير في المستوى الاقتصادي والاجتماعي وسوء الظروف الصحية والسكنية والتغذوية لمجموعات كبيرة من الناس، والذي يؤدي بدوره إلى الانتشار الواسع للقمل .
إن تحسن الظروف الاقتصادية والاجتماعية والصحية عامة ومكافحة القمل على نطاق واسع أدت إلى قلة حدوث التيفوس إلا في بعض مناطق العالم ذات الظروف السيئة اجتماعياً وصحياً كبعض مناطق إفريقية وأمريكة الجنوبية. كما يصادف أحياناً في المناطق التي ظهرت فيها سابقاً أوبئة التيفوس (في أثناء الحرب العالمية الثانية مثلاً) حالات من التيفوس الناكس (داء بريل) عند أشخاص أصيبوا بالتيفوس في أثناء تلك الأوبئة.
صلاح الدين شحادة
الموضوعات ذات الصلة: |
الجراثيم ـ الجراثيم (عاثيات ـ).
مراجع للاستزادة: |
ـ عدنان تكريتي، الجراثيم الطبية ومداواة أمراضها (دار التقني المعاصر، دمشق 1994).
- BURROW’S, Text Book of Microbiology (Philadelphia 1985).
- التصنيف : طب بشري - النوع : صحة - المجلد : المجلد السابع، طبعة 2003، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 247 مشاركة :