آخر الأخبار
الجراحة (تاريخ-)
جراحه (تاريخ)
History of surgery - Histoire de la chirurgie
الجراحة (تاريخ ـ)
لم يميَّز الجراح عن الطبيب الباطني على نحو واضح إلا في القرن السادس عشر. كان الطبيب نفسه، قبل ذاك التاريخ، هو الذي يقوم بالمداخلات الجراحية البسيطة التي كانت تتطلبها حالات الإسعاف السريعة في ذاك الزمن. وعهدت هذه المهمة بعد ذلك إلى الحلاقين، وأصبحت الجراحة شعبة تتميز عن الطب الباطني، بل هي نفسها تشعبت بعد ذلك إلى اختصاصات ازدادت عدداً مع تقدم الأيام.
يبدو أن أول عمل جراحي قام به الإنسان هو نقب القحف trépanation وعدد الجماجم المتوافرة اليوم، منذ ما قبل التاريخ، التي جرى عليها النقب عديدة جداً ولا يمكن الجزم فيما إذا كانت عملية النقب تجرى لشفاء بعض الأمراض كالاختلاجات والصرع أو أنهم كانوا يقومون بها وسيلةً من وسائل تعذيب البشر، علماً أن بعض المومياءات الفرعونية تظهر أنها خضعت لعملية النقب. وتشاهد على بعض الجداريات الموجودة في الأقصر رسوم فرعونية تمثل أعضاء مبتورة وأدوات جراحية يشبه بعضها ما يستعمل اليوم، كما لوحظت بعض الرسوم التي تعود إلى 25 قرناً قبل الميلاد تظهر عملية الختان.
كانت الأعمال الجراحية عند الصينيين والسومريين والكلدانيين بسيطة تخضع لحكم الضرورات كالكسور والتقيحات والبواسير، ولم يسهم الإغريق في تقدم الجراحة إلا إسهاماً بسيطاً، حتى إن ما يتصل بالجراحة في الكتب المنسوبة إلى أبقراط[ر] قليلة جداً، ففي كتابه عن المفاصل وصف خلع الكتف، وفي كتابه عن الكسور تحدث عن الكسور المفتوحة، ووصف في كتب أخرى الجروح والبواسير والنواسير، ولكن هذه العلل كلها كانت معروفة قبله وتخضع لبعض المعالجات. ولابد من الإشارة إلى أن أبقراط وصف بعض الأجهزة لمعالجة الكسور وصفاً دقيقاً.
في كتاب الطبيب الروماني سيلس Celse المسمى «في فن الطب» De art medica الذي جمع فيه مقتطفات من طب القدماء منذ عهد أبقراط وصفٌ لبعض الطرق لإيقاف نزف الجروح. وقد عاش سيلس في القرن الأول بعد الميلاد وهو يمثل مدرسة الإسكندرية في الحقبة الرومانية.
ولابد من الإشارة إلى أنه وجدت في مدينة بومبيي pompei في إيطالية التي قضى عليها بركان فيزوف عام 79م أدوات جراحية مصنوعة من البرونز يشبه بعضها ما يستعمل اليوم، ومما يلفت الانتباه وجود منظار للمهبل ذي ثلاثة أطراف تستطيع أن تتباعد مع بقائها متوازية، وقد بقي العالم ينتظر القرن التاسع عشر حتى اكتشف روكامييه Recamier هذا المنظار.
لم تنظر الكنيسة في أوربة في القرون الوسطى بعين الرضا إلى المداخلات الجراحية، فقد أعلن المجمع المسكوني الذي عقد عام 1163م أن الكنيسة تخشى الدماء، لذا لم يتطور تعليم الطب والجراحة في أوربة في العصر الوسيط، وكان معظم الذين يقومون بالمداخلات الجراحية هم الحلاقون الذين كانوا على درجة كبيرة من الجهل.
وانتظرت أوربة القرن الثاني عشر حتى تؤسس أول مدرسة لتعليم الطب والجراحة في مدينة مونبيلييه في جنوبي فرنسة، إذ كان النشاط العلمي يلاحظ عند العرب والمسلمين في مشرق بلادهم ومغربها، وكان أساتذة هذه المدرسة الأولون من الذين تعلموا في الأندلس، ومع هذا كانت ضعيفة من الناحية الجراحية.
|
ويعود الفضل إلى العرب في حفظ العلوم حين اجتاح البربر أوربة وأتلفوا الكتب. ويمكن القول إن الأطباء العرب والمسلمين كانوا لا يجرون العمليات إلا في حالات الضرورة القصوى، ومع ذلك وصفوا عدة مداخلات جراحية من الولادة القيصرية إلى بعض الجراحات المعقدة في العيون.
وقد تقدمت صناعة الأدوات الجراحية والمشارط بأنواعها عندهم، وكان معظم هذه الأدوات يجمع بين الإتقان وجمال الصنعة، وبقي بعضها دون تغيير عصوراً، وجلّ هذه الأدوات يرجع إلى ما وصفه الجراح الأندلسي أبو القاسم الزهراوي[ر] في مؤلفه «كتاب التصريف» واشتهر هذا العالم في الغرب باسم أبولكاسيس Abulcasis. والقسم الثالث عشر من هذا الكتاب كان دليل الجراحين المعتمد، وهو يقدم وصفاً دقيقاً للجراحة، زين النصوص فيه برسوم الأدوات الجراحية التي كان يستخدمها. وقسم الجراحة في هذا الكتاب يضم ثلاثة أجزاء أولها في الكي ويقترحه لعلاج الصرع وثانيها في العمليات التي تجرى بالمشرط وعمليات العيون والفم وثالثها في أنواع العظام وخلعها وفي التوليد. وقد لاقى كتاب الزهراوي ذيوعاً واسعاً في الغرب بفضل ترجمته إلى اللاتينية من قبل جيرار الكريموني، وترك أثراً كبيراً في جراحي إيطالية وفرنسة واستمر الاهتمام به حتى العصر الحديث.
وقد ظهر في الوقت نفسه طبيب عيون بارز هو عمار الموصلي وكان ابن الهيثم[ر] قد قام بدراساته على العين.
اهتمت الجراحة في البلاد الإسلامية بالكي الذي كان يستخدم في العصور الوسطى على نطاق واسع والذي لم يقتصر استعماله للقضاء على الأخماج بل لأغراض أخرى كمعالجة البواسير، وكان له دور في بتر الأطراف والقضاء على بعض الأورام.
وفي عصر النهضة بدأت المعارف التشريحية تزداد وبفضلها تقدمت الجراحة. ولابد من الإشارة إلى البلجيكي أندريه فيزال (1514-1564)A.Vesali وهو من أكبر مشرحي عصره. ألف كتاباً في تشريح الجسم البشري وزينه بعدد كبير من الصور التوضيحية، وظهر في تلك الحقبة أمبرواز باريه (1509-1539)A.Paré ويعد من مؤسسي الجراحة الحديثة، فقد اخترع طريقة ربط الأوعية، وله مؤلفات جراحية عدة. وبقي الأمر على هذه الحال حتى القرن التاسع عشر حينما حدثت الثورة الجراحية التي استندت إلى اكتشاف التخدير والتعقيم.
يعود اكتشاف التخدير إلى طبيبي أسنان أمريكيين هما هراس ويلز (1815-1848) Hrace Wells وكان أول من استعمل بروتوكسيد الآزوت عام 1844 في بعض عملياته السنية، ووليم مورتُن (1819-1868)W.T.G.Morton الذي استعمل الأثير في تلك المداخلات.
وفي سنة 1846 أجرى الجراح الأمريكي J.Collin Warren في بوسطن أول عملية جراحية، قام مورتُن بتخدير المريض فيها، وكان هذا مصاباً بورم دموي.
|
وفي تلك الحقبة كانت الأخماج تصيب الجروح ومواضع المداخلات حتى جاء الإنكليزي جوزيف ليستر (1827-1912)J.Lister فأدخل طريقة تطهير الجروح بالماء ومن ثم في عام 1871 بحمض الفِنيك الممدد.
وفي عام 1886 أدخل لويس تيرييه (1837-1908)L.Terrier تعقيم الأدوات الجراحية والقفازات وتطهير الجلد بصبغة اليود وقام باستئصال المبيضين وجراحة الطرق الصفراوية والفتوق.
وفي القرن العشرين تقدمت الطرق الجراحية باتجاهات مختلفة منها التحسن المطرد الذي طرأ على الأدوات المستعملة والقيام بالتجارب الجراحية على الحيوانات قبل تطبيقها على البشر وفق المبادئ التي وضعها كلود برنارد [ر] (1813-1878).
كما أن المواد التي تستعمل في التخدير تقدمت بخطى واسعة فبعد أن كان الأثير والكلوروفورم لا يسمحان بنوم المريض أكثر من ساعة ونصف، أصبح متاحاً أن يستمر زمن المداخلة الجراحية مدة طويلة تبلغ بضع عشرة ساعة، وتقدمت طرق الإنعاش كثيراً مما خفف «الصدمة الجراحية» إلى أقصى حدودها. ويُلجأ في الإنعاش إلى عدد كبير من التقنيات واستعمال المواد الكيمياوية للتوصل إلى ذلك.
وهكذا يلاحظ أن الأعمال الجراحية التي كانت تعيقها بعض الأخماج تميل إلى الزوال بفضل اللقاحات واستعمال الصادات.
وقد أصبح بالإمكان اليوم السيطرة على جراحة الطعوم سواء أكانت طعوماً أم غرائس كالكليتين والقلب، وغالباً ما يعود سبب إخفاق المداخلة إلى عوامل مناعية وغير جراحية.
ويسير تقدم الجراحة اليوم في الاتجاهات التالية: الجراحة القلبية الوعائية، وجراحة الدماغ، وجراحة نقل الأعضاء وزرعها، وجراحة الوليد لتصحيح بعض الأمراض الولادية، والجراحة التجميلية، والجراحة التنظيرية، والجراحة المجهرية.
عدنان تكريتي
الموضوعات ذات الصلة: |
الإنعاش ـ التخدير ـ التشريح (تاريخ علم ـ).
مراجع للاستزادة: |
ـ سيد حسين نصر، العلوم في الإسلام، ترجمه عن الفارسية مختار الجوهري (دار الجنوب للنشر، تونس 1978).
- C.D.ALLAINES, Histoire de la Chirurgie (Presses Universitaires de France 1967).
- التصنيف : طب بشري - المجلد : المجلد السابع، طبعة 2003، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 525 مشاركة :
متنوع
البحوث الأكثر قراءة
هل تعلم؟
- - هل تعلم أن الأبلق نوع من الفنون الهندسية التي ارتبطت بالعمارة الإسلامية في بلاد الشام ومصر خاصة، حيث يحرص المعمار على بناء مداميكه وخاصة في الواجهات
- - هل تعلم أن الإبل تستطيع البقاء على قيد الحياة حتى لو فقدت 40% من ماء جسمها ويعود ذلك لقدرتها على تغيير درجة حرارة جسمها تبعاً لتغير درجة حرارة الجو،
- - هل تعلم أن أبقراط كتب في الطب أربعة مؤلفات هي: الحكم، الأدلة، تنظيم التغذية، ورسالته في جروح الرأس. ويعود له الفضل بأنه حرر الطب من الدين والفلسفة.
- - هل تعلم أن المرجان إفراز حيواني يتكون في البحر ويتركب من مادة كربونات الكلسيوم، وهو أحمر أو شديد الحمرة وهو أجود أنواعه، ويمتاز بكبر الحجم ويسمى الش
- هل تعلم أن الأبسيد كلمة فرنسية اللفظ تم اعتمادها مصطلحاً أثرياً يستخدم في العمارة عموماً وفي العمارة الدينية الخاصة بالكنائس خصوصاً، وفي الإنكليزية أب
- - هل تعلم أن أبجر Abgar اسم معروف جيداً يعود إلى عدد من الملوك الذين حكموا مدينة إديسا (الرها) من أبجر الأول وحتى التاسع، وهم ينتسبون إلى أسرة أوسروين
- - هل تعلم أن الأبجدية الكنعانية تتألف من /22/ علامة كتابية sign تكتب منفصلة غير متصلة، وتعتمد المبدأ الأكوروفوني، حيث تقتصر القيمة الصوتية للعلامة الك
- عدد الزوار حالياً 955
- الكل 80862414
- اليوم 54535
اخترنا لكم
لندغرين (إريك-)
لندِغرين (إريك ـ) (1910 ـ 1968) إريك لندِغرين Erik Lindegren شاعر وناقد ومترجم سويدي، ولد في مدينة لوليو Luleå شمالي البلاد لعائلة متواضعة، إذ عمل والده في سكة الحديد، وكان جده معلم موسيقى كنسية. اضطر ـ بسبب عمل والده ـ إلى التنقل في أرجاء السويد المترامية، فبدأ الدراسة في أقصى الجنوب، وتابعها في أقصى الشمال ثم في الوسط، وأنهاها في جامعة ستوكهولم حيث درس الفلسفة وتاريخ الأدب، مما جعل الشعور بالغربة وعدم الاستقرار يسيطران على حياته وأدبه. وقد أثرّت هذه المشاعر في أدب أغلب كتّاب الجيل الذي نشأ ونشط فيما بين وبعد الحربين العالميتين، وأطلقت عليه تسمية «جيل الأربعينيات» fyrtiotalisterna. كتب في الصحافة وترأس تحرير دوريتي «الأربعينيات» 40- tal و«بريزما» Prisma التي كانت لسان حال هذا الجيل. وكان عضواً في الأكاديمية السويدية منذ عام 1962 حتى وفاته في ستوكهولم.
السونيته
السونيته السونيته sonnet أو sonetto بالإيطالية، وتعني الأغنية القصيرة. هي أحد أهم أشكال الشعر الغنائي الذي انتشر في أوربا إبان العصر الوسيط وكتب فيها كبار الشعراء، وتتألف من أربعة عشر بيتاً بأوزان وقواف معروفة ومحددة. تعود بدايات هذا اللون الفني، على الأرجح، إلى القرن الثالث عشر، مع شعر الغزل والحب العذري الذي كان سائداً لدى شعراء ملوك صقلية وكان هؤلاء لايزالون يحتفظون بطابع الثقافة العربية، على الرغم من انتهاء الحكم العربي في الجزيرة لصالح النورمنديين.