الثنائية Dualism نظرية فلسفية تقول بازدواجية المبادئ المفسرة للكون، كثنائية الأضداد وتعاقبها. فهي تعد الجوهرين المادي والروحي مبدأين أو جوهرين متساويين، متناقضين ومستقلين، لا ينحل أحدهما في الآخر،

"/>
ثناييه
Dualism - Dualisme

الثنائية

الثنائية

 

الثنائية Dualism نظرية فلسفية تقول بازدواجية المبادئ المفسرة للكون، كثنائية الأضداد وتعاقبها. فهي تعد الجوهرين المادي والروحي مبدأين أو جوهرين متساويين، متناقضين ومستقلين، لا ينحل أحدهما في الآخر، وذلك على عكس الواحدية، ويلجأ إلى الثنائية في محاولة التوفيق بين المادية والمثالية، ويفضي الفصل الثنائي، بين الوعي والمادة، في النهاية إلى المثالية، والثنائية من الملامح البارزة لفلسفة أفلاطون وديكارت وكَنْت، وهي تشكل الأساس الفلسفي لنظرية التوازي النفسي الجسمي Psycho-Physical Parallelism الذي يمثلها فونت Wunt وريبوت Ribot وغيرهم.

وتقوم هذه الثنائية التي ترد أصل العالم إلى مبدأين متناقضين بالمطلق على انقسام الوجود ميتافيزيقياً إلى كيانين متمايزين: الوجود المادي والوجود الذهني التصوري. وحالة الانقسام هذه ليست حالة طارئة أو عارضة للوجود، بل تكمن في أساس الوجود ذاته، كحالة دائمة ملازمة له طالما الوجود وجوداً. والاستقلال التام بين عالمي الوجود، الذي يفرضه القول بالثنائية، يشير إلى أن كل كيان أو عالم يمتلك صفاته الخاصة به والمتضادة مع الكيان الآخر، ويتجلى هذا بوضوح مثلاً في التصورات الدينية للفيثاغورية المحدثة بين الإله والمادة، إذ صورت الإله مبدأً وحيداً للعالم وجوهراً روحياً مستقلاً، وعلة الأشياء وصفاتها، مقارنة بالمادة التي تمثل النقيض المباشر، وتعني «اللاوجود» المنفعل السلبي، وفي تصورات العقيدة الدينية المسيحية عن الحياة البشرية باعتبارها ائتلاف من جوهرين متناقضين روحي وجسمي.

الثنائية وفلاسفة الإسلام

دخلت الثنائية في مذاهب الفلاسفة الإسلاميين عن طريق الفلسفة المشائية، ولم يكن قول إخوان الصفا بعلة متوسطة إلى جانب العلة الأولى إلا إثباتاً لمذهب الفيض[ر]Emanation الأفلاطوني المحدث. إذ عكس الإسلام، كبقية التصورات الدينية التوحيدية، تصوراً ثنائياً أنطولوجياً يتمثل في المفارقة التي يتمتع بها الله بالنسبة إلى الإنسان، باعتبار هذا الأخير مخلوقاً لله، وبأن الله أصل العالم وخالق له، حيث يمثل القدرة المطلقة اللامحدودة في مقابل العالم المخلوق المحدود والمتناهي، أي القسمة إلى «عالم إلهي علوي» و«عالم حسي عياني». ومع أن الفلسفة الإسلامية أعلت من شأن العقل في مناقشة الذات الإلهية وصفاتها وجملة التصورات التي تتعلق بعلاقة الله ـ كخالق ـ بالعالم المخلوق، إلا أنه، وفي قلب تلك النظريات الفلسفية مازالت الثنائية الوجودية واضحة المعالم، وتنطلق من مصادرة خلق العالم من عدم محض. وقد طرح الكندي أول فلاسفة الإسلام مجموعة من المفاهيم الفلسفية حول «الهيولى» و«العالم المادي»، والعلاقة بين الإله والعالم ومفهومي «الواحد» و«الكثير» وغيرها، إذ كرَّس من خلالها ثنائية مطلقة، فاستخدم مفهوم «النهاية» و«اللانهاية» مثلاً لتأكيد التعارض بين عالم إلهي عقلي وعالم مادي حسي. وهو بينما ينزع عن الإله صفات الفساد والتبدل واللاكمال، ويؤكد على الأزلي، نجده يلحق بالعالم الحسي وعلى نحوٍ متوازٍ صفات الكثرة والتبدل والتناهي.

ولم يخرج «الفارابي» عن تلك الثنائية في حدودها العامة، وإن أخذ بمفهوم الموجود الأول الفيضي، إذ يُسمّي العقول العشرة التي تفيض عن الموجود الأول أو «واجب الوجود» بـ«الأشياء المفارقة»، ومن صفاتها أنها مجردة من المادة والصورة والعدم والفساد ولا تحوي المتناقضات، بينما الأشياء الحسية (الأرضية) والتي يسميها بـ«الأجسام الهيولانية» فهي محل التغير و«الجسمية» والفساد والكثرة، وهذا يفيد تناقضاً واضحاً بين عالمين متمايزين من الموجودات، أو بين حدَّين للوجود ينتفي بينهما أي وجود تجانسي، تناقضاً يطال جملة من التصورات (روح-جسم) (عقل-بدن) وكلها ذات طبيعة ثنائية.

الثنائية في الفلسفة والمنطق

طرحت بعض الفلسفات في تناولها لمسائل الوجود وحقيقة العالم عدداً من التصورات ذات طبيعة ثنائية، وعبَّرت «نظرية المثل» عند أفلاطون عن نموذج مثالي لهذا الفكر الثنائي، وذلك برسمها هوَّةً مطلقة بين الشيء والفكر، أو بين موضوع المثال والمثال ذاته. وأقام أفلاطون دعائم فكر إثنيني ركناه الأساسيان «الحقيقي» أي المثال و«اللاحقيقي» الموضوع الحسي الذي يمثل اللايقين، بالرغم من كونه موجوداً لأنه ظلّ ومرآة يعكس ذلك المثال، وهذا طبعاً يفصح عن تناقض لا سبيل لرده.

واحتلت الثنائية الأفلاطونية بالرغم من محاولة أرسطو تجاوزها، وجوداً معيناً في المنظومة الفلسفية الأرسطية عبر قطبي الوجود (المادة-الصورة) التي وإن كانت توجد على نحوٍ واقعي في الأشياء لكنها غير متوحدة، وذلك تماشياً مع منطق أرسطو برفض التقاء المتناقضات، فالمادة أو «الهيولى» تمثل اللامُتَعَيِّن والإمكان الوجودي، في حين تمثل الصورة المُتَعَيِّن والوجود الفعلي.

وامتدت هذه الثنائية إلى الفكر الحديث، متمثِّلاً في ديكارت الذي فصل المادة «بوصفها امتدادا» عن الفكر «بوصفه عقلاً»، وقابل بين «الجواهر المفكِّرة» و«الجواهر الممتدَّة» أو النفوس والمادة، باعتبار أنهما يمثِّلان جوهرين قادرين على الوجود مستقلين كلٌّ منهما عن الآخر.

كما ظهر عبر التاريخ نظرات إلى العالم من طبيعة ثنائية أخلاقية، كإقرار «الزرادشتية» بوجود قوَّتين متضادَّتين في العالم: الخير والشر، الحياة والموت، النور والظلمة، ومثل قوة أو إله الخير «يزدان» وإله الشر «أهرمن»، ولكلٍّ من القوتين فاعلية مستقلة عن الأخرى، فالفعل إما أن يكون خيراً أو شراً، وما حياة الإنسان إلا صراعاً محتدماً بين هاتين القوتين تنتهي بانتصار أحدهما على الآخر.

وتظهر الثنائية في المنطق في قانون التناقض، فالثلج لا يمكن أن يكون أبيض وغير أبيض معاً، وهذا ما يسمى بقانون الإثنينية. والقضية الحملية التي لا تتضمن فعل الكينونة أو الرابطة التي تجمع الموضوع والمحمول تُعرف بالقضية الثنائية «عمر، قائم»، بخلاف القضية التي يذكر فعلها أو الرابطة معها «عمر هو قائم» قضية «ثلاثية». أما القسمة الثنائية Dichotomy في المنطق فمعناها تقسيم أو فصل أية فئة إلى فئتين فرعيتين متناقضتين (أي يستبعد كل منهما الآخر)، تقسيم الكائنات مثلاً إلى: كائنات حية وكائنات غير حية.

سوسان إلياس

 

الموضوعات ذات الصلة:

 

التناقض ـ ديكارت ـ زرادشت.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ هنترميد، الفلسفة: أنواعها ومشكلاتها، ترجمة فؤاد زكريا (القاهرة).

ـ رينيه ديكارت، التأملات في الفلسفة الأولى، ترجمة عثمان أمين (القاهرة 1965).


- التصنيف : الفلسفة و علم الاجتماع و العقائد - المجلد : المجلد السابع، طبعة 2003، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 326 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة