تعرف منظمة الصحة العالمية الجوع la faim بأنه: مجموعة إحساسات تنشأ من الحرمان الغذائي، وتحض الإنسان على البحث عن الأغذية التي يؤدي تناولها إلى زوال تلك الإحساسات.

"/>
جوع (اليه)
Mechanism of hunger - Mécanisme de la faim

الجوع )آلية ـ(

الجوع (آلية ـ)

 

تعرف منظمة الصحة العالمية الجوع la faim بأنه: مجموعة إحساسات تنشأ من الحرمان الغذائي، وتحض الإنسان على البحث عن الأغذية التي يؤدي تناولها إلى زوال تلك الإحساسات. ويجب أن يوفر الغذاء المقادير اللازمة من الحريرات والعناصر المغذية التي تحقق نمو الجسم وتكاثر خلاياه وتجددها. فالحياة تساير الموت في كل كائن حي وذلك لتلف وتجدد مستمرين يجريان في جميع عناصر الجسم. فهناك أفعال فيزيولوجية تحصل في جميع خلايا الجسم باستمرار تتطلب إمدادها المتواصل بالمواد الغذائية ويؤدي انقطاعها إلى توقف الحياة.

إن الهدف الأساسي من إشباع حس الجوع هو تأمين التغذية اللازمة لتجديد مختلف أجزاء الجسم والقيام بالأعمال الفيزيولوجية الموكلة إليه.

يدفع حس الجوع الإنسان لتناول الطعام الذي يغطي حاجاته الغذائية من جهة كما يسد حاجاته النفسية من جهة أخرى، فالغذاء هو المادة الوحيدة التي تجمع دائماً بين اللذة والحاجة.

تنظيم حس الجوع

يتدخل في تنظيم حس الجوع عدد من العوامل:

1- لقد تبين أنَّ مراكز الجوع والشبع تتوضع في الدماغ البيني diencéphale من الجملة العصبية المركزية، وتخضع هذه المراكز لعدة محرضات عصبية ـ هرمونية ذات مصدر عصبي مركزي أو محيطي.

يقع مركز الجوع عند الإنسان في منطقة من الدماغ تدعى الوطاء (تحت المهاد) hypothalamus. ويتأثر تنظيم هذا المركز بصورة مباشرة بوسائط كيمياوية خاصة مثل الأندورفينات وغيرها التي تحرضه، مما يدفع لشعور شخصي بالحاجة إلى تناول الطعام.

2- وهناك أيضاً دور أساسي لطعم المواد المتناولة وتذوقها في تنظيم الإحساس بالجوع. فالمستقبلات الذوقية الموجودة على اللسان تنقل المعلومات عن طعم المواد المتناولة إلى جذع الدماغ، وهذا يتم أيضاً بفعل مواد كيمياوية معينة وإشارات عصبية خاصة.

3- والعامل الثالث في تنظيم حس الجوع والشبع وتناول الطعام يرتبط بالجهاز الهضمي. فبعد تناول الطعام يحدث تمدد في الجدار المعدي وهذا يدفع بالشخص للشعور بحس الامتلاء وبالتالي كبح حس الجوع وإيقافه. وإضافة إلى فعل التمدد الفيزيائي لجدران المعدة والأمعاء هناك مواد إفرازية خاصة تنتجها جدران الأمعاء بعد تناول الطعام مثل البومبيزين bombésine والكوليسيستوكينين cholécystokinine وغيرهما والتي تفرز للدوران لتصل إلى مركز الجوع بالدماغ فتعمل على تثبيطه وإنهاء حس الجوع لدى الإنسان.

وهناك هرمونات داخلية أخرى تحرض حس الجوع وتناول الطعام كالهرمونات المفرزة في الجهاز الأدرينالي الفعل adrénérgiques. إضافة إلى هبوط مستوى سكر الدم المحرض بالأنسولين.

وقد تبين أن التأثيرات المحيطية الناتجة من تبدل مقدار الغذاء ونوعه، وتبدلات التوازن الاستقلابي (ومنها كمية الدسم المدخرة في الأنسجة المحيطية) ترسل تنبيهات مستمرة إلى مراكز منطقة الوطاء إذ يعمل تراكم الدسم بالمدخرات على تثبيط مركز الجوع. ونتيجة لذلك يتوقف تجمع الدسم عند حد معين مما يعمل على وقف كل بدانة إضافية. وبعد تثبيت هذه الكمية المعينة من الدسم، والخاصة بكل فرد بحسب برنامجه الوراثي، فإن النسج المشتملة عليها تحول دون نقصها وذلك بتنبيه حس الجوع بتأثير هرموني يعرف باسم اللبتين leptine وغيره. تؤثر هذه العوامل على مراكز حس الجوع وتنبيهها في كل مرة تبدأ مدخرات الدسم في البدن بالنقص.

وهكذا فإن النسيج الشحمي في البدن ليس هو مركز إدخار عاطل بل هو نسيج وظيفي له قدرته الحركية الدائمة ويرتبط بجهاز دقيق من الاتصالات العصبية والغدية التي لها شأن في تنظيم حس الجوع. تحدد هذه العوامل المقدار المتناول من الغذاء وما ينجم عنه من استقلاب وادخار.

إن وجود مراكز الجوع في الدماغ المتوسط قريبة من مراكز عصبية لها دورها في صفة العدوانية agressivité عند الإنسان، مما يفسر تحريض هذه المراكز بالمجاورَة عند بعض الأشخاص في سياق حالات الجوع غير المشبع، ويجعل هؤلاء الأشخاص عدوانيين وشرسين حينما يشتد حس الجوع عندهم. فالحاجة للغذاء عند هؤلاء الأشخاص وعدم إشباع حس الجوع قد يوقد جذوة العدوانية التي توجه في معظم الحالات نحو الآخرين، ويتبدى هذا بالغضب الشديد والاعتداء الظاهر أو الحقد الخفي. وفي بعض الحالات قد تنصرف هذه العدوانية باتجاه جسم الفرد نفسه فتتولد عنها شواشات نفسية جسمية متباينة.

اضطرابات الجوع

يمكن أن تقسم هذه الاضطرابات إلى نوعين متناقضين: نقص الشهية أو القمه ووفرة الشهية أو النهم.

- نقص حس الجوع hypophagie: يُعرف نقص الشهية أو نقص حس الجوع عند الإنسان بالقمه anorexie، وهو عرض شائع المصادفة في حالات مرضية متعددة ومختلفة كفقدان الشهية مثلاً عند المرضى المصابين بالأورام المتقدمة. ولكنه قد ينجم عن اضطرابات نفسية أيضاً، وفي هذه الحالة يكون تقنين تناول الطعام وتثبيط حس الجوع عند هؤلاء الأشخاص بدافع إرضاء نظرتهم لأنفسهم وشعورهم باستقلاليتهم autonomie مما يحقق لهم شعوراً نفسياً بقدرتهم على السيطرة على أبدانهم. وفي حالات أخرى قد ينجم القمه عن نظرة شخصية خاطئة لحالة أجسامهم الفيزيائية.

- النهم boulimie (hyperphagie): وهو الإفراط في تناول الطعام ويؤدي غالباً إلى البدانة وزيادة الوزن. وقد يترافق أحياناً بوجود حالة اكتئابية أو حالة قلق خفية ومقنعة، يعاوض عنها الشخص بسلوك وظيفي شاذ وهو الإفراط في تناول الطعام، كما يمكن مشاهدة هذه الحالة في أمراض نفسية أخرى. وقد وجد أيضاً أن هناك بعض الحالات المرضية العضوية التي يمكن أن تترافق مع إفراط في تناول الطعام، وهي الحالات التي تؤدي إلى توازن سلبي للطاقة في الجسم. ويعود ذلك إما إلى فقدان زيادة الاستقلاب بالجسم كما هي الحال في فرط نشاط الغدة الدرقية، أو إلى حالات ضياع وفقدان موارد الطاقة في الجسم كما في الداء السكري مثلاً أو في حالات سوء الامتصاص المعوي، وفي هذه الحالات لا يترافق الإفراط في تناول الطعام عادة مع حدوث البدانة.

يستنتج أن الكثير من حالات الاضطرابات المرضية العضوية والنفسية والاجتماعية تقوم بدور مهم في تبديل وتغيير حساسية مراكز الجوع عند الإنسان وتنظيمها، وبالتالي إلى تبديل تصرفاته تجاه تناول المواد الغذائية.

رائد أبو حرب

 

 الموضوعات ذات الصلة:

 

الأغذية والتغذي.

 

 مراجع للاستزادة:

 

- M.APFELBAUM, Diététique et nutrition (Masson Paris 1995).


- التصنيف : طب بشري - النوع : صحة - المجلد : المجلد السابع، طبعة 2003، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 798 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة